لمحة عن تاريخ ايران القديم :
الحضارة الساسانية : إجتماعيا وإقتصاديا

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-04-11


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

لمحة عن  تاريخ ايران القديم :

الحضارة الساسانية : إجتماعيا وإقتصاديا

1-        الطبقات

لم يقدر كتاب الرومان التغيير الذي احدثه قيام الدولة الجديدة حق قدره، والنصر الذي احرزه اردشير الساساني علي اردوان ، وقد رأي الرومان ان الدولة الجديدة اكثر قوة من الدولة القديمة ، وبأنها لذلك اكثر خطرا علي شرق الامبراطورية الرومانية ،ولكن الدولة الجديدة لم تختلف عن الدولة القديمة، الا ان النظام الجديد قد نبذ بعض عناصر الحياة المدنية اليونانية وامتص البعض الاخر ،وظهر طابع الدولة في عهد ارشدير في نواحي الحياة العقلية والاجتماعية ولقيت احوال الحياة العامة والنواحي الادارية والتنظيمية للدولة الساسانية تغييرا مختلفا.

 وكان نتيجة التغيير الاجتماعي والاداري ظهور الطبقات الاربع وهم : طبقة رجال الدين طبقة رجال الحرب طبقة الكتاب طبقة الصناع والزراع ،وقد قسمت كل طبقة الي اقسام :فرجال الدين منهم  الحكام والعباد ،وطبقتهم الاقل درجة والاكثر عددا المغان ،والزهاد اوالسدنة الهربدان ثم علماء مختلفون يشغلون مناصب مختلفة خاصة ،ثم المراقبون والمعلمون .

وتنقسم طبقة الكتاب الي كتاب الرسائل وكتاب المحاسبات وكتاب الاقضية والسجلات والشروط وكتاب السير ويدخل فيهم الاطباء والشعراء والمنجمون .

واخيرا فان الشعب كان يشمل الزراع والرعاة والتجار وسائر الحرف، ولكل طبقة رئيس، فعلي رأس رجال الدين الموبدان موبد ،وعلي رأس رجال الحرب في ايران سياهيد، وعلي رأس الكتاب ايران دبيربد، وعلي رأس الطبقة الرابعة وستريوشانسالار ،ولكل رئيس عارض تحت اشرافه ،ومكلف باحصاء اهل الطبقة ،ثم مفتش عليه أن يتحقق من معرفة دخل كل فرد ،واخيرا معلم لكي يلقن كل فرد حرفة او عملا او علما منذ الطفولة .

الادارة المركزية

كان كبير الوزراء رئيسا للادارة المركزية ،وكان يلقب اولا بـ( هازار بد ) وهو اول موظفي في الدولة ،الموظف الذي يدير الملك في الدولة وقد استمر هذا اللقب من العهد القديم وانتقل الي العهد الساساني ،وكان يقوم مقام الملك حين يقوم في رحلة او في الحرب ،وكانت المفاوضات الديبلوماسية من اختصاصه ،أي انه كان المستشار الرئيسي للملك ،كان يجمع في يديه كل ادارة الدولة ،وكان يتدخل في كل شئ.

 ومنصب رئيس الوزراء علي الصورة التي عرف  بها في عهد الخلفاء هي الصورة التي احتفط بها في جميع الدول الاسلامية هو صورة صحيحة لما كان عليه ايام الدولة الساسانية ،ولم يكن في سلطة رئيس الوزراء ان يعين بنفسه خلفه او من يقوم مقامه ولا يستطيع ان يعزل او ينقل الموظفين الذين عينوا بناء علي امر ملكي من غير استئذان الملك .

رجال الدين

كان المغان في الاصل قبيلة ميدية او بالاحري كانوا طبقة خاصة بين الميديين ، وكان لهم امتياز الرياسة الروحية في الديانة الروحية غير الزردشتية .وعندما اجتاحت الزردشتية الاقاليم الغربية ،ميديا وفارس بمعناها الخاص ،اصبح المغان السادة الروحانيين للدين الجديد ،وقد سار رجال الدين في الدول الساسانية مع نبلاء الاقطاع جنبا الي جنب .

وكان للموبدان موبد السلطة العيا في المسائل الدينية ،فاليه يرجع الفضل في المسائل النظرية في الاصول والفروع ،وهو الذي يفتي في المسائل العلمية وفي السياسة الروحية .والموبدان موبد بلا شك هو الذي يعين ويعزل الموظفين الدينيين ،ومن ناحية اخري كان الملك يعينه كما تدل كل الظواهر ،وهو يشترك في تكوين هيئات محاكم التفتيش وخاصة في الاقاليم التي يشتد فيها العداء للدين .

وكان الهرابذة يديرون المراسيم الدينية في المعابد مما يتطلب معارف خاصة و تجربة عظيمة . والرئيس الاعلي للهرابذة هو الهربذان هربذ .وهو يظهر في بعض صور العهد الساساني ،علي الاقل ،بين اعظم الشخصيات تاليا للموبدان موبد .ومن بين رؤساء الهرابذة يذكر تنسر الذي عاون اردشير علي تنظيم شئون الدين الرسمي، وكان لرجال الدين ،في علاقاتهم مع الجمهور وظائف متعددة ومتفاوتة :اجراء احكام الطهارة والعفو والاعتراف والغفران ،والحكم بالغرامة بعد الاقرار بالذنب .ثم اقامة المراسيم العادية في المواليد وفي وضع الحزام المقدس والزواج والجنازات والاعياد الدينية .

كان علي الفرد ان يصلي للشمس اربع مرات اثناء النهار ،وعليه ان يصلي للقمر ولليل وللماء، وعليه ان يرتل الادعية قبيل النوم وحين يصحو ،واثناء الاستحمام والتمنطق بالحزام واثناء الاكل ،وحين يذهب للضرورة واذا عطس ،واذا حلق شعر رأسه او قلم اظافره وحين يضئ السراج ،ونار البيت لا تخبو ولا يجوز ان تقع الشمس علي النار ،ولا يجوز ان يقترب  الماء والنار.

ولم يكن تنفيذ مراسيم الحفلات الدينية كل ما علي رجال الدين من اعباء ،بل كان عليهم توجيه الشعب اخلاقيا ،وكان التعليم الابتدائي والعام في ايدي رجال الدين .

ورجال الدين الزردشتيون يكونون جماعة مرتبة غاية الترتيب ،ولها درجات منسقة ،وكان رؤساء المعابد الكبيرة يلقبون فيما يظهر بلقب مغان مغ ،والطبقة العليا من رجال الدين تشمل الموابذة .وكانت الدولة كلها مقسمة الي مراكز دينية علي رأس كل منها موبذ ،ورئيس الموابذة جميعا الذي هو عند الزردشتيين بمثابة( البابا) عند النصاري يسمي موبذان موبذ، واول ما نسمع عن هذا الرجل الديني نعلم انه قد اكتسب بفضل تبحره في علوم الدين لقبا فخريا .

المالية

يلي رئيس الزراع رئاسة الضريبة العقارية، وعلي الزراعة يقع عبء الضريبة العقارية ،وبما ان الضريبة تفرض حسب الخصوبة وجودة زراعة القري او رداءتها فيقع عليه عبء السهر علي زراعة الارض وريها وغير ذلك .ومن بين كبار موظفي المالية ينبغي الاشارة الي كبير ولاة الخراج، ومن المحتمل ان يكون من بينهم نائبا عن رئيس الوزراء ،وقد يكون من الصعب معرفة اختصاصاته بالنسبة لرئيس الزراع ،ثم هناك رئيس محاسبي البلاط او القصر الذي يقيم به الملك .

وكانت المصادر الرئيسية للدخل في الدولة تتكون من الضريبتين العقارية والشخصية . وكانت الضريبة الشخصية تحدد مرة واحدة بمبلغ  سنوي محدد ،وعلي السلطات المختصة  أن توزعه بقدر استطاعتها بين دافعي الضريبة ،وكذلك كانت الضريبة  العقارية تجبي بنفس الطريقة .

كان التقدير يتم بحسب ما تنتجه الارض من غلات ،وعلي كل قرية ان تدفع من السدس الي الثلث حسب خصوبة الارض ،وقد تزداد الضريبة اضعافا في اثناء الحرب وحاجة الدولة للمال،وكان  عبئها الفادح يقع غالبا علي الاقاليم الغربية مثل العراق .

وكثيرا ما يشار الي اعفاء الزراع من الضرائب الباقية عليهم حسب النظام القديم ،وكان ذلك للملك الجديد وسيلة تقربه من الشعب ،وقد اعفي الملك فيروز الشعب ،اثناء القحط ،اعفاء نهائيا من الخراج والجزية ،وكذلك ما كان يدفعه الناس من الاموال للمنافع العامة كما اعفاهم من السخرة وغيرها من الاعباء .

ويضاف للضرائب المنتظمة الهبات العادية .ومنها التحف التي تقدم للملك جبرا في عيدي النيروز والمهرجان ،وكذلك من اهم موارد الدخل ما تغله الاملاك الخاصة (املاك الملك ) وما كان للملك من الحقوق علي الموارد الاخري ،وكانت موارد الحرب موردا غير منتظم من موارد الدخل ،وكذلك كان دخل الجمارك موردا للدخل .

ونفقات الدولة كانت  تنصب غالبا علي الحرب ،ومصاريف البلاط ورواتب الموظفين ،وبالجملة الابواب اللازمة  لتسيير دولاب العمل العادي في الدولة،  ثم في الاشغال العامة لتيسير زراعة الارض ،وانشاء الجسور والمحافظة عليها وحفر الترع وهكذا ،ولو ان المتبع غالبا او عادة ان تفرض ضرائب إستثنائية علي اهل الجهة التي تستفيد من مشروع عام حتي يتيسر تنفيذه .وكان الملك حين يعفي رعاياه من المتأخر عليهم من الضرائب يوزع احيانا هبات مباشرة علي الفقراء ،وكذلك يتبرع للمساكين واهل البيوت وذوي الاحساب ، ومع كل هذا الانفاق فالمعروف ان ملوك ايران من عادتهم ان يجمعوا في خزائنهم اقصي ما يستطيعون من الاموال والنفائس .

وعند صعود ملك جديد للعرش ،كانوا يذيبون كل النقود المتداولة ثم يعيدون سكها باسم الملك الجديد ورسمه ،وكذلك الوثائق المحفوظة كانت تكتب من جديد باسمه .

الصناعة والتجارة والمواصلات

يلخص هيون تسيانج (السائح الصيني المشهور الذي وصف الحياة في البلاد الغربية التي زارها طوال القرن السابع الميلادي ) في كلمات قليلة منتجات الصناعة في ايران فيقول : تنتج البلاد الذهب والنحاس والفضة والبللور الصخري ،والجواهر النادرة والمواد الثمينة المختلفة .وصناع ايران يجيدون نسيج السندس الحريري والاقمشة  الصوفية والسجاد ،وقد اعتاد الايرانيون علي انشاء مستعمرات من اسري الحرب من البلاد المحتلة لأدخال فروع جديدة من الصناعة وكذلك  لزراعة الاراضي البور .وكانت التجارة البرية تتبع طرق القوافل القديمة فمن المدائن العاصمة علي شاطئ دجلة ،كان الطريق يؤدي الي همدان وكنجاور وقد تفرعت منه طرق عديدة .

واما عن المواصلات مع الامبراطورية الرومانية فقد كانت مدينة نصيبين مركزا هاما لها وكانت التجارة البحرية مهمة وحينما اصبح اردشير الاول ملكا علي ميسين وخرسين وسع المرافئ البحرية القديمة وانشأ مرافئ جديدة .

وكانت منتجات الهند وجزيرة سيلان تنقل حين ذلك الي  الرومان علي سفن حبشية . وكان الحرير اهم اصناف التجارة الترنزيت عند الفرس .ولكن كان يحجز بفارس مقدار كبير من الحرير الخام المستورد من الصين ،لينسج بها ،وكان الفرس يستطيعون بيع منتجاتهم الحريرية لبلادهم الغربية بالاسعار التي يحددونها بأنفسهم ،ولكن منذ القرن السادس نجح البيزنطيون في غرس اشجار التوت في بلادهم فأصبحوا الي حد ما في غني عن استخدام الحرير .

وكان الصينيون يشترون ضمن البضائع الفارسية الكحل الايراني المشهور ،وكانوا يدفعون فيه ثمنا باهظا . ثم كان الفرس يصدرون للصين الاحجار الثمينة السورية ،طبيعية وصناعية ، والمرجان والؤلؤ من البحر الاحمر ،والاقمشة المنسوجة في الشام ومصر والمواد المخدرة من اسيا الوسطي .

واما نظام البريد فقد استعار الخلفاء المسلمون النظام الايراني ،بصورة لا تختلف كثيرا عما كان عليه ايام الدولة الاكسينية، وهذا النظام نفسه كان موجودا ايام الساسانيين ،وكان البريد مسخرا لمصالح الدولة لا لمصلحة العامة ،فكان غرضه  ضمان المواصلات السريعة والمريحة بين الحكومة المركزية وادارات الاقاليم .فكانت الرسائل تسير في طرق معبدة، وكانت المحطات مزودة حسب اهميتها بالموظفين والخيل .وكان هناك سعاة للبريد يركبون الخيل واخرون من العدائين ،وهؤلاء كانوا يستخدمون بنوع خاص في الاقاليم الايراينية الخالصة .

اجمالي القراءات 7955

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more