لمحة عن تاريخ ايران القديم :
1- نظرة عامة في حضارة الفرس الاخمينيين

د. محمد علاء الدين منصور Ýí 2015-04-09


نشر تراث المفكر الراحل د محمد علاء الدين منصور

استاذ والرئيس السابق لقسم اللغات الشرقية بجامعة القاهرة

 

لمحة عن تاريخ ايران القديم

1-                نظرة عامة في حضارة الفرس الاخمينيين

دام حكم اسرة  قورش مايقرب من قرنين من الزمان من عام 550 حتي 331 ق . م. وكان عدد ملوكها احد عشر ملكا كان من بينهم من امتاز بالحكمة السياسية وحسن التنظيم واتقان ادارة البلاد وعلي رأسهم قورش ودارا الاول .ولا شك ان الامبرواطورية الفارسية في عهد الاخمينين كانت لها اعظم امبراطوريات العالم القديم،وقد شملت الكثير من االشعوب التي كانت لها ثقافات اعلي  واقدم من ثقافة الفرس انفسهم مثل مصر وبلاد الرافدين واسيا الصغري وسوريا وبعض المدن الاغريقية ،فعرفوا كيف يستفيدون من  تلك الحضارات في بناء امبراطوريتهم ووضع اسس ثقافتهم .

تنظيم الامبراطورية

نطم الاخمينيون امبراطوريتهم تنظيما اداريا حسنا جعلها تظل متماسكة زهاء قرنين من الزمان ،وقسموها الي ولايات منها :مصر فلسطين سوريا فينيقيا ليديا-ايونيا (وهي المدن اليونانية علي السواحل الغربية للاناضول )-كيدوكيا كليكيا ارمينيا ابور واشور ميديا فارس القوقاز افغانستان وبلوخستان الهند بلاد الصفد بلاد البخت ساجيتا ولاية تضم قبائل التركمان في اواسط اسيا .

وكان لكل ولاية حاكم ، وكان لمعظم تلك الولايات كيان سياسي مستقل ،وبعبارة اخري كان هذا الملك ذا نفوذ كبير ولذلك كان الملك الفارسي يلقب بملك الملوك .

ولم يغب عن مؤسسي الامبراطورية ان يكون مثل هذا الوالي مصدر خطر عليهم اذا حاول الاستقلال بولايته، او اذا اصبحت وظيفته وراثية ،ولهذا وضع قورش نظاما سار علي نهجه ( دارا ) وحسنه، ويقضي هذا النظام بأن يعين قائد لجيش الولاية يكون تابعا للملك مباشرة  ومستقلا عن حاكمها ، وكان كاتب الولاية والموظف المشرف علي المالية مرتبطين بالملك رأسا، وكان الملك يرسل عيونه للاطمئنان علي كل  ما يحدث في المملكة من امور باطنية .

وقام دارا الاول بانشاء الطرق التي تربط اطراف البلاد حتي يساعده علي بسط نفوذه علي جميع الولايات.  وكان من اهم الواجبات الملقاة علي عاتق الوالي في ولايته الادارة وحفظ الامن فيها وجمع الضرائب التي فرضت اجباريا علي جميع الولايات ما عدا ولاية فارس لأنها مهد البيت المالك .وكانت الجزية المقررة علي كل ولاية مقدارا معينا من الفضة او النقد ثم ضريبة اخري من محصول تشتهر به الولاية .

وكان الملوك ايضا يحصلون علي ثروات هائلة وذلك من مورد سك النقود .ومما ساعد علي تماسك الامبراطورية اتخاذ النقود المسكوكة في عهد دارا الاول ونظام الطرق الملكية والبريد مما ساعد علي تسهيل التجارة بين الولايات وربط  اقتصاد الامبراطورية .وساعد وجود جيش الولاية علي استتباب الامن فيها .

وكانت اللغة الارامية هي لغة التعامل التجاري ،وكان الخط الارامي مستخدما الي جانب الخط المسماري الفارسي والذي انتشر في ارجاء الامبراطورية .

اما عن عاصمة الاخمينيين ،فقد تغيرت اكثر من مرة ،وكان يوجد احيانا اكثر من عاصمة في وقت واحد .وتذكر الروايات القديمة ان قورش اختار عاصمته في مكان الموقعة  الحاسمة التي انتصر فيها علي استياجز اخر ملوك الميديين .وكان دارا لم يقنع بدوره بهذه العواصم القديمة واستقر رأيه علي انشاء عاصمة جديدة في موطن قومه أي في فارس، ولكن العاصمة التي بدأ بناءها لم تتم الا في عهد اردشير الاول ،وقد عثر في خرابها علي اثار هامة . ومازالت تقوم فيها بالرغم من تعرضها للحروب وغير الايام ،بقايا القصور والدور الحكومية والمعابد مما يشهد بفخامتها وعظمتها .

ولكن مما يسجل بالعار علي الاسكندر الاكبر انه اقام فيها وليمة كبيرة افرط الجميع فيها في الشراب ثم قام بحرقها ارضاء لاحدي محظياته التي كانت تكره الفرس .

الديانة

1ـ كانت ديانة الفرس القدماء في العصور السابقة لظهور الاخمينيين واحدة من ديانات كثيرة، والتي كان يعبد اصحابها قوي الطبيعة المختلفة مثل الشمس والقمر والارض والنار والماء والريح ،واعتبروا كل منها الاها، وكانوا يقدمون لها القرابين والاضاحي ،ويقوم بذلك طبقة من الكهنة، وهؤلاء هم المجوس الذين كانوا يحتلون مكانة كبيرة في المجتمع ، وكانوا يقومون بتفسير الاحلام للناس ويؤمن بهم العامة وبقوتهم الخارقة في عمل السحر واخراج الشياطين .

2 ــ ثم ظهر زردشت التي نسبت اليه الديانة الزردشتية .

ولا يعلم بدقة تاريخ مولده او في أي قرن ظهر ، فقيل ان ظهوره في بداية القرن الاول قبل الميلاد ،وقيل في القرن السادس قبل الميلاد ،وكان يدعو الي عبادة (اهور مزاد ) ومعناها (الله العالم )  وينادي بنبذ الخرافات واعمال الشعوذة وتحكم الكهان في الناس بسببها .  ولكن دعوته لم تنجح في بلده، فهاجر منها بحثا عن امير او حاكم يؤمن بدعوته، ووجد ما اراده في جهات ايران الشرقية ، كما يرجح ايضا ان ابا الملك دارا الاول كان هو الامير الذي امن بزردشت وديانته واصبح متحمسا لها ،وذلك عندما كان واليا علي بلاد الفرس .

وديانة زردشت ثنوية أي تؤمن بوجود الهين معا هما النور والظلام او الخير والشر، فإله الخير او النور هو اهور مزد وصفاته الروح الطاهرة والعدل والنية الطيبة والعمل الطيب والصدق والتقوي والخلود .اما اله الظلام او الشر فهو  الذي كان ينازع اهور مزد منذ البداية وفي نزاع دائم معه الي يوم القيامة هو (اهريمن بمعني الضمير الاسود ) . وعلي الانسان ان يختار ما بينهما ، ولكن هناك يوم الدينونة  والحساب وستعيش ارواح الدينونة الاطهار الاخيار في عالم سعيد خال من الشرور اما ارواح الاشرار فلها الويل والهلاك .

3 ــ كانت هذه الديانة هي الديانة الرسمية للاخمينيين منذ عهد دارا الاول فيما يبدو ،ولكن اثر الديانة القديمة ظل سائدا بين الشعب ،ولهذا لم يمض وقت طويل حتي اخذت بعض العناصر الوثنية القديمة تظهر في الديانة الجديدة بشكل او بآخر . فنجد مثلا منذ عهد اردشير الثاني ظهور اله الشمس (مترا ) وهو من الآلهه الايرانية القديمة يظهر الي جانب اهور مزد كاله للعدل والاخلاص ،كما انتشرت ايضا الي جانب عبادة الهة اخري في عبادتها عناصر غير ايرانية وهي الهة الماء والخصب والنماء وتشبه في صفاتها الالهة (عشتر ) البابلية .

وقد انتشرت عبادة هذه الالهة فيما بعد بعد انتشارا كبير ا في العالم اجمع وظلا قرونا طويلة بعد ذهاب الاخمينيين والساسانيين في  صفحات  التاريخ ، 4 ــ والديانة الزردشتية تحرم الذبائح والقرابين كما حرمت شراب (الهوما ) المسكر الذي كان المجوس يستخدمونه في طقوسهم الدينية ويعتبرونه دم الالهة ،كما كانوا يقدسون عناصر التراب والماء والنار والهواء ،ولذلك حرموا دفن الموتي او  غسلهم او حرقهم مخافة تدنيس هذه العناصر ،وكانوا يضعون الموتي في اماكن مرتفعة فوق قمم الجبال او فوق ابراج مرتفعة بنيت خصيصا لهذا الغرض ،ويضعون فوقها جسم الميت لتنهش لحمه الطيور والجوارح ثم يجمعون العظام ويضعونها في صندوق وتدفن في قبر خاص .

5 ــ ومازالت الزردشتية حية الي يومنا هذا . ولكن اتباعها في العالم كله ــ ويسمون (يارسي ) ــ لا يزيدون علي مائة الف ، يعيش اكثرهم في مدينة بومباي في الهند ،وجاليات قليلة في ايران وفي عدن وبعض الموانئ .واتباعها معروفون ــ  اينما حلوا  ــ بالنظافة والصدق والامانة .

5 ــ ويذكر المؤر خ الروماني هيروديت انه لم يكن للفرس معابد او هياكل او تماثيل للالهة ،وربما كان هذا صحيحا اذا قارناه باليونانيين القدماء، اذ لم يكن للفرس معابد يذهبون اليها للصلاة والعبادة وتقام فيها الطقوس والمراسم كل يوم ، ولكن كان لهم معابد لم يزد احدهم علي كونه برجا مربعا في غرفة واحدة يرقي اليها الكهنة المجوس فوق سلم ليتولوا شأن النار المقدسة . وعلي مسافة غير قليلة من المعبد كانت تقام مذابح في العراء وذلك لاجل الاحتفالات الدينية .

ولقد تركت الزردشتية اثارا في اكثر بلاد الشرق القديم لمدة لا تقل عن الف سنة  ولو تجاهلنا  اثر الزردشتية علي اليونان والرومان وبعض بلاد اسيا الغربية فانه لا يمكن تجاهل اثرها علي المسيحية وفكر المسلمين الشيعة والصوفية .

القانون

1 ــ عندما اعاد (دارا الاول ) تنظيم امبراطوريته وجد الحاجة ماسة الي وضع قوانين يسير عليها الناس، ومن ضمن هذه القوانين قوانين حمورابي ببابل القديمة .

2 ـ وكان تطبيق العدل هو الهدف الاكبر لدارا، ولهذا حرص كل الحرص علي تطبيق القانون واحترام القضاة طالما لا  يثبت علي احد منهم الانحراف .

كان الملك نفسه هو مصدر القوانين وكانت احكامه التي يصدرها يعتبرها الناس وحيا الهيا من الاله اهور مزد نفسه.

3 ــ وكان الملك هو اعلي انواع المحاكم التي يستأنف اليها الناس ما تصدره المحاكم الاخري .وكانت تليه محكمة عليا اخري مكونة من سبعة حكام ثم يلي المحاكم العليا المحاكم الاخري التي كانت منتشرة في ارجاء المملكة .

4 ــ وكانت هناك درجات للجرائم ولكل منها عقاب محدد، الا انه في بعض الاحيان كانت توقع عقوبة خاصة .فمثلا اذا قبل احد الحكام رشوة فان ذلك كان يعد جريمة كبري جزاؤها القتل في بعض الاحيان .ويروي ان واحدًا من القضاة في ايام قمبيز لم يلتزم العدل، فأمر قمبيز بسلخه حيا وقام باستخدام جلده كجلد للمقعد الذي يجلس عليه القاضي ،وفي الوقت نفسه لم يجد ما يحول دون تعيين ابن ذلك القاضي في منصب ابيه .

5 ــ ولم يكن الفرس الاخمينيون يقلون في قسوتهم عن الاشوريين في معاملة من يغضبون عليه من الناس، اذ كانو يتفننون في تعذيبهم .

الفن

1 ــ ازدهر الفن في عهد الاسرة الاخمينية ازدهارا كبيرا، ولكن هذا الازدهار لم يكن نتيجة تطور فني محلي استغرق بعض الوقت حتي يصل الي ما وصل اليه، ولكنه إزدهر سريعا كتكوين الامبراطورية نفسها .

2 ــ وبالرغم من ان الفرس القدماء كانت لديهم بعض الفنون وخاصة في صناعة المعادن وعلي الاخص البرونز، وانه عثر علي الكثير من الادوات والالات والحلي في لورستان، الا ان اثر ذلك علي الفنون بوجه عام لم يكن له الا اثرا ضئيلا،  لان الاتجاه الجديد منذ انشاء الاسرة هو الاقتباس من الحضارات التي ضموها الي امبراطوريتهم . كما اقتبسوا ايضا مؤثرات من فن الاغريق . فهم مثلا في ناحية العمارة يشيدون القصور ويتبعون في اعمارها اساليب لم تكن معروفة تماما في بابل او اشور او في مصر ،وهم مع ذلك لم يقتبسوا من اساليب تلك الحضارات شيئا كثيرا ،وتجد في زخارفها المعمارية وفي تماثيلها ما يدل علي الاصل الذي تأثروا به .

3 ــ ومما عني به المعماريون الاخمينيون موضوع الاعمدة التي كانت كلها من الحجر ، وكانت لها تيجان تحمل الكتل الضخمة من الاخشاب التي كانت تحمل السقف ،وكانت جدران تلك القصور مزخرفة بالنقوش التي تختلف موضوعاتها من قصر الي اخر ، والتي كانت تحكي احداث الامبراطوريات التي مرت بها . وقد اقتبست الزخارف التي زينت بها القصور وتأثيراتها الفنية من بلاد المشرق والمغرب والتي ضمت الامبراطورية.

4 ــ لم تعمر دولة الاخمينيين اكثر من قرنين، وبالرغم من ان القضاء عليها جاء بيد الاسكندر فان انتصاره لم يؤد الي زوال تلك المدنية، بل احتفظت باثارها وسماتها الخاصة ، كما يري ذلك في ايام دولة الساسانيين .

5 ــ ولا يمكن تجاهل اثر ديانة الفرس الزردشتية والمانوية والمزدوكية علي الرومان والرومان ثم علي المسيحية وتراث المسلمين، كما لا يمكن التقليل من شأن اثر حضارة الفرس علي حضارة العرب المسلمين في شتي النواحي عندما قضي المسلمون علي عرش كسري الساساني واصبحت فارس بلدا اسلاميا .

اجمالي القراءات 16180

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2015-03-29
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 8
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt

احدث مقالات د. محمد علاء الدين منصور
more