ج1 ب2 ف 3 : الصوفية يفضلون الولي الصوفي على الله تعالى

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-01-27


       كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

الصوفية يفضلون الولي الصوفي على الله تعالى

 هو موضوع خطير بلا شك، بيد أن خطورته لا ينبغي أن تكون عائقاً عن البحث فيه، بل على العكس، فحق الله تعالى على الباحث المسلم يفرض عليه – إذا استطاع – أن يفضح العقائد المخالفة بالغاً ما بلغت، سيما إذا انتسبت للإسلام زوراً وبهتاناً فإحقاق الحق واجب، وخاصة إذا تعلق هذا الحق بالله تعالى وبدينه، وعلى أمل أن تتضح الحقائق أمام مسلمي اليوم ليتعظوا.

التفضيل الضمنى

  1- ومظاهر تفضيل الصوفية للولي الصوفي على الله تعالى كثيرة متعددة، بعضها مظاهر خفية غير مباشرة تكمن في هامش الشعور الصوفي وتتجلى في مواقف شتى.. منها ما يتصل بإحقاق الحق الخاص بالله تعالى والذي أشرنا إليه والذي اعتدى عليه الصوفية بافتراءاتهم .ونقصد بذلك قضية التأويل للشطحات الصوفية .وقد عرضنا للشطح الصوفي، وأقل ما يقال فيه أنه اعتداء أثيم على الله تعالى بالقول المفزع. فهنا قضية فيها(ظالم) وهو الصوفي صاحب الشطحات و(مظلوم) وهو الله تعالى الذي أُهين بأقوال الصوفية وشطحاتهم .. وهو ظلم عظيم ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{13} لقمان) ،وعلى ذلك فقيام الصوفية بتأويل الشطحات وتبريرها تعني نصرة الظالم على المظلوم أو نصرة أوليائهم على الله تعالى . وإلى جانب ذلك تعبر عن إحساس خفي في شعورهم هو تفضيلهم لذلك الولي الصوفي على الله تعالى، ورعاية أكثر لحقه عليهم جعلتهم يفضلون هذا الحق المزعوم على حق الله تعالى وهو – جل وعلا- الذي وقع عليه الاعتداء القولي .

 وقد يحس القارئ العادي الذي يحسن الظن بالصوفية ببعض التحرج من الكشف عن حقيقة الصوفية وكلامهم ، ويتهيب عن الخوض فيها مراعاة لما درج عليه الناس من تقديس للتصوف ورجاله .وهذا الموقف العام يعتبر امتداداً لذلك الشعور الخفي الذي يجعل الشعراني وغيره يؤولون كلام الصوفية ويدافعون عنهم إنحيازاً إليهم على حساب الله تعالى وتفضيلاً لهم على الله تعالى. أما المؤمن الحق فلا يعنيه إلا حق الله تعالى ينصره ويدافع عنه، وهو بهذا يوالي الله تعالى وينصره ويحظى في المقابل بتأييد الله تعالى ونصرته طالما كان تقياً. وهذا هو الفارق الأساسي بين ولاية الله تعالى وولاية الشيطان..

2- ومن المظاهر الخفية لتفضيل الولي الصوفي على الله تعالى – ما ينم عليه معنى اختيارهم أنفسهم كأولياء لله تعالى من دون الله ومن دون الناس. وقد سبق أن عالجنا هذه النقطة وقلنا كأنهم بذلك وصفوا الله تعالى بالعجز عن الاختيار فقاموا هم بمهمة الاختيار، ووصفوه تعالى بالجهل بأصلح عباده للقيام بمهمة الولي  فقاموا باختيار الأصلح من بين البشر كأنهم أعرف من الله تعالى بخلقه. ويعني ذلك أنهم وصفوا أنفسهم بنقيض ما أسندوا لله تعالى – بطريق غير مباشر – من صفات الجهل والعجز. أي أنهم فضلوا أنفسهم على الله بحيث قاموا هم بالاختيار وفرضوا ذلك الاختيار على الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً . وهو ظلم عظيم آخر وقع على الله تعالى ، وخطورة التفضيل هنا تكمن في أن أحداً من الصوفية – بل ومن البشر – لا يرضى لنفسه بذلك الموقف الذي جعلوا الله تعالى فيه حين فرضوا عليه أنفسهم أولياء . ولنضرب لذلك مثلاً :  ( زيد ) – مثلاً – قام بشراء طفل رباه وأعاله وكفله. وبعد أن استوى الطفل رجلاً فتياً ادعى أن صاحب الفضل عليه هو(عمرو) وجعل من (عمرو) متحدثاً باسم (زيد) ممثلاً له . مشاركاً له في استحقاق التعظيم، وادعى افتراء أن تلك هي رغبة (زيد) وأن في ذلك رضاءه . فهل يرضى أحدنا أن يسلب منه الفضل وحق الاختيار فيختار له الآخرون الأصدقاء والأصفياء ويقصدونهم بحق يجب أن يكون له من دون أولئك الأصدقاء المزعومين الذين لا يد له في اختيارهم؟  وتزيد المأساة إذا كان ذلك المظلوم هو العلي الجبار الذي خلق فسوى ورزق وهدى.! وتكتمل المأساة حين يرسل الرسل تنهى عن اتخاذ البشر للوسائط والأولياء من دون اختيار الله تعالى ثم يسجل ذلك في خاتم الرسالات بقرآن مبين مؤيد بحفظ إلهي حتى قيام الساعة .ولعل الله تعالى كان يشير في كتابه العزيز إلى ذلك حين قال( ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{28} بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ؟..{29} (الروم) ..

 3- وقد عرضنا لأقاويل الصوفية في علاقة المريد بشيخه وفيها ما يفضح تفضيلهم للشيخ على الله تعالى ومنها أن المريد لو غاب عنه الطعام والشراب أياماً لاستغنى عنهما بالنظر إلى شيخه لتخيله لذلك الشيخ في باله وأن المريد يتلذذ بكلام شيخه كما يتلذذ بالجماع، وأن بعض المريدين اعتبر أكله في زاوية الشيخ شركاً بالشيخ فرفض الأكل والشرب في الزاوية اكتفاء بتقديس شيخه. وذلك الحب المأمور به المريد فوق الحب الذي يطالب الله تعالى به عبيده، وأعظم المحبين لله تعالى هم رسله الكرام وما سمعنا عنهم أمثال هذا التطرف في المحبة .. وغاية ما هنالك أن المسلم المحب لله تعالى يعبر عن حبه لخالقه الرازق بالشكر حين يأكل الطيبات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{172} البقرة). فهنا أكل للطيبات وشكر لله تعالى صاحب النعمة. لا أن يعرض عن الطعام استغناء بحبه لله تعالى. وإذا كان المريد الصوفي مأمورا بالتلذذ بكلام شيخه كأنه في حالة جماع فإن المؤمن لا يؤمر بأكثر من الإنصات والاستماع الحسن لكلام الله العزيز( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{204} الأعراف)..

4- وبالغ الأشياخ الصوفية في طلب الطاعة من المريد إلى أن نزعوا عنه الاختيار والإرادة، حتى لا يتكلم ولا يتحرك إلا بإذنهم ، ورأينا كيف أن الشعراني لا يحرك قدمه إلا بعد استئذان الأولياء .وهذا الشطط في طلب الطاعة والشطط في امتثال المريد للشيخ يعنى تفضيلاً للشيخ على الله تعالى فالمريد يقدم طاعته للشيخ على طاعته لله تعالى – على فرض أن الإسلام يجيز طاعة الشيخ الصوفي أو أن ذلك الولي يمتثل لأحكام الله – ثم إن هذا الشطط في التكليف لا يوجد بتاتاً في شرع الله ، فالله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وفي حدود إمكاناتها ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ){7} الطلاق) . ومع أن الله تعالى قائم على كل نفس بما كسبت فقد ترك مجالاً للاختيار البشري به يحاسب المرء وعلى ذلك فشخصية الإنسان مرعية الجانب في التكليف الإسلامي فيقول سبحانه وتعالى للمشركين: (.. اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{40} فصلت40)..

  5- ومن ألوان التفضيل للولي أنه بعد مبالغته في طلب حب المريد وطاعته فليس للمريد من حقوق لديه، والمريد مع ذلك متدله في حب الشيخ مستميت في طاعته بلا مقابل – أما الله تعالى فقد سنّ الجزاء على العمل في الدنيا والآخرة. ومع ذلك فحظه من المريد الصوفي الإعراض والإهمال والدرجة الدنيا، والطريف أن الدافع للمريد في هذا الحب وتلك الطاعة للشيخ هو ما للشيخ عند الله من مكانة يتمكن بها من رفع شأن المريد في الدنيا والآخرة في زعمهم، أي أن الله  في الاعتقاد الصوفي ما عليه إلا أن يعطي للأشياخ الصوفية ما يريدون لمريديهم كي يفرضوا على المريدين ما يشاءون من أوامر ونواهي لا شأن لله بها ، ويمتثل المريدون للأشياخ ، ويظل الشيخ في بؤرة الشعور لدى المريد ، وليس لله  من مجال عند الاثنين .. أبعد ذلك افتراء وتضليل وتفضيل؟؟..

   وقد تنبه بعض الباحثين لحقيقة التفضيل في الفكر الصوفي فيما يخص علاقة المريد بشيخه فقال(أضحى الولي في عرفهم أعظم من الله تعالى، وقد حملهم ذلك على أن يكفلوا للولي من الحقوق على أتباعه ما لله على عباده ، فطالبوا المريد والتابع بالامتثال دون اعتراض أو إنكار مهما بلغ شطط أوامر الشيخ)[1].

التفضيل الصريح المباشر

1 – وقبل الاستشهاد بعبارات صوفية صريحة في تفضيل الولي الصوفي على الله تعالى نؤكد أن هذا الاتجاه ليس وليد العصر المملوكي – عصر الازدهار الصوفي – وإنما تمتد جذوره إلى بداية التصوف في القرن الثالث الهجري .البسطامي كان رائداً في هذا المجال، ومقالته الشطحية مشهورة وهى قوله لله تعالى ( بطشي أشد من بطشك ، طاعتك لي أعظم من طاعتي لك ..إلخ) .وقد أغرم القاشاني شارح الفصوص بإحدى عبارات البسطامي فشرحها يقول في مقالته( ملكي أعظم من ملكك أي لكونك لي وأنا لك فأنا ملكك وأنت ملكي وأنت العظيم الأعظم وملكي أنت فأنت أعظم من ملكك)[2].

وروى الشعراني حكاية مشهورة عن البسطامي وهى أن النخشبي وشقيقه البلخي زاراه ، فلما قدم الخادم الطعام قالا له : كل معنا يا فتى فقال: لا، إني صائم ، فقال له أبو تراب النخشبي : كل ولك أجر صوم شهر فقال لا، فقال له شقيق البلخي كل ولك أجر صوم سنة فقال لا، فقال أبو يزيد دعوا من سقط من عين رعاية الله عز وجل، فسرق ذلك الشاب بعد سنه فقطعت يده عقوبة له على سوء أدبه مع الأشياخ[3]..أي أن طاعة أولئك الأشياخ مقدمة على طاعة الله تعالى ، ومن يعصهم فمصيره قطع يده . وليس مهماً أن أولئك الأشياخ يدعون لأنفسهم حق تقدير الثواب للصائم بأجر شهر أو أجر سنة في نظير إطاعته لأوامرهم بقطع الصوم لله ..

  ومن ذلك ما رواه الغزالي عن أبي تراب النخشبي سالف الذكر من أنه كان معجباً ببعض المريدين فكان دائماً يقول له( لو رأيت أبا يزيد) فقال له المريد لما أكثر عليه (ويحك ما أصنع بأبي يزيد .. قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد (قال أبو تراب فهاج طبعي ولم أملك نفسي فقلت : ويلك تغتر بالله عز وجل، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة)[4]. فصاحبنا حين هاج طبعه ولم يملك نفسه، صرح بمكنون عقيدته وهو أن رؤية أبي يزيد البسطامي أنفع من رؤية الله سبعين مرة، لأن البسطامي ملكه أعظم من ملك الله وبطشه أشد من بطش الله وطاعة الله له أكبر من طاعته لله في اعتقادهم . 

  2- ومن مظاهر تفضيل الصوفية أنفسهم على الله تعالى أن جعلوا أولياءهم المتصرفين ليس في الكون فقط بل وفي الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً . كما يقول اليافعي عن بعضهم أنه سأل أصحابه ( هل منكم من إذا أراد الحق سبحانه وتعالى أن يحدث في المملكة حدث أعلمه قبل أن يبديه ؟ فقال أصحابه: لا قال: ابكوا على قلوب لا تجد شيئاً من الله تعالى )[5]. أي أن الولي إذا تمكن وصل بتصريفه إلي السيطرة على الله تعالى فلا يبرم الله في العالم أمراً إلا بعد إعلام ذلك الولي به..

    ونحو ذلك ما قاله الشطنوفي في مناقب الجيلاني(كان الشيخ حياة بن قيس يقول إن الله يدر الضرع في وقتنا هذا وينزل الغيث ويدفع البلاء ببركة الشيخ عبد القادر)[6]. ومعنى ذلك أنه لولا بركة عبد القادر الجيلاني ما استطاع الله أن يدر ضرعاً أو ينزل غيثاً أو يدفع بلاءاً ..تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ..

   والشعراني أشار إلى تفضيل أعيان المملكة الصوفية من القطب والأبدال على الله تعالى حين قال( إن الله تعالى إذا أراد إنزال بلاء شديد مثلاً فأول من يتلقى ذلك القطب، فيتلقاه بالقبول والخوف، ثم ينتظر ما يظهره الله تعالى في لوح المحو والإثبات والخصيصين بالإطلاق والسراح، فإن ظهر له المحو والتبديل نفذه وأمضاه في العالم بواسطة أهل التسليك الذين هم سدنة ذلك ، فينفذون ذلك وهم لا يعلمون أن الأمر مفاض عليهم، وإن ظهر له الثبوت دفعه إلى أقرب عدد ونسبة منه ، وهما الإمامان فيتحملان به، ثم يدفعانه إن لم يرتفع إلى أقرب نسبة منه كذلك، حتى يتنازل إلى أصحاب دائرته جميعاً، حتى يرفعه الله عز وجل، ولو لم يحمل هؤلاء ذلك من العالم لتلاشى في طرفة عين)[7]. فالقطب وأعوانه يتحكمون في ملك الله تعالى ولولاهم لتلاشى العالم. والله تعالى – مع ذلك الاحتياج  للقطب وأعوانه – ينزل بالبلاء على العباد ، ويتكرم القطب وأعوانه بتحمل ذلك البلاء عن العالم : - أي أن الله تعالى جبار على العالم منزوع السلطات في نفس الوقت..وهذا تناقض لا نظير له إلا في الدين الصوفي..

  وبعض الأولياء الصوفية المتصرفين في الكون – بزعمهم – تجرأ على مخالفة أمر الله تعالى ورد قضائه بالموت وطرد عزرائيل، كما فعل محمد الشربيني والشويحي، وتعرضنا لذلك في تأليه الولي وسيطرته على الملائكة..

  3- وفي مجال التوسل فضلوا الولي على الله تعالى. يقول الشعراني مثلاً أن الحنفي (شمس الدين الحنفي) (كان .. يعٍّدي من مصر إلى الروضة ماشياً على الماء وهو وجماعته، فكان يقول لهم : قولوا يا حنفي وامشوا خلفي وإياكم أن تقولوا يا ألله، فخالف شخص منهم وقال يا الله فزلقت رجله فنزل إلى لحيته في الماء..)[8]. ففي هذه الأسطورة كان التوسل بالحنفي مجدياً في المشي على الماء، أما من يتوسل بالله فالمصير هو الغرق، فهنا تفضيل مهما كان التعليل..

   واشتهر البدوي في الأساطير الصوفية بإحياء الموتى يقول عبد الصمد الأحمدي (ومن كراماته. أن امرأة مات لها ولد صغير، فجاءت إلى سيدي أحمد البدوي، وهى باكية، وقالت: يا سيدي ما أعرف ولدي إلا منك ، وقام الفقراء ليمنعوها فلم يقدروا، وهى تقول: توسلت إليك بالله ورسوله، فمد سيدي أحمد البدوي يده إليه، ودعا له، فأحياه الله ببركة دعائه.. نفعنا الله تعالى ببركاته)[9].  فالمرأة توسلت للبدوي بالله ورسوله.. أي جعلت الله والرسول وسيلة وواسطة للبدوي، وعلى ذلك فالبدوي عندهم أعلى شأناً من الله .. فالبدوي هو المُتوسل إليه والله هو المتوسِل به، ثم كان الإحياء المزعوم ببركة دعاء البدوي – لا بقدرة الله تعالى .

ويتكرر في الكتب الصوفية وكتب المناقب على الأخص .. تعبير( نفعنا الله ببركاته) كما في النص السابق. ومعناه أن بركة الصوفي هي الأصل وعن طريقها يتمكن الله تعالى من النفع بها ، ولولاها لما كان هناك نفع ، ومعلوم أن البركة عندهم هي سر الولي وقدرته على التصريف، فجعلوا بركة الولي وسيلة لله يجري بها النفع للعباد، كما سبق في القول السابق عن الجيلاني من أن الله يدر الضرع وينزل الغيث ويدفع البلاء ببركته..

   4- وللمدرسة الشاذلية نزعة غريبة في تفضيل الولي على الله تعالى – لا أجد لها تعبيراً مناسباً – ولعل من الأفضل أن نتفهم النصوص المعبرة عن ذلك.. يقول الشاذلي (لما علم الله عز وجل ما سيقال في هذه الطائفة على حسب ما سبق به العلم القديم، بدأ سبحانه وتعالى بنفسه، فقضى على قوم أعرض عنهم بالشقاء، فنسبوا إليه زوجة وولداً وفقراً وجعلوه مغلول اليدين، فإذا ضاق ذرع الولي أو الصديق لأجل كلام قيل فيه من كفر وزندقة وسحر وجنون وغير ذلك ، نادته هواتف الحق في سره .. أما ترى إخوتك من بني آدم كيف وقعوا في جنابي ونسبوا لي ما لا ينبغي لي ، فإن لم ينشرح لما قيل نادته هواتف الحق أيضاَ أما لك بي أسوة فقد قيل فيّ ما لا يليق بجلالي)[10]. أي أن الله – تعالى – ارتضى لنفسه أن يكفر به الناس وما لا يليق من وصف وكل ذلك ليكون أمثولة وعبرة للولي الصوفي، فإذا سبّ الناس الولي الصوفي قال له الله ألا تتأسى بي فإنهم يقولون فيِّ أيضاً كذا وكذا.. فهي طريقة شاذلية فريدة في تفضيل شأن الولي على الله ، إذ استخدموا الله تعالى في حربهم للمنكرين وقاسوا الإنكار عليهم بالكفر على الله تعالى ، وجعلوا الله تعالى يجعل الناس يكفرون بألوهيته تعالى ويتقولون عليه رعاية لجناب ذلك الولي الصوفي وحتى لا يضيق بأي نقد.

 ويقول المرسي لمريديه (ما سمعتموه مني ففهمتموه  فاستودعوه الله يرده عليكم وقت الحاجة، وما لم تفهموه فكلوه إلى الله بتولي بيانه، واسعوا في جلاء مرآة قلوبكم يتضح لكم كل شئ)[11]. فالمرسي لا يُفهم أحد شيئاً . بل يدع الله يتولى بيان كلامه للمريدين ويطلب منهم أن يطهروا قلوبهم ليستحقوا فهم كل شئ من مراده .أما إذا حدث وفهم المريد فمطلوب منه أن يستودع الله ما فهمه من المرسي . أي أن الله تعالى واسطة بين المرسي ومريديه. يستخدم في حفظ المعلومات المفهومة وتوضيح المعلومات المبهمة .

  

وفي ذلك بعض الشبه أو التأثير بالحياة التعليمية في العصر المملوكي التي قامت على أستاذ وعريف وطالب .. ووظيفة العريف( أو المعيد) أن يعيد للطلبة كلام الشيخ ويفهمهم ما عجزوا عنه .فأنظر إلى أي درجة نظر المرسي لله تعالى ، وفي أية مكانة وضعه فيها في حلقة درسه..           



[1]
- توفيق الطويل : التصوف في مصرفي العصر العثماني 197 .

[2] - شرح القاشاني لفصوص الحكم 53 .

[3] قواعد الصوفية ج1/175 .

[4] - إحياء ج4/ 305 .

[5] روض الرياحين 69 .

[6] - بهجة الأسرار ج2/73 مخطوط

[7] - الطبقات الكبرى جـ2/ 146 ، درر الغواص 14.

[8] - لواقح الأنوار 245.

[9] - الجواهر السنية 43 .

[10] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 29 البحر المورود 15: 16 .

[11] - لطائف المنن 134 .

اجمالي القراءات 6866

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,343,143
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي