العلم والعلماء

خالد اللهيب Ýí 2014-05-03


‏ يَحثُ و يأمرٌ اللهُ جل وعلا الناسَ على طلب مرضاته وهدايته والمؤمن ‏يطلب المزيد والمزيد ‏منها عبر دعائه في كل صلاة ،( اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة ، وذلك ‏بهدف ‏الوصول الى المراتب العليا من الهداية والإيمان.‏
وهذا يتطلب منّا طلب العلم والمعرفة على كافة مستوياته وأنواعه ، سواء منها العلوم الدينية ‏، ‏الطبيعية ، أوالإنسانية ، والهداية الدينية الحقة السليمة لا تأتي من الجهل والتخبط والظن ، ‏ولا ‏بالتواتر الذي وصل إلينا من أسلافنا دون أن نُحكّم عقولنا وفكرنا فيما وصل إلينا ، ‏لنميّز ‏الخبيث من الطيب.‏   


فالهداية الحقة والعلم السليم لا يكون بترديد القول دون أن تعيه العقول والقلوب ، علم يملؤ ‏القلوب ‏بالتقوى والمحبة واليقين والهداية والإلتزام ، بينما يكتفي الوضّاعون من العلم بترديد ‏اللسان من ‏القول حيث قالوا كذبا وافتراءا على لسان النبي محمد عليه الصلاة والسلام : عن ‏أنس رضي الله ‏عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يخرج من النار من قال لا إله إلا ‏الله وفي قلبه وزن ‏شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة ‏من خير ويخرج من ‏النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير) ، البخاري. ‏


يفضح الله عز وجل من يردّد القول باللسان دون العمل عبر قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن ‏يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ ‏الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ ‏أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ‏فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا ‏يَكْذِبُونَ (10) البقرة.‏
كما يصف عملهم القولي حينما يبدّلون قول الله عز وجل بقول الظالمين ،( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ‏قَوْلاً ‏غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (59) ‏البقرة. ‏
كما يحزّرهم رب العالمين ويتوعدهم قائلا :( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا ‏مِنْ ‏عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) ‏البقرة.‏
فحينما آمنوا بما قيل لهم آنفا في الحديث السابق :( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي ‏قلبه وزن ‏شعيرة من خير...) فقد وثّق وكتب رب العالمين وسجّل قولهم :(.. لَن تَمَسَّنَا النَّارُ ‏إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ ‏أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ‏‏(80) بَلَى مَن كَسَبَ ‏سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) ‏وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ‏الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة.‏


بالعلم والمعرفة يوقن الانسان أنه على الحق المبين ، فيزداد إيمانه ويثبتُ حتى يغدو ‏كالطود ‏العظيم لا تهزه رياح الأيام ولا عثرات العمل ولا الزلازل ولا المحن ولا وسوسة ‏الشيطان ولا ‏الفتن ، والمؤمن الحصيف يسعى جاهدا ليصل الى هذا المستوى من العلم ، علم ‏اليقين ،( كَلاَّ ‏لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ‏التكاثر.‏


بالعلم والمعرفة نتعلم ونتثقف ونتدبر، بالعلم الذي لا يرقى إليه الشك من ‏إي جانب من جوانبه ‏، ذلك في حياتنا الدنيا ، أما في الأخرة فإننا نرى الأمور بصدقها وحقيقتها كما أخبرنا الله ‏عز ‏و جل ، نراها بأعيننا ونتأكد منها بحواسنا وإدراكنا فهي عين اليقين.‏
وبالعلم والمعرفة نوقن عقلا وحسّا وإيمانا بأن الله عز و جل ، واجبة عبادته ولا معبود سواه ‏وهو أهلٌ ‏لهذه العبادة وأكثر منها بما لا يقاس ، فمهما آمنا وإتقينا لن نستطيع أن نقدّر حق الله ‏عز وجل ‏ولا حقيقة قوته وأمره ، سبحانه وتعالى جل في علاه.‏


فإذا ما جاهدنا للإقتراب والوصول الى حق قدر الله عز وجل ، فإن نفوسنا تنطوي لهذا ‏الحق ‏وتركن إليه ، ونراها خاشعة راضية ، متيقّنة حامدة ، مسبحة راجية ، فالقرب من الله ‏عز و جل سعة والبعد عنه ضياع وخذلان ، فالنور الإلهي محسوس في النفوس الصادقة ‏وتقشعر منها ‏الأبدان.‏
كما خلوة النفس المؤمنة مع بارئها حب وعشق وهيام ، والنور الإلهي إذا ما دخل قلب مؤمن ‏أضاءه ‏وأسعده حتى بدا على قسماته وسكناته وحراكاته وأفعاله ،( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ ‏لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ ‏مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) ‏الزمر .‏
فحينما نذكر العلم والمعرفة نقصد بها كافة العلوم ، الدينية والدنيوية وكافة المعارف ، لا كما ‏قيل ‏لنا سابقا :( يجب التركيز والإهتمام وبشكل أساس على العلوم الدينية الشرعية وقد يُحرمُ ‏علينا ‏بعض العلوم الدنيوية ، فلندعها للكفرة المرقة ، لطلاب الحياة إذ إننا طلاب الآخرة لا ‏طلاب ‏الأولى).‏
وقد جاء في كتاب الله عز وجل،( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ... وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏‏... ‏وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ... وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وغيرها كثير ، تدعوا ‏للعلم ‏والمعرفة وإعمال العقل والتفكر.‏
والأمر بطلب العلم يردُ بشكل متكرر وفي كافة المجالات والأحوال كما يرد الأمر بتدبر ‏القرآن ‏وإعمال الفكر في خلق السماوات والأرض و في أنفسنا ، (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ ‏كَافَّةً فَلَوْلاَ ‏نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ ‏لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ‏‏(122) التوبة ، نحن مأمورون بمعرفة ديننا و دنيانا ، وفقه الشيىء معرفته ‏ومعرفة ‏تفاصيله.‏


إنّ قدرتنا على الكسب والتحصيل والإستيعاب من أمر هذا الدين تختلف من إنسان الى ‏آخر ‏لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن ، لهذا كان هنالك المسلم بالهوية والمسلم القارىء ، ‏والدارس ‏والباحث والشيخ والعالم والعلامة ، كل وفق تحصيله وإجتهاده في طلب العلم و ما ‏يفتح الله ‏عز وجل له من أبواب العلم والهداية ، وقد قال الله عز وجل :( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء ‏اللَّيْلِ سَاجِدًا ‏وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا ‏يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ‏أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) الزمر، فالذين يعلمون أعلا مرتبة و أعز عند الله عز ‏وجل. ‏
كما يقول تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ ‏تَعْلَمُونَ ‏‏(43) النحل ، فالذكر هو ما أنزل على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو ‏القرآن العظيم ، ‏وأهل الذكرهم الذين يتدبّرون القرآن ويتّبعونه ويؤمنوا به حق الإيمان ، و هم ‏الذين نسألهم اذا ‏أشكلت علنا مسألة تخص ديننا، و قد جاء في الآية ( إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، ‏فالأصل إننا نعلم دين الله عز ‏وجل ونعلم شريعته ما أمكننا ، أمّا الإستثناء فهو جهلنا وغفلتنا ‏عن أمر يستوجب التخصص ، ‏كتقسيم التركة إذا ما أشكلت علينا ، ومقدار نفقة المطلقة ، هذا ‏من رحمه الله عز وجل بنا ، و‏لهذا نعود الى العلماء ، فعليهم الإتكال وإليهم المقصد ، فهم ‏المتخصصون والعالمون والعابدون ‏الخاشعون وقد أثنى عليهم رب العالمين وأكثر لهم ، إذ ‏إختصهم بالخشية حيث قال عز من قائل ‏‏:(...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ‏غَفُورٌ (28) فاطر. ‏
إلا أن معظم الناس يتهاونون ويتراخون في طلب ولو القليل من العلم وقد ركنوا للعلماء ‏وأنصاف ‏العلماء ومشايخ الترب ، في كل شاردة و واردة ، كأنهم غير معنيّن في أمر العلم ‏والمعرفة ، هذا ‏التراخي والإتكال يخالف أمر الله عز وجل ، وأمرُّ من ذلك وأصعب ، أن ‏المسلم الجاهل يتصيد ‏الرخص في بحر إختلاف العلماء..
‏ فمن عهد الصحابة غفر الله لنا ولهم ، الى يومنا هذا ، نرى العالم الحصيف يبتعد عن ‏الفتوى ‏ما أمكنه ذلك ، حيث أنه مسؤول عنها أمام الله عز وجل ، وقد أفهمنا العلماء الى أنه ‏من ‏أفتاك بفتوة خاطئة تخالف شرع الله عز وجل ، فان ذنبها وإثمها يقع على المفتي ، أما ‏المفتى له ‏، فهو بريىء من كل ذنب زمسؤولية ، حيث أنه طبق ما قيل له ، وهذا غير ‏صحيح على الإطلاق ، فالمسؤولية تقع على الطرفين ، على المفتي إذ أفتى دون علم أو يقين ‏والمفتى له إذ لم يتحر الجواب من القرآن الكريم أو من أكثر من مصدر وعالم ، ممّا يدفع ‏الناس الى الجهالة والإتكال ‏وهجرالقرآن كما التفكر في أمور الدين.‏


هنالك قاعدة قانونية وضعية تقول : إن القانون لا يحمي المغفلين وأخرى الجهل بالقانون لا ‏يعفي ‏من المساءلة والعقوبة ، هذه عدالة البشر فما بالك بعدالة الله عز وجل ، لهذا معرفتنا ‏بأمور ديننا واجبة وملزمة وجهلنا نؤآخذ و نحاسب عليه يوم ‏الدّين.‏
فإذا تدبرنا القرآن نرى :‏
‏1-- (يا بني آدم وردت 5خمسا و يا أيها الناس وردت 20مرة) ، تخاطب كل الناس المؤمن ‏والكافر ، ‏تدعوا الناس للإيمان ، تبشرهم بالجنة وتنزرهم من النار ، وإذا ما أصروا على ‏كفرهم خاطبهم ‏ب ( يا أيها الكافرون ) فهو وصف لما إرتضوا لأنفسهم ، ودمغة لكفرهم ‏وإقرار فيما هم عليه ‏، و (يا أيها الذين آمنوا وردت 89 مرة) ، تخاطبهم باعتبارهم مؤمنين ‏، فهم مناط التكليف ‏بأركان الإسلام والإيمان وبالمناسك التعبدية والأمور الشرعية.‏


2-- ‏بينما (يا أيها العلماء ) لم ترد في القرآن على الإطلاق على الرغم من مكانة العلماء ‏واتصافهم بخشية الله ‏عز وجل ، كما أنّ الله سبحانه وتعالى خاطب الرسول قائلا :( يا أيها ‏الرسول مرتين و يا أيها ‏النبي 13 مرة ) ، من هنا نعلم أنّ القرآن الكريم أنزل ليخاطب الناس ‏جميعا قبل أن يقرروا الى أي دين وفكر ينتمون.‏
3-- كما أنزل القرآن مخاطبا المؤمنين المكلّفين ، ‏لذا من واجبهم أن يتدبّروا القرآن ، لكي يعلموا ‏بما كلفوا به ، ويلتزموا بما جاء في القرآن ، على أن لا يرهقوا أنفسهم في البحث والتنقيب ‏، ‏فمن أجهد نفسه من العامة في البحث والتنقيب والإفتاء وهو عمل الخاصة من العلماء وليس ‏لعامة ‏المسلمين ، وإلا أوقع نفسه بالكثير من الأخطاء. ‏
4-- إلا أن ‏البعض من المتدبّرين يلزم الآية موضوع التدبر معنى واحدا دون سواه وهذا تحجيم وتقليص ‏للمعاني التي قد ‏تفهم من الأية موضوع البحث ، وقد يتشدّد ، فلا يقبل أي مفهوم سوى ‏مفهومه الخاص ، مؤكدا على صحة فهمه ، معتبرا أنّ من ‏خالف مفهومه مخطئ أو ضعيف ، ‏هذا إن لم يكفر ويخرج مخالفيه من دائرة ‏الإسلام والإيمان.‏
هذا التحجيمُ والتـقيدُ لا يقبله الله عز وجل ولا يريدهُ منّا ، كوننا أناس خير متخصّصين في ‏البحث ‏ولا في اللغة أو الدين ، أراد الله العليم الحكيم أن نتدبر كتابه الكريم ونقرأه على مهل ‏وبيسر وفهم قريب ‏، دون تأويل جارف أو تحليل عميق يبعدنا عن أصل المفهوم الظاهر البيّن ‏أو الغاية المرجوة من ‏الآية ، وإلا نجد أنّ ما وصلنا إليه قد أبعدنا عن المنطق والعقل والعلم.‏


5-- وكأن كتاب الله العزيز ‏الحكيم فيه لبس وغموض وصعوبة وعسرة على الفهم ، وهذا تكذب ‏لقول الله رب العالمين ‏،( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) القمر ، أي جعلنا ‏القرآن سهلا للحفظ والفهم ‏والتدبر رأفة ورحمة بالناس البسطاء العادين ، إذ أنزل إليهم على ‏قلب الرسول محمد ‏عليه الصلاة والسلام ، ولا يحتاج هذا القرآن الى جهود جبارة لفهمه ‏وإستيعابه ، إذ لا ‏طلاسم أو تعارض به .‏
‏إلا أنّ هذا لا يمنع البحث والتنقيب في كتاب الله سبحانه وتعالى لمن يجد في نفسه القدرة ‏والكفاءة ، إذ لكل إنسان مؤمن ‏قدرة معينة على البحث والكشف عن مكنونات آيات الله عز ‏وجل وبما يفتح الله عليه من أسرار ‏آياته الكريمة ، وقد جاء الإستنكار القرآني ليشمل كل ‏الناس ،( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد.


6-- القرآن الكريم يفهم كما هو بلا زيادة أو نقصان ، والآيات القرآنية تفسر بعضها بعضا ، و ‏القرآن الكريم ‏كتاب لا يقبل النسخ ولا الإبطال ولا التكميلة ولا التهذيب أو الحذف والنقصان ، ‏علينا أن نأخذه كونه ‏كلام الله سبحانه وتعالى ، كما هو ، فلا نزيد أو نزايد عليه ولا نحذف أو ‏نتجاهل بعض آياته.‏


7--‏ البعض ممّن يعملون في المجال الديني ، (وقد إتخذوها مهنة ومجالا لكسب الرزق ولا ‏شيئ ‏في ذلك) ، يتصدّرون مجال الإفتاء والتدريس والبحث القرآني ، يعتبرون أن البحث ‏الدّيني قاصرعليهم ‏وقد إختصّ لهم دون الناس ، فلا يحق لسواهم الغوص في آيات القرآن ‏الكريم ، فهم المتحدّثون الرسميّون بإسم الله عز وجل وقد تناسوا أنه لا كهنوت ولا رجال دين ‏في الإسلام العظيم.‏


8-- قرآنيا ، نحن ملزمون بالتفكر والدرس والتفقه في الدّين ، على أن نتّبع الحق أينما وجد ، أما ‏المعاني و‏المفاهيم الأساسية التي من الضروري معرفتها والتي يحاسب الإنسان على جهلها أو ‏تركها ، وقد وصفهم قوله تعالى ،(.. الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ ‏بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ ‏سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة ، فالأمرون والنّاهون كل ‏الناس من المؤمنين ‏والمؤمنات ولا يقتصر الأمر على العلماء فقط ، ذلك أن المأمور به والمنهي عنه يخصّ كل ‏الناس وأنه ‏معروف لدى المجتمع ويتّصف بالقبول والرضى أو الرفض والإنكار.‏


9-- وقد ذكر الله العلي العليم آيات تخصّ العلماء بالذكر والفضل ولهم تجلياتهم الفكرية و الإيمانيه ‏الدينية التي لا يستطيع المؤمن العادي مجاراتهم بها ‏فكرا وعلما ، ولكن هل المطلوب من ‏المؤمن العادي ذلك ، وهل ‏يؤثم إذا ما جهل هذه العلوم ، بالتأكيد لا ، ذلك أنها علوم ‏ودراسات ‏دينية إسلامية وضعها علماء الدين الإسلامي على مر السنين وهي بشرية المنشأ والصنع. ‏
عبر هذه العلوم الدينية البشرية ، نرى تجادل العلماء واختلافهم ، قديما وحديثا ، حول مسائل ‏دينية كثيرة منها :‏
‏-- كقصة الإستواء ، وكيفيته وذات الله العلية ،( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ ‏أَيَّامٍ ثُمَّ ‏اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا ‏يَعْرُجُ فِيهَا ‏وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4) الحديد.‏
‏-- قصة ساق الله عز وجل ،( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) ‏القلم.‏
‏-- قصه خلق القرآن و المذابح التي أدت اليها. ‏
‏-- قصة العبد الصالح ، هل هو الخضر،( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا ‏وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف. ‏
‏-- (آزر) هل هو والد النبي إبراهيم عليه السلام ، أم لا ؟ ‏
مسائل قرآنية خلافية كثيرة لا تعد ولا تحصى وهي لا تؤثر على إيمان الإنسان العادي ولا ‏يحتاج إليها ، وهي مسائل دينية لا يلزم الخوض بها ولا القطع بها ذلك أن ‏معرفتها لا تزيد ‏المؤمن إيمانا ولا جهلها يكسب إثما ، فلما الخوض بها و‏التجادل حولها ، وقد صدق الله عز و ‏جل حينما قال :( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ ‏جَدَلا (54) الكهف ، حب الجدل والظهور هو آفه الناس قديما ‏وحديثا وسيبقى ما بقي الجنس ‏البشري ، إذ هي غريزة كامنة في نفسه.‏


10-- إن طريق الله العزيز الحكيم أسهل الطرق وأيسرها ، علماؤنا الأفاضل جعلوا لنا طرقا كثيرة ‏متعددة وهي قد أتعبت ‏الناس و أرهقتهم حتى غدا دين الله العلي القدر صعب و وعر ، نكاد لا ‏نطيقه و زادوا الطين بلة ‏حينما قرروا ( إن إختلاف العلماء رحمة ) بهذه المقولة يسوّغون ‏إختلافاتهم وتعارضهم ، وكأنّ دين الله العلي العظيم ‏أصبح أديانا شتى وليس دينا واحدا ، ‏ميسرا سهلا ، لا لبس ولا غموض فيه ، وقد جاء في ‏القرآن العظيم ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ ‏تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ‏وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ (102) المائدة.‏
ولنا في قصة البقرة المطلوب ذبحها كما وردت في القرآن الكريم عبرة وموعظة ، فقد أكثر ‏اليهود من السؤآل حول صفاتها ، بخلا وتهرّبا و‏عنادا وتشدّدا ، فتشدد الله عليهم وأغلظ لهم بتشددهم.

‏عسى أن لا يتشدّد علينا رب العالمين بتشدّدنا على أنفسنا واختلافنا في ديننا ، ويهدينا سواء ‏السبيل ،( .. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا ‏أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) البقرة. ‏
 

اجمالي القراءات 7539

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,709
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000