ملخص كتاب الميراث للدكتور أحمد صبحي منصور
كتاب الميراث للدكتور أحمد صبحي منصور نستطيع أن نقسمه بعد المقدمة الى أربعة محاور أساسية ، المحور الأول وبه إيضاح لبعض المفاهيم كالتقوى والإحسان والقسط والعدل والمعروف وهي ذات صلة وارتباط بالمحور الثاني موضوع الكتاب (الوصية والميراث) ، أما والمحور الثالث فهو حول دور الدولة والفرد في تطبيق الشريعة ، و المحورالرابع يتحدث عن تناقض الفرق الإسلامية ، خاصة أهل السنة مع شريعة القرآن الكريم ، منهيا كتابه بخاتمة الكتاب .
المقدمة
أشارالدكتور منصور في مقدمة كتابه إلى سبق القرآن الكريم للحضارة البشرية الراهنة بتشريع الميراث بكل ما فيه من رُقىّ وسُمُوّ . خصوصا عندما نتذكر أن القرآن الكريم خاطب فى البداية عربا صحراويين لا يقيمون وزنا للحقوق ، إلا أن المسلمين ما لبثوا بما يسمى الفتوحات الإسلامية أن أشبهوا الفُرس والروم، وأقاموا إمبراطورية تعتنق السلب والنهب والإسترقاق والظلم كباقي إمبراطوريات ذلك العصر.
ففي العصرالعباسي إكتمل التناقض بين الاسلام والمسلمين بتأسيس أديان أرضية ، لا يزال باقيا منها ثلاثة : السُّنة ، والتشيع والتصوف وجاءت هذه تشريعات خاصة السّنة منها لتُلغي تشريعات القرآن الكريم بمزاعم (النسخ) و(إختراع الأحاديث) وتغيير مصطلحات القرآن ، وأساطير (أسباب النزول) وخرافات ما يُعرف بالتفسير .
إلا أن تأثير القرآن الكريم في العرب والمسلمين في العصر العباسي كان هائلا ، خاصة في التشريع والتأريخ ، وما تشريعات المسلمون في الميراث إلا شاهد على هذا ، فلم تصل تشريعات الميراث الغربية الى هذه الدقة والتفصيلات التي وصل إليها علم (الفرائض) أو(المواريث) لدى المسلمين ، إلا أن تشريعات المسلمين في الميراث أخذت بعض تشريعات القرآن وحرّفت البعض الآخر على الرغم من أن تشريعات الميراث القرآنية وصلت الذروة في الرقي وتحقيق العدل .
المحور الأول
مفاهيم ذات صلة وارتباط بالوصية والميراث :
1-- التقوى : إن تطبيق الشريعة في واقع المسلمين ضئيل جدا .. لأن التقوى غائبة في قلوب المسلمين ، فقد أضاعتها وحلّ محلها الايمان باساطير كالشفاعة ، فطالما يعتقدون في شفاعة النبي ويضمنون بها الجنة مقدما فإن الظلم هو السائد و بدلا من أن تجد الأخت الحماية والشهامة من أخيها تراه يأكل حقها في الميراث بلا خجل ، بل ويرى المجتمع الفاسد ذلك حقا له، لقد (ورثوا الكتاب) ولكن إتّخذوه مهجورا، ومنها تشريعاته في الميراث.
فالتقوى هي المقصد الأسمى في التشريع القرآني تتجلى أهميتها في تشريع الميراث و شؤون الحكم ، يناضل الإنسان جاهدا للإستحواذ والإحتفاض بالحكم لنفسه دون الآخرين ، كما يناضل في التركة دون الآخرين حتى الموت، فمن الحُمق أن يدخل الفرد منا الجحيم خالدا مخلدا بسبب هذا المتاع الزائل ، وبغياب التقوى لا يمكن تطبيق شريعة الميراث بالعدل والإحسان كما أمر رب العزة . ومن أجل هذا يأتي تشريع الميراث محمّلا بالوعظ بالتقوى والترهيب من النار .
2-- الإحسان : أوضح د. أحمد منصور أهمية الإحسان والرحمة الى ذوي القربى و واقع المسلمين الذي يتناقض كليا مع الأمرالالهي، إنّ الاحسان إلى ذوي القربى يعني أن تعطيهم حقا لهم من ثروتك الشخصية ودخلك الشهري والسنوي، فربط رب العزة عبادته بالإحسان للوالدين وللآخرين ،( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )(36) النساء.
3-- القسط والعدل : إن القسط والعدل هو الهدف الأسمى للرسالات السماوية لكي يقوم الناس بالقسط والعدل فيما بينهم ،( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25) الحديد ، إلا أن تطبيق المساوة المطلقة بحذافيرها ظُلم واضح ، فلا بد من إقتران المساواة بالعدل ، ويأتي التعبير القرآني عن المساواة بين الناس مناديا إياهم ب يا أيها الناس ،(يا أيها الذين آمنوا)، (يا بنى آدم) ... لتشمل الذكور والإناث معا .
إن أول آية في تشريع الميراث بدأت بتقرير حق المرأة في الميراث شأن الرجل ، ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء .
إعتاد العرب على إعتبارالمرأة سلعة يتواثونها ، فالزوج يأكل الصداق الذي دفعه لزوجته ، ومنع هذا رب العزة ، إلا أن يكون برضاها بالتنازل عن بعضه وليس جمعه : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء .
وكان الأب يستفيد من تزويج إبنته بطرق شتى ، فقد كان هناك زواج الشغار أي الزواج بلا مهر، بأن يعطي الرجل إبنته الى رجل آخر مقابل أن يعطي الرجل الآخر إبنته إلى الرجل الأول ، يتزوج كل منهما إبنة الآخر ، وإذا كان للمرأة من مهر يأكله أبوها و يقبضه دونها لينفقه على نفسه ، كما كانوا يمنعونها من الزواج تبعا لمصلحتهم ، وهو(العضل) .
وقد نزل في المدينة النهي عن هذا كله ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء . هنا الأمر بالمعروف (أي العدل) في معاشرة الزوجة حتى لو كان يكرهها زوجها .
4-- المعروف : المعروف هو نقيض المنكر ،( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) آل عمران .
تأتي كلمة المعروف بمعنى العدل والإحسان ، نقيض الفحشاء والمنكر والبغي ،( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ، وتشريع الميراث المتضمن هنا يقوم على العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ومن يخالفه يقع في المنكر والبغي.
كما المعروف نقيض الظلم ، ومصطلح (الظلم) ورد كثيرا في القرآن الكريم ، ليؤكد على أن الله جل وعلا لا يريد ظلما للناس ، فيصف جل وعلا من يتعدى حدوده وتشريعاته بالظلم ،( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229) البقرة ، والظلم قرين للكفر،( وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة ، والذي يختار الظلم مصمما عليه لا تأتيه هداية الله جل وعلا.
ولأن تشريعات الرحمن لا تقبل الظلم وأساسها العدل ، فإن من لم يحكم بالعدل ويطبقه يكون كافرا فاسقا ظالما ،( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) المائدة.
ومن العجيب أن شريعة الدين السّني مؤسسة على الظلم ، يزعمون أن شريعتهم (إسلامية) بينما هي في مبناها قائمة على الافتراء على الله جل وعلا وعلى رسوله ، وقد وصم رب العزة من يفتري على الله كذبا ويكذّب بآياته بأنه أظلم الناس ، وأنه لا يفلح أبدا يوم القيامة ،( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) الانعام ، وبعد هذا لا يزال الناس غافلين ، يطلقون عليهم (إسلاميين) .
وعن الظلم والصلة بالميراث يقول جل وعلا ،( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) النساء.
إستفاض د. منصور حول مصطلح المعروف فبين أن المعروف نوعان :
الأول المعروف القولي: أوضح إذا لم تُعط السائل صدقة فعلى الأقل قُل له قولا معروفا حسنا ، فهذا خير من أن تعطيه ثم تمنّ عليه وتؤذيه ،( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة ، والمعروف القولي له صلة بالميراث ، فأمر رب العزة أن يُقال لأولي القربى قول معروف حين التصدق عليهم إذا حضروا القسمة ،( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء ، أي يأخذون الصدقة من التركة مشفوعة بقول معروف ، دون منّ أو أذى ، ونفس الحال مع الوريث السفيه ، يأخذ مرتبا وكسوة من دخل أمواله مع القول الحسن ،( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء.
الثاني (فعل المعروف): أي التصرف بالعدل والخير والإحسان ، مثل معاملة الوالدين بإحسان ، حتى لو صمّما على إضلال الإبن ، فعلى الإبن أن يصاحبهما بالمعروف و الإحسان ، مع تمسكه بالهداية الربانية ،( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان.
ومن (فعل المعروف) الأمر بالصدقة والاصلاح بين الناس والأمر بالعدل والحق ، حتى لو كان هذا سرّا أو بالنجوى بين شخصين وأكثر ،( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) النساء.
والله جل وعلا يُلخّص كل أوامر الإسلام في كلمة (المعروف) ، فمن ضمن بنود العهد والمبايعة على إقامة الدولة جاء فيما يخص النساء في الطاعة لأوامرالرحمن ،( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة.
(وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) بمعنى أن الطاعة لولي الأمر مقيدة بالأوامرالإلهية (المعروفة) وليست طاعة لشخص النبي عليه الصلاة والسلام ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل وعلا ، حتى لو كان هذا المخلوق هو النبي محمدعليه السلام .
المعروف من المقاصد الى القواعد والتطبيق :
إن للمعروف دخلا في جانب التشريع النظري لأن التشريعات الاسلامية القرآنية تركت جانبا واسعا للتشريع البشري بشرط أن يخضع لمقاصد التشريع الإلهي وأن يصدر في دولة الشورى الاسلامية وتحقق (المعروف) أي المتعارف على أنه (حق وعدل وتيسير ورحمة وخير وإحسان) ، فالمعروف يدخل فى المجال التطبيقي سواء للتشريعات القرآنية أو في التشريعات البشرية التي تسنّها الدولة الاسلامية في إطار مقاصد وقواعد وتنفيذ الأوامر التشريعية القرآنية.
نماذج لتطبيق للمعروف خارج الميراث :
-- في تشريع الدية بديلا عن القصاص ، يقول جل وعلا ،( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة ، هنا لا بد من لائحة تنفيذية تُحدّد مقدار أو مقادير الدية وكيفية أدائها ، ثم سنّ قانون بعقوبة من يعتدي بعد ذلك ، سواء من أهل القتيل بعد أخذ الدية أو من جانب القاتل نفسه بعد دفعه الدية .
-- في الإحسان للزوجة : إن المعروف مرادف للإحسان ،( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (229) البقرة ، ففي تشريع الطلاق لا بد من إشراف السلطة الاجتماعية ، أي لا بد من شاهدي عدل عند بدء الطلاق ، يراقبان معاملة الزوج لمطلقته أثناء إقامتها في بيت الزوجية فترة العدة ، والتأكيد على عدم طردها من بيتها طيلة العدة إلا إذا وقعت في جريمة الزنا وكانت مثبتة عليها ، فإذا تصالحا وقت العدة انتهى موضوع الطلاق.
فإذا انتهت العدة بلا صلح بينهما وجاء وقت خروجها من بيتها يحضر الشاهدان ، ليراجعا الزوج فإن إستبقاها بقيت إن رضيت بذلك ، فإذا إتفقا على إعادة الحياة الزوجية الى مجاريها إنتهى موضوع الطلاق وأصبحت زوجته ، ولكن تُحسب عليه طلقة.
وعلى الشاهدين التأكُّد من إنه حين (يُسرحها) بالاتفاق التام بخروجها النهائي من بيته و أن يكون ذلك بالمعروف والإحسان ، أو حين يتمسك بها فلا بد من التأكد انه يُمسكها بمعروف وإحسان وليس للإضرار بها .
والدولة مُمثّلة في السلطة القضائية والاجتماعية المختصة، عليها أن تضع للمعروف قوانين تفصيلية أو مذكرات تفسيرية ، ولا بد من إصدار قانون يمنع الأهل والزوج السابق من (عضل المرأة) أي منعها من الزواج ، إذا كانت مطلقة ، تطبيقا لقوله جل وعلا ،( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) البقرة.
المحور الثاني
الوصية والميراث :
أولا الوصية : الشريعة النابعة من الدين الإلهي تتلخّص في شيئين ، إقامة الدين ، وعدم التفرق فيه ، لأن التفرق في الدين تعني تأسيس أديان أرضية وإختراع أحاديث بوحي كاذب ، ونحو ذلك قوله جل وعلا :( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) النساء 131، فوصية الله رب العالمين تتطلب إقامة الدين .
كما للإنسان وصية يعتد بها هي إما وصية وعظية ، كالتوصية بالدين الحقّ ،( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة ، على هذا ، مطلوب من المؤمن عند الإحتضار أن يوصي أهله وأولاده بالتمسك بالاسلام الحق ، وأن يعظهم كما يوصيهم بالتقوى والأخلاق الاسلامية السامية .
-- أو وصية مالية مفروضة على المؤمن التقي ، تنفيذا لقوله جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ،وهذا الفرض بالوصية المالية واجب أيضا حين يحتضرالمؤمن في السفر والغُربة بعيدا عن الأهل . وعندها لا بد أن يودع وصيته لدى شاهدين ، يقومان بتوصيل الشهادة للأهل تحت رقابة السلطة الاجتماعية.
ولإرتباط الوصية بالميراث فقد تخللت الوصية تشريعات الميراث ، ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )(11) النساء، وقوله جل وعلا ،( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ...)(12) النساء ، لأهمية تشريع الميراث لم يقل جل وعلا ،( يأمركم الله) بل قال: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ )، و أوجب الله جل وعلا تنفيذ وصية المتوفى قبل توزيع التركة : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
وبصيغة (الوصية) أوجب رب العزة على من يحتضر أن يوصي لزوجته بأن تبقى في البيت عاما بلا إخراج . هذا بالاضافة الى حقها في التركة . فإذا خرجت من البيت قبل العام لأي سبب فلا حرج عليها ،( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) البقرة .
كما الذي يقترب منه الموت وله ذرية من الصغار يخاف عليهم ، فعليه أن يتقي الله جل وعلا ليحفظ الله سبحانه وتعالى ذريته من بعده ،( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) النساء .
أما الوصي الذي يأكل ميراث اليتيم ، لن ينجو من الله جل وعلا، الحسيب الرقيب على كل شىء ،( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء.
وفي تحذير شديد لمن يأكل أموات اليتامى ظلما ، قال رب العزة ،( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) النساء ،هذا لمن تعدّى حدود الله جل وعلا وأكل حقوق الورثة ، أي إن أكل حقوق الورثة يعادل الكُفر بالله جل وعلا ، إن كل صلاتك وصيامك ونسكك وحجّك وصدقاتك ستضيع هباءا وستدخل النار خالدا مخلدا فيما لو أكلت حق الورثة .
الميراث :
بيّن د. احمد منصور معنى مصطلح (ورث) ومشتقاته في القرآن و معانيه المختلفة التي يتحكم بها السياق القرآني كعادة القرآن الكريم ، فكلمة ورث جاءت بمعنى :
1-- وراثة الكتاب : فبنو إسرائيل توارثوا الكتاب ، من خلال الرسالات السماوية التي نزلت في أنبيائهم ،( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) غافر ، ومع هذا تفرقوا وإختلفوا في الكتاب الإلهي أوالعلم الإلهي بسبب العداوة والعدوان.
ينطبق هذا على (أهل الكتاب) كما ينطيق على (أهل القرآن)،( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) فاطر.
2-- وراثة النبوة : نرى هذا في ذرية إبراهيم وبني إسرائيل ، فإبراهيم عليه السلام أنجب إسماعيل وإسحاق ، وإسحاق أنجب يعقوب ، ويعقوب أنجب 12 ولدا كان من بينهم يوسف ، ثم كان موسى وأخوه هارون نبيين.
3-- كلمة وراثة تأتي بمعنى الإستخلاف في الأرض : فالبشر في هذا الكوكب أمم يخلف بعضهم بعضا ، أي يرث بعضهم بعضا ،( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ )165 الأنعام ، فقد ورث بنو إسرائيل جنات فرعون الطاغية ،( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59 ) الشعراء .
كما أورث الله العزيز القدير المسلمين أرض اليهود وأرضا جديدة لم يطؤها من قبل ،( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) الاحزاب.
إستخلاف المسلمين في الأرض يتطلب التمسك بالاسلام والله لا يخلف وعده :( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور .
لسنا في الحقيقة أصحاب الثروات التي بين أيدينا ، إنما نحن ورثة مُستخلفون فيها ، ويجب علينا أن ننفق جزءا منها في سبيل الله جل وعلا : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) الحديد ، فموارد الدولة يتوارثها السكان جيلا بعد جيل ، والتنمية الحقيقية بالصلاح وليس بالفساد ، فالبترول وهو نعمة أصبح لعنة ، لأن المستبدون يحتكرونه لأنفسهم فيأكلون ويدمرون حقوق الأجيال القادمة ، ( أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) إبراهيم.
4-- إن ميراث الانسان في هذه الدنيا نوعان ، ميراث مالي مادي ، يرثه من الوالدين والأقربين ، إلا أنه تاركه بالموت عاجلا أوآجلا . وهناك ميراث باق يصاحب الفرد بعد موته ، وهو عمله إن كان صالحا أو فاسدا ، هو (الآثار) التي تتعلق بنفس صاحبها يتم تسجلها له أوعليه من قبل ملائكة تسجيل الأعمال ،( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس ، وكل إنسان مؤاخذ بكل ذرة من عمله ، وبكل لفظة ينطق بها لسانه ،( وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ، أى ورث ما قال.
5-- إلا ان الله جل وعلا هو الوارث الحقيقي لكل شيئ ،( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم . وبالتالي فإنّ إرثنا المالي وهمي لأنه محدد للفرد بزمن حياته ، والإرث الخالد الذي سيبقى بلا فناء هو إرث الجنة ، وهي للمتقين ،( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ، فلن يدخل الجنة إلا المؤمن المُفلح التقي.
ميراث التركة :
الميراث المالي المستحق للورثة يكون حين (يترك) أحدنا مالا . هذا المال يكون (تركة) ، ومن هنا إرتباط الميراث بكلمة (ترك) ، ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) (7) النساء.
والميراث يرتبط بشكل وثيق بالتوصية : والتوصية هي تأكيد للأمر أو لطلب أو لفرض ، الأوامر الإلهية في كل الرسالات السماوية : تمّ إجمالها وإختصارها في قوله جل وعلا ،( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(13) الشورى.
توريث الرعاية والإهتمام للموالي من (الخدم والأتباع) المرتبطين بالوالدين ،( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء، فبعض الناس يكون له أتباع وخدم وحاشية يكون مسئولا عنهم فى حياته ، وحين يموت فإن مسئوليتهم تنتقل الى الأبناء ، فهم ممّا (ترك الوالدان والأقربون) ولكن ليسوا متاعا وتركة تتوراث ، بل هم مسئولية على الورثة .
علينا أن نعلم أن حقوق الورثة تشمل كل قرش وكل درهم وكل ذرة حق ، لا نتحدث هنا عن مقدار التركة ، ولكن عن (حدود الله) أو تشريعات الله جل وعلا ،( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء .
الورثة هم فقط (الأقربون) وليسوا (أولي القربى)
يتضح من الآيات القرآنية ، أن الأقربين فقط هم الورثة و أن أولو القربى ليسوا من الورثة ، فالأقارب درجات ، منهم (الأقربون) ثم الذين يلونهم من بقية الأقارب أي ذوي القربى أو أولو القربى وهذا يتفق مع اللسان العربي فالأقرب غير القريب.
فالميراث للأقارب أي أقرب الأقربين ، أما (أولو القربى) من عموم الأقارب ، هم كاليتامى والمساكين فليس لهم حق في الميراث ، لهم هبة أوعطية أو صدقة ، تؤخذ من التركة قبل توزيعها على الورثة الأقربين ،( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ، خلافا لأُكذوبة الدين السني القائلة :(لا وصية لوارث) ، وإذا لم يحضروا قبل القسمة فلا نصيب لهم ،( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء
والأقربون هم الورثة المتصلون مباشرة بالوالدين ،( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) النساء ، هنا الوالدان والأولاد والأخوة .
الأب والأم هما أيضا زوجان ، زوج و زوجة وجاءت الآية التالية في ميراثهما ،( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء .
جعل الله من هذا التشريع حدودا له جل وعلا وتوعّد من يتعدى حدوده بالخلود فى النار ، كما توعد من يطيعه ورسوله بالخلود في الجنة :( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء.
وبذلك يكون مجموع الورثة : الأب ، الأم ، الزوج ، الزوجة ، الإبن والبنت (الأولاد) ، الأخ والأخت (الأخوة) ، وليس معهم أحد آخر ، نحن هنا أمام تشريع إسلامي قرآني جامع مانع ، أحاط الورثة بسور ، منع أن يُضاف اليهم أحد ، أو أن يؤخذ منهم أحد ، وأكّد على أن هذا التشريع هو حدود الله ، من يتعداها فهو خالد في النار .
مثال توضيحي : مات وترك :( والدين ، زوجة ، إبنا ، بنتا ، عمّا ، عمّة ، بنت أخ ، خالة ، ابن عم ، ابن خال) لا يرث العم والعمّة ، ولا بنت الأخ ، ولا الخالة ولا إبن العم ولا إبن الخال، فهم من ذوي القربى، وإذا حضروا القسمة فعلى الورثة منحهم شيئا منها قبل القسمة ، شأنهم شأن اليتامى والمساكين أما الورثة فهم الوالدان ، كل منهما السدس ، الزوجة الثمن ، الإبن والبنت لهما الباقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
-- أما معنى الحجب فإنه يختلف حسب الحالة ، فالإبن يحجب أخ المتوفى وأخت المتوفى، لأنّ الإبن هنا هو(الأقرب) ويصبح (الأخ) من أولي القربى وليس الأقرب ، والأب يحجب الجد لأن الأب هنا هو الأقرب لإبنه المتوفي ، ويكون الجد ضمن أولي القربى الذين لا يرثون .
-- أما في حالة الكلالة ـ أي عدم وجود الأولاد ـ فإن الأخ يصبح الأقرب ويرث ، وكذلك الأخت ، مثلا : مات بلا ذرية وترك أخا فقط فله السدس ، وإن ترك أختا فقط فلها السدس ، وإن ترك أخا وأختا أو أكثر فهم شركاء في الثلث : (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )، فعدم وجود الإبن أو البنت يصبح الأخ والأخت الأقربين للمتوفى.
مفهوم (الأقرب) ينتج عنه حجب ومنع ذوي القربى من بقية الأقارب كالعمّ والعمة والخال والخالة وأبنائهم . وينتج أيضا عن مفهوم الأقربين أن يحجب الأقرب من هو اقل منه قرابة داخل الورثة ، فالإبن أو إبن الإبن يحجبان الأخ ، والأخ الشقيق يحجب الأخ غير الشقيق ، والأخوة غير الأشقاء متساوون ، ويرثون ولو إنفردوا بالتركة .
ولا يرث إبن الأخ مع وجود الأخ لأن الأخ هو الأقرب للمتوفى . كما إن إبن الإبن لا يرث مع وجود الإبن ، ولا يرث الجد مع وجود الأب لأن الأب هو (الأقرب) .
مثلا : زوج توفى وله : أب + جد + زوجة + أم + أخ شقيق + أخ لأب + أخ لأم . التوزيع : للزوجة الربع ، وللأب والأم كل منهما السدس لوجود الأخ الشقيق وله الباقي ، لا يرث الأخوة غير الأشقاء لوجود الأخ الشقيق ، ولا يرث الجد لوجود الأب.
-- ولكن رب العالمين لم يفرق بين درجتي القرابة (الأقربون وأولو القربى) في محرمات الزواج ، والمباح في النظر لزينة المرأة عموما ، وفي الدخول لبيوت النبي ، إنما التفرقة جاءت في التركة.
تطبيق الوصية وسداد الديون :
إن تطبيق الأفراد للوصية وتوزيع الميراث يتم تحت إشراف ومراقبة الدولة في الاسلام ، وإن الوصية هي أساس لوالدي المتوفى الأحياء بالتعيين والتحديد (أو للحيّ منهما) ، ولمن يختاره المؤمن في وصيته من بين الورثة فقط.
وأن هذه الوصية هي عند الموت ، أي ساعة الإحتضار ، بالقول والكتابة ، وأن من يغيّر الوصية بعد موت المتوفى يكون آثما.
أما إن كان في الوصية ظلم فعلى الدولة أن تتدخل بالاصلاح ، يقول جل وعلا :( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة .
-- الوصية عند الموت في السفر ، إذا كان المؤمن مسافرا وأدركته المنية بعيدا عن أهله وحان وقت الوصية قبل الموت فعليه أن يكتب وصيته أو أن يقولها أمام إثنين من الشهود العدول ، وعليهما إبلاغ السلطة المسؤولة في بلده بهذه الوصية علنا.
ولو كان هناك ريب أو شكّ فيهما فعليهما أن يقسما بالله جل وعلا قائلين ( لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ ). فإن ظهر كذبهما فعلى من يدّعي كذبهما البينة بأن يبرز شاهدين آخرين ليشهدا شهادة تنفي شهادة الشاهدين الأولين ، وأن شهادتهما أحق من هذين السابقين.
يقول رب العزة جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) المائدة .
-- هل تجوز الوصية قبل الموت بمدة طويلة ، نعم يجوز، من الممكن أن يكتب المؤمن وصيته ، ويحتفظ بها الى أن يقترب منه الأجل ، فيظهرها ويعطيها للحاضرين عند الاحتضار ، أو أن يتلوها لهم ، ولكن لا يتركها لتُذاع بعد وفاته ، ومن الممكن أن يكتب وصيته ثم يعدّل فيها ، وتكون الوصية المعمول بها هي التي تُقال قبيل موته ، ويحدث أن يكتب وصيته ثم تتغير الظروف كأن يموت قبله الوالدان ، أو أحد الأقربين ممّن شملتهم وصيته ، لذا لا بد أن يغير وصيته لتكون صالحة عند موته .
أمثلة عمّن تجب أو تجوز أو تمتنع الوصية له :
1 ـ زوجة متوفاة (لها مالها الخاص بها) : تركت ( زوج + أب + أم + إبن + بنت + أخ + أخت + ابن إبن + ابن بنت + عمّ + عمة)
الوصية للأب والأم وجوبا . وهي جوازا وإختيارا للزوج و للإبن والبنت لبعضهم أو لهم جميعا . وتمتنع الوصية للأخ والأخت وإبن الابن لأنهم قد حجبهم الإبن من الميراث و تمتنع الوصية للعمّ والعمّة وابن البنت لأنهم ليسوا من الورثة أصلا .
2 ـ زوجة متوفاة لها :( زوج + أب + أم + بنت + أخ + أخت + أبناء إبن + إبن بنت + عمّ + عمة)
الوصية للأب والأم وجوبا . وهى جوازا وإختيارا للبنت وابن الابن وللزوج ، لبعضهم أو لهم معا . وتمتنع الوصية للأخ والأخت لأنهم قد حجبهما إبناء الإبن من الميراث .وتمتنع الوصية للعمّ والعمّة وابن البنت لأنهم ليسوا من الورثة أصلا .
3 ـ زوجة متوفاة لها :( زوج + أم + بنتان + إبن + أخ + أخت + إبن إبن + إبن بنت + عمّ + عمة)
الوصية للأم وجوبا ، وهي جوازا وإختيارا للبنتين والإبن وللزوج لبعضهم أو لهم جميعا ، وتمتنع الوصية للأخ والأخت وإبن الإبن لأنهم قد حجبهم الإبن من الميراث وتمتنع الوصية للعمّ والعمّة وإبن البنت لأنهم ليسوا من الورثة أصلا.
4 ـ زوجة متوفاة لها :( زوج + أب + أم + بنت + أخ + أخت + ابن بنت + عمّ + عمة ) ، الوصية للأب والأم وجوبا . وهي جوازا وإختيارا للبنت و للزوج والأخ والأخت لبعضهم أو لهم جميعا . فالأخوة يرثون لعدم وجود الإبن أو إبن الإبن . وتمتنع الوصية للعمّ والعمّة وإبن البنت لأنهم ليسوا من الورثة أصلا .
مبررات تفضيل بعض الورثة بالوصية :
للوالدين وصية واجبة ، وما عداهما فلصاحب الوصية أن يختار وأن يفضل من يشاء من (الورثة) في الوصية ، بالزيادة والنقصان أو بالعطاء والحرمان كلية من الوصية ، ولكن بالعدل أوالمعروف ، فهو هنا يتعامل مع ربه جل وعلا ليراعي العدل ، الذي هو أساس تشريع الوصية ، وبالعدل يمكن علاج بعض الظروف المختلفة للورثة.
ونعطي أمثلة :
1 ـ له بنت أرملة فقيرة وتعول أطفالا ، فله أن يفضلها بالوصية عن أخوتها الأثرياء ، لأن تطبيق قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين) بلا وصية لها يكون ظُلما لها .
2 ـ له إبن ثرى وقد أنفق على تعليمه وتزويجه الكثير ، وله أبناء صغار لم يتمتعوا بما تمتع به أخوهم الأكبر ، عليه أن يفضّل أبناءه الصغار على أخيهم الأكبر في الوصية.
3 ـ له إبن أكبر أسهم في تنمية ثروة أبيه ، وله أبناء آخرون لم يتعبوا في السعي للرزق مع أبيهم ، عليه أن يفضل إبنه الأكبر في الوصية بمقدار إسهامه في تنمية ثروة الأب .
4 ـ له زوجتان ، إحداهما عانت وعاشت معه أوقات المحن حتى بلغت من الكبر عتيا ، والأخرى تزوجها في أيام العز والثروة التي أسهمت الزوجة الأولى في تنميتها ، العدل يقتضي تفضيل الزوجة الأولى بالوصية دون الأخرى.
5 ـ له إبن صغير سيكون يتيما بموته ، وأبناء كبار إستقلوا بحياتهم بعد أن أنفق على تعليمهم وزواجهم ، عليه أن يعوّض إبنه الصغير بالوصية.
6 ـ ليس له إبن ولكن له (أخّ) ساعده في حياته ، ووقف الى جانبه في المحن ، وهذا الأخ يرث لعدم وجود الإبن ، وعليه أن يوصي للأخ بما يساوي ما قدمه في مساعدة أخيه.
7 ـ له أب ظالم كان قاسيا في معاملته ، ولم يساعده في حياته كأي أب ، الآن هذا الإبن على وشك الموت ، وسيكون هذا الأب من الورثة شرعا ، فهل يوصى له أيضا ؟ نعم الوصية هي للأب بصفته (أبا) ، حتى لو لم يقم بواجبات الأب.
11 ـ تزوجت أمه بعد طلاقها من أبيه ، وتركته مع أهله وإنقطعت صلتها به فعاش كأنه يتيم الأم مع وجود أمّه على قيد الحياة ، وهو الآن على وشك الموت ، وسيكون من حق هذه الأم أن ترث شرعا ، فهل من حقها الوصية كأي أم طبيعية عانت في تربية إبنها ؟ نعم الوصية للأم بحسب وصفها أُمّا ، وليس بمدى قيامها بواجب الأمومة.
-- يحرم أن يترتب على الوصية ضرر:( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) 12 النساء ، قد يتأثر الموصي بالهوى ، وقد يؤثر فيه آخرون فيوصي بما فيه ظلم وضرر وهذا حرام ، أمثلة :
1 ـ له بنت وإبن ويريد أن يوصي لابنته دون الإبن ليساويها بأخيها في الميراث ليكسر قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، هذا حرام و وصية باطلة.
2 ـ بنفوذ زوجته أوصى لإبنهما الصغير وفضّله بهذه الوصية عن أخوته من زوجة أخرى ، هذا ظلم ووصية مُحرّمة باطلة.
3 ـ بنفوذ الزوجة صاحبة الحظوة أوصى لها دون الزوجة الأخرى ، هذه وصية ظالمة مُحرّمة باطلة.
سداد الديون مع تنفيذ الوصية قبل قسمة الميراث
هناك ديون عادية تكون على المتوفى الذي مات دون أن يسددها ، ولا بد من سدادها مع تنفيذ الوصية وقبل تقسيم التركة والوصية ، ولكن هناك من أولي القربى ، كإبن الأخ والعم والخال من يكون صاحب حق ولكن لا يرث ، فكيف يتم تعويضه عن حقه ؟
وهناك من يتم حجبه من الميراث (كالأخ) الذي يحجبه (الإبن) أو(إبن الإبن) الذي يحجبه الإبن ، هؤلاء الذين لا يرثون ولا حق لهم في الوصية يجب تعويضهم عن حقوقهم بإعتبار حقوقهم ضمن الدين الذي يجب سداده مُلحقا بالوصية ، وفي كل الأحوال فإن تنفيذ الوصية وسداد الدين لا بد من القيام به قبل توزيع التركة.
نعطي أمثلة :
1-- الإبن الأكبر الذي أسهم مع أبيه في تكوين الثروة ، مات في حياة أبيه وترك أولادا ، ثم مات أبوه ، أبناء الإبن الأكبر لا يرثون جدهم لأن أبناء جدهم يحجبونهم .
هنا يجب على المُوصّى أن يعتبر إسهام إبنه الأكبر المتوفى دينا لا بد من الوفاء به ، و يكتب بهذا دينا يجب سداده من تركته . وقد يكون من الأفضل أن يفعل ذلك قبل موته وهو يسعى في الأرض ، وقد مات إبنه الأكبر تاركا ذرية ضعافا ، فالأفضل أن يبادر بكتابة حقوق الإبن المتوفى لذريته بيعا وشراءا ، وإلا فهو(دين عليه).
2 -- تزوج ثم طلّق زوجته بعد أن عانت معه الأيام الصعبة ، وبموته مطلقته هذه لا ترث ، وتضيع مُعاناتها معه هباءا ، عليه أن يكتب لها دينا قبل موته يتم سداده لها مع الوصية.
3 -- عاش يتيما وقد تولاه عمُّه بالرعاية بعد موت أبيه ، وأنفق عليه كإبن من إبنائه ، ثم مات العم وترك ذرية أبناء عمومة ، وقد أشرف هو على الموت ، ويريد الوفاء بجميل عمّه ، وهم ليسوا ورثة ولا حقّ لهم فى تركته ، عليه أن يقيّم مقدار مساعدة عمه له ، وأن يكتب ذلك دينا عليه يتم سداده من تركته مع الوصية.
4 -- نفس الحال مع الأخ الذي لا يرث بوجود الإبن حاجبا له ، ونفس الحال مع العمة والخالة والعم وإبن العم ، الذين كانت لهم أفضال عليه ، وهو مدين لهم ، فعليه أن يسدد هذه الديون وأن يردّ هذا الفضل بكتابته دينا يتم سداده من التركة .
5 -- له إبن بنت توفيت من قبل ، وإبن البنت هذا لا يرث وليس له حق في الوصية ، و يشعر الموصي بالعطف عليه ، ويريد الإحسان إليه ، لذا يمكن ان يكتب له هبة مالية بالعدل والإحسان (بالمعروف) ، وفي كل الأحوال لا بد من إشراف السُّلطة الاجتماعية المختصة بالتركات لإقرارالعدل وحفظ الحقوق.
-- باب الفريضة أو الميراث
باب المواريث يُطلق عليه أيضا (باب الفرائض) بسبب ورود كلمة (فريضة) ومشتقاتها في تشريعات الميراث ، ونفس المصطلح (فريضة) يطلقه رب العزة على المهر أو الصداق ، ويجعله أساس الزواج ، فالفريضة هي دفع المهر وجوبا وفرضا ، ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (24) النساء.
كما يوجب رب العزة دفع المهر لملك اليمين إذا تزوجها سيدها ، أو غيره ، وهي التي تقبض مهرها ،( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... (25) النساء .
ونفس المصطلح (فريضة) يطلقه رب العزة على مؤخر الصداق فى حالة الطلاق ،( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) (237) البقرة.
تشريعات الإسلام متكاملة ، وتؤخذ جميعا بلا إنتقاء . فالفريضة في الميراث تؤخذ كما تؤخذ الفريضة في المهر وسائر حقوق المرأة في الزواج والطلاق وما يترتب عليه من رضاعة وحضانة .
أما لما للذكر مثل حظ الأنثيين ، أولا : نحن نطيع أمر الله عز وجل كما جاء ، إن علمنا مبررات الأمر أو لم نعلم ، ثانيا : المبرر العقلي العادل ، تخيل أن لك إبنا وإبنة ، (إبنك) عليه أن يدفع مهرا ويجهز سكنا وينفق على زوجته وإذا طلقها فعليه كذا وكذا ، أما (بنتك) فعندما تتزوج تقبض المهر وتجد من ينفق عليها ويؤسس لها منزلا ، وإذا طلقها فعليه لها كذا وكذا ، هنا يكون من الظلم أن تتساوى إبنتك في الميراث مع إبنك ، ولهذا فلها نصف أخيها في ميراثها منك .
ولكن هذا لا يسري على الوالدين (الأب والأم) في ميراث إبنهما المتوفى ، فقد قاما بدورهما معا في رعاية الأبناء حتى وصلا الى نهاية العمر، فأصبح من حقهما على أبنائهما الرعاية وسائر الحقوق المنصوص عليها في القرآن الكريم، كما أن حقوق الوالدين متساوية ففي كل الآيات يأتي الحديث عنهما معا (بالوالدين) بلا تمييز للأب عن الأم أوالعكس .
إن ميراث الأبناء والوالدين وفقا لقاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ليست عامة أو مطلقة وضرورة إرتباطها بالمساواة وبالعدل ، ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) النساء.
أمثلة توضيحية للآية الكريمة ، نعتبر أن التركة 1200 جنيه في جميع الأمثلة :
-- مات رجل وترك : إبنا وبنتا ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، يأخذ الابن 800 ، البنت 400 .
-- مات رجل وترك بنتا واحدة فقط : لها النصف 600 .
-- مات وترك بنتين : لهما ثلثا التركة بالتساوي بينهما ، ترث كل بنت 400 .
-- مات وترك أربع بنات : لهن جميعا الثلثان بالتساوي ، نصيب كل البنت 200 .
-- مات وترك (أب + أم + إبن + بنت)، يرث الأب السدس200 ، وترث الأم السدس200 ، والباقي للإبن والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين .
-- مات وترك (أب + أم + بنت) ، الأب له السدس200 ، الأم لها السدس200 ، البنت لها النصف 600 والباقي 200.
-- مات وترك (أب + أم + بنتين)، الأب السدس200 ، الأم السدس200، البنتان الثلثان800.
-- مات وترك (أب + أم ، بلا أولاد وبلا أخوة )، لكل من الأب والأم الثلث400 .
-- مات وترك (أب + أم + وأكثر من أخ وبدون أولاد)، الأب السدس200، والأم السدس200 والباقي للإخوة بالتساوي بينهم .
الجمع بين العدل والمساواة في ميراث الزوجين . يقول جل وعلا ،( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء ).
أمثلة توضيحية للآية الكريمة ، أيضا التركة 1200 جنيه :
-- زوجة ماتت وتركت (زوج وليس لها أولاد) للزوج النصف600.
-- زوجة ماتت وتركت (زوج + ولد) للزوج الربع300 والباقي للولد 900 .
-- زوج مات وترك (زوجة وليس له أولاد)، للزوجة الربع300 .
-- زوج مات وترك (زوجة وله أولاد)، للزوجة الثمن150.
في ميراث الكلالة وهي عدم وجود ذرية من أولاد وبنات
الكلالة نوعان :
1 ـ كلالة مع وجود الزوج أوالزوجة ،( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء ، أمثلة توضيحية والتركة أيضا 1200 جنيه:
-- مات الزوج وترك (زوجة وأخا أو أختا ولم يترك أولادا)، الزوجة لها الربع 300، الأخ له السدس200 ، والأخت لها السدس200 والباقي 500 .
-- مات الزوج وترك (زوجة واخوة ذكورا وإناثا )، الزوجة لها الربع 300، والأخوة الذكور والاناث جميعا شركاء في الثلث 400 والباقي 500.
-- ماتت الزوجة وتركت (زوجا وأخا وأختا)، الزوج له النصف600 ،الأخ له السدس200 والأخت لها السدس200والباقي 200.
-- ماتت الزوجة وتركت (زوجا وأخوة ذكورا وإناثا)، الزوج له النصف600، الأخوة ذكورا وإناثا جميعا شركاء في الثلث400والباقي 200 .
2- الكلالة في عدم وجود الزوج أو الزوجة والأولاد أيضا ، أي ينفرد الأخوة أو الأخ أو الأخت بالتركة ،( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء ، أمثلة توضيحية و التركة 1200 :
-- مات أو ماتت وليس له أو لها ورثة سوى أخت وحيدة ، الأخت ترث النصف600.
-- مات أو ماتت وليس له أو لها ورثة سوى أختين أو ثلاث أخوات : لهما أو لهنّ الثلثان800 والباقي 400 .
-- مات أو ماتت وليس له أو لها ورثة سوى أخ وحيد : يرث التركة كلها 1200.
-- مات او ماتت وليس له أو لها سوى إخوة ذكورا وإناثا ، يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين .
كل هذا بعد قضاء الديون وتنفيذ الوصية ، و كل ما ينطبق على الزوجة الواحدة ينطبق على باقي الزوجات في الميراث.
تقسيم الميراث :
الميراث حق إنساني وآيات تقسيم الميراث ثلاث فقط ، والتدبر فيها والتمسك بها وحدها يوفرالكثير من (الهجص) الذي وقع فيه فقهاء السُّنة في موضوع الميراث ، وهو هجص إستغرق آلاف الصفحات في الفقه السُّني.
يقول جل وعلا: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)النساء.
( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء.
( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (167) النساء.
تحديد الورثة : ميراث الأب والأم.
1 ـ قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين) تنطبق على الأولاد ولا تنطبق على الأب والأم ، في السورالمكية والمدنية يأمر رب العزة بالاحسان للوالدين بالمساواة المطلقة بين الأب والأم ، وبالتالي فإن المساواة المطلقة بينهما واجبة في حقوق الميراث.
وآية (للذكر مثل حظّ الأنثيين) مقصورة على الأولاد وليس الوالدين ، يأتي التعبير في نفس الآية عن الأم والأب بلفظ مشترك (آباؤكم)،(ابويه) للتأكيد على مساواة الأم بالأب ، فالأب والأم كلاهما (أب) ، كما أن كليهما (والد) في مصطلح (الوالدين).
مع وجود (الولد والأخ والأخت) يكون نصيب الأب السدس ونصيب الأم السدس: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ) . وفي عدم وجودهم ترث الأم الثلث و ذات المفهوم طبقا للمساواة يرث الأب الثلث.
-- ( أب + أم + ولد ) : الأب السدس200 ، الأم السدس200 ، الباقي800 للإبن .
-- ( أب + أم + اولاد ): الأب السدس ، الأم السدس ، والباقي للاولاد للذكر مثل حظ الأنثيين .
-- ( أب + أم + بنت ) الأب السدس200، الأم السدس200 ، البنت النصف =600 يبقى 200 .
-- ( اب + أم + بنتان فأكثر ) : الأب السدس200 ، الأم السدس200 ، البنات الثلثان800 -- (أب + أم + ولد + أخ) لا يرث الأخ فقد حجبه الإبن . الأب السدس والأم السدس ، الإبن الباقي.
-- (أب + أم ، وبلا ولد ) ، الأم الثلث400 ، الأب الثلث400 والباقي 400 .
-- (أب + أم + أخ فأكثر) للأم السدس200 والأب السدس 200 والباقي800 للأخوة بالتساوي لعدم وجود الاولاد.
خطأ الفقه السُّنى في ميراث الأب
1 ـ أخطأ الفقه السُّنّي في ميراث الأب ، إذ تناسى أنه له فريضة محددة كالأم ، فجعله عصبا مثل الإبن أوالأخ ، ينفرد بباقي التركة بعد أصحاب الفروض ، مثلا : الورثة : أب ، أم ، أخ ،( للأب200 + للأم 200+ للأخ800) ، بينما وفقا للفقة السني للأم الثلث 400 ثم يجعلون الأب يحجب الأخ ويأخذ الباقي800 ، وللأخ لا شىء.
هذا خطأ لأن الأب والأم متساويان في الميراث ، وهما معا لا ينفرد أحدهما بالتركة كالإبن والأخ ، لأن للأب فريضة محددة بالثلث وبالسدس وكذلك الأم حسب وجود الإبن والبنت والأخ والأخت .
2 ـ تطبيق هذا الزعم سينتهي بالخلط في ميراث الأب . ونعطى أمثلة :
(أب + أم + زوجة) هنا على زعمهم تأخذ الأم الثلث400 والزوجة الربع300 والباقي الأب500 ، هذا خلط ناتج عن تجاهلهم للحقيقة القرآنية في تساوى الأب والأم في فريضة الميراث .
ميراث الأولاد : يقول جل وعلا :( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ).
أمثلة ، دائما التركة 1200 للتوضيح :
-- الإبن مع الفروض ينفرد بالباقي : أب + أم + زوج + إبن . السدس للأب 200والسدس للأم 200، والربع للزوج 300، والباقي للإبن500 .
-- الإبن مع البنت يأخذون الباقي بعد الفروض : زوجة + أب + أولاد وبنات : الزوجة الثمن 150، الأب السدس 200، والباقي 850 للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين.
-- الإبن والبنات ينفردون بالتركة كلها بالحجب وفي عدم وجود أصحاب الفروض : إبن وبنت و إبن ابن وأخ وأخت وعمة وخالة وابن أخ وابن عم . وجود الابن يحجب ابن الابن والأخ والأخت وكل الأقارب ، ويستغرق مع البنت التركة كلها للذكر800 و للبنت 400.
-- الابن وحده ينفرد بالتركة كلها1200 إذا : لم تكن معه بنت للمتوفى ، ولا وجود لوالدي المتوفى ولا زوجه .
-- الولد جنين :يتوقف توزيع التركة إذا كانت الزوجة حاملا إنتظارا لقدوم المولود ، و يكون المولود وارثا بمجرد صراخه ، ويعتبر حيا يرث حتى لو مات بعدها بدقيقة واحدة ، كما إذا نزل ميتا لا يتغير شيىء في توزيع التركة .
أما إذا إستمرت حياته فإن توزيع التركة يختلف ، فالوالدان يأخذ كل منهما السدس بدلا من الثلث ، والزوجة تأخذ الثمن بدلا من الربع ، إن كان الوليد بنتا ترث النصف ، وإن كان ذكرا يأخذ نصيبه حسب الأحوال ، ولا ينال الأخ شيئا مع وجود الابن .
إذا مات الوليد بعد صراخه وثبوت حياته فإن تركته يتم توزيعها ، فتصبح الزوجة هي (الأم) وتأخذ ثلث تركة إبنها الوليد المتوفى إن لم يكن له أخوة ، فإن كان له أخوة فهي ترث السدس.
ميراث الزوج والزوجة : يقول جل وعلا :( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ).
-- للزوج600 نصف تركة زوجته إن لم يكن لها ولد ، فإن كان لها ولد فله الربع 300 . والزوجة ترث ثُمن تركة زوجها 150 إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد فهي ترث الربع 300 .
وتحديد الزوجة يعني من تكون في عصمة زوجها حين توفى عنها . و فالزوجة ترث لو كانت مُطلقة في فترة العدة ولم تصل الى مرحلة الانفصال التام (السّراح) التي تفارق فيها بيت الزوجية ، بعد تسريحها تنتفي عنها صفة الزوجة ، وليس لها أن ترث من زوجها السابق.
ميراث الأخ والأخت :
ميراث الأخ والأخت والأخوة مرتبط بالكلالة، أي عدم وجود ذرية للميت ، والكلالة أربعة أحوال :
1 ـ كلالة مع وجود الوالدين :( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ).
ففي عدم وجود الأولاد للمتوفى يأخذ الأب الثلث 400، وتأخذ الأم الثلث 400 . والباقي 400 للأخ والأخت والأخوة.
2 ـ كلالة مع وجود الزوج / الزوجة ،( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ..(12) النساء ، يرث الأخ السدس 200 ، وترث الأخت السدس 200 ، وإن كانوا أخوة رجالا ونساء فهم شركاء في الثلث 400.
3 ـ كلالة مع عدم وجود الوالدين والزوج / الزوجة : هنا لا يوجد أولاد ولا والدان ولا زوج / زوجة . يوجد الأقرب الوحيد هو الأخ ، الأخت ، الأخوة . هنا يرث ( الأخ / الأخوة ) كل التركة ،( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...(167) النساء .
أن ترك المتوفى أختا فقط ترث النصف 600 ، إن كانتا أختين فأكثر فلهما ـ أو لهنّ ـ الثلثان 800 ، وإن تركت المتوفاة أخا فقط يرث كل التركة ، وإن ترك المتوفى / المتوفاة أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ، هذا مع مراعاة قاعدة الحجب ، أي لا يرث الأخ غير الشقيق مع وجود الشقيق ، ولا يرث إبن الأخ مع وجود الأخ .
4 ـ كلالة مع وجود (الزوج / الزوجة) والوالدين تكون القسمة حسب الظروف : مثلا : المتوفى ترك ( زوجة + أخ + والدين ) للزوجة الربع 300 ، وللوالدين الثلثان 800 والباقي 100 للأخ .
أمّا إن تركت المتوفاة زوجا و والدين وأخا : للزوج النصف 600، وللوالدين الثلثان 800 ، ولا شىء للأخ . وفي هذه المسألة (عول).
الردّ والعول :
توزيع التركة ينتهي الى واحد من ثلاث : إتفاق الفروض مع الأصل الذي هي واحد صحيح ، وليست هنا مشكلة . المشكلة في (الرد) وفي (العول) .
إن زادت الفروض على الواحد الصحيح ، فهو (العول) ، وإن نقصت الفروض عن الواحد الصحيح وبقي من التركة جزء ، فهذا هو الرد .
مثلا : الورثة : (أب + أم + بنات) : للاب السدس 200 ، وللأم السدس 200 ، وللبنات الثلثان 800 . المجموع 1200 واحد صحيح أو الورثة (أخ وحيد) يرث التركة كلها 1200.
(الرد) أي أن يتبقى جزء من التركة التي1200 .
-- (زوجة + بنات) للزوجة الثمن 150 ، وللبنات الثلثان 800 ، يبقى 250 .
-- (زوجة + أم) : للزوجة الربع 300 ، وللأم الثلث 400 ، يبقى 500 .
كيفية التصرف في الرد (بقية التركة) :
الأصل أن الثروة مللك للمجتمع ، وهي للفرد الوارث الذي يُحسن القيام على نصيبه ، فلو ثبت انه سفيه يتم تعيين وصي على تنمية ثروته ، وبالتالي فلو بقي جزء من التركة فهو يعود الى (بيت المال) في بند خاص يتم الصرف منه على مستحقي الصدقة الرسمية ، طبقا لقوله جل وعلا :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)(التوبة).
الميراث وتوزيع الصدقات كلاهما فريضة من الله جل وعلا و بالتالي فإن ما يفيض من فريضة الميراث يتم (ردُّه) الى فريضة الصدقات ، وتنفق الدولة من هذا في إنشاء بيوت لإستضافة أبناء السبيل ، وكفالة الأيتام وأطفال الشوارع والأرامل ، والمستشفيات لعلاج غير القادرين ، وفي رعاية للفقراء والمساكين بالدعم العيني في السلع الأساسية أو بمرتبات ..الخ .
تفرض بعض الدول ضريبة على التركات ، والأولى أن يكون هذا في حالة (الرد) أي أن يؤل الباقي من الميراث الى خزينة الدولة للإنفاق منها على الرعاية الاجتماعية .
العول : العول عكس الرد ، أي زيادة الأنصبة (الفروض) عن الواحد الصحيح ، ويحدث عند إجتماع الوالدين والزوج/ الزوجة والبنات .
-- (والدان + زوج + بنت) : للوالدين الثلث 400 ، وللزوج الربع 300، وللبنت النصف 600 ، المجموع 1300 بينما التركة 1200، الأسهم هنا 12 ، للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنت 6 . والمجموع يزيد على الواحد الصحيح ، أى 13 على 12 . هنا يكون الحل باعتبار الأسهم 13 . ويكون للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنت 6 .
-- (والدان + زوج + بنتان) : للوالدين الثلث 400 ، وللزوج الربع 300 ، وللبنتين الثلثان 800 ، الأسهم 12 ، للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنتين 8 . والمجموع يزيد على الواحد الصحيح ، اى 15 على 12 . الحل بإعتبار الأسهم 15 . للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنتين 8 .
مسائل العول بسيطة ومحددة هنا طبقا للتشريع القرآني في الميراث ، ولكنها في الفقه السّنى متشعبة ومعقّدة لأنهم أدخلوا بين الورثة من ليس منهم ، فإزداد العدد وإزدادت الأنصبة أو الفروض . ونفس الحال فى موضوع الرد لبقية التركة ، عالجوه بالتقسيم على العصبيات التي لا ترث وبغير ذلك من تفصيلات واختلافات شتى .
المحور الثالث
دور الدولة والفرد في تطبيق الشريعة :
كان للدولة الاسلامية والفرد المسلم دورا بارزا في تطبيق الشريعة الإسلامية ومنه الوصية والميراث فقد نزلت تفصيلات التشريعات في الميراث والأحوال الشخصية في ظل دولة إسلامية تجتهد في تنفيذ التشريع على أرض الواقع .
كما كان الفرد المسلم مسئولا مسئولية مباشرة أمام المجتمع وأمام ربه جل وعلا في تطبيق الشرع ، ولهذا توجّه الخطاب أيضا للفرد المسلم مباشرة بالترغيب والترهيب يعظه ويحثه على التقوى ويخوّفه من عذاب يوم القيامة .
في الخطاب للمجتمع لرعاية المطلقة المُرضعة يقول جل وعلا :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) الطلاق .
الفرد المُطلّق عليه توفيرالسكن والنفقة الملائمين لللزوجة المطلقة ، وتحقيق ذلك يتطلب إصدار تشريعات قانونية من قبل المجتمع ، لتطبق علي أفراد يختلف وضعهم الاقتصادي والاجتماعي وهذا يتطلب تمحيصا وجلسات لإقراره و التي تغطي كافة الإحوال الإنسانية ، وبذلك يأتمر المجتمع بالمعروف ، ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ).
( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق ، الخطاب موجه للفرد مباشرة.
وفيما يخص الوصية نجد الخطاب واضحا للمجتمع وسلطته القضائية والاجتماعية ، فطبقا للشريعة الاسلامية فإن المال هو ملك للمجتمع أصلا ، وليس للفرد أن يتصرف في التركة المنقولة اليه إلا إذا أحسن القيام عليها ، وبالتالي فإذا تبين أن الوارث سفيه فإن السلطة تقيم وصيا على الوارث السفيه ليستثمر تركة السفيه لصالح السفيه والمجتمع.
والوارث الطفل لا بد من تعيين وصي عليه يحفظ ماله ، ويستثمره له . وإذا كان هذا الوصى غنيا فالأولى ألا يأخذ مرتبا من مال الوارث القاصر مقابل الوصاية عليه . أما إذا كان فقيرا فله أن يأخذ مرتبا معقولا بالعدل والمعروف .
وقد يطمع بعضهم فى مال الوارث القاصر فيزعم أنه سفيه ، لذا فإن من سلطة المجتمع تعيين لجنة تختبرالوارث القاصرحين يبلغ مستوى الانجاب ، كما تختبر مدى كفاءته في إدارة تركته ، أما عند الموت فتقوم لجنة لمراقبة الوصية.
حدود الله الخاصة بحقوق البشر تحتاج الى سلطة المجتمع في التطبيق :
جاءت كلمة "حدود" فى القرآن الكريم (14) مرة وكلها تعني حقوق الله وتشريعاته ، ولا تعني العقوبة كما يدل مصطلح حد الردة أو "حد الزنا" وتطبيق "الحدود" في الشريعة السنية.
إن العصر العباسى وفقهاءه قد نحتوا لهم مسميات خاصة لا تتفق وتشريعات القرآن..حيث أن عصر الرسول المرتبط بالقرآن أساساً لم يعرف مدلولاً اسمه "حد السرقة" أو "حد الزنا" وسائر العقوبات المنصوص عليها في القرآن لأن القرآن حين ذكر عقوبة الجلد للزانى لم يستعمل كلمة حد الزنا ، وكذلك حين تحدث عن جريمة السرقة أو القذف أو القتل..
على الدولة الاسلامية أن تتدخل فى تطبيق التشريعات الخاصة بحقوق البشر فقط كالميراث والوصية والأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة ومتعة وعدّة وما يترتب للمرأة بالذات من حقوق ، وما يكون لليتيم والمساكين من حقوق ، وما نسميه اليوم بحقوق الانسان ، ولا دخل للدولة ومجتمعها في تطبيق حدود الله جل وعلا في العبادات كالصلاة والصوم لأنها حقوق الله جل وعلا ، وموعد الحساب عليها مؤجل ليوم الحساب . ولكن للمجتمع دخل فى تطبيق الزكاة المالية لأنه وإن كانت عبادة إلا إن المستفيد منها جزء من المجتمع .
المحور الرابع
تناقض التشريع السني مع التشريع الإسلامي في الميراث :
يتناقض التشريع السُّني في الميراث مع التشريع الاسلامي في تحديد الورثة ، وهو تناقض بالاضافة والحذف ، يضيفون الى الورثة ما ليس منهم مثل توريث صاحب الولاء من التابعين له واخترعوا لذلك حديثا يزعم أن الولاء لُحمةُّ كلُحمة النسب ، وتوريث ذوي القربى غير المذكورين في القرآن الكريم من العصبية في النسب كالعم و إبن العم و إبن الأخ.
كذلك يحذفون الورثة الأُصلاء كالإبن والبنت للأب والأم ، بزعم الإختلاف في الوطن والإختلاف في الحرية والعبودية والإختلاف في الدين تبعا لقاعدة مفتراة تقول :( لا يرث الكافر المسلم ولا يرث المسلم الكافر) .
كما يقولون بأن المرتد والقاتل لا يرث ، طبقا لمنهجهم الذى بدأه الإمام مالك في (الموطأ) وتوسع فيه كما فصّله الشافعي في كتابه (الأم) ، وهذا المنهج يعتمد على إخضاع القرآن الكريم لما يسمونه بالسنة ، وهي ثقافة عصرهم وقد صاغوا هذه الثقافة التي تنتمي للعصور الوسطى في أحاديث مفتراة وأحكام فقهية ، وذلك لعدم قدرتهم على التفرقة بين (الأقربين) و(أولي القربى) فيما يخص الميراث ،وهذا التشريع يتم تطبيقه حتى الآن ، ومن أجله نهجر تشريع الرحمن !.
أضاف السنيون مستحقين للميراث خارج حدود الله جل وعلا . مثل إبن الأخ والعم وإبن العم ،جعلوا توريثهم بالعصبية ، أو النسب للأب فقط ، طبقا لنظام القرابة العربية القائمة على العصبية الأبوية . وهم يرثون في حالة عدم وجود من يحجبهم ممّن يكون أقرب منهم للمتوفى .
مثلا : لو مات وترك إبنا فإن الإبن يحجب أخ المتوفى و إبن أخ المتوفى وعمّ المتوفى ، أمّا إذا مات وترك بنتا وزوجة وعمّا و إبن عم ، بزعمهم ، للبنت النصف وللزوجة الثمن ، و الباقي يكون من حق العمّ الذي يحجب إبن العم لأن العمّ أقرب .
كما و وقع السنيون في مشكلة توريث الجدّ ، فهل يرث الجد مع وجود الأب أم لا ؟ ووقعوا في مشاكل أخرى إختلفوا كالعادة في حُكمها ، هذا هجص يناقض الاسلام :
1 ـ لأنه يناقض مقصدين من مقاصد أساسين في تشريع الاسلام ، هما العدل والحرية المطلقة في الدين.
2 ـ حين دعا ابراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل مكة الأمن والثمرات فقد قصر دعوته على المؤمنين منهم دون الكافرين ، وجاء الرد من رب العزة بأنه جل وعلا سيرزق الجميع من مؤمن وكافر ، ولكن الذي يموت كافرا سيُعذّب يوم القيامة بعد أن يتمتّع في الدنيا : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) البقرة ، فالرزق للجميع ، وقد تكفل ربّ العزة برزق كل دابة :( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)هود
3 ـ نفس الحال في الحقوق والصدقة والزكاة المالية ، فقوله جل وعلا عن صفات المتقين :( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ، يعني أن المتقي إذا سأله سائل للصدقة يُبادر بإعطائه الصدقة دون أن يسأله عن دينه ومذهبه ، وإذا رأى محروما بادر بإعطائه دون أن يقيم له محكمة تفتيش يستجوبه عن عقيدته ، فالمستحق للصدقة هنا مُحِدّد بالصفة وهي (السؤال) و(الحرمان) ، ليس مهما إن كان صالحا أو فاسقا ،مؤمنا أو كافرا ، ولا أهمية لدينه وجنسه ووطنه ، يكفي كونه فقيرا أو مسكينا أو إبن سبيل ليأخذ (حقّه) من الصدقات في الدولة الاسلامية.
وفى الصدقة الفردية يقول رب العزة جل وعلا : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ، الصفات هنا هى المُعوّل عليه ، يكفي كونه من ذوي القربى والأقربين واليتامى والمساكين وإبن السبيل ليأخذ حقه .
أما هدايته وعلاقته بربه جل وعلا فلا دخل لأحد بها ، وليس علينا هدايته لأن هدايته أو ضلاله هى مسئوليته الشخصية ، ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) البقرة.
4 ـ إذا كان هذا في (حق الصدقة) فهو أولي في حقوق الوصية والميراث ، لقد تكرّر النّص على (حق) ذي القربى كقوله جل وعلا :( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) الاسراء ، هنا (حق) واجب لأناس محددين بالوصف وهم ذوالقربى.
5 ـ لا دخل على الاطلاق لاختلاف الدين في الميراث ، فالمسلم يرث الكافر، والكافر يرث المسلم ، واليهودي يرث المسلم ويرث النصراني المسلم ،والعكس ، والمرتد عن دينه يرث ويوُرّث دون أي إعتبار على الاطلاق لموضوع الدين في الميراث ، فمن (هجص) الدين السُّنّى أنه منع التوارث عند إختلاف الدين .
-- هجص مالك في الموطأ :(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)
-- (1086 – حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ ..... أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) هنا يروى يحيى الذي كتب الموطأ سمعا من مالك وأن مالكا روى له هذا الحديث ، يزعم أنه سمعه من (إبن هشام ) الزهري ، بينما ثبت لنا أن مالكك لم يسمع لإبن شهاب الزهري ولم يره أصلا، وهو تشريع ظالم يعبرعن تعصب ديني يجعل الجنسية في الدين و يؤسس التفرقة بين الناس على أساس إنتمائهم الديني.
جاء فى صحيح البخاري :( وقال عمر بن عبد العزيز: أجز وصية الأسير وعتاقه، وما صنع في ماله ، ما لم يتغيِّر عن دينه ، فإنما هو ماله يصنع فيه ما يشاء)، وجاء في صحيح مسلم :( 4225- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى .... عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ) ، وقد كرر الشافعي في كتابه (الأم) ما رواه مالك.
-- ولأن الأديان الأرضية مؤسسّة على الإختلاف والشقاق فإن الاختلاف قائم في هذه المسألة ، فهم يقومون بتشريع يخالف شرع الله جل وعلا ، وفي النهاية هو تشويش على الشريعة الاسلامية الحقيقية البسيطة الواضحة في القرآن الكريم .
الهجص السني أسوأ أنواع الهجص:
هناك هجص صوفي ولكنه هجص مُسالم ، بينما الهجص السُّنى الظالم السّام هو جوهر الدين السّنّي وأساس شريعته ، ومنها شريعته في الميراث، يرى أئمة الفقه السلفي المعاصر أن الزنديق هو من يؤمن بالكتاب والسنة ولكنه يعترض على متن أو إسناد بعض الأحاديث ، ويرون أن حكمه هو القتل بلا محاكمة وعند العثورعليه ، وأنه يُقتل حتى لو تاب ، هذا التطرف قال به من قبل إبن تيمية في العصر المملوكي في القرن الثامن الهجري.
وفي عصرنا نقل أئمة التشريع السلفي السّني الوهابي ما ردّده فقهاء السّنة في العصور الوسطى في موانع الإرث ، وقد إتّفقوا على (إختلاف الدين) وأضافوا أسبابا أخرى وآخرين الى قائمة الضحايا ، مع إزدياد الإختلاف بينهم .
ونقول :
1-- ليس في عقوبة القاتل بالخطأ أو العمد حرمان للقاتل من الميراث إذا كان القتيل أباه أو أمه أو أخاه أو زوجه وذلك لعدم ورودها في القرآن الكريم ، فلم يقل رب العزة أن القاتل لا يرث القتيل.
2-- القاعدة العامة في التشريع السّني في التعامل مع إبن الزنا هي حرمانه وعقابه كما لو كان مسئولا عن إجرام أبويه . وهذا يخالف تشريع الإسلام والقاعدة الأساس فيه وھي ( أﻻ تزر وازرة وزر أخرى ) أي ﻻ ﯾتحمل برىء مسؤولية ذنب لم ﯾقع فيه ، وبالتالي فليس في الاسلام حرمان لإبن الزنا من ميراث أبيه طالما كان أبوه معروفا ، ويمكن الآن تحديد أب الطفل باختبار الحمض النووي ، فإذا ثبت النسب فلا عبرة إن كان الولد قد جاء بالزواج الشرعي أو بغيره .
حرمان الرقيق وملك اليمين من الميراث :
تشريعات الاسلام في موضوع ملك اليمين كانت بالعلاج الجذري للمشكلة، بمنع الاسترقاق إبتداءا ، وأن الوارث يأخذ حقه سواء كان حُرّا أو رقيقا، وإن إعطاء الرقيق حقه في الإرث يساعده على التحرر، كما أن للرقيق ذمّة مالية مستقلة عن مالكه ، فالمرأة المملوكة لا يضاجعها مالكها إلا بعقد زواج ، ولا يعقد عليها إلا بمهر يدفعه لها هي ،( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(25)النساء.
وإذا طلب المملوك الحرية بثمن يدفعه كوتب على ذلك ، و وجب إعطاؤه مالا لمساعدته ، جاء هذا فى حِزمة من التشريعات تحثّ على الزواج وتزويج ملك اليمين بالتساوى مع الأحرار ،( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )(33) النور.
اكثر من هذا ، فالمملوك شريك بالمساواة فى مال سيده ، مهما بلغ التفاضل بينهما في الرزق ،( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) النحل.
روعة التشريع الاسلامي هذه في ظلام العصور الوسطى دمرها الخلفاء الراشدون والأمويون القرشيون بالفتوحات ، حيث تحول الإسترقاق الفردي الى إسترقاق لشعوب وأمم بأكملها وإعتبار سكانها (موالي) وسبي نسائهم وذرياتهم وسلب أموالهم .
وفي هذا الظلم المركب تمت صياغة الدين السُّنّى ليسوّغه بأحاديث مفتراة وبتجاهل التشريعات الاسلامية في القرآن ، منها ما يخص موضوعنا : حرمان الوريث إذا وقع ضحية في الإسترقاق ، أي بدلا من تحريره نمنعه حقه في إرث أبيه ..
فقهاء السلفية الوهابية في عصرنا ترفض الاسترقاق ومع ذلك يجترّ أئمة الفقه السلفي اليوم ما قاله سلفهم غير الصالح من قرون مضت ، فالشيخ سيد سابق يجعل الرق أول موانع الإرث الأربعة ، والتويجري السعودي يتابعه فيجعل الرق أول موانع الارث الثلاثة عنده ويكرر ذلك في موضوع الحجب فيقول :( هو أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث، وهو الرق، أو القتل، أو إختلاف الدين ، وهو يدخل على جميع الورثة ، فمن اتصف بأحد هذه الأوصاف لم يرث ، ووجوده كعدمه).
هجص توريث من لا يستحق ، وهذا الهجص له أنواع :
هجص بسبب إعتبارهم ذي القربى من الورثة : يتجلى هذا في إضافة أقارب العصب من ناحية الأب كالعم وإبن العم ، وقد قلنا تبعا لما جاء في آيتى الميراث أن الأقربين الورثة هم الوالدان و الأولاد و الأخ و الاخوة و الزوج و الزوجة ، وبعد الأخ الأقرب بالعصبية لا حق لمن بعده كالعم وإبن العم ، ولكن أئمة السُّنة يجعلون العم ثم إبن العم من الورثة في عدم وجود الوالد و الأولاد و الأخ و إبن الأخ ، بل ينفرد أقربهم بكل التركة.
هجص بسبب عدم فهمهم للتساوي بين الأب والأم في الميراث : وقد تعرضنا لهذه المساواة بين الأب والأم في الميراث والوصية وسائر الحقوق ، والتي جهلها أئمة السنيين ، وضربنا مثلا لأثر هذا الجهل في تغيير ميراث الأب بأن يصير أحيانا أقل من الأم.
ولكن نشير هنا الى خطئ افدح مترتب على هذه التفرقة بين الأب والأم في الميراث ، وهو أنهم يجعلون الأخ لأم وارثا ، دون الأخ الشقيق المولود من نفس الأم في حالة موت الأخ. وهذه كوميديا هزلية لأنهم جميعا من أم واحدة ، ولكن للشقيق الأقرب فقط حق الإرث من الأخ المتوفى ، فكيف للأخ من الأم أن يحجب الأخ الشقيق في حالة موت الأخ ؟
هجص بسبب تأثرهم بثقافة الإستعباد في العصور الوسطى (إعتبار سكان البلاد الأصليين موالي) :طبقا لتشريع رب العزة في الميراث فإن المتوفى له (تركتان) ، فهو (يترك) ثروة يرثها الوالدان والأقربون ، و(يترك) أيضا مسئولية يتحملها الورثة ، فهناك (موالي) أي أتباع من الأقارب الفقراء والضعاف والخدم كانوا محل رعاية المتوفى ، وبعد أن (يتركهم) يجب أن يتحمل الورثة رعايتهم ، وهذا معنى قوله جل وعلا ،( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء.
بالفتوحات التي إرتدّ بها الخلفاء الراشدون عن الاسلام أصبح أصحاب البلاد المفتوحة في درجة أقل من العرب ، بين الإسترقاق الصريح والحرية المقيدة ، وجاء التعبير عن هذا بوصفهم (موالي) أي أتباعا وخدما وأشياء من (سقط المتاع) وكان هذا عاما لكافة الشعوب التي خضغت للإحتلال العربي.
وتفضّل العرب على من يعتنق الإسلام على يد شخص عربي بأن يكون (مولى) له ويحمل (الولاء) لقبيلة هذا العربي وقد إستمر هذا من عصر الخلفاء الراشدين الى أواخر القرن الثالث الهجري ، مثلا إبن برزويه (البخاري) يحمل ولاءا عربيا هو (الجعفي) إذ أسلم جده المجوسي على يدي اليمان الجعفي والي بخارى ، فحمل الولاء للجعفي هو وذريته.
وكذلك الامام مسلم القشيري وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري ، فهو من نيسابور، يحمل ولاء قبيلة قشير العربية.
مقابل هذا الولاء صاغ أئمة الفقه السُّني حقا للعربي صاحب الولاء على المولى الذي ينتسب إليه بالتبعية ، وهذا الحق هو أن يرث العربي مال المولى ، أي يكون (الولاء) من عوامل الآرث مع نسب (الوالدان والأولاد) و(الزواج).
صنعوا في ذلك حديثا يقول (الولاء لحمة كلحمة النسب) وطبعا هو حق لطرف واحد ، هو العربي فقط على المولى ، وليس على العربي أي حق ، فلا يرث المولى سيده العربي . وهنا يتحقق الاتناقض التام بين تشريع القرآن وبين هجص أئمة السّنّة في (الولاء) ،( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء.
نماذج من هجص السُّنّة : يطول الحديث لو تعرضنا لهجص مالك في(الموطأ) وهجص الشافعي في(الأم)، نكتفي بفقهاء الوهابية في عصرنا البائس وهم ينقلون هذا الهجص ، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا ، نذكر بعض ما ذكره سيد سابق في(فقه السُّنّة) والتويجري في(موسوعة الفقه) . يقولون :
1 ـ أسباب الإرث ثلاثة : النسب الحقيقي والنسب الحكمي وهو الولاء والزواج الصحيح .
2 ـ وأصحاب الفروض اثنا عشر : أربعة من الذكور وهم الاب والجد الصحيح وإن علا والاخ لأم والزوج . وثمان من الإناث وهن الزوجة والبنت والأخت الشقيقة والأخت لأم الأبن و الأم و الجدة الصحيحة و إن علت ، هنا يجعلون الأخ لأم مميزا ومن اصحاب الفروض.
3 ـ معلوم أن اصحاب العصبية الذين يأخذون كل التركة إذا إنفردوا بها أو يأخذون الباقي كالإبن والأخ ، ولكن قسموهم ـ خلافا للقرآن ـ الى :
عصبة بالنفس ، وقالوا إن(جهات التعصيب) ، هي :( البنوة. ثم الأبوة. ثم الإخوة وبنوهم ثم الأعمام وبنوهم ثم الولاء) ، وقالوا إن جهات التعصيب بعضها أقرب من بعض وهي خمس على الترتيب : البنوة ثم الأبوة ثم الإخوة وبنوهم ثم الأعمام وبنوهم ثم الولاء ، فإذا وُجدت جهة البنوة أخذت المال ، فإن لم توجد انتقلت التركة إلى جهة الأبوة ، فإن لم توجد جهة الأبوة انتقلت التركة إلى الإخوة ، فإن لم توجد انتقلت إلى العمومة ، فإن لم توجد انتقلت إلى الولاء.
وقالوا إن عدد الوارثين من الرجال 15 ، وعمّن يرث بالفرض سبعة : الزوج ، والزوجة، والأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخ لأم، والأخت لأم ). هكذا تلاعبوا فى مستحقى الميراث فأضافوا لهم من جهة العصبية العم وابن العم ، ومن جهة الفروض الأخ لأم ، وجعلوا الولاء ـ أو العتق ـ سببا للإرث .
4 ـ المضحك هنا أن مالك والشافعي والشيباني وإبن حنبل كانوا يعبرون عن ظاهرة إجتماعية سياسية موجودة وهي (الولاء) و قد إندثرت هذه الظاهرة بالتدريج منذ القرن الرابع الهجري ، وأنمحت تماما منذ القرن السابع الهجري ولم يكن لها وجود في العصر المملوكي ، وبالتالي أصبحت مقطوعة الصلة تماما في عصرنا الراهن.
فإذا كانت هجصا فى عصرها فكيف يكتبها أئمة السلفية المعاصرون في التشريع السّني لعصرنا ؟ هل يوجد الآن مصريون يدينون بالولاء لأفراد في الجزيرة العربية ؟ وهل قام أحد الأعراب بعتق شخص من إيران فيستحق أن يرثه ؟
هذا يوضح أن ائمة السلفية في عصرنا غائبون تماما عن عصرنا وعاجزون تماما عن الإجتهاد بما يوافق عصرنا ، هم فقط يجترُّون المكتوب في العصر العباسي بحذافيره وبأحاديثه وبأكاذيبه ، ويرفعون لواء تطبيقه علينا .
هجص ترتب على هجص :
1 ـ بكثرة المُضافين للورثة تكاثرت حالات (العول).
2 ـ و بكثرة المُضافين للورثة إزداد الخلاف في الردّ ، أي ما يتبقى من التركة ، فجعلوه للعم و إبن العم و لبيت المال ، وهم على إختلاف شديد فيما بينهم ، وكان السهل والأكثر عدلا التمسك بشرع الله جل وعلا في الميراث.
خاتمة الكتاب
تشريع الميراث الإسلامي صمام أمن للمجتمع :
الفرد هو أساس المجتمع الغربي حيث يحرص التشريع الغربي على حق الفرد في تحقيق سعادته مهما تعارضت مع سعادة الآخرين، لذا تضمحل الأسرة وتنهار، ليجد الفرد الغربي نفسه وحيدا . يفتقد الدفء والحنان، على نقيضها المجتمع (الشرقي العربي) حيث (الأسرة) هي الأساس الصلب الذي ينتمي إليه الفرد وتكاد تنمحى شخصيته لصالح الأكبر سِنّا الذي ليس هو بالضرورة الأعقل أو الأعلم ، وتسود قيمة (الأب) و (الأخ الأكبر) وقيم المجتمع الذكوري من إستبداد وإضطهاد للمرأة وتخلف وتغييب لدور العقل والإبداع لصالح ما وجدنا عليه آباءنا .
في الاسلام توازن رائع بين (الفرد) و (الأسرة) لصالح المجتمع الذى تمثله سُلطة تخدم هذا المجتمع ولا تحكمه . من ملامح هذا التوازن مسئولية الفرد الشخصية عن دينه يوم القيامة ، ومسئوليته عن مشاركته في مجتمع متفاعل بالخير، ويتجلى هذا التوازن في تشريعات الاسلام الاقتصادية ، وتشريع الميراث .
فالرسول لا يسأل أجرا سوى المودة لذوي القربى :( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى ).
في التشريع الإسلامي هنالك إرتباط وثيق بين العطاء المادي والمودة والإحسان في تعامل الفرد مع والديه وأقاربه ، ليشمل محيطه من الفقراء والمساكين واليتامى وإبن السبيل والسائلين والجيران والأصحاب . كما ليشمل تعامله مع الدولة في الصدقات الرسمية وفي الدخل الذي يضيفه الى خزينة الدولة . هذه الدوائر تتداخل وتتسع لتشمل المجتمع كله ، بمختلف طوائفه.
في التطبيق العملي ، نتصور مجتمعا أفراده يُعطون حقوق ذوي القربى والآخرين و كل محتاج ، أي لدينا أغلبية من السكان تقوم مع الدولة على رعاية المستضعفين والمحتاجين ، حتى الغرباء (ابناء السبيل) حقوقهم في الرعاية والكفالة الاجتماعية ، مجتمع مترابط متماسك متكافل كهذا لا خوف عليه لا من الإنفجار الداخلي ولا من السقوط أمام عدو خارجي معتدي ، في هذا المجتمع يأمن الأب والأم في شيخوختهما ، ويأمن الطفل اليتيم على حقوقه ، ويأمن الناس جميعا .
اجمالي القراءات
23806
موجز رائع .
وقع خطأ بسيط هو تكرار المقال مرتين . أرجو إصلاح الخطأ .
خالص محبتى .
أحمد