الإنسان في القرآن الكريم - 10:
إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا – 10

خالد اللهيب Ýí 2013-03-18


ذكرتُ أن الله عز وجل قد ذم الإنسان بأبشع الصفات واستثنى منهم ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر، و بيّنت لماذا نؤمن بالقرآن الكريم ، ككتاب لله عز وجل ، ولكن لماذا استثنى رب العالمين الذين آمنوا من الذم والقدح ، أهو تعصب وتحيز من الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا به ؟ أم هو مكافأة لهم على عبادتهم وإلتزامهم وتقواهم ؟ ، أم هو أن إيمانهم بحد ذاته يُكسبهم صفات ترفع من شأنهم وتسموا بأخلاقهم وتُحسّنُ من أعمالهم وسلوكهم ليغدوا مثالا للإستقامة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، فيرضى عنهم الناس ورب الناس جل وعلا .

المزيد مثل هذا المقال :

جاء الإستثناء في سورة العصر التي تتحدث عن ما يتوجب أن يكون عليه الإنسان الفرد والمجتمع كوحدة واحدة وكيان حي نابض فاعل ، سورة تنطبّقُ على الفرد كما تنطبّقُ على المجتمع ، فالفرد والمجتمع في خسر إلا اذا ساد وعمّ الإيمان بالله الواحد الأحد وأقاموا الدين الحنيف وعملوا الصالحات وفقا لشريعة رب العالمين وساد الحق بينهم وتواصوا بالصبر  .

سورة تُوضح وتُبيّن أنّ الإنسان الفرد والمجتمع ككيان واحد في خسر إن لم يلتزم الفرد والمجتمع بكل ما جاء في السورة من الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، لا يكفي الإيمان دون العمل أو العدل دون الصبر ، إذ يتوجب الأخذ بهم جميعا ككتلة واحدة دون ترك إحداهم وإلا كان الفرد والمجتمع في الخسران المبين في الدنيا كما في الآخرة .

 يقسم الله جل وعلا بالعصر، (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)  العصر، فليس من السهل أن يقسم الله عز وجل بمخلوق من مخلوقاته ، فنحن على صعيد البشر، المخلوقين ،المحتاجين الى كل شيئ والتي يهبها أو يمسكها ويدبرها رب العالمين سبحانه وتعالى ، نأنف من القسم والحلف رغم صدقنا في قولنا ، قد يكون مرد ذلك ، شعورنا بالمهانة أو شعورنا أن كلامنا موضع شك وبالتالى شخصيتنا ومصداقيتنا موضع تساؤل ، بينما الله رب العزة والجلالة ، بجلالة قدره وقدرته واسمه وعظمته ، يقسم لنا، نحن خلقه وعباده  مما يشير الى عظمة قسم الله عز وجل وقد أكده رب العالمين قائلا، (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) الواقعة ، فحينما يقسم الله عز وجل بما شاء له أن يقسم به ، يُأكد للمؤمن كما للكافر أن الأمرعظيم وخطير ، فهو جدٌ لا هزل ، واقع لا محالة ، فالنتقي الله عز وجل ونخاف عذابه ونأمل غفرانه وثوابه .

فحينما يُذمّ الإنسانُ بأبشع الصفات ويستثنى الَّذِينَ آمَنُوا ، هذا الإستثناء يعود لعظمة الإيمان نفسه ، فالذي آمن بالله الواحد الأحد قد عرف وأيقن ومن ثم إتبع وإلتزم واتقى بما جاء في القرآن الكريم .

ماهية الإيمان :

الإيمان هوالإعتقاد والعقيدة ، (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ .. (89) المائدة ، فاللغو في الحلف دون قصد الحلف واليمين ، وقد اعتاد عليه اللسان لا مأخذة فيه والأسلم الإبتعاد عنه وعدم القيام به والإستغفار منه ، وله كفارته المنصوص عليها في الآية الكريمة ، ولكن الذي يأخذنا عليه رب العالمين ونحاسب عليه هو عقدة الإيمان والإعتقاد ، الكامنة في النفس .

فالعقيدة متأتية من ما عقدت وحزمت النفس أمرها عليه وبذلك تمثل الذات الإنسانية ، والإيمان محله القلب وكلمة القلب غالبا ما تأتي في القرآن الكريم بمعنى النفس الإنسانية ،(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف ، فقلب الإنسان ، كالعين التي تبصر وكالأذن التي تسمع ، له إمكانية التفقه والمعرفة والحكم على المسائل والأمور والتفرقة بين الحق والباطل وهو بذلك يمثل النفس الإنسانية وهذه النفس إن اتبعت هواها وانقادت لرغباتها غالبا ما تكفر وتُردي ذاتها الى التهلكة وسوء المنقلب ، فقد أوضح رب العالمين ذلك مخاطبا نبيه محمدعليه الصلاة والسلام ، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) القصص .  

 والذاتُ الإنسانية لا تحمل الإيمان والكفر معا في ذات الوقت ، فإما ذاتٌ مؤمنةٌ عبرقلب ونفس مؤمنة وإما ذاتٌ كافرةٌ عبرقلب ونفس كافرة ، لهذا يقول رب العالمين، ( مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.. )4 الأحزاب ، أي من نفسين في جوفه ، إذ له نفسٌ وذاتٌ واحدةٌ ، فالنفس حينما تُؤمن تُهدي الذات وحينما تضلُ تضلُ الذات ، والله سبحانه وتعالى خيرمعين على الهداية وزيادة وتثبيت الإيمان الحق ،على أن يبدأ الإنسانُ الخطوة الأولى بذاته ، منطلقا من بذرة الإيمان المخلوقة به حينما يخلق ، ( وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) التغابن .

الإيمانُ كما ذكرتُ من قبل هو إعتقاد قلبي غيبي بفكرة ما تحملها النفسُ الإنسانية ، فقد يكون هذا الإيمان وفقا لما أنزل الله جل وعلا في كتابه الكريم أو إيمان آخر مخالف لما أنزل ، كالإيمان بأن الطبيعة هي التي أوجدت ذاتها بذاتها وبعدم وجود خالق لهذا الوجود أوالإيمان بالأحاديث التي وصلت إلينا على أنها وحي ثاني للنبي محمد عليه الصلاة والسلام أو بقدرة وشفاعة الأنبياء والأولياء من المؤمنين والعباد أو قدسية أشخاص وعصمتهم من الخطأ والمعصية أوالإيمان بقدسية أماكن معينة ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان .

نوعية الإيمان :

1-- بزرة الإيمان بالله و بوحدانيته سبحانه وتعالى موجودة داخل كل نفس إنسانية تتشكل وتتكون مع خلق النفس الإنسانية وتكوينها ، إما أن تظهر وتنمو مستقيمة أو تُطمس وتُحجبُ لينمو بدلا منها إيمان آخر أعوج ، يحيد عن طريق الحق المستقيم وعن وحدانية الله عز وجل ، وقد شهدوا على أنفسهم من قبل عند خلقهم، وأقروا بأن الله جل في علاه ربهم جميعا، وقد إحطاط رب العالمين من تقول الإنسان بالأعذار الواهية مسبقا ، فلا يُعذر الإنسانُ بالغفلة عن الدين وعبادة الله العزيزالحكيم ، كما لا يُعذربشرك آبائه واتباعه ما وجد آباءهم عليه من الكفر والعصيان، إذ كل نفس وذات مسوؤلة عن إيمانها وعملها، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) الأعراف .

2-- غالبا ما يُكتسب الإيمانُ من الأهل والمجتمع عبر العرف والتقاليد ، إذ النفس ميالة لتقليد الآخرين والآخذ من الغير، خاصة من الأهل والمجتمع ،الذين تعتبرهم النفس قدوة صائبة محقة، ترى بهم الصلاح والمعرفة والكمال والقدوة ، خصوصا في مرحلة الطفولة إذ تكون النفس صفحة بيضاء من السهل الكتابة عليها والتأثير بها ، فتكتسب النفس إيمانها تقليدا للأهل والمجتمع .

فمعظم إيمان الناس يعود الى ما ألفوا عليه آباءهم من الإعتقاد والإيمان، إن كان خيرا أم شرا ، دون إعمال العقل والفكر، متعصبون ، منحازون لإيمان أهلهم ومجتمعهم، فهو تعصب وإنحياز أكثر منه إيمان والتزام ، ومجتمعاتنا العربية المسلمة لأكبر دليل على ذلك ، إذ إنها تدعي الإسلام والإيمان ، معيبة على الغرب و الآخرين بالجهل والكفر وهي جاهلة بماهية الإسلام والدين الحنيف ، كما تجهل لما هي تابعة لهذا المذهب الإسلامي أو ذاك وما يقوله كل منهم وما يدعيه وما الفرق بينهم،هم متعصبون أكثرمنهم ملتزمون بمذهب أو دين ، مسلمون في هويتهم وبطاقة تعريفهم متراخون في إيمانهم وتقواهم ، إيمان مجتمعنا هو إيمان حمية وتعصب للأهل والمجتمع كتعصب الجاهلية الأولى دون أن يكون ناتج عقل وفكر، فما أشبهنا بالكافرين الذين قال فيهم رب العالمين ، (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ..) 26  الفتح .     

 3-- ولا يُكتسب الإيمان عبر الفكر وإعمال العقل إلا في بداية مرحلة الشباب وما بعدها ، حيث تقترب الشخصية الإنسانية من الإكتمال والإنفراد وتبدأ النظر في المسائل عبر الفكر وإعمال العقل بصورة أكبر وأدق ، ومن الناس من تمر فترة حياته وتنتهي دون أن يفكر لبرهة في مسألة الخلق والخالق والبعث والنشور، فهو غافل وضال ، يعيش كما تعيش بالبهام والدواب، يتبع هوى نفسه وشيطانه و متعه ورغباته ، شيطانه وماله ، هم إلآلهة التي يثق ويؤمن ويعبد، وقد جاء الخطاب للرسول محمد عليه الصلاة والسلام مطمئنا له، منكرا عليه ونافيا عنه أن يكون وكيلا عن أحد من الكافرين ، مبيّنا له مثبتا أنهم أضل من الأنعام والدواب ،( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (44) الفرقان ، (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الأنفال ، يصف الكافرين بشر الدواب التي تدب دبا ، صم ، بكم ، لا يعقلون ، ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23) الأنفال.

4-- إكتمال الإيمان يجعل القلوب خاشعة ، وقد خاطب رب العالمين الذين آمنوا معاتبا ، ألم يحن الوقت لتخشع قلوب الذين آمنوا لذكر الله عز وجل ، فالأمر أمر خشوع وتقرب وطاعة وامتثال وتقى ، ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) الحديد .

5-- أن الإيمان يزيد و ينقص تبعا لظروف المؤمن ، فكلما زادت تقوى الإنسان زاد إيمانه وكلما خفت تقواه خفّ إيمانه ويضل الإنسان يحمل صفة الإيمان مادام يؤمن بوحدانية الله عز وجل و بأركان الإيمان والخطوط العريضة للإسلام ، أما مدى تقواه والتزامه وتطبيقه فهذا يزيد وينقص بمقدار إيمانه ولكن تبقى بذرة الإيمان موجودة وحية في قلبه تظهرعند المحن والنوازل، كذلك كلما زاد الإيمان زادت التقوى وكلما خف الإيمان خفت التقوى ، فالعلاقة متبادلة بين الإيمان والتقوى والإلتزام والتطبيق .

يخاطب الله عز وجل الذين آمنوا بالحد الأدنى من الإيمان ، أن يتقوا الله سبحانه وتعالى و يزيدوا إيمانهم والتزامهم بتقواهم حيث يؤتهم مقدارين من رحمته  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) الحديد ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ...)136 النساء .

كما يخاطب الله عز وجل الذين علا إيمانهم وتقواهم ، أن يلتزموا كل الإلتزام حتى صغائر الأمور التي المؤمن التقيّ ، عادة لا يلقي لها بالا ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران .

من عادة المنافقين أن يعلنوا إيمانهم الديني للآخرين والتزامهم بدين الله عز وجل بشكل ظاهرفظ ، ويمنّون على الله والرسول والناس بإيمانهم ، هذا لم يكن حال المنافقين أيام البعثة فقط ، فهو الأن أكثر وأفظع ، فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام قد مات والوحي توقف والساحة خالية لهم ، فمن يفضحهم  الآن ؟

إلا أن حالهم كحال المنافقين السابقين ، فلهم ذات الأوصاف والصفات وهم الآن أكثر جرأة على كتاب الله عز وجل مما يجعلهم ظاهرين واضحين ، هؤلاء يؤمنون مادام الإيمان يخدم مصالحهم الدنيوية ويكفرون إذا إنتفت وزالت مصلحتهم وقد يعودون للإيمان إذا استوجبت مصلحتهم ذلك ، فهم تبع لها ، ولكن التقلب بين الكفر والإيمان له نهاية زليلة ، تعيسة ، وخسران مبين ،(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137)بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) النساء ،(الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (91) أل عمران ،

والمؤمن ليس ملك من الملائكة ، لا يعصي ولا يخطئ بل إنسان ضعيف قد يُجرُ لهوى نفسه وغوايه شيطانه ولكن لفترة محدودة موقتة ، يسارع بعدها الى رشده وإيمانه فيستغفر ربه ويتوب إليه ، والله خير التوابين ،(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54)الأنعام

6-- وللإيمان انعكاسات عملية تنعكس على حياة وحركة المؤمن في محيط مجتمعه فيمثل مراد الله عز وجل على أرض الواقع ، فمن يحجبُ ويكفر بفطرة الإيمان التي فطر ربُ العزة الناس عليها فقد حبط عمله وهو من الخاسرين ، (.. وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) المائدة ، إن الإيمان الذي لا يُكسب الخير ولا يرضي الله عز وجل ، فلا خير فيه ، سطحي لا عمق له ، (..لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الأنعام .

7-- المؤمن الحق لا يود ولا يحب ولا يتقرب ولا  يُأيد ولا يناصر من تجاوز حدود الله عز وجل عن كفر ومعصية وفكر وتعقل واصرار و بّينة ، أو يحادد الله عز وجل ويعتدي على المسلمين المسالمين بمعزل عن دينهم الذي إرتضوه لأنفسهم أوالمؤمنين بالله الواحد الأحد أو يدعو للكفر والعصيان ومخالفة الله الرحمن الرحيم ، حتى لو كانوا من الأقرباء والأهل ، ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ..) 22 المجادلة .

8 -- وقد خاطب الله رب العزة والجلالة الكافرين مبديا تعجبه واستهجانه سبحانه وتعالى ، كيف يكفرون بآيات القرآن الكريم ، طاعة لفريق من الذين أتوا الكتاب من اليهود والنصارى والمنافقين من المسلمين ، وكيف ينبذون الآيات وراء ظهورهم والرسول محمد عليه الصلاة والسلام حيا معهم وبينهم ، يتلوا عليهم آيات الله عز وجل ،(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) آل عمران ، والقول لنا ولكل مؤمن الى آخر الزمان  ، حيث مازال ما أرسله  رب العالمين بيننا وبين أيدينا نتلوه ونقرأه ونتدبره ، فالمؤمن الحق لا يسعه إلا أن يقول (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) أل عمران .

9--  كما حزرالمنافقين من المتاجرة بإيمانهم وبدين الله عز وجل ، (إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) آل عمران ، ألم يشتر كبار رجال الدين اليهودي والنصراني والإسلامي الثمن والمفتون في أقطارهم ، القليل من المال والمناصب الرفيعة وباعوا به العهد الذي عاهدوه من قبل ، كما باعوا إيمانهم ، بوقوفهم مع الظالمين من الحكام ورجال السلطة ضد الشعب الأعزل ، عبر إفتائهم ودعواهم بعدم الخروج على حكامهم ؟ ،ألم تُجعل الأحاديث النبوية جزءا من الدين وأنها من عند رب العالمين جل وعلا ؟

10-- أما الذين آمنوا ثم كفروا يطبع الله عز وجل على نفوسهم الكفر فلا يفقهوا ولا يفهموا مراد الله عز وجل ، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) المنافقون ، إذ على قلوبهم غشاوة الكفر والمعصية ، (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة .

11-- يحذر رب العزة المؤمنين من طاعة الكافرين الذين لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (149)آل عمران .

12-- ربنا سبحانه وتعالى لم يحذرنا من الكافرين الذين يعلنون كفرهم جهارا وحسب ، بل يحذرنا من طاعة الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والمسلمين وهم أخطر وأعظم كفرا لأنهم يرتدون رداء الدين ويتحدثون بإسم الدين و بإسم الله رب العالمين ، مع تركهم وتغيبهم لآيات الله وقرآنه سبحانه وتعالى واعتصامهم بالكتب التي ألّفها وكتبها علماؤهم ، فتمسكوا بها وعطلوا القرآن الكريم  وقدسوها وجعلوها جزءا أصيلا من الدين الإسلامي وقدموها على كتاب الله عز وجل ، لا يتحدثون إلا بها وبما جاء في كتب التراث والسلف الصالح والغير صالح ، عطلوا آيات الله عز وجل كما عطلوا عقولهم ، يؤمنون بالنقل لا بالعقل ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)آل عمران ، يتمنى الكافرون أن يكفر من آمن والتزم واتقى ، لكي يتساوون في أوضاعهم وأوصافهم ، ( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ..(89) النساء ، كما يتمنى اليهود والنصارى أن ينجح سعيهم ومسعاهم في ردّكم الى الكفر والمعصية وما ذلك إلا حسدا منهم على الرغم من تأكدهم من صدق دينكم والرسالة التي أرسلت إليكم ، ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)  البقرة ، كما هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بكم من اليهود وينقضون الميثاق الذي أعطوه لله عز وجل من قبل ، قد دمغهم رب العالمين بدمغة الكفر ، ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) النساء .

الإيمان لا يورث :

إن الإيمان والكفر مسألة شخصية بحتة ، منبعها إختيار ورغبة القلب والذات ، وسنة من سنن الله عز وجل، اُمرالرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، بإتباعها وتطبيقا كقاعدة أساسية في منهج الدين الحنيف والأمر ينسحب الى كل مؤمن بكتاب الله عز وجل ، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ..) الكهف ،ولا يمكن لأي سلطة أرضية أن تجبر القلب على الإيمان بفكرمعين أوالكفر به ، مهما مورست القوة والشدة ، مادام الإنسان عاقلا متزنا ، قد تُخرجُ القسوة والشدة الإنسان عن قوله وكلامه الذي يؤمن ليغيره بما لا يحب ويرضى ولكنها لا تغير إعتقاده القلبي وإيمانه .

 حتى أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام قد عوتب و وصف بالجهل ، تخفيفا عن نفسه الكريمة لكي لا يثقل عليها بما ليس له وبما ليس من شأنها واختصاصها ، ( وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) الأنعام .

وقد غالت كل الفرق والمذاهب الإسلامية في هذه المسألة كل الغلو ، كافرة بآيات الله عز وجل وكتابه المبين ، حيث إعتبرت كل من لا يؤمن بفكرها ومنهجها وما تعتقد فهو كافر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام ، غير مدركة أنها بفكرها هذا تكون قد وضعت نفسها في خانة الكفر والعصيان ، و مرد ذلك إدعاؤها أنها تمثل دين الله عز وجل وهذا خطأ قاتل وقد رأينا عبر التاريخ الإسلامي وفي عدة مناسبات ومراحل ، الآلاف من القتلى ، يُسفك دمهم لمجرد أنهم على رأي ومذهب يخالف رأي ومذهب السلطة الحاكمة أو سلطة من بيده السلاح ، وهذا ما هو حاصل اليوم وبصورة أشد وأفضع ، خاصة ما يقع من المذهب الوهابي والقاعدة والشيعة المغالية ، الذين يكفرون الناس والمجتمع ويفجرون المصلين في المساجد والصائمين قبل الإفطار ، وقد كتبوا في كتبهم أن المسلم الخارج عن ملتهم ومذهبهم يستتاب ثلاثة أيام ، فإن لم يستغفر ويرجع عن كفره ، يستحل دمه و زندقته ، وكم من القتلى المضلومين الذين إتهموا بطلانا و زورا تحت مسمى ( الزندقة ) والكفر وهم في حقيقة الأمر معارضين سياسين ، ضد الضلم واغتصاب السلطة ، خاصة من كان يأيد الإمام علي كرم الله وجهه  وأبنائه من بعده .

لقد أعطي النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، من ذكور الأبناء (القاسم وعبدالله وإبراهيم) ولكنهم ماتوا وانتقلوا الى رحمة الله سبحانه وتعالى صغارا ، فكيف حالنا إذا ما إستمروا في الحياة ، ألم نكن لنورثم الإيمان والقداسة لمجرد أنهم أبناء النبي ؟ ألم يغالي المذهب الشيعي وقد جعل من الإمام علي كرم الله عز وجل وجهه الكريمة ألم يجعلوه وأبنائه من بعده الحسن والحسين والأئمة الإثنى عشر، أئمة معصومين ، يمثلون الله صاحب العزة والقدرة على الأرض خير تمثيل و يتحدثون بإسمه جل وعلا ، ألم يجعل أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ممثلين لدين الله عز وجل خير تمثيل عبرأفعالهم وأقوالهم ، ألم يكن من الصحابة من هو منافق يكتم كفره وكرهه للإسلام والمسلمين .

ألم نقرأ في كتاب الله عز وجل قصة إبنيّ آدم عليه السلام وقد اُنزل وزوجته حديثا من جنة الخلد الى الأرض ، ليُواجهُ متاعب الحياة الأرضية هو و زريتهُ من بعده ، إذ كان أحدهما مؤمنا فتُقبل منه والآخر كافرا رفض ولم يُتقبل منه وكلاهما من ذات الأب والأم ، وفتنة الشيطان لوالديهما حديثة ، يعانون منها جميعا ، فالإيمان لا ينتقل بالوراثة ولا بالصحبة ، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة .

والإنسان المؤمن الصالح قد يلد فاجرا كافرا ، ( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) ، (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)الكهف .

وقد عاتب الله سبحانه وتعالى سيدنا ونبينا نوح عليه السلام و وعضه أن يكون من الجاهلين ، حينما أعتبر أن إبنه الذي من ظهره ، أنه منه وهو الكافر بما أنزل عليه من رب السموات والأرض ، مما يتبين لنا أن القرابة الإسلامية والإيمانية هي الأصل والأهم من قرابة الدم والنسب و أن الإيمان لا يورث ولا ينتقل بالعدوى كالأمراض الجرثومية والفيروسية ، بل هو قرارشخصي بحت ، (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) ،(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)  هود .

كذلك كان كفر كل من زوجة النبي نوح ولوط عليهما السلام ، فلم ينتقل الإيمان لهن على الرغم أنهن تحت عبدين صالحين و رسولين من رسل الله عز وجل ، (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ )10 التحريم ، كونهن زوجين لرسولين ، صالحين لم يغنيهن ذلك شيئا وادخلتا النار مع الداخلين ، أسوة بباقي الناس من الكافرين .

 كلها أمثلة أراد بها ربنا الرحمن الرحيم أن نفهم ونعي أن الإيمان والتقى لا يورث ، بل هو أمر وقرار شخصي ينبع من النفس والذات الإنسانية ، فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر و (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون .

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) آل عمران .)

وصدق الله رب العالمين .

أتابع البحث إنشاء الله تعالى في المقال القادم .

 

 

 

اجمالي القراءات 5361

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-12-18
مقالات منشورة : 1
اجمالي القراءات : 4,672
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 110
بلد الميلاد : 0000
بلد الاقامة : 0000