الدرهم الأيوبي

في السبت ١٢ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الدرهم الأيوبي
 
    اشتهر العصر الفاطمي في بدايته بالعملة الذهبية ، ولكن تدهور الدولة الفاطمية انعكس علي رصيدها من الذهب ، واستمر هذا النقص في الرصيد الذهبي طيلة العصر الأيوبي الذي اشتهر بسيطرة الدرهم الفضة بديلا عن الدينار الذهب .
 
     وهناك عدة أسباب توضح ذلك النقص في النقود الذهبية منذ أواخر العصر الفاطمي حتي الدولة الأيوبية ، إذ انخفض استغلال الذهب في مناجم الصحراء الشرقية بمصر وتركت الدولة الإشراف على المشرفين على المناجم يفعلون بها ما يشاءون ، وفي نفس الوقت توقفت الجهود في البحث عن الكنوز الفرعونية ، وهبطت الصادرات المصرية خصوصا الأقمشة ، ثم قام الصليبيون بنهب مدينة تنيس مركز صناعة النسيج عدة مرات ، والعمليات الحربية التي قام بها الفاطميون ضد الصليبيين استنزفت هي الأخرى جانبا كبيرا من احتياطي الذهب ، كما أن الصليبيين بدورهم حاربوا المسلمين حربا اقتصادية إذ قاموا بتهريب الذهب من الشرق إلي المدن التجارية الإيطالية والأسبانية فقلت كميات الذهب المعروضة في الأسواق العربية .
 
     وجاءت الدولة الأيوبية فاكتنز السلاطين ما بقي من الرصيد الذهبي وأصبحوا يدفعون مرتبات الجند وغيرهم بالدراهم الفضية التي سيطرت علي الحياة الاقتصادية في العصر الأيوبي .
 
    ومع ذلك فلم تكن الدراهم الأيوبية عالية القيمة فرغم أن القيمة الاسمية للدرهم هي 1/16 من الدينار إلا أن الدراهم التي أمر بضربها صلاح الدين الأيوبي كانت رديئة تصل نسبة النحاس فيها للنصف ، حتي لقبها الناس في مصر بالزيوف أي الدراهم الزائفة .
وقد اضطر الملك الكامل الأيوبي إلي إبطال التعامل بهذه الدراهم سنة 622 هـ وضرب دراهم جديدة جعل نسبة النحاس فيها الثلث فقط ، وأصدر الملك الكامل أوامره للناس بالذهاب إلي الصيارفة لاستبدال الدراهم القديمة بتلك الدراهم الجديدة الكاملية علي حساب كل رطل من الدراهم القديمة ( الناصرية نسبة للناصر صلاح الدين ) بما يساوي 5ر2 من الدراهم الكاملية الجديدة .
     وقد اكتسحت الدراهم الكاملية الجديدة الدنانير الذهبية أو ما تبقي منها ، واستمر التعامل بها في مصر والشام طيلة العصر الأيوبي ، إلي أن أدركت تلك الدراهم الكاملية العصر المملوكي وشهدها المقريزي في القرن التاسع الهجري .
     وفي سنة 630هـ حدثت أزمة اقتصادية في عهد الملك الكامل الأيوبي فازدادت كمية الفلوس النحاسية حتي أصبحت النقود المتداولة مقصورة علي كميات ضئيلة من الدراهم الفضية الأيوبية وكميات ضخمة من العملة النحاسية ، ومنذ ذلك التاريخ بدأ ظهور العملة النحاسية واستمر التعامل بها وأصبح اسمها ( الدراهم الفلوس) تمييزا لها عن الدراهم العادية المصنوعة من الفضة المخلوطة بنسبة من النحاس .
     وقد انتهزت المدن التجارية الإيطالية تلك الفرصة للثراء السريع. إذ نشطت البندقية وفلورنسا في جمع الفضة من الأسواق المصرية وتهريبها إلي إيطاليا حيث يتم سكها دراهم يعيدون تصديرها إلي الشرق لتحظي بالقبول ، ومن هنا بدأ انتشار الدراهم البندقية ثم الفلورنسية،وأدي ذلك إلي اختفاء نسبي للفضة من البلاد المصرية .
     وفي عهد الملك الكامل الأيوبي كان في مصر نوعان رئيسيان من النقود ، وهي الدراهم الفضية " النقرة" والدراهم " الفلوس " النحاسية ، وكان السعر الرسمي للدرهم الفضي النقرة هو ستة دراهم من الفلوس النحاسية ، وكان من يخالف ذلك يتعرض للعقوبة .
     وفي أواخر العصر الأيوبي هجم الصليبيون بزعامة لويس التاسع علي دمياط ، واستطاع مماليك السلطان الصالح أيوب هزيمتهم وأسر لويس التاسع في دار ابن لقمان بالمنصورة.
 ودارت المحادثات لإطلاق سراح الملك الفرنسي الأسير ، وتقرر أن يدفع فدية قدرها أربعمائة ألف دينار ..
ولا شك أن ذلك المبلغ الذهبي الضخم كان جائزة مالية مهمة للدولة المملوكية الوليدة استطاعت به أن تدعم بها رصيدها الذهبي وتخرج مؤقتا من أسر الدراهم الفضية والنحاسية الأيوبية .