ملوك الطوائف فى الاندلس .. واليوم .!!

في الأربعاء ٢٢ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تاريخ النشر: 2009-04-19


مقدمة
1 ـ فتح العرب الأندلس ، ثم سقطت الخلافة الأموية في دمشق ، وفرّ الأمير عبد الرحمن (الداخل : صقر قريش ) الأموى الى الأندلس فأقام فيها حكما أمويا استمر بعده بينما قامت واستمرت بغداد مركزا للخلافة العباسية إلى أن دمرها المغول.
ولفظ الحكم الأموي أنفاسه في قرطبة وقام على أنقاضه ملوك الطوائف الذين كانوا في السابق من أعوان الحكم الأموي وقادته. والسبب في انهيار الدولتين الأموية والعباسية هو العصبية القبلية والصراع بين الطوائف والقوميات المختلفة علي الانفراد بالسلطة.
2 ـ فتح العرب الأندلس وعاونهم البربر في فتحها ، وتنافسوا في السيطرة عليها ، وسقطت الخلافة الأموية في دمشق . وهرب عبدالرحمن الأموي إلي الأندلس وأقام فيها حكمه الأموي ينافس به العباسيين في بغداد.
ومع اشتداد التنافس بين العباسيين في بغداد والأمويين في قرطبة فإنهما قابلا نفس المشاكل واتخذا نفس الحلول لمواجهتها، ففي العراق عاني العباسيون من التنافس بين العرب والفرس واضطر الخليفة المتوكل العباسي لاتخاذ أعوان له من الترك الذين استقدمهم ليكونوا جندا له ، وفي الأندلس اشتد التنافس بين العرب والبربر فاضطر عبدالرحمن الداخل لاستخدام الصقالبة ليكونوا له عونا في مواجهة الدسائس والتنازع بين الفريقين ، وبينما استمرت بغداد مركزا للخلافة العباسية إلي أن دمرها المغول فإن الحكم الأموي في قرطبة لفظ أنفاسه سريعا وقام علي أنقاضه ملوك الطوائف الذين كانوا في السابق من أعوان الحكم الأموي وقادته.
أولا : العرب في العراق والأندلس
واجه المسلمون في العراق والأندلس نفس المشاكل ، وأهمها العصبية القبلية والصراع بين العرب والموالي ، ومشكلة ولاية العهد وضعف بعض الخلفاء ، ولكن استمر الحكم العباسي في بغداد التي اكتسبت مكانة دينية باعتبارها مركز الخلافة، بينما عجزت قرطبة والأندلس عن تحمل نفس المشاكل وأدي التنافس والخلاف إلي إنهاء الوجود العربي والإسلامي في أسبانيا لسبب مباشر، هو أن العرب والمسلمين لم يكونوا في قلب العالم الإسلامي ـ كما هو الحال في العراق ـ وإنما كانوا في الطرف الغربي وعلي التخوم المواجهة لأوربا المسيحية التي تتطلع لاسترجاع ما أخذه العرب والمسلمون منها ، كانوا جزيرة منعزلة عن وطنهم الأصلي ، ولم يفطنوا إلي وضعهم الذي يحتم عليهم الاتحاد ، بل انشغلوا بالتنافس والتفرق ، وأدت طبيعة أسبانيا الجغرافية إلي تعزيز الانقسام بينهم وإلي تأكيد النزعة الانفصالية لكل مقاطعة طالما ضعف الحكم المركزي في قرطبة، وبذلك تكرس الانقسام فيما عرف في تاريخ الأندلس بملوك الطوائف.
ثانيا : تاريخ المسلمين في الأندلس
ينقسم تاريخ المسلمين في الأندلس إلي ثلاثة أقسام:
1 ـ عصر الفتوحات والدولة الأموية ، من فتح الاندلس فى العصر الأموى الى سقوط الدولة الأموية فى دمشق على يد العباسيين ، في الفترة الأولي كانت الفتوحات والولاة الأمويون فى الاندلس يتبعون الخلافة الأموية في دمشق.
2 ـ ثم بدأت الفترة الثانية بعبدالرحمن الداخل الذي استقل بالأندلس وأسس فيها أسرته الحاكمة ، وكان أعظمهم عبد الرحمن الناصر ت 300هـ والذي بدأ بعده عهد الضعف في ذريته.
بموت عبد الرحمن الناصر تولى الخلافة ابنه الحكم المستنصر بالله ، وبرز فى عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله بن عبد الرحمن الناصر شاب طموح هو محمد بن أبى عامر الذى تولى رئاسة الشرطة وخزانة الدولة واشتهر بالبلاء الحربى فى غزوات الحكم المستنصر بالله في المغرب الأقصى.
مات المستنصر بالله الحكم عام 366 فخلفه ابنه هشام وكان صبيا فى الحادية عشرة من عمره ، لذا أصبح محمد بن أبى عامر قائما على أملاك الأمير هشام بن الحكم بن عبدالرحمن الناصر، واستطاع ابن أبى عامر بذكائه وحنكته أن يصل إلى سدة الحكم في الأندلس. فأخذ الوصاية على الأمير هشام، وأصبح في عهده حاجب الدولة، ثم المتصرف في كل شئونها، ولقب نفسه بالملك المنصور.
لم يكن انفراد ابن أبى عامر بالسلطة هينا ، فقد كان فى البداية أحد ثلاثة أوصياء على الخليفة الصغير هشام (الثانى ) بن الحكم ، كان الوصاة على الخليفة الصبى ثلاثة وهم:الوزير: المصحفي. وقائد الجيش: غالب الناصري. وقائد الشرطة: محمد بن أبي عامر. تآمر الأوصياء على بعضهم ، فبدأ تحالف مؤقت بين أبي عامر وغالب الناصري انتهى بسجن الوزير المصحفي. وبعد القضاء على الوزير توترت الأوضاع بين الحليفين بمحاولة اغتيال أبي عامر، استطاع بعدها المنصور قتل غالب الناصري، فأصبح هو المسيطر الحقيقي وليس للخليفة إلا الاسم، حتى إن العملة طبعت باسم الخليفة واسم الحاجب المنصور معا. أعان محمد بن أبى عامر على الفوز علاقته بأم الخليفة الشاب هشام الثانى ، واسمها (صبح ) وبسيطرته عليها وعلى ابنها انفرد ابن أبى عامر بالأندلس ، وتلقب بالمنصور ، وحاز المنصور محمد بن أبي عامر شهرة واسعة عسكرية وسياسية إلي أن مات 393هـ وخلفه ابنه المظفر الذي كان أقل كفاءة منه ، وكان الخليفة الرسمي وهو هشام الثاني علي حاله من الضعف والخمول.
3 ـ وبعد موت المظفر بن أبي عامر افتقدت الأندلس الشخصية القوية فدخلت في التنازع علي العرش وبدأ الأمراء في الحواضر الأندلسية يستقلون عن السلطة المركزية ، وبدأ بذلك القسم الأخير من تاريخ المسلمين في الأندلس ، وهو عصر ملوك الطوائف .
استعان بعض ملوك الطوائف بالأسبان والبرتغاليين ضد بعضهم ، وفي النهاية سقطت غرناطة آخر معقل للعرب والمسلمين، وأصبح وجودهم في أسبانيا مجرد ذكري من ذكريات التاريخ ، وعبرة لمن أراد أن يعتبر .. إذا كان هناك من يعتبر !!
وليس العرب ممن يعتبر .!!
ثالثا : لمحة سريعة عن بعض الأسر الحاكمة من الطوائف
بنو عباد في اشبيلية
كانوا من أسرة عربية نزحت من العريش إلي اشبيلية حيث عمروها واحتلوا المراكز المهمة فيها وتمتعوا برعاية الأمويين، وفي عهد المنصور بن أبي عامر اشتهر إسماعيل بن عباد بالأدب والفقه فجعله المنصور قاضيا للقضاة فعلا نفوذه خصوصا بعد انهيار الحكم الأموي وهدد البربر اشبيلية فاستطاع إسماعيل بن عباد حمايتها منهم ، ولذلك أصبح ابنه محمد حاكما علي اشبيلية سنة 414 واستقل بالحكم فيها، وأقام خليفة أمويا يحكم باسمه فخضع له بعض ملوك الطوائف في بلنسية ودانية وقرطبة وطليطلة.
وتولي المعتضد بن عباد سنة 433 فاتسعت دولته علي حساب جيرانه فاستولي علي قرمونة ومبرتله ولبة وشلطيش ونبله وشلب وشنتمريه الغرب واركش ومورو ورونده وشريش والجزيرة الخضراء ، وأنهي وجود الخليفة الذي يحكم باسمه، وقد اشتهر بالقسوة وحب الشعر والأدباء.
وتولي بعده المعتمد سنة 461 الذي اشتهر في ميدان الأدب واشتهرت في عهده اشبيلية وقد استولي المعتمد علي قرطبة ، ولكن متاعبه من جيرانه ومن اذفونش صاحب قشتالة جعلته يستجير بابن تاشفين ملك الملثمين في مراكش ، وتعاون الجميع في هزيمة اذفونش في موقعة الزلاقة سنة 479 هـ ، وقد فقد المعتمد ملكه بعد هذه الموقعة إذ نفاه يوسف بن تاشفين إلي مراكش ومات فيها أسيرا حزينا سنة488.
بنو هود في سرقسطة
تنتمي إلي قبيلة جذام العربية ، وقد أصبح سليمان بن محمد بن هود من كبار القادة في الخلافة الأموية ، وفي وقت الفتنة احتل مدينة لاردة سنة 431 ، ثم بسط سلطانه علي سرقسطة وعلا أمره فيها إلي أن توفي سنة 438 فتولي ابنه أحمد سرقسطة ، وتولي ابنه يوسف مدينة لاردة ، أما ابنه محمد فسيطر عي قلعة أيوب ، وتملك ابنه لب مدينة وشقة ، وحكم ابنه المنذر تطيلة . وما لبث أن اختلف الأخوة بسبب أطماع أخيهم أحمد صاحب سرقسطة ، وقد نجح في ضم ملك أخوته ماعدا يوسف الذي انتصر عليه وأعاده إلي سرقسطة ، إلا أن أحمد تحالف مع ردمير صاحب أرجون المسيحية وحارب معه أخاه يوسف وألزمه مدينة لاردة ، ثم انتزع أحمد طرطوشة من يعلي العامري واستولي علي دانية بعد أن سجن حاكمها ابن مجاهد وهو زوج ابنته، ومع أنه كان يتحالف مع النصارى في سبيل مصالحه إلا أنه اضطر لحرب بعضهم ، ثم اضطر لدفع الجزية لصاحب قشتالة ، وظل كذلك إلي أن انتصر عليه المسلمون في موقعة الزلاقة. وظلت حياة احمد في حروب إلا أن مات سنة 475 ، وترك ولدين اختلفا فيما بينهما واستعان أحدهما علي الآخر بالنصارى ، وظلت تلك سمة أساسية في تاريخ هذه الأسرة إلي درجة أن مسلمي سرقسطة استدعوا ابن تاشفين ليؤدب عماد الدولة ابن هود بسبب تحالفه مع النصارى وقد استولي ابن تاشفين علي سرقسطة وأنهي حكم آل هود فيها سنة 503.
بنو جهور في قرطبة
ورث بنو جهور الدولة الأموية في قرطبة ، وقد اجمع أهل قرطبة علي تولية جهور بن محمد بن جهور بعد أن طردوا الخليفة الأموي الأخير المعتمد بالله سنة 422 هـ . وكان جهور حاكما قديرا أصلح من شأن قرطبة بعد أن ساءت أحوالها ، وقد توفي جهور سنة 435 وتولي ابنه محمد الذي استأنف إصلاحات أبيه ، ثم تنازل عن الحكم لابنيه عبد الرحمن وعبد الملك ، ووقع الشقاق بين الأخوين وعم الفساد . وتغلب عبد الملك علي أخيه وسجنه ، واستبد بالأمر واهتم بالألقاب وتقليد الخلفاء الأمويين وكانت نهاية عبد الملك سيئة ، فقد هاجم يحيي المأمون حاكم طليطلة ـ عبد الملك في قرطبة ، فاضطر عبد الملك للاستغاثة بالمعتضد بن عباد حاكم اشبيلية ، ونجح المعتضد في طرد المأمون من قرطبة ، إلا أنه استولي عليها لنفسه وطرد منها عبد الملك ونفاه إلي جزيرة شليطش حيث مات بها.
بنو صمادح في المرية
هم من اصل عربي من قبيلة بني تجيب ، استوطن جدهم الأكبر أبو يحيي بن أحمد بن صمادح مدينة وشقة وتولي أمورها في أيام الخليفة الأموي هشام المؤيد، وفي عهد الاضطرابات استطاع منذر التجيبي صاحب سرقسطة طرد أبي يحيي بن صمادح عند وشقة فلجأ أبو يحيي إلي عبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية الذي أكرمه وزوج ابنته إلي معن بن أبي يحيى بن الصمادح وولاه علي المرية ، وأقدم معن علي خيانة صهره عبدالعزيز بن عامر فاستقل بالمرية وتناسي ما فعله معه عبدالعزيز حين أواه هو وأباه عندما طردهما منذر التجيبي من وشقة.
وظل معن بن صمادح يحكم المرية إلي أن مات سنة 443 وتولي بعده ابنه محمد المعتصم بالله الذي كان صغيرا فتولي أموره عمه صمادح إلي أن مات فانفرد محمد بالحكم واهتم بالنهضة العمرانية والأدبية، وطمع فيه ملوك الطوائف ومات سنة 484 وجنود المرابطين تحاصر مدينته، وهرب ابنه أحمد معز الدولة إلي الجزائر بعد سقوط المرية ، وانتهي بنو صمادح.
الدولة المنذرية في سرقسطة
كان منذر التجيبي جنديا عاديا ولكن وصلت به كفاءته إلي مناصب القيادة في آخر أيام دولة المنصور بن أبي عامر ، وإبان الاضطرابات احتل سرقسطة وأصبح أحد ملوك الطوائف أسوة بغيره ، وكان من الطبيعي أن يشترك منذر في سلسلة من المؤامرات والتحالفات والتقلبات والانشقاقات ضد ومع خلفاء الأمويين الضعفاء وقادتهم إلي أن استطاع في النهاية الانفراد بحكم سرقسطة . وقد ظل يحكم إلي أن مات سنة 414 وخلفه ابنه يحيي الذي حكم ثلاث سنوات ، ثم خلفه المنذر الثاني الذي حكم حتي سنة 430 ، وقتله أحد الطامعين في الحكم وتولي مكانه فثار عليه أهل سرقسطة وطردوه ثم بعثوا إلي سليمان ابن هود ودخلوا في طاعته فبقي أميرا عليهم إلي أن مات سنة 431.
بنو عامر في بلنسية
ينتسبون إلي محمد بن أبي عامر ذلك الذي سيطر علي الخلافة الأموية وأورث أولاده الحكم فيها بعد موته . إلا أنهم لم يكونوا في مثل كفاءته ولذلك اضطر حفيداه " محمد بن المظفر وشنجول" إلي الفرار من قرطبة واللجوء إلي يحيي بن المنذر التجيبي في سرقسطة.
وعز علي موالي محمد بن عامر أن يحدث ذلك لأحفاد سيدهم القديم محمد بن عامر فاستدعوا عبد العزيز شنجول وولوه حاكما علي شاطبة التي كانت من أملاك خيران العامري ، وذلك سنة 411هـ ،إلا أن خيران جعل أهل شاطبة يثورون علي شنجول واضطروه للفرار إلي بلنسية سنة 412 ، وفي بلنسية رحب به الموالي العامريون وجعلوه رئيسا لهم وبذلك أصبحت بلنسية مركزا للعامريين. وشرع عبدالعزيز شنجول في التودد للنصارى ـ وهم أخواله ـ فتحالف معهم ليتقي خطر مجاهد الصقلي العامري ، ثم ضم إليه المرية بعد وفاة زهير العامري سنة 429، واستخلف عليها زوج ابنته معن بن صمادح الذي استقل بها وخان صهره.
وتوفي عبدالعزيز شنجول سنة 452 وترك ابنه تحت وصاية الوزير الذي حكم إلي أن توفي سنة 456 وخلفه ابن الوزير في التحكم في ابن شنجول، وفي النهاية حاول فرندلاند ملك قشتالة وليون الاستيلاء علي بلنسية منتهزا فرصة الضعف في حكم عبدالملك بن شنجول إلا أن المأمون بن ذي النون اضطر الملك الأسباني للانسحاب ، ثم طمع المأمون في بلنسية لنفسه فطرد عنها عبدالملك ونفاه سنة 457 ، واستخلف عليها الوزير الذي كان يمسك بمقاليد الأمور.
بنو زيري في غرناطة
زاوي بن زيري الصنهاجي البربري ، هو أول من نزح من تونس إلي الأندلس في عهد المظفر بن محمد بن أبي عامر. وكان زاوي من الأسر البربرية الحاكمة في تونس إلا أنه سئم المنازعات فهاجر للأندلس وعمل في جيش الخلافة الأموية وترقي فيه سريعا وأصبح من زعماء البربر، وانغمس في الفتن بطبيعة الحال حين شهد ذلك التنافس بين العرب والبربر، فساعد محمد بن عبد الجبار في الوصول للخلافة في قرطبة علي حساب هشام المؤيد، وتولي ابن عبدالجبار الخلافة باسم المهدي ولكنه نكث عهده مع زاوي والبربر فثاروا عليه وولوا سليمان بن الحكم الخلافة، وعن طريقه سيطروا علي جنوب الأندلس وجعلوا الخليفة الجديد يوزع الممالك علي القبائل البربرية الست . فكان من نصيب قبيلة صنهاجة حكم البيرة وجيان وغرناطة.
وثار الأهالي علي حكم البربر وساعدهم بنو عباد ، وطردوا البربر من تلك الأقاليم ماعدا البيرة وغرناطة ، فقد سيطر عليهما زاوي بن زيري الصنهاجي.
وشارك الزاوي في الفتن الأندلسية وقد هزم الخليفة المرتضي وقتله ، وسرعان ما سأم تلك المنازعات ورحل إلي القيروان سنة 410هـ واستخلف ابن أخيه حبوس علي غرناطة ، ووطد حبوس ملكه فى غرناطة وتوسعت أملاكه ثم مات سنة 429 وتولي ابنه باديس الذي كان يمثل قوة البربر أمام بني عباد الذين يمثلون الأندلسيين المستوطنين ، ودخل باديس في صراعات مستمرة مع ملوك الطوائف العرب إلي أن مات سنة 466 وتولي حفيداه عبدالله وتميم أملاكه، إلا أنهما اختلفا مما شجع المعتمد بن عباد علي انتزاع بعض املاكهما ، واضطر عبدالله وتميم وابن عباد للتحالف مع يوسف بن تاشفين ضد اذفوتش النصراني ، وبعد الانتصار في موقعة الزلاقة استولي ابن تشفين علي أملاك الجميع ونفاهم إلي المغرب.
بنو " ذي النون " في طليطلة
كانوا من البربر الذين يخدمون ابن أبي عامر ويتولون له قيادة الجيوش وبعض المناصب ، ثم سنحت لهم الفرصة عندما استعان أهل طليطلة بعبد الرحمن بن ذي النون فأسس فيها ملكه، وقد اشتهر بالبخل والدهاء ومات ، وخلفه ابنه يحيي المأمون سنة 429 الذي وطد علاقته بالمعتضد بن عباد وتحالف أيضا مع فرذلند وأدي له الجزية، وكل ذلك في سبيل الانتصار علي سليمان بن هود.
وقد انهار التحالف بين المأمون وابن عباد حين حاول المأمون الاستيلاء علي قرطبة فاستنجد صاحبها ابن جهور بابن عباد الذي طرد المأمون من قرطبة واستولي عليها ابن عباد لنفسه ، ونجح المأمون في الاستيلاء علي قرطبة سنة 467 وظل بها إلي أن مات فاسترجعها ابن عباد . وقد توسعت أملاك المأمون بن ذي النون في حياته فأخذ قرطبة وبلنسية ، ومات سنة 467 وخلفه حفيده يحيي الذي كان ضعيفا فأخذ منه ابن عباد قرطبة وأخذ منه أبوبكر بن عبدالعزيز بلنسية، واضطره اذفونش السادس لدفع جزية باهظة ، وعجز عن الحكم فطردوه من طليطلة وأرجعه إليها اذفونش السادس الذي سيطر علي طليطلة من خلاله ثم أخذها منه وعاونه في الاستيلاء علي بلنسية .. وبسبب توغل اذفوتش السادس في طليطلة وماحولها اضطر المعتمد بن عباد للاستنجاد بابن تاشفين الذي جاء وانتصر علي اذفوتش ثم طرد أولئك الملوك .
بنو الأفطس في بطليوس
ينتمون إلي قبائل مكناسة البربرية، وكان عميدهم ابن الأفطس يعمل في خدمة سابور العامري صاحب بطليوس وشنترين ، ومات سابور سنة 413 فاستولي ابن الأفطس علي أملاكه وأصبح من ملوك الطوائف وتحارب مع بني عباد وخلفه ابنه محمد المظفر الذي واصل الحرب مع ابن عباد إلي أن عقدت بينهما الهدنة سنة 443، وتحارب مع فرناندو الذي أجبره علي دفع الجزية ومع انشغاله بالحرب فقد كان المظفر مشهورا بغزارة العلم وله مؤلفات موسوعية ومجالس أدبية ، ومات سنة 460 وخلفه ابناه عمر ويحيي وقد اختلفا كالعادة فأجبرهما اذفوتش السادس علي مضاعفة الجزية، وتوفي يحيي سنة 460 فانفرد أخوه عمر بالحكم وتلقب بالمتوكل وقد استدعاه أهل طليطلة ليحل محل ابن ذي النون بعد طرده، وقد تحالف المتوكل مع باقي الملوك ضد اذفوتش السادس وعندما أدرك خطر المرابطين وابن تاشفين عليه عقد تحالفا سريا مع اذفوتش السادس لينقذ نفسه ، إلا أن المرابطين قتلوه مع أسرته سنة 488 وانتهت دولتهم.
بنو برزال في قرمونة
ينتسبون إلي قبيلة زناته وهاجروا للأندلس أيام المنصور بن أبي عامر واستوطنوا قرمونة وتولي عليها محمد البرزالي. وكان معروفا بالشجاعة والدهاء والبخل ودخل هو وأبناؤه في نزاع مع جيرانه الذين طمعوا في قرمونة بسبب موقعها الحصين ، وكان حاكم قرمونة ضحية التنازع بين ابن ذي النون صاحب طليطلة وابن عباد صاحب اشبيلية ، وأدي ذلك إلي انهيار حكم بني برزال في قرمونة في عهد العزيز بن برزال.
ماحدث مع قرمونة وبن برزال مالبث أن تكرر مع مقاطعات الأندلس كلها والمسلمين فيها، الى سقوط غرناطة آخر معقل عربى اسلامى فى الأندلس.
ختاما :
ليس هذا لمجرد سرد تاريخ مضى وانتهى لعشرات الأسماء من الملوك والأمراء والخلفاء ، ولا نريد إتعاب القارىء بهذه التفصيلات ، ولكن غرضنا هو التنبيه على أن حاضر العرب والمسلمين اليوم يؤكد أنهم ما زالوا يعيشون فى عقلية ملوك الطوائف،من الاستبداد ووراثة العرش والفساد والتنازع الداخلى والشقاق الخارجى ، ومع اختلاف انظمة الحكم فى الطوائف بين حكم بالخلافة وحكم عائلى إلا أن المقصود الأكبر هو الانفراد بالسلطة و الثروة ، ثم وجود طامع خارجى يستغل الأوضاع لفرض سيطرته ، وهو نفس ما يحدث اليوم . تماثل واضح ومحزن ومؤسف بين ملوك طوائف الاندلس القدامى وملوك طوائف العرب والمسلمين اليوم.
الفارق بين ملوك الطوائف هناك وملوك الطوائف اليوم هو المسرح الجغرافى ، بين مسرح الطوائف فى الأندلس المستقطعة أصلا من أسبانيا وأوربا وبين وجود العرب اليوم فى بلادهم الأصلية حيث لا يمكن استقطاعها منهم ونفيهم عنها ، ولكن يمكن استغلال أوضاعهم السابقة من الاستبداد و الفساد و التنازع المستمر فى أن يقوموا هم باستئصال أنفسهم .. لتتحقق نبوءة نزار قبانى حين قال : متى يعلنون وفاة العرب..
صحيح : متى ؟

هذه المقالة تمت قرائتها 548 مرة

التعليقات (7)
[37330] تعليق بواسطة sara hamid - 2009-04-19
ربما ننقرض فالبقاء للاصلح
شكرا لك اخينا احمد



الا ترى ان اهل الاندلس ارتاحوا مما كان سيصيبهم لو بقي العرب فيها



انها اسبانيا اليوم وهل الدكتور احمد في حاجة لمن يصف له اسبانيا اليوم---








[37335] تعليق بواسطة الصنعاني = - 2009-04-20
الأخت سارة


علينا ألا ننظر لفتح الأندلس بعينيين سودواتين أو ورديتين .



نعم كانت هناك أخطاء و لكن لاينكر الحضارة العربية و الإسلامية التي قامت هناك إلاجاهل و مازال العمران الذي أقامة العرب و المسلمون شاهداً على ذلك.



أعيب على الدكتور أحمد ميله للنظر للتاريخ العربي و الإسلامي بنظارة شبه سوداء ، في حين لو طبقنا نفس الأسلوب على الحضارة الأوربية و ملوكها سنصل الى نفس السيناريو من تآمر و إغتيلات و إنقلابات و إنقسامات.




[37344] تعليق بواسطة ميرفت عبدالله - 2009-04-20
ليست سوداء.. ولكن
دراسة التاريخ ليس للتسلية ولكنه شعاع من الماضي لينير الحاضر والمستقبل وهذا ما يفعله الدكتور أحمد صبحي منصور في كتاباته التاريخية والتي تنبع بالعبر ، ودراسة التاريخ وما فيه ليست للتسلية وإلا ما حفل القرآن الكريم بالكثير من القصص ، تحكي تاريخ أقوام أبيدت ، والفارق بين التاريخ الذي جاء في القرآن الكريم والتاريخ الذي بين ايدينا خارج القرآن الكريم أن الأول صحيح بنسبة مائة في المائة بينما الآخر نسبي يخضع لظروف كثيرة تتجمع لتنال من مصداقيته وتؤثر عليها وفيها، بعكس التاريخ المستقى من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..



وبالنسبة للنظارة شبه السوداء التي أشار اليها الأستاذ الصنعاني والتي يقول أن الدكتور احمد صبحي ينظر بها للتاريخ الإسلامي ، فإني أريد أن أقول له أنها ليست سوداء ولكن لها معايير قياسية مستقاة من القرآن العظيم ، فعندما تقوم الحروب بين المسلمين وتحصد آلاف الأنفس بل والملايين وبينهم القرآن الكريم يتلى ويحفظ ، ولا يتعظ به أحدا ، فالحكم على ذلك بالخطأ ليست نظارة سوداء ولكنه بناءا على قراءة للقرآن الكريم الذي يحرم الأعتداء ولا يجيز القتال إلا دفاعا عن النفس ، وعندما يصاب المسلمين بأمراض عصرهم من التنازع على السلطة والأستبداد والظلم وسفك الدماء، مع أن معهم كتاب الله الذي يحرم كل هذا ومع ما فيه من آيات تؤكد على أن الهدف الرئيسي من أرسال الرسل ما هو إلا ليقوم الناس بالقسط ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25 .. فالحكم عليهم من خلال ما جاء في القرآن الكريم ليس تجني عليهم وليست نظارة سوداء ، وكما قلنا فإنه ليس للتسلية ولكنه لنتعظ نحن الحاضرين حكاما ومحكومين ووعاظ وسلاطين من تاريخ السابقين ولا نسكن في مساكنهم ( الظامين منهم ).. الشكر للدكتور أحمد على هذا المقال ..




[37350] تعليق بواسطة خالد حسن - 2009-04-20
يا ليتنا نعتبر
السلام عليكم



هذه هي الامة الاسلامية التي ينادي بها المتدينون ويريدون إقامتها , حروب تلو حروب , قتل مكائد , اغتيالات , تصفية جسدية , طرد , تشريد , كل هذا من أجل الكرسي .



أي دولة اسلامية يا شيخ , الاسلام دين الديمقراطية والعلمانية لا دين ملوك و لا أمراء , فليس من مهمة الدين هو حماية الحكام والسلاطين وعروشهم بل مهمة الدين تأمين حياة الناس وإقامة القسط .



والله إني أضحك الآن ممن ينادون بتاريخ المسلمين في الاندلس .



فعلا يا ليتنا نعتبر يا ليتنا نعتبر




[37366] تعليق بواسطة ايناس عثمان - 2009-04-20
قفا نبكي
(وأدي التنافس والخلاف إلي إنهاء الوجود العربي والإسلامي في أسبانيا لسبب مباشر، هو أن العرب والمسلمين لم يكونوا في قلب العالم الإسلامي ـ كما هو الحال في العراق ـ وإنما كانوا في الطرف الغربي وعلي التخوم المواجهة لأوربا المسيحية التي تتطلع لاسترجاع ما أخذه العرب والمسلمون منها ، كانوا جزيرة منعزلة عن وطنهم الأصلي ، ولم يفطنوا إلي وضعهم الذي يحتم عليهم الاتحاد ، بل انشغلوا بالتنافس والتفرق ، وأدت طبيعة أسبانيا الجغرافية إلي تعزيز الانقسام بينهم وإلي تأكيد النزعة الانفصالية لكل مقاطعة طالما ضعف الحكم المركزي في قرطبة، وبذلك تكرس الانقسام فيما عرف في تاريخ الأندلس بملوك الطوائف. )



أصبحت أسبانيا كحائط المبكى يتحسر عليها العرب وعلى ضياعها وفقدان وجودهم فيها ، بدل من أن يستفيدوا من درس التاريخ وهو ما سبب ضياعها ، أو على الأحرى ما أسباب ذلك بدل أن نبكي على الأطلال كما كان الشاعر العربي يفعل وللأسف نحن نجيد البكاء كهدف وننسى لماذا نبكي ؟ ما سببه ؟




[37396] تعليق بواسطة نورا الحسيني - 2009-04-21
اذكروا محاسن موتاكم شعارنا في دراسة التاريخ.
أؤيد ما ذهبت إليه الأخت مرفت من ان الدكتور أحمد صبحي منصور لا ينظر للتاريخ بنظارة سوداء ولكن نقد التاريخ الإسلامي ينبغي أن يكون من خلال ما جاء في القرآن الكريم ، ومن ناحية أخرى فإن التاريخ يعيد نفسه بكل التفصيلات وهذا ما جاء في خاتمة الدراسة السابقة حيث أن ما زلنا نعيش عصر ملوك الطوائف ، وما قبل الطوائف أيضا حيث أننا لا زلنا نعيش في الفتنة الكبرى وننقسم بنفس الأنقسامات التي أنقسم المسلمون بها من أيام الفتنة الكبرى من سنة وشيعة وخوارج ألخ .. ، كل هذا لأننا فهمنا التاريخ على انه تسالي وحواديت مفادها أذكروا محاسن موتاكم ولا داع لأن نتعبهم في قبورهم ، وجعلناهم كائنات مقدسة فوق النقد ..




[37464] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-04-22
شكرا لكم جميعا .. وأقول
تعديل التعليق
شكرا للاستاذ خالد حسن والأستاذات سارة و ميرفت عبد الله ونورا الحسينى وايناس عثمان.



وأقول إن تعليق الاستاذة سارة حامد هو أجمل تعليق كنت أنتظره . وفعلا .. فقد استمر حكم العرب فى شمال أفريقيا حتى الان ، والفارق واضح بينهم وبين أسبانيا ، وحاول الأسبان انتزاع شمال أفريقيا من العرب فما أفلحوا. انتزعوا فقط سبتة ومليلة ، والآن يحاول الشباب العرب و الأفارقة الهجرة الى سبتة ومليلة ولو أدى ذلك الى غرقهم .



وأقول للاستاذ الصنعانى : هناك مئات الألوف يكتبون فى محاسن ومزايا الحضارة العربية ( الاسلامية ) وكلما كتبوا يمدحون صعودا إزداد العرب و المسلمون تخلفا وهبوطا ، وامتلأوا شوقا للعودة الى العصور الوسطى يحسبونها جنة نعيم.



وظيفة المصلح أن يركز على المرض ، ولأن العرب مرضى فليس هناك متسع من الوقت لكى تتحدث للمريض بالسرطان عن سحر وجمال عيون جده الأعلى أو قوام جدته الملفوف ، لا بد أن تحكى له عن جذور مرضه الوراثى ، ولذلك فالمصلح متخصص فى السيئات ، ولقد كتبت مقالا بهذا العنوان .