تأملات فى قصة يوسف فى القرآن العظيم ( 3 ـ ا )
ملامح الفن الدرامى فى سورة يوسف : ( الجزء الأول )

في الإثنين ٢٣ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
اتبعت التوراة الأسلوب الروائي في قصص الأنبياء ، وجمعت بينه وبين الرواية التاريخية ، وبدأت بخلق السموات والأرض وخلق آدم وتاريخ الأنبياء ، وأنتهت إلى آخر قصص بني إسرائيل وانبيائهم ( زكريا وملاخي ) . وفي غضون ذلك تعرضت لقصة يوسف خلال تاريخ أبيه يعقوب وإخوته الإحدى عشر وانتقالهم من فلسطين إلى مصر .
نقرر هنا ما سبق تاكيده ، من أن القرآن الكريم ليس كتابا فى القصص أو الدراما أو العلوم الطبيعية او الفلكية و الطبية ، وليس كتابا فى التشريع والآداب و الفنون. إنما هو أولا وأخيرا كتاب فى الهداية. وفى سبيل الهداية تاتى إشارات لحقائق علمية و يتم ربط التشريع بالتقوى و الهداية ، ويقص الله تعالى القصص بمنهج مخالف للتاريخ لأن الهدف ليس مجرد السرد و التأريخ ولكن العبرة، ثم تاتى بعض قصص القرآن فى شكل درامى يسبق ابتكار البشر للفن الدرامى السينمائى ، وذلك فى سيرة يوسف عليه السلام و أبيه واخوته ، لأن قصته حافلة بكل الدراما الانسانية و ما فيها من صراعات تبدأ من داخل الأسرة الى داخل القصر.

منهج القرآن في القصص يتوخى دائما العبرة والعظة ، ولا يعرف السرد التاريخي ولا يهتم بتحديد الاسماء والأماكن والأزمنة ، ولعل قصة يوسف هي الوحيدة التي استغرقت سورة بأكملها من بدايتها إلى نهايتها وفق أسلوب جديد في القص هو الاسلوب الدرامى السينمائى الذى تتابع فيه المشاهد واللقطات في تدفق سريع ومتلاحق لا يهتم بالتفصيلات الفرعية والأحداث الجانبية أو الشخصيات الهامشية ، وإنما يركز على البطل من البداية للنهاية.
هنا نوع جديد وجذاب من السرد الدرامى السينمائى فى القصص لم يعرفه عصر نزول القرآن الكريم فى القرن السابع الميلادى ، هذه النوعية الجديدة من القصص يقول عنها رب العزة للرسول عليه السلام " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ : يوسف 3 " ..

ثانيا :
سرد المشاهد الدرامية

ويمكن أن نستعرض قصة يوسف من خلال تلك المقاطع أو المشاهد أو اللقطات طبقا لمصطلح الدراما ، وتشير إلى الفجوات التي تركها القرآن لذكاء القارئ إذ أن ذكرها نوع من الثرثرة يسمو عنه القرآن الكريم ..
المشهد الأول : ليل ـ داخلى : (داخل حجرة نوم بديكور ينتمى لهذا العصر)
( يوسف يقص الحلم على ابيه )

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( يوسف : 4 : 6 )
ويبدأ المشهد الأول بيوسف وهويحكي لإبيه الحلم الذي رآه وأبوه يحذره من أن يحكي هذا الحلم لإخوته حتى لا يتآمروا عليه ، ونفهم من هذه البداية أن يوسف مرشح لمستقبل عظيم وأن أباه يعقوب قد عرف أن الله تعالى اختاره للنبوة وأن أخوة يوسف يحقدون عليه حب أبيهم له ونبوغه المبكر ومخايل الاختيار الالهي فيه .
يحتوى هذا المشهد على الرؤيا المنامية أو الحلم الذى رآه يوسف ، والذى تدور عليه القصة وصراعاتها الدرامية، بحيث أن ما سيأتى بعد هو تأويل وتفسير وتجسيد لهذا الحلم .
وبعد هذا المشهد الذي تتكشف فيه كل تلك المعاني تتتابع المشاهد التالية لتقدم شخصيات القصة ( يوسف ، أبوه ، إخوته )والعلاقات المتباينة بينهم.
المشهد الثاني : ( ليل خارجى )( تحت شجرة )
(أخوة يوسف وهم يتآمرون عليه ).
( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) (يوسف 7 : 10 )

وفي هذا المشهد يبدأ الراوى بالتقديم ليوسف واخوته بان فيهم آيات وعبر للسائلين ، ثم يتم تقديم أخوة يوسف ونفسيتهم في ذلك الوقت ، ونراهم في غمرة الحقد على يوسف يتهمون أباهم بأنه يفضل يوسف وأخاه عليهم وهم عصبة ( عشرة أبناء ) ويتهمون أباهم بأنه في ضلال مبين ، ثم يقترحون التخلص من يوسف بالقتل أو النفي . ويقترح أحدهم القاء يوسف في الجب ليلتقطه بعض السائرين .
والعظمة هنا فى التنبيه لغرابة طبع الأخوة وموقفهم من أبيهم النبى الذى يتهمونه بالضلال المبين ، ثم حقدهم على اخيهم لأن أباهم يحبه أكثر مما يحبهم.
ولأنها قضية انسانية ودراما عائلية فالحاجة واضحة الى تنبيه يقوم به الراوى ، ولهذا بدأ تقديم المشهد بقوله تعالى الذى يقص أحسن القصص (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ )
ويمكن للسيناريست الحاذق أن يؤكد على كراهية أخوة يوسف له بمشهد سابق فيه لقطات تصويرية بلا حوار ، كأن ينظرون الى يوسف بحقد وهو يلعب بين يدى أبيه ، أو يتغامزون فى كراهية وهم يرون أباهم يحنو على يوسف ، أو يظهرون الامتعاض وهم جلوس حول أبيهم يتحدثون معه وهو عنهم لاه منشغل ، ينظر الى يوسف فى حب واعجاب.
بعدها يأتى هذا المشهد وهم فى خلوة يتآمرون على التخلص من يوسف.
المشهد الثالث : ( نهار داخلى ) (داخل صالة متسعة فى نفس البيت )
(أول خطوة فى تنفيذ المؤامرة :أخوة يوسف يقنعون أباهم بأخذه معهم )
( قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ) ( يوسف 11 : 14 )
هنا يتم الانتقال سريعا إلى الاخوة وهم يتحاورون مع أبيهم ليقنعوه بأن يسمح لهم بأصطحاب يوسف معهم ، ونفهم من ذلك اتفاقهم التآمري على يوسف وخداع أبيهم ، ونفهم أيضا أن أباهم كان يخشى على يوسف منهم ، وأن الأمر احتاج إلى محاولات مضنية من الإخوة لكي يقتنع أبوهم بحرصهم على أخيهم .
وفي الحوار المركز في هذا المشهد ازدحمت كل تلك المعاني من قولهم لإبيهم "(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) إلى قول أبيهم لهم في رقة: ( قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ) فلم يصرح لهم برأيه في خوفه عليه منهم ، وإنما بخوفه أن يغفلوا عنه فيأكله الذئب ، وكأنما أعطاهم الحجة فيما بعد حين زعموا أن الذئب أكله. ثم يؤكدون له " قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ " وينتهي المشهد دون أن يعطينا موافقة يعقوب لنفهم أنه أضطر للموافقة .
السيناريست المبدع هنا يبدأ المشهد بلقطة ليوسف وهو يلعب بين يدى ابيه بينما تلاحقه عينا أبيه فى حب وشفقة ورعاية واهتمام،والأبناء يتابعون الموقف يصطنعون الابتسام ، ثم يتكلمون مع أبيهم فى ليونة و رقة.
المشهد الرابع : ( نهار خارجى ) (فى طريق صحراوى )
(فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ) (يوسف 15 )

وهذا المشهد يحتل جزأ فقط من الآية : هو قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ). وهو جزء حركي لا حوار فيه ، ويتخيل القارئ له أخوة يوسف وقد أعتقلوا أخاهم الصغير بعد أن أخذوه من أبيه " فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ " وساروا به وقد أتفقوا على القائه في الجب " وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وعلى قلة الكلمات فأنها تحوي مترادفات من الأحداث والوقائع من اخذهم ليوسف إلى اتجاههم به للجب ، كلها تتطلب لقطات متدفقة تترجمها .
ويمكن للقارئ أن يتخيل ذلك الاجماع على الشر من ملامحهم وتصميمهم على الجريمة ، أى انقلبت نظرات الحب والرقة المفتعلة التى ظهروا بها أمام أبيهم بمجرد أن أخذوه وابتعدوا به عن أبيهم ، وحل محل نظرات الحب ملامح الحقد والكراهية ، وتبدو فى تعاملهم معه فى عنف وهم يصطحبونه بعيدا عن أبيه ، ثم نظرات البراءة أو الشك أو الخوف في عين الصبي الصغير حسبما يثور في قلبه من مخاوف وقلق وشك وتصديق لمزاعمهم أو تكذيب لها وهو يقارن بين ملامح وجوههم وهم عند ابيهم ثم بعد أن أنصرفوا به وتركوا أباهم ... كل ذلك وغيره فى كلمات قليلة ..
ويتوقف المشهد عند ذلك ليترك القارئ يتخيل الأخوة وقد ألقوا بيوسف فى الجب وما قد يحدث من استعطاف الصبي الصغير لأخوته وقسوتهم عليه ..
وننتقل إلى المشهد التالي في مكان آخر مختلف وإن كان الزمن لم يختلف . الروعة هنا فى الربط بين هذا المشهد للأخوة والمشهد الآخر لأبيهم الذى تركوه ، مشهدان مختلفان ولكن يقعان فى نفس الوقت وفى نفس الآية ، والرابط بينهما كلمة ( فلما ) أى حين اصطحبوا أخاهم الصغير ليرتكبوا جريمتهم نزل الوحى على أبيهم يخبره بما يحدث وماذا سيحدث.

المشهد الخامس ( نهار داخلى )( داخل صالة متسعة فى نفس البيت)
نفس الآية ( يوسف 15 )
(وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) (يوسف 15 )
وفى آية واحدة وقصيرة يأتى المشهد التالى وفي نفس الزمن ، حيث يأتي الوحي ليعقوب يخبره بالمؤامرة التي قام بها أبناؤه وأنه سيأتي الوقت الذي سيخبرهم فيه بنتائج أفعالهم. أذن هو انتقال في المكان دون الزمان ، من حيث يلقي أخوة يوسف أخاهم في الجب إلى حيث جلس الأب قلقا على أبنه فيأتيه الوحي يخبره بما يفعلون ويأمره بأن الوقت سيأتي حيث يخبرهم بتأمرهم ، ويترك القارئ يتخيل أن يعقوب قد أوتي بعض الطمأنينة بأن ابنه سيفلح في النهاية خصوصا وأن الحلم الذي رآه يوسف وحكاه لأبيه يحمل ليوسف مستقبلا زاهراً ، وذلك يعني أن إلقاء يوسف في الجب لايعني أنتهاء حياته أبدا .. بل أن الأخوة سيأتي عليهم وقت الندم حين يواجههم أبوهم بفعلتهم الشنعاء .
ومن الممكن اللجوء الى الراوى هنا لينطق بالوحى الذى نزل علىى يعقوب وقتها ، وتتوالى تاثيراته على وجه يعقوب باحساسات معقدة و متشابكة ؛ من القلق الى اللهفة ثم الى الطمأنينة فى النهاية ، مع الخشوع والاخبات والرضى بالمقسوم.
المشهد السادس : (ليل داخلى ) (داخل صالة متسعة فى نفس البيت)
(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )(يوسف : 16 : 18 ) .
وفيه يتم الانتقال الزمني بدخولهم على أبيهم ليلا يبكون يزعمون أنهم ذهبوا يتسابقون في الجري تاركين يوسف عند متاعهم فأكله الذئب ، ومع دموعهم يعلنون لأبيهم أنه لن يصدقهم ولن يثق فيهم مهما كانوا صادقين ، ويقدمون لأبيهم قميص يوسف ملوثا بدماء يزعمون انها دماء يوسف ، ويرد عليهم يؤكد أن في الأمر مؤامرة ويعلن أنه سيصبر ويستعين بالله تعالى على ذلك .

المشهد السابع : ( نهار خارجى ) (طريق وسط الصحراء )
(وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) (يوسف 19 : 20 )
وفيه يتم الانتقال إلى حيث يوسف. حيث تحدث لقطات متتابعة في داخل المشهد ، وهي لقطات حركية سريعة
1 ـ لقطة لقافلة تسير . " وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ " السيارة فى المصطلح القرآنى يعنى القافلة .
2 ـ ولقطة للقافلة وهي ترسل غلاما ليبحث عن ماء " فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ "
3 ـ ولقطة أخرى للغلام وهويسير باحثا عن الماء فيعثر على الجب فيظن أن به ماءاً،
4 ـ لقطة للغلام وهو يدلى الدلو ( فَأَدْلَى دَلْوَهُ )
5 ـ الدلو يهبط الى قاع الجب فيتعلق به الصبى يوسف
6 ـ الغلام خارج الجب يشد الحبل بصعوبة وبأنفاس مجهدة ، ويخرج الدلو وقد تعلق يوسف بالدلو قادما من داخل الجب ، يذعر الغلام من المفاجأة ، ويرى جمال الطفل فيهتف فرحا (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ )
7 ـ يتم الانتقال مباشرة إلى حيث القافلة ، وذلك يعني أن عودة الغلام بيوسف مفهومة ضمنا ولا حاجة لذكرها ..
8 ـ اللقطة التالية للقافلة وهى تتحاور وتنتهى الى اعتبار يوسف عبداً مملوكاً لهم يبيعونه بضاعة " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ". ويأتى التعقيب الالهى بصوت الحاكى أو الراوى للاحداث (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
9 ـ اللقطة الأخيرة فى هذا المشهد للقافلة وهي تبيع يوسف للتجار وما حدث من حوار نفهمه من خلال التعليق على الصفقة بين التجار ورجال القافلة الذين كانوا غير متحمسين لابقاء يوسف معهم ، بل يريدون التخلص منه بسرعة ، لذا (شروه ) أى باعه رجال القافلة بثمن قليل ،مجرد دراهم معدودة " وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) . ويمكن للسياريست المتمكن ان يستغنى عن الحوار فى اللقطة الأخيرة ، ويكتفى بتعبيرات وإشارات التجار و رجال القافلة ، وهم يتساومون فى بيع يوسف .
المشهد الثامن : (ليل داخلى ) ( بهو فسيح فى قصر فاخر )
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (يوسف 21 )
هنا يتم الانتقال من فلسطين إلى مصر ، وفيه نرى لقطتين :ـ
الأولى ليوسف وقد اشتراه رجل مصري هام في سوق الرقيق .
الثانية : لنفس الرجل في بيته الفخم وهو يوصي امرأته بذلك الصبي الذي يبدو عليه النبل والشرف ورفعة الأصل .
وفى ختام هذه المرحلة من حياة يوسف يأتى تعليق للراوى يخاطب المستمعين للتأكيد على العبرة والعظة : " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ " . أي انتقل يوسف من حضن أبيه يعقوب إلى حضن رجل آخر اكرمه وعزم على أن يتخذه ولداً . أي أن تآمر الأخوة على أخيهم دفعه لأن ينشأ في قصر بعد أن كان في البدو ، أرادوا له الجب وأراد الله تعالى له القصر ، أرادوا له الرق والأسر وأراد الله تعالى له التمكين في الأرض ، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) وهى موعظة يجب ان يحملها فى قلبه كل مظلوم .

المشهد التاسع :
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )( يوسف 22 )

آية واحدة تضم مشهدا تتابع فيه اللقطات الحركية (فوتومونتاج ) بلا حوار ، توجز انتقال يوسف من مرحلة الصبا إلى الشباب وقد اكتمل عقله وعلمه وأدرك وضعه وماضيه ، مع صوت الراوى يقول :(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ).

المشهد العاشر : (ليل داخلى ـ داخل قصر العزيز )
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي )( يوسف 23: 26 )
هنا مشهد طويل ملىء الصراعات النفسية المكتوبة والظاهرية العلنية .
وفيه لقطات متتابعة وانتقالات تتم داخل بيت العزيز ..
1 ـ تبدأ اللقطة الأولى بامرأة العزيز تتأمل يوسف هائمة ولهانة .
2 ـ تقترب منه و تتحسسه وتراوده وهو ينفر منها ، ويعرض عنها فتزداد الحاحا .
3 ـ تغلق الأبواب من الداخل وتدعوه إلى نفسها صراحة (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ )ويرفض قائلا (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )
4 ـ تستمر فى ملاطفته فتتراخى مقاومته ويبدأ فى الاستجابة لها
5 ـ يتذكر والده ، تظهر امامه صورة والده ، فينتفض متحررا من رغبته الجنسية ، 6 ـ يتخلص منها ـ ويفر هاربا نحو الباب ليفتحه بينما تسابقه هي إلى الباب لتمنعه من الخروج ، ويتنازعان وتتعلق هى بقميصه فيتمزق فى يدها.
7 ـ ينفتح الباب ويفاجأ يوسف والمرأة بالزوج أمامها .
5 ـ تسارع المرأة باتهام يوسف لتبرئ نفسها ، ويدافع يوسف عن نفسه .

المشهد الحادى عشر : ( ليل داخلى : حجرة فى قصر العزيز )
( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) ( يوسف 26 : 29 )
مشهد لجلسة محاكمة عائلية داخلية ، نفهم منه تطور النزاع بين الزوج و الزوجة بشأن يوسف مما إقتضى تدخل أهل الزوجة ، فتعقد جلسة ويأتي شاهد منهم ليحكم في الموضوع ، ويحكم بأن موضوع تمزيق القميص هو الفيصل ، ويتأكد الجميع من براءة يوسف ، وينصحها الشاهد الحكم بأن تستغفر من ذنبها وينصح يوسف بالأعراض عنها ..
نلاحظ هنا الانتقال السريع فى آية واحدة من مشهد امرأة العزيز وزوجها يضبطها مع يوسف الى مشهد أخر تقام فيه محكمة للتحقيق فيما حدث: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ .. ) هناك أحداث بين المشهدين أهملها السياق لأنها مفهومة ولا تستحق الذكر ، وليدل أيضا على سرعة تصرف الزوج بأن بادر باستدعاء قريب الزوجة ليفصل فى الموضوع .

المشهد الثاني عشر : (فوتومونتاج )
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) (يوسف 30 )

وفي لقطات متتابعة وفى حجرات وايوانات فخمة مختلفة فى المكان والزمان تثرثر النسوة المترفات في المدينة بقصة امرأة العزيز مع فتاها وعشقها له ومراودتها له عن نفسه ، وانكارهن عليها .
وهنا أيضا أحداث تجاوزتها الدراما ، فهذا الموضوع السّرى وجد طريقه للانتشار فى الخارج عبر خادمات قصر العزيز اللواتى أفشينه الى صديقاتهن ورفيقاتهن فى القصور الأخرى ، وسرى الهمس بين القصور وفى الأسواق وفى جلسات النميمة النسائية . ومن الممكن للسيناريست ان يتوقف هنا ببعض المشاهد فى فوتومونتاج سريع .

المشهد الثالث عشر (ليل داخلى )( صالة فى قصر العزيز، وحجرة ملحقة بالصالة)
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) ( يوسف 31 : 33 )
وفيه عدة لقطات سريعة الايقاع ..
1 ـ الأخبار تصل إلى أمرأة العزيز بما تقوله أولئك النسوة عنها ،اى بعض صديقات إمرأة العزيزة ممن يتسمعن الأخبار بل ويشاركن فى النميمة يأتين بأخبار ما يقال عنها فى المدينة ، وهى تتسمع لكل منهن فى غيظ وتعتبره مكرا وكيدا : ( فلما سمعت بمكرهن )
2ـ إمراة العزيز تسارع بأن ترسل إليهن تدعوهن إلى وليمة واحتفال نسائي خاص ( أرسلت اليهن) وبالتالى نرى خادمات إمراة العزيز كل منهن تأخذ رسالة من سيدتها لايصالها الى اولئك النسوة .
ومفهوم ان كل خادمة أوصلت الدعوة لكل واحدة من أولئك النسوة ..وهذه الجزئية أغفلتها الدراما القرآنية لأن ما قبلها وما بعدها يشى ويشير اليها .
3 ـ نفس الخادمات يقمن تحت إشراف إمرأة العزيز بتجهيز قاعة فسيحة بآرائك مريحة للضيفات القادمات( واعتدت لهن متكئا ).
4 ـ ومفهوم أنهن جئن وجلسن على الارائك ووزع الخدم عليهن أطباق الفاكهة، وقد تجاوزته الدراما القرآنية ، ولكن ركزت الدراما القرآنية على شىء ذى دلالة وهو قيام إمرأة العزيز بنفسها باعطاء كل واحدة منهن سكينا لتقشر بها الفاكهة : ( وآتت كل واحدة منهن سكينا ) . ويمكن للسيناريست أن يصور استقبال إمرأة العزيز لهن واحدة واحدة،والخادمات يحطن بهن بعد جلوسهن يقمن على خدمتهن ، ولكن يتم التركيز على إمرأة العزيز وهى تقوم بنفسها بإعطاء كل واحجة منهن سكينا.
5 ـ ونفهم من قوله تعالى بعدها مباشرة : (وقالت أخرج عليهن) أنه أثناء انشغالهن بالثرثرة والحديث وأكل الفاكهة بالسكين تركتهن امرأة العزيز وخرجت من الصالة ودخلت إلى حيث يجلس يوسف فى القاعة الملحقة بالصالة وأمرته بالدخول على اولئك النسوة ، وكل تلك الوقائع يعبر عنها القرآن بكلمة واحدة ( وقالت أخرج عليهن ) .
الجمال فى الصياغة الدرامية هنا أن التركيز على إمرأة العزيز فى تحركاتها حيث أنها بطلة ذلك المشهد والعنصر المتحرك فيه ، لذلك يتابع السيناريو حركتها لأنها هى التى تمسك بخيوط الأحداث لترد على تآمر النساء بمكر أشد.
ولذلك فان تجاهل الأحداث الأخرى الخاصة بالنساء المترفات ليس فقط لأنها مفهومة من السياق ، ولكن أيضا لأهمية التركيز على البطل المؤثر هنا فى تلك المشاهد ، وهى إمرأة العزيز .
6 ـ النسوة في انشغالهن بالثرثرة وأكل الطعام بالسكين يفاجأن بيوسف يدخل عليهن ، ويشهقن بالانبهار من جماله ويستغرقن في إلتهام ملامحه بعيونهن ولا يشعرن بأيديهن تسيل منها الدماءوقد جرحتها السكاكين .. وينطقن : جميعا حاش لله ما هذا بشرا ، إن هذا إلا ملك كريم .. وتتدخل امرأة العزيز معلنة انتصارها عليهن فتعترف امامهن بأنها راودته عن نفسه ، وأنه الفتى الذي استحققت اللوم منهن من أجله ، وتتشجع فتهدد يوسف بأن يكون عشيقها وإلا سيدخل السجن ويهان ، وتوافقها النسوة. ويرى يوسف نفسه وليمة لنساء يردن التهامه ولا حيلة له معهن فيلجأ لربه يفضل السجن على الفاحشة . ويرجو ربه أن يصرف عنه كيدهن .
المشهد الرابع عشر (فوتومونتاج )
(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
يأتى صوت الراوى بان الله جل وعلا استجاب لدعوة المظلوم يرسف بن يعقوب عليهما السلام . أثناء قول الراوى نرى أحداثا متلاحقة مختلفة الزمان والمكان تصف سريان الإشاعات فى المدينة عما حدث فى ذلك المؤتمر النسائى للسيدات المترفات اللواتى اصابهن جمال يوسف وحسنه بالجنون حتى عقدن العزم على إغتصابه وافتراسه مع زعيمتهن إمرأة العزيز .
صوت الراوى هنا فى محله لأنه يفسر مقدما ـ طبقا لمنهج العظة و العبرة ـ أن التآمر القادم ليعصف بيوسف لا بد أن يؤول الى الخسران طبقا لحقيقة أن الله تعالى غالب على أمره .
وتنتقل لقطات الفوتومونتاج الى نسوة أخريات لم يشهدن جمال يوسف وهن يسمعن عن جماله ، مما يجعلهن يتطلعن إلى مشاهدته ،وتنتقل الى نقلة أخرى حيث يثور التساؤل هل ستنجح امرأة العزيز في التحدي الذي أعلنته وهل سيصمد يوسف ، وتصور اللقطات كيف أصبحت المدينة شعلة من الثرثرة والنميمة . وفى نهاية المشهد يعرف الأزواج بما حدث فيحذر كل زوج امرأته من التجاوب مع امرأة العزيز ، وبالتالى تفشل المؤامرات التى كانت النسوة قد عزمن تنفيذها لاغتصاب يوسف .
على أن وجود يوسف حرا طليقا بجوار امراة العزيز وكرامتها الجريحة وكرامة زوجها من ناحية أخرى تحتم الحكم عليه بالسجن برغم رؤيتهم للايات الناصعة على براءته. وتكون التهمة هى مراودة سيدته على الزنا. اتهموه وهم يعلمون انه الضحية وليس الجانى . أصبح المخرج الوحيد لديهم هو دخول يوسف السجن حتى تخمد تلك العاصفة . التعبير عن هذه الأحداث دراميا يستلزم عدة مشاهد بلقطات متابعة عن اجتماعات مختلفة تضم النسوة معا ، ثم أزواجهن،ومواجهات بين الأزواج والزوجات،وأخرى بين امراة العزيز وزوجها ، وفى النهاية اتفاق يرضى الجميع بادخال يوسف السجن لدفن الفضيحة أو الحقيقة معه ، وينتهى هذا الجزء بيوسف أمام القاضى وهو يحكم عليه بالسجن .
جعلنا كل تلك الأحداث المتلاحقة مشهدا واحدا (فوتومونتاج ) ـ وهو خطأ فى الكتابة الدرامية ، لأن المفروض الاستغناء هنا عن الفوتومونتاج وتكوين مشاهد مستقلة ومتتابعة ، ولكننا هنا لا نكتب سيناريو ولكن فقط نشير الى ملامح الفن الدرامى فى قصة يوسف .
الذى يهمنا هنا أن كل تلك الأحداث والصراعات مركزة في الآيتين (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ) ( يوسف 34 : 35 )
أخيرا :
ونتوقف هنا فى الجزء الأول عند دخول يوسف السجن ..
وقد استعرضنا مشاهد لمرحلتين من حياته: حياته مع أبيه وأخوته والأخرين في فلسطين وفيما بين فلسطين ومصر، ثم حياته في قصر الرجل الذي اشتراه والذي أصبح عزيز مصر .
انتظرونا فى الجزء الثانى ..


هذه المقالة تمت قرائتها 567 مرة

التعليقات (9)
[34583] تعليق بواسطة أحمد مقداد - 2009-02-20
سؤال ؟

( ويقص الله تعالى القصص بمنهج مخالف للتاريخ لأن الهدف ليس مجرد السرد و التأريخ ولكن العبرة )

كلامك هذا شبيه بكلام الدكتور محمد أحمد خلف الله في كتابه ( الفن القصصي في القرآن ) .

و لكن هل يشمل هذا جميع القصص أم بعض منها ؟

يعني عندما يقول الله تعالى في قصة ( أهل اكهف ) - (( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ))

فالواضح من الآية أن هناك خلاف حول قصة أهل الكهف و أن الله تعالى يقص على نبيه الكريم قصتهم الحقيقية الصادقة .

ثم هل من الممكن أن نجد بعض القصص في القرأن مأخوذة من أساطير قديمة بهدف توظيفها في مجال العبرة ؟


و شكراً




[34592] تعليق بواسطة عبدالمجيد سالم - 2009-02-20
ما جاء في القرآن هو الحقيقة ..
في أول سورة يوسف قال الله تعالى عن قصة يوسف وقومه أنها أحسن القصص ، وهي كما قال الله سبخانه وتعالى هي أحسن القصص ، حيث أن بها جميع عناصر القصة ، وأكاد أجزم أن ما من قصة ظهرت بعدها إلا وتأثرت بقصة يوسف ، ولا يمكن لأي أديب أن يتحرر من الاستفادة من قصة يوسف . وكلنا يتذكر ما قام به يوسف شاهين من عمل فيلم قريب من قصة يوسف حيث حصد عليه العديد من الجزائز .




[34667] تعليق بواسطة نعمة علم الدين - 2009-02-22
قصة يوسف والدور الذي كانت تحتله المرأ
قصة يوسف تعطينا ملمحا للدور الذي كانت تلعبه المرأة ، في الحياة فهي عادة تكون خلف الأحداث ولكنها تكون المحرك الأساسي لها ، وهذا ما نفهمه من وفائها بوعدها وأنه تم سجنه فقط حيث أنها قالت ( وإن لم يفعل ما آمره به ليسجنن ..) ولقد قامت المحاكمات ونفذت إرادتها وحكمت بالسجن كما أرادت. ولعل هذا الملمح ما سوف يعالج في المقال القادم . وهناك قضية أخرى أرجو من الدكتور أحمد أن يعطينا فيه رأيه وهي قضية تشخيص الأنبياء في الأعمال الدرامية المحترمةهل هناك ما يمنع ذلك ؟، ومن ناحية أخرى فلقد شاهدت فيلم المهاجر ليوسف شاهين ، وهو يلف ويدور حول شخصية يوسف وامرأة العزيز وعزيز مصر ، فإلى أي حد أستطاع يوسف شاهين من الأقتراب من الحقيقة ؟.




[34677] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-02-22
شكرا لكم .. وأقول ..
شكرا للاستاذ أحمد مقداد ، وأدعوه لقراءة المقال الأول من سلسلة القصص القرآنى ففيه الاجابة على سؤاله فيما يخص الحق المطلق فى القصص القرآنى.



ولأن القصص القرآنى حق مطلق فلا مجال فيه للاساطير . ولا حاجة للقصص القرآنى للاتيان بأساطير لسببن :



الأول : غنى القصص القرآنى وتنوعه الموضوعى من تاريخ الأمم الى تاريخ الأنبياء وتنوعه حسب الزمن من ماضى الى معاصر لوقت نزول الوحى الى مستقبل.. ولقد ناقشنا هذا فى أحد مقالات القصص القرآنى المنشورة ـ فيما أعتقد.



الثانى : إن هناك بابا متسعا للعبرة خارج القصص القرآنى و مماثل له ، وهو ضرب الأمثال .. ونرجو أن نتم كتابنا عن ضرب الأمثال فى القرآن الكريم .



ولم أقرأ حتى الآن كتاب الدكتور خلف الله عن القصص القرآنى ، وربما نتفق ونختلف ، ولكن لى منهجيتى القرآنية و التاريخية بحكم التخصص ، ومبلغ علمى أن تخصص الاستاذ خلف الله كان فى النقد الأدبى و ليس فى التاريخ و القرآن الكريم .




[34678] تعليق بواسطة عائشة حسين - 2009-02-22
ماذا لو كان الوحي ليوسف في الآية
نشكرك يادكتور على هذا المقال الرائع حقا . والذي ينقلنا إلى إبداع القرآن القصصي مع أنه كما ذكرت يا دكتور أن القرآن هو في أساسه للهداية والعبرة ولكن ذكرت في المقال هذا الجزء :



( (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) (يوسف 15 )

وفى آية واحدة وقصيرة يأتى المشهد التالى وفي نفس الزمن ، حيث يأتي الوحي ليعقوب يخبره بالمؤامرة التي قام بها أبناؤه وأنه سيأتي الوقت الذي سيخبرهم فيه بنتائج أفعالهم. أذن هو انتقال في المكان دون الزمان ، من حيث يلقي أخوة يوسف أخاهم في الجب إلى حيث جلس الأب قلقا على أبنه فيأتيه الوحي يخبره بما يفعلون ويأمره بأن الوقت سيأتي حيث يخبرهم بتأمرهم ، ويترك القارئ يتخيل أن يعقوب قد أوتي بعض الطمأنينة بأن ابنه سيفلح في النهاية خصوصا وأن الحلم الذي رآه يوسف وحكاه لأبيه يحمل ليوسف مستقبلا زاهراً ، وذلك يعني أن إلقاء يوسف في الجب لايعني أنتهاء حياته أبدا .. بل أن الأخوة سيأتي عليهم وقت الندم حين يواجههم أبوهم بفعلتهم الشنعاء )



اسمح لي أن اسأل السؤال التالي: /ماذا لو كان الوحي في الآية السابقة ليوسف وليس لأبيه؟؟

ويأتي الإخبار أو تحقيق هذا الوحي في آخر القصة : عنما عرف يوسف أخوته عند ذهبوا إليه ليكتالوا ،وهم له منكرين .






[34679] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-02-22
شكرا استاذة عائشة على هذا السؤال الذكى.. وأقول
الوحى المشار اليه فى الآية الكريمة كان للأب النبى يعقوب عليه السلام وليس لابنه يوسف عليه السلام .



يوسف عليه السلام حين رأى إخوته لأول مرة لم ينبئهم بأمرهم ،بل كتم معرفته بهم( يوسف 58 : 59 ) .



أما إجابة يعقوب فتشير الى انه علم بما فعله ابناؤه بأخيهم يوسف حين دخلوا عليه عشاءا يبكون وبقميص يوسف ملوثا بالدم : ( يوسف 18 ). وتكررت الاشارة الى علمه بجريمتهم حين طلبوا منه ان يرسل معهم فى المرة التالية بأخيهم بنيامين :( يوسف 64 )بل لم يرسله معهم إلا بالعهد والميثاق ( يوسف 66 ). وحين رجعوا اليه بدون بنايامين يحكون بصدق ما حدث حسب رؤيتهم فانه لم يصدقهم بسبب فعلتهم القديمة التى أنبأه بها الوحى ( يوسف 83 ). وحتى حين ارتد اليه بصره وعرف بحياة ابنه يوسف أكّد يعقوب لأبنائه إنه كان يعرف من الوحى الالهى ما حدث :( فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( يوسف 96 ).



ولا ننسى المنام الذى رآه يوسف وقصّه على أبيه ، ثم كانت القصة تجسيدا لهذا المنام ، والمهم هنا أن الأب هو عرف من المنام اختلاف يوسف عن بقية اخوته واجتباءه من بينهم ، وهذا يعنى الابتلاء و النصر النهائى.




[34682] تعليق بواسطة احمد صبحي منصور - 2009-02-22
تابع ..الرد على الاستاذة عائشة
وعلى أى حال فان سؤالك الذكى يا استاذة عائشة يثير قضية أخرى هى الفارق بين لغة القرآن و لغة النحو المخترع فى العصر العباسى ، وقد نبهنا على هذا فى التحليل الدرامى لسورة يوسف.



فى قواعد النحو أن الضمير يرجع الى أقرب الأشياء اليه ، وعليه فقوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) يتكلم عن يوسف لأن الضمير الغائب يرجع الى يوسف ، فيوسف هو الذى (ذهبوا به ) وهو الذى (أجمعوا أن يجعلوه ) فإذن هو الذى قال عنه تعالى ( وأوحينا اليه ..)



وهذه القاعدة النحوية تصح غالبا ولكن لا تصح مطلقا بدون استثناء. وهنا وجه الخلاف بين لغة القرآن الكريم واللغة التى صنعها النحويون فى العصر العباسى بالاستقراء و القواعد التى جعلوها مطلقة لا استثناء لها.



هو موضوع سنتعرض له فيما بعد ، ولكن نقول باختصار هنا أن (السياق ) فى القرآن هو الذى يحدد المعنى و ليس قواعد النحو أو جذور الكلمة أو حروفها أو أصواتها ..الخ ..والسياق فى القصة يؤكد أن يعقوب هو الذى تلقى الوحى بما فعله ابناؤه باخيهم بعد أن خدعوه ووعدوه بالحفاظ على أخيهم .




[34720] تعليق بواسطة نورا الحسيني - 2009-02-23
لو حدث ذلك في هذا الزمان .
لو حدث ذلك في هذا الزمان هل سوف يكون رد الفعل هو الحبس فقط كما فعل عزيز مصر مع يوسف عليه السلام لو تصورنا ما حدث ليوسف عليه السلام أيام عزيز مصر حدث مع شخص آخر في زماننا هذا. هل سيكون تصرفهم معه أقصد مع شخصه فقط ،أم أسرته وجميع أقاربه ومن المتوقع كل البلدة سوف يتم إبادتها ،لأن هذا المسكين ينتمي إليها. وهذا يدل على تردي الوضع دائماً في بلداننا العربية والإسلامية وتدهور الأوضاع فيها إلى الأسوأ دائماً.



وهذا يذكرني بالفنانة التونسية ذكرى وما حدث لها وجميع من كانوا معها عندما تجرأت وقالت رأيها في النظام السعودي،فهل زوجها هو الذي كان يعاني من مرض نفسي؟ أم هناك سبب واضح وضوح الشمس كما قالت (خلي في صدري باقيها).




[34728] تعليق بواسطة أيمن عباس - 2009-02-23

الدكتور الفاضل هذا المقال يثير من ضمن ما يثيره من قضايا موضوع الرؤى وتعبيرها ،أو تفسيرها ، ومع أن هذا خارج موضوع المقال الذي يركز أساساً على الفن الدرامي في قصة يوسف ،إلا أن من المفيد أن أسأل على موضوع تعبير الرؤى وخاصة أنه من ضمن مجالات استغلال الدين في مجالات التجارة والذي أنتشر انتشارا فاحشا في الفضائيات العربية،



وفي الكتب الأرصفية ( الكتب التي تباع على الرصيف ) وأصبح هناك قسم كبير من الشيوخ هم شيوخ تفسير الأحلام ويتزقون من وراء الأحلام أكثر من أرتزاقهم من الواقع ، ومن يشاهد هذه البرامج يلمس إلى أي حد تعيش شعوبنا في غيبوبة وانفصال عن واقعها وكيف أنها هربت إلى مجالات بعيدة كل البعد عن ارض الواقع . وهناك سؤال آخر متى نجد هذه اللوحة اليوسفية والتي رسمتها في مقالك اعتمادا على القرآن الكريم عملا فنيا دراميا مشخصا في التلفيزيون هل هناك ما يمنع ذلك ؟؟؟.