من يضمن حقوق اللجئين العراقيين؟!

في الثلاثاء ١٢ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تعتبر الهجرة واللجوء حقيقة من حقائق الحياة تاريخياً ولها أسبابها المختلفة والمتعددة، الاّ أن هجرة العراقيين المستمرة في السنوات الاخيرة اتخذت بُعداً تراجيدياً بكل ما للكلمة من معنى، وكان ذلك موضوع ندوة دولية في بيروت أقامتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر واتحاد الحقوقيين العرب.
يمكن القول، أن اسباباً داخلية واخرى خارجية للهجرة، مثلما هناك هجرة قسرية وأخرى طوعية، وهنالك أيضاً هجرة دائمة وهجرة موقتة، وأياً كانت الاسباب فإن تاريخ الهجرة قديم، وإنّ تنقّل الناس لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو غير ذلك كان سبباً مشروعاً للهجرة.
وخلال قرن واحد انتقل أكثر من 60 مليون مهاجر من اوروبا الى الاميركتين وجنوب إفريقيا، في الوقت الذي كان سكان العالم خلال ذلك القرن يراوح في بداياته بين مليار وفي نهاية بين مليار وثلاثة ارباع المليار. ويبلغ حالياً سكان المعمورة ستة مليارات و400 مليون نسمة، في حين يعيش نحو 200 مليون نسمة من أصل سكان العالم خارج أوطانهم الاصلية أو التي ولدوا فيها.
بلغت الهجرة العراقية حالياً نحو اربعة ملايين ونصف المليون في فترة قياسية تقل عن خمس سنوات، ولعلها أكبر هجرات العالم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الوقت الحاضر، إذ إن نسبتها اقتربت من 15% من سكان العراق، خصوصاً وأن أسبابها تتعلق بخرقٍ كامل لمنظومة حقوق الانسان السياسية والمدنية، إضافة الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواءً الحقوق الجماعية أو الفردية، ناهيكم عن استمرار الاحتلال، الامر الذي كان سبباً لأكبر عملية هجرة خارجية ونزوح داخلي ترافق مع تواطؤ وصمت دولي.
تعود المرحلة الاولى من تاريخ الهجرة العراقية الى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث ابتدأت على نحو محدود جداً ونخبوي ولأسباب سياسية صرفة في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات وذلك بعد اطاحة النظام الملكي وما بعده.
اما المرحلة الثانية فقد جاءت في أواخر السبعينات وشملت أعداداً غير قليلة من المثقفين والاكاديميين، وكانت غالبيتهم تنتمي الى التيار اليساري والماركسي، ثم انضم اليهم التيار الاسلامي بعد الثورة الايرانية في العام 1979، لكن الهجرة اتسعت بعد اندلاع الحرب العراقية¬ الايرانية وشملت عشرات بل مئات الألوف من العراقيين، ضمنهم المهجرون العراقيون (بمن فيهم الأكراد الفيلية) الذين انتزعت جنسياتهم وصودرت أملاكهم بزعم أصول بعضهم الايرانية، وكانت ظروف الحرب التي استمرت ثماني سنوات سبباً إضافياً الى الأسباب السياسية والدينية وربما الطائفية للهجرة.
اما المرحلة الثالثة للهجرة العراقية فقد تعاظمت خلال الحصار الدولي الجائر الذي فُرض على العراق بعد غزو الكويت عام 1990 ومن ثم اندلاع حرب قوات التحالف ضد العراق في العام 1991، واستمرت هذه المرحلة حتى العام 2003 حين قامت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوات الائتلاف الدولي بغزو العراق واحتلاله.
وبعد أشهر بدأت المرحلة الرابعة من الهجرة بسبب انتشار موجة العنف المذهبي والاثني والقتل على الهوية وبخاصة بعد تفجير مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء( 6 شباط) 2006، واندلاع أعمال انتقامية وثأرية.
كانت الأسباب السياسية للهجرة هي الطاغية في المرحلة الاولى، في حين أن الأسباب القومية هي التي كانت وراء اضطرار الأكراد الى الهجرة أو تهجيرهم بعد العام 1975 بسبب ما تعرضت له الحركة الكردية بعد اتفاقية الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين. ولعبت الأسباب الأمنية والمذهبية والعرقية دورها في تهجير عشرات الآلاف من العراقيين بزعم أنهم يشكلون طابوراً خامساً خلال الحرب العراقية ـ الايرانية، يضاف الى ذلك هرب الكثير من العراقيين لعدم قناعتهم بالحرب وجدواها!
أما الأسباب الاقتصادية فقد تمثلت في الحصار الدولي حيث اضطر عشرات الآلاف من العراقيين الى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش وفرص عمل أفضل في الخارج.
وكل هذه الاسباب كانت دافعاً لهجرة جارفة في المرحلة الرابعة الحالية، إذ إن الانتهاكات استهدفت الحق في الحياة وهو أثمن شيء، مما اضطر مئات الآلاف الى الهجرة طلباً للأمان لاسيما بغياب مرجعية الدولة والانفلات الأمني والتطهير الطائفي والإثني. ورافق ذلك إختطاف وقتل العلماء والأكاديميين والإعلاميين والأطباء، حيث قتل أكثر من 350 عالماً وأكاديمياً وأكثر من 170 إعلامياً وما يزيد على 200 طبيباً، ما اضطر الأدمغة والعقول المفكِّرة والطبقة الوسطى الى الهجرة.
يشعر بعض العراقيين أن الحديث عن اللجوء كأنه مساس بكرامتهم أو جرح لشعورهم، فالفكرة السائدة أن اللجوء هو أقرب الى التسوّل وإن من يمنح اللجوء هو أقرب الى "المُحسن"، وذلك بسبب نقص الثقافة الحقوقية، في حين أن اللجوء هو حق دولي تكفله المواثيق واللوائح الدولية وقواعد القانون الدولي الانساني ومعترف به شرعاً وقانوناً، دينياً وإنسانياً وهو واجب على الدول الموقعة على اتفاقيات حقوق اللاجئين وبخاصة اتفاقية العام 1951 وملحقها بروتوكول عام 1967، فاللاجئ يستحق الحماية الدولية من الدول المضيفة بسبب عدم تمتعه بحماية دولته، حتى وإن لم يتم الاعتراف به رسمياً بصفة "لاجئ"، وعبارة "رسمياً" تعني: أن البلد المضيف أو المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة لم تقرّ له بعد بصفة اللجوء، ولا يقلل عدم الاعتراف بحقه كلاجئ من حماية القانون الدولي له، وفقاً للآليات التعاهدية الدولية، المتمثلة في الشرعة الدولية لحقوق الانسان واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.
تعتبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هي المعنية مباشرة بتوفير الحماية للاجئين يشاركها المسؤولية المجلس الدولي لحقوق الانسان التابع للامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية بالنسبة للعمال المهاجرين، من حيث تأمين الحق في الحياة والعيش بسلام ودون خوف وعدم التعرض للتعذيب وعدم التعرّض للتمييز أو الاستخدام لأعمال السخرة أو العبودية أو السجن لسبب عدم الوفاء بدين، كما يجب الاعتراف للاجئ كشخص قانوني وله الحق في حرية الفكر والدين والضمير!!
لعل البحث في المسؤولية الدولية لا يستثني الحكومة العراقية ولا يعفيها من واجباتها، الأمر الذي سنخصص له فرصة أخرى!!