فى عالم ملحد
كيف سينتصر الدين

في الخميس ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الكاتب الأمريكي ديفيد ويلسون (53 عام )هو أستاذ الطبيعة وعلوم الأنسان بجامعة بينجامتون بأمريكا وله دراسات عديدة في دراسة السلوك والتطور الأنسانى والأجتماعى .. آخر كتاب له هو( الكاتدرائية الدراونية : التطور والدين و طبيعة المجتمع ) (Darwin's Cathedral: Evolution, Religion, and the Nature of Society ) الذى صدر عن مطابع جامعة شيكاغو في مايو الماضى في 288 صفحة . وقد قدم ويلسون فى هذا الكتاب جدليته لدراسة الدين من منظورين متلازمين وهما التطور الجماعى الحيوي (عن طريق علم الأحياء ) والعلوم الاجتماعية حيث فسر من خلالها مجموعة من الأشكاليات المعاصرة بصورة جديدة وغير مسبوقة .

يتحدث ويلسون مثلا عن اشكالية ارتباط الدين بالعنف ؟ ويفسرها بأن الأديان هى مؤسسات انسانية ونظم عقائدية تتطور بـ نظرية الأنتخاب الطبيعي (البقاء للأصلح )، حيث ان الفرضية الدينية كما يقول تعطى فوائد عملية واجتماعية ونفسية للمتدينين ،ولكن الأديان تختلف فيما بينها في درجه حث ودفع اصحابها لكى ينجبوا أطفالا ويربوا هؤلاء الأطفال لكى يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم وان يقنعوا او يقتلوا المؤمنين بالأديان الأخرى ؟ والأديان الأكثر نجاحا في هذه الجوانب سوف تنحو الى الأنتشار وكسب ألانصار على حساب الأديان الأخرى ويركز ويلسون على استخدام الأديان لمعتقدات خرافية معينة ( كالعرائس الأبكار في الجنة الاتى ينتظرن الشهداء ) التى من الممكن ان تقدم الدافعية المناسبة عند أفراد تلك الديانة . وهاجم ويلسون الأستخدام السياسى للدين على مر العصور لتبرير قوانين الظلم للمجموعات الدينية المعادية ،وهو ما يزال موجود حتى الآن بصور علمانية في بعض المجتمعات، وبصورة دينية في البعض الآخر. وفسرها دراونيا "بصورة من صور الصراع للبقاء" .

واستشهد بأن أى شئ محكم ومتسق كالدين لا وجود له الا بوجود أداة "علمانية " او "دنيوية" ، حيث أن الأديان توجد للناس حتى يستطيعوا تحقيق ما لا يستطيع كل واحد منهم على حدة ان يحققه والميكانيكية التى تمكن الجماعات الدينية من تأدية وظيفتها كوحدات وظيفية متناسقة تتضمن في الأساس المعتقدات والممارسات التى تجعل الدين يظهر بصورة جماعة متسقة مع نفسها في الوقت الذى يختلف بصورة أو أخرى مع الجماعات الأخرى .وأعلى ويلسون من قيمة "التغير الديموجرافى" لتعداد السكان الذى يعتمد على معدلات الولادة والوفاة والهجرة (من ديانة لأخرى) وأهمية الموازنة بين هذه المعطيات حتى يستطيع الدين الأستمرار حيث تتغير هذه المعطيات بشدة من ديانة الى أخرى ، فالـ "الشاكرون"(جماعة دينية تبشيرية نزحت الى أمريكا في منتصف القرن السابع عشر هربا من الاضطهاد في بريطانيا ويسعون الى تكوين "المدينة الفاضلة" الأفلاطونية وزعيمهم يدعى آن لى ) كانوا ناجحين لفترة قصيرة اعتمادا على الهجرة بدون معدل مواليد . واليهود تضرروا كثيرا ديموجرافيا بالمقارنة بالقدرة التبشيرية للمسيحية والأسلامية ولكنهم استطاعوا البقاء اعتمادا على قوة العوامل الأخرى التى تؤدى للزيادة الديموجرافية (معدلات مواليد مرتفعة ، معدلات وفاة وهجرة منخفضين ) .

ويستدل ويلسون على جدليته بقدرة اليهود (أصحاب التعداد الضئيل جدا) على الوجود و التنافس فيما بينهم ومع المجموعات غير اليهودية خلال القرن الأول الميلادي في الإمبراطورية الرومانية ، في الوقت التى لم تظهر المسيحية وقتها كديانة ساعية للسيطرة لمدة ثلاث قرون بعد ذلك ؟ حيث تميز المسيحيون بممارسة الدعوة التبشيرية لدينهم (بعكس اليهود) وسعوا للتوالد والحفاظ على أنفسهم أحياء بقدر الأمكان (بعكس الرومان) وأهتموا بالمرأة (بعكس اليهود والرومان الوثنيين) واشاعة منهج التسامح المسيحي الذى مكنهم من التوسع والأنتشار وكسب أنصار جدد مما مكنهم في النهاية من السيطرة على الديانة اليهودية .

وعن اشكالية ماهية الدين نجد أن ويلسون يعرب عن الحاده الذى يبرره بأنه غير "مقتنع " بالتفسير الديني "الذى يعرّفه بأنه الأيمان بقوى خارقة " الآلهة " حيث ينفى وجود الله من وجهة نظر علمية بحته لأن "التفسير الدينى في الحضارة الغربية أغتصب لمصلحة العلم"  وبعض القدماء استشهدوا بالخرافات لتفسير التنوع اللغوى ( قصة شجرة الحديد وبرج بابل المشهورة ) ، فأن اللغويون المعاصرين استشهدوا بعملية التغير التاريخي للغة بدلا من ذلك وترك تفسير الشروق والغروب والفيضانات والرياح ترك تفسيرها لعلماء الطبيعة والكيمياء ". وهنا لا ينسى ويلسون ان يهاجم وطنه أمريكا لأنهم "يكتبون أسم الله على العملات الوطنية والمؤسسات الحكومية والبرلمانية".

أما عن مستقبل الدين في المجتمعات الحديثة المشبعة بالنظرة العلمية ، فأن نيلسون يعترف بأنه ليس هناك أدلة على ان الأيمان العلمى يحل محل الأيمان الديني في الثقافات الحديثة ، فأمريكا تدينت أكثر من أى وقت على مر التاريخ بالرغم من التأثيرات العلمية والتقنية العالية ، ونسبة كبيرة من العلماء ملتزمون دينيا ويشتركون في منظمات دينية ، ولهذا يدعوا الى جعل التفكير العلمي يتعايش مع التفكير الديني بدون النظر اليه على أنه صورة أدنى منه . لأن الدين "سيعيش مادام ليست هناك أجابة واضحة على السؤال الأبدي "لما توجد الأشياء، مع أنها كانت من الممكن ان تكون غير موجودة " انه السؤال الخاص بالـ "محرك الأول".