خواطر حرة من وراء الأسوار (1)

في الإثنين ٠٨ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عدت إلى أهلي وبيتي وجيراني وإخواني عقب أذان الإفطار يوم الجمعة 5/1. بحوالي ثلث الساعة وكان القبض علينا تم قبل أذان مغرب يوم الجمعة 17/8، وشعرت وأنا أعود إلى أحبائي أنني لم أغب عنهم إلا فرق الساعتين تقريبًا، مرت كحلم ليلة صيف، زرت فيها السجن الثامن من سجون مصر التي تستعصي على العد، والعامرة المكتظة بالنزلاء من مختلف الأنواع والاتجاهات، في المرة السادسة أو السابعة (تعبت من العد) وأقضي بذلك رمضان العاشر (أو معظمه) خلف الأسوار وأكاد أكمل السنة الثامنة لي خلال 26 سنة هي فترة حكم الرئيس مبارك.
آخر من التقيت به في يوم الإفراج الطويل هو معتقل منذ عام 2...، لم يعرض على النيابة قط، ولم يحقق معه في أي تهمة أو جريمة، هو جمال الدين ذكي إبراهيم كان يعمل في إحدى المؤسسات السيادية والحساسة وزوج وأب لأربعة أولاد، كاد يكمل العقد الخامس من حياته (خريج دفعة 1984) : عبد الرحمن وأحمد وياسر ومريم، أكبرهم دخل الجامعة كلية التجارة جامعة عين شمس، وأخرهم تركها جنينا، لم تر أباها إلا خلف الأسوار، دخلت المرحلة الابتدائية بالسنة الثانية، كل جريمته أن صهره (شقيق زوجته) متهم في أحد قضايا تنظيم الجهاد وبذلك عندما أصيب أثناء خدمته وأصبح بقاؤه متعذرًا لم يخرج إفراجا صحيا ليتمتع بالمزايا المقررة لأقرانه وتم نقله إلى وظيفة اخرى بوزارة الكهرباء ثم ألقى القبض عليه في حملات الاعتقال العشوائية التي يقوم بها ضباط أمن الدولة لمجرد إثبات النشاط ولقيد المزيد في سجل الوظيفة للترقي والحصول على رتبة أعلى، والمزعج هنا أنه بمجرد إلقاء القبض على شخص وتصنيفه في اتجاه خطير لا يملك من يأتي بعد ذلك ليمتلك الشجاعة الكافية لإثبات العكس وإخلاء سبيل هذا المسكين.
سألني المهندس جمال الدين في رحلتنا من لاظوغلي إلى قسم المرج وعودتنا من قسم المرج أثناء توجهنا إلى فرع أمن الدولة بمدينة الشيخ زايد (فرع الجيزة) سؤالاً أوجعني ومازال حتى الآن وسيظل معي لفترات الله أعلم بها، قال: ما هو البلد الذي تنصحني أن أتوجه إليه ومعي زوجتي وأولادي إذا قدّر الله لي الخروج من السجن لأشعر فيه بالأمن والأمان؟
لقد قرر أن يغادر البلاد وأن يهاجر أو يغترب إلى مكان يشعر فيه بما أفتقده في الوطن الأم، مسقط الرأس، وبلد الأهل والأحباب.
أجبته فورًا بأنني أنصحه أن يبقى في مصر ولا يغادرها لعد أسباب :ـ
السبب الواقعي الأصلي أن كل بلاد العالم لم تعد آمنة أمام مثله من المصنفين في تيار الجهاد في ظل التعاون الأمني الوثيق بين أجهزة الأمن في كل بلاد العالم لمواجهة التيارات الإسلامية الحركية خاصة العنيفة منها أو المتهمة بالعنف تحت لواء السيد جورج بوش قائد المعارك ضد الإرهاب الذي ازدهر في ولايته الثانية كما لم يزدهر في تاريخ العالم من قبل.
ثانيًا : من قال إنهم سيسمحون له بالسفر إلى الخارج، وهذا تجربة مجرب ممنوع من السفر رغم أنه لم يتهم في حياته بتهمة الإرهاب وينتمي إلى حركة إسلامية موصوفة بالاعتدال والمسالمة.
ثالثا : من قال إن هناك دولة عربية أو إسلامية أو حتى أوروبية ستمسح له بالدخول إلى أراضيها إذا كانت الإمارات العربية تمنع الشيخ يوسف القرضاوي من الدخول لإلقاء محاضرة والولايات الأمريكية تمنع د. طارق رمضان من الدخول إلى جامعاتها للتدريس، وتمنع يوسف إسلام من الوصول لمسارحها للغناء الديني.
رابعًا : إن مصر بلده وهي وإن جارت عليه عزيزة وموطن أهله وهم إن ضنوا عليه كرام، وإن الأصل هو الصبر على البلاء وإن طال، والعمل من أجل الإصلاح ولا نفقد الأمل ولا يجوز أن يتسرب اليأس إلى نفوسنا أبدًا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون، نعوذ بالله من الخسران.
ودعت جمال ولا أشعر أن كلامي ترك في نفسه أثرًا أم لا، وحملته السلام إلى كل من يلقاه في سجن وادي النطرون (2) خاصة من الإخوان المسلمين الذين صمم هو و 5 آخرون معه أن يعيشوا معهم في عنبرهم بعيدًا عن بقية التيارات الأخرى، بعد أن رفضوا التوقيع على الوثيقة التي أعدها د. السيد إمام الشهير بالدكتور فضل في إطار مراجعات تنظيم الجهاد بعد محاضرة ألقاها عليهم في سجن الفيوم حيث كانت المعاملة أفضل والخدمات أجود فتم ترحيلهم من الفيوم إلى ليمان طرة حيث قضوا أسبوعًا واحدًا رفض فيه قيادات الجهاد الموجودون بقاءهم معهم لأسباب غير معروفة فتم ترحيلهم إلى وادي النطرون.
تركت له الجرائد فأخذ الأهرام فقط وأعاد لي الدستور وغيرها لأنه لن يسمح بدخولها معه ولا يستطيع الآن تهريبها.
كان جمال عائدًا من مقر لاظوغلي بعد أن حصل على إفراج وجوبي للمرة الـ 15 بعد أن تعب من تعداد مرات الإفراج وقضى 12 يومًا في الحجز التقاه فيه ضابط أمن الدولة مرة واحدة وسأله : ذكرني بموضوعك، فهو مجرد رقم من أرقام المعتقلين الذين بقوا في المعتقلات بعد تصفية آلاف المنتسبين إلى الجماعة الإسلامية، وعندما سأله لماذا رفضت التوقيع على الوثيقة، أجابه : أنا أصلاً لم أنتم لجماعة الجهاد فكيف أوقع على وثيقة لهم؟ هل أقوم بإثبات انتمائي لجماعة لم أنتم إليها في حياني وأدين نفسي بنفسي مفضلا البقاء في المعتقل على أن يثبت على نفسه تهمة لم يرتكبها، مفوضًا أمره إلى الله حيث أن الإفراج يتم من جميع الأطراف الذين وقعوا والذين لم يوقعوا.
كانت هذه أول خواطري بعد خروجي من سجن عنبر الزراعة بطرة وهذه أول مرة أدخله يفصلني من سجن المزرعة، وسجن ملحق المزرعة سوران فقط حيث قضيت بهما أكثر من 6 سنوات ونصف، عشت فيه 7 أسابيع في أقصر فترة حبس مرت بي.
عندما عدت إلى بيتي قالت لي زوجتي : هيا لنكمل مشوارنا إلى مدينة 6 أكتوبر لقضاء يومين هناك كما كنا نستعد يوم 17/8 يوم القبض على، وكانت معي شنطة الخضار وعدة القهوة والمشروبات وعندما فتش رئيس النيابة عربتي وفتحت الشنطة وجدتها أمامي بها الطماطم والبصل والباذنجان والثوم والخيار والقهوة والبن وغيرها، فأخذتها معي إلى السجن بدلاً من حملها إلى 6 أكتوبر لقضاء يومين مع الأولاد فصاروا 5. يومًا في صحبة "الجيوشي" و"وليم" و"بودرة" و"سكانيا" بجانب "أيمن عبد المنعم" و"د. هاني سرور" و"خالد دياب" وغيرهم من المتهمين في قضايا الأموال العامة الذين في ليلة حاولت حساب حجم الأموال المتهمين فيها فعجزت عن الحصر لأنها فاقت على المليار جنيه.. لكن هذه خواطر أخرى لعلنا نعود إليها.