فاجر فجور فجّار

في الإثنين ١٢ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الفجور قرين الكفر والفاجر بمعنى الكافر

1 ـ فى كلامنا العادى نستعمل مصطلح الفجور على ارتكاب الفواحش ، ويقال للمرأة من هذا النوع إنها (فاجرة ). ويقال (فاجر ) للرجل الجرىء على ارتكاب المعاصى . وفى العصر العباسى صنعوا حديثا يجعل من صفات المنافق أنه إذا ( خاصم فجر ) أى بالغ فى الخصومة . ولكن مصطلح الفجور يأتى فى القرآن قرين الكفر أحيانا وفى التعبير عن الكفر المتطرف أحيانا أخرى ، كما يأتى مقابل التقوى والايمان .

2 ـ وفى البداية ، فقد خلق الله جل وعلا النفس البشرية وسوّاها وألهمها فجورها وتقواها : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )( الشمس ـ 8 ـ ) أى جعلها تقبل الفجور والتقوى ، وعلى الإرادة الانسانية العليا أو الأنا العليا أو الضمير أن يفلح فى تزكية نفسه ويسمو بها ،ويمكن أن يموت الضمير أو يغيب أو يغفل الانسان أو يتعوّد المعصية فتهبط به نفسه الى مستنقع الفجور ،أى الكفر والفسوق .

3 ـ وللتربية عامل هام وللبيئة ايضا . فقوم نوح لبث فيهم نوح ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعو للسمو بأنفسهم بالايمان والعمل الصالح ، وخلال أجيال منهم تعاقبت لم يؤمن معه إلا القليل ، فدعا ربّه جل وعلا بهلاكهم : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) (نوح ـ 27 ).جاء هنا الفجور مقدما على وصف الكفر ، وجاء وصف الكفر بصيغة المبالغة :( وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا )

4 ـ ويوم القيامة ستكون المقارنة بين الفائزين والخاسرين ، فيوصف الخاسرون أحيانا بالفجور . ومثلا ، فالفائزون تسطع وجوههم بالنور: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ) بينما تعلو الظلمة والغبرة وجوه الفجرة (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (عبس 38 : 42 )

وبينما يعلو كتاب أعمال الصالحين الى أعلى عليين : (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ )(المطففين 18 : 20 ) يهبط كتاب أعمال الفاجرين الى أسفل سافلين (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ( المطففين 7 )، وبينما يتمتع الأبرار بالنعيم يعانى الفجّار من عذاب الجحيم : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) (الانفطار 13 ـ 14 ).لذا لا يتساوى فى ميزان العدل وفى يوم القيامة المؤمن التقى بالفاجر : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (ص 28)

5 ـ يبقى التأكيد على أن هذه الصفات من التقوى والفجور هى التى نكتسبها بأنفسنا ولأنفسنا وبكامل إختيارنا . وهذا عكس الحتميات الأربع : ( الميلاد والموت والرزق والمصائب ) التى لا مفرّ منها لكل فرد ، ولكن لا حساب عليها ولا عقاب. ومثلا فإن لون البشرة من الحتميات ومعها ملامح الوجه والجسد . وقد تتمنى فتاة لو كان لونها كذا أو كذا فى هذه الدنيا . ولكن هذه الدنيا بكل حتمياتها وإختباراتها تنتهى سريعا بموت كل فرد ، وفى فترة حياته القصيرة فى هذه الدنيا يستطيع بإرادته الحرة أن يكون وجهه مضيئا منيرا يوم القيامة خالدا مخلدا فى الجنة ، كما يستطيع أيضا بارادته الحرة أن يكون يوم القيامة فاجرا مظلم الوجه معذبا فى الجحيم ابد الآبدين ، يقول جل وعلا : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( آل عمران 106 : 107 ) ويقول جل وعلا (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( يونس 26 : 27).

أنت وما تختار لنفسك .إن شئت كنت فاجرا يوم القيامة وإن شئت كنت تقيا ، يتوقف الأمر على تزكيتك وتطهيرك لنفسك أو السقوط بها . وهنا نسترجع قوله جل وعلا : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )( الشمس ـ 8 ـ )

هذه المقالة تمت قرائتها 473 مرة

 


التعليقات (3)
[64950] تعليق بواسطة محمد عبدالرحمن محمد - 2012-03-06
بل يريد الانسان ليفجر أمامه

الدكتور العزيز / أحمد صبحي منصور.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وإذا قد استحثنا المقال لنتدبر ونتعلم.. منه ونتفاعل به..


فوردت على ذاكرتي هذه الآية الكرية من سورة القيامة .. فالله تعالى يقول ( لا أقسم بيوم القامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ، أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه، بل قادرين على أن نسوي بنانه، بل يريد الانسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القامة..)


معنى هذا أن النفس اللوامة وهى المعادل الموضوعي للإيمان .. وأن الانسان الذي يريد أن يفجر امامه .. هو من ينكر البعث وجمع العظام الخاصة به وهو بذلك يريد الفجور ( ليفجر امامه) بمعنى يريد الكفر بدلا من الايمان؟


فإرادة الانسان أن يفجر أمامه أي ان يكفر كفراً بيناً واضحا صريحاً..ّّ إنكار البعث وإنكاره أو استعجاله ليوم القيامة.


شكرا لكم وبارك الله لنا في كتاباتكم.

 

[64968] تعليق بواسطة عائشة حسين - 2012-03-07
ونفس وما سواها

السلام عليكم أردت عن أسأل عن : : "ونفس وما سواها "هل التسوية هنا تعني الخلق ؟ وإذا كان هذا صحيحا فمعنى ذلك أن الله سبحانه قد ألهم كل نفس الفجور والتقوى على السواء بل إن الفجور سابقا على التوبة في الآية الكريمة ، وهذا إمعانا في إتاحة الحرية وإطلاق العنان للنفس في أن تختار إما الفجور وإما التقوى ، وهل هذا يناقض القول المأثور :الذي يقول : "إن المرء يولد على فطرة سليمة وأهله من يهودانه أو ينصرانه "فالمرء مجبول على الفجور والتقوى بنفس الدرجة حتى لا يكون هناك ضغط من اي جانب على الآخر ، ولذلك فإن الفاجر يأخذ كل ما لديه من فرص للاختيار كما يأخذها التقي ، حتى يكون الحساب بحرية لابد ان يكون الاختبار بحرية .

 

[64969] تعليق بواسطة عائشة حسين - 2012-03-07
ونفس وما سواها

السلام عليكم أردت عن أسأل عن : : "ونفس وما سواها "هل التسوية هنا تعني الخلق ؟ وإذا كان هذا صحيحا فمعنى ذلك أن الله سبحانه قد ألهم كل نفس الفجور والتقوى على السواء بل إن الفجور سابقا على التوبة في الآية الكريمة ، وهذا إمعانا في إتاحة الحرية وإطلاق العنان للنفس في أن تختار إما الفجور وإما التقوى ، وهل هذا يناقض القول المأثور :الذي يقول : "إن المرء يولد على فطرة سليمة وأهله من يهودانه أو ينصرانه "فالمرء مجبول على الفجور والتقوى بنفس الدرجة حتى لا يكون هناك ضغط من اي جانب على الآخر ، ولذلك فإن الفاجر يأخذ كل ما لديه من فرص للاختيار كما يأخذها التقي ، حتى يكون الحساب بحرية لابد ان يكون الاختبار بحرية .