الأذى

في الأربعاء ٢٧ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك اعتداء عملى فعلى مثل الاعتداء بالضرب والقتل . هذا أكبر من الايذاء . وهناك اعتداء بالقول على الغير مثل التوبيخ والتأنيب واللوم  و المعايرة والمنّ وكلمات الاحتقار والسب والشتم والاتهام للابرياء بالكذب و البهتان . هذا هو الأذى القولى .

ونعطى أمثلة :

1 / 1 كان خاتم النبيين يتعرض لحملة تشويه من المنافقين فى المدينة ،فأمره الله جل وعلا بالاعراض عنهم وعن أذاهم وعدم طاعتهم : ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَك&oslasَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا )( الاحزاب 48 ). وذكر رب العزة نموذجا لأذاهم القولى لخاتم النبيين ، وهوز اتهامهم له بأنه (أذن ) أى يعطى إذنه يسمع لهذا وذاك ، ودافع رب العزة عن خاتم النبيين فقال جل وعلا :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( التوبة 61 ).

وشارك فى هذا الأذى القولى للنبى محمد عليه السلام بعض المؤمنين خارج نطاق المنافقين ، أى فعلوا مثلما فعله بعض بنى اسرائيل مع موسى حين اتهموا موسى بتهم شنيعة فبرأه الله تعالى من تلك التهم الباطلة. ووقع بعض الصحابة المؤمنون فى نفس الجريمة فاتهموا خاتم النبيين كذبا وبهتانا فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا )(الاحزاب 69)

1/ 2 : وجاء بأشدّ أنواع التأكيد السارى على كل زمان ومكان خطابا للمؤمنين المتبعين للحق أنهم سيعانون البلاء فى الأنفس والأموال ، وأنهم سيسمعون من الكافرين المعتدين من أهل الكتاب وأصحاب الديانات الأرضية الكثير من الأذى القولى ، وأن المؤمنين المتقين عليهم بالصبر فى الرد على أذى أولئك المعتدين ، يقول جل وعلا : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) ( آل عمران 186 ).

1 / 3 : وفى كل الأحوال فلو تمسك المسلمون الحقيقيون بالتقوى فلن يهزمهم المعتدون من أهل الكتاب فى أى معركة حربية ، ولن ينالوا منهم سوى الأذى القولى من السب والشتم والاتهامات الكاذبة : ( لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) ( آل عمران 111 )

والواضح أن الأذى القولى جريمة يقع فيها من أدمن العدوان من المنافقين والكافرين ،وأولئك لا يتوقف أذاهم القولى على الضحايا من المؤمنين الملتزمين بل يتعداهم الى إيذاء الله جل وعلا ورسوله ، ومن هنا وجّه رب العزة  لهم إنذارا بما ينتظرهم من عذاب أليم ولعنة رب العالمين فى الدنيا والآخرة إن لم يتوبوا :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )( الاحزاب 57 : 58 ). ولو كان ضحية الايذاء القولى بريئا من اتهاماتهم الكاذبة فقد احتمل أولئك الجناة بهتانا وإثما مبينا ، فالعادة أن بعض المجرمين يحلو لهم أن يتهموا الأبرياء المؤمنين المسالمين بجرائم يدمن أولئك المجرمون انفسهم إتيانها ، فيتهمون الأبرياء ظلما وعدوانا بارتكاب تلك الجرائم . ، وجاء هذا فى قاعدة قرآنية عامة سارية المفعول فى كل زمان ومكان الى أن تقوم الساعة لذا تقول تلك القاعدة : ( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )( النساء 112 ).

1 / 4 : ومن آداب الصدقة أن يتعفف المؤمن عن المنّ والأذى القولى ، يقول جل وعلا : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى ) ( البقرة 262 : 264 ).

2 ـ ويقع الأذى من مصدر خارجى لا شأن للانسان به ، مثل المرض ، والحيض والمطر والحشرات الضارة ، وكلها أذى.

2 / 1 فالأذى بمعنى المرض وحشرات الرأس جاء فى قوله جل وعلا : ( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ   ) ( البقرة 196 )

2 / 2 : والمحيض أذى (  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)( البقرة 222 )

2 / 3 :وكذلك المطر (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا )(النساء 102 )

3 ـ وقد يفيد ( الأذى ) ما هو أكثر من القول المؤذى ، أى الضرب الخفيف مثلا . يقول جل وعلا فى عقوبة اللذين يأتيان الفاحشة ( الشذوذ الجنسى ) : ( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) النساء  ) الايذاء هنا ضرب حفيف وتأنيب . أى لا يصل الى درجة العذاب الذى يوصف به عقاب الزانية والزانى . ولا يقال إن الأذى هو ما قاله قوم موسى : ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) (129) الاعراف ) . لأن ما حدث لهم وصفه رب العزة بأنه سوء العذاب، قال جل وعلا : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)البقرة ) ) ( وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) الاعراف )

وعموما فإن التشريع لا يؤخذ من القصص القرآنى  ، فالقصص القرآنى يأتى للوعظ والعبرة و لا يخلو من أسلوب المجاز ، ولكن التشريع يأتى بأوامر ونواهى محددة وبالاسلوب التقريرى العلمى المحدد . وقد جاء  فيه وصف عقوبة اللذين يأتيان الفاحشة بالأذى بينما جاء وصف عقوبة الزنا المثبتة بالعذاب ، وهو الجلد .

 

 

هذه المقالة تمت قرائتها 206 مرة

 


التعليقات (1)
[52343]   تعليق بواسطة  رضا عبد الرحمن على     - 2010-10-26
الأذي القولى يسبب الأذى النفسي

أولا : لا نريد تزكية أنفسنا على الله ، ولكن مضمون هذا المقال يتطابق تماما مع الأذى الذي يتعرض له كل إنسان يقول كلمة حق ويدافع عن كلام الله فهو فعلا يوافق فكرة ومضمون هذا المقال ، ويظهر هذا جليا عندما يريد أحد دعاة الدين الأرضى الوهابي ويقوم باتهام كل من يدعو للعود للقرآن الكريم بأنه يريد هدم الاسلام ومحاربة الاسلام ، ويريد فتنة المسلمين وتضييع دينهم ، ويريد تحريف السنة كخطوة لتحريف القرآن ، فهذه التهم يتهمون بها القرآنيون وكل من يبين حقيقة منهجهم وفكرهم ، وهم من يبعدون المسلمين عن الاسلام ومن يشوهون صورة الاسلام ..
 


حقيقة هي قاعدة قرآنية ربانية عظيمة تبين هؤلاء على حقيقتهم يقول تعالى ((( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )( النساء 112 ).


ولكن الأذى القولى هذا قد يسبب لمن وقع عليهم الأذى نوع من الأذى والتعب النفسي وسرعان ما يعود الانسان للحق ولله جل وعلا فينسى ويعفو ويترك هذا العبث وهذا اللهو ويعود للقرآن الكريم الذي يشفى الصدور ويطهر القلوب..