ßÊÇÈ إضطهاد الأقباط فى مصر بعد الفتح ( الاسلامى )
مقدمة لاضطهاد الأقباط بعد الفتح الاسلامى

في الجمعة ١٩ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

قصة هذا البحث

1-فيما بين 1977-1980 كنت فى صراع مع شيوخ الأزهر، كانوا يصممون على تغيير ما كتبت فى رسالتى للدكتوراة لأنها تنشر حقائق لا يريدون اظهارها،وأنا مصمم على مناقشة كل المسكوت عنه طلبا لأصلاحه. كان من بين ما أثار حفيظتهم فصل فى الرسالة عن التعصب الدينى ضد الأقباط فى مصر المملوكية بتأثير شيوخ التصوف. أخيرا وصلنا الى حل وسط فى صيف 1980 وبمقتضاه حذفت ثلثى الرسالة، وهما بابان كبيران عن أثر التصوف الدينى والأخلاقى. واكتفيت ببحث آثاره السيئة فى النواحى السياسية والاجتماعية والعلمية والعمرانية..الخ. بمقتضى الاتفاق كنت ملزما بحذف فصل التعصب الدينى لأنه يقع فى الباب الدينى، لكننى احتلت على ابقائه بأن أعدت ترتيب الباب السياسى وأضفت اليه الفصل الخاص باضطهاد الأقباط كأحدى ثمار العلاقة السياسية بين الشيوخ والمماليك. ونجحت فى فرض رأيى على الشيوخ الذين لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون .

2- فى أول كتاب لى " السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة" سنة 1982نشرت بعض أجزاء رسالتى التى نوقشت ومنها مؤامرة الشيوخ الأحمدية واحراقهم الكنائس المصرية فى وقت واحد. وكنت أول من أماط اللثام على هذه الفاجعة وحققها تاريخيا وأنا الوحيد الذى عرف شخصية المدبر لهذه الحادثة والذى عجزت السلطة المملوكية عن الوصول اليه، اذ كان الرئيس السرى لتنظيم شيعى فشل من قبل زعيمه- السيد البدوى –الولى المشهور حتى الآن - فى قلب نظام الحكم المملوكى فانتقم الاتباع فيما بعد باحراق الكنائس ليوقع الخلل فى الدولة المصرية ليسقطها من الداخل وكاد أن ينجح.

3- فى سنة 1984 قررت على الطلبة فى الجامعة عدة كتب من تأليفى كان منها كتابى " شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى" وعقدت فيه فصلا عن اضطهاد الأقباط بعد الفتح الاسلامى ، كان أول وآخر كتاب مقرر فى جامعة الأزهر يقدم للطلبة هذه الحقائق وينبه على مخالفتها للاسلام.

4- كل هذا ولم أكن قد قابلت فى حياتى مصريا قبطيا ولم أكن قد تعاملت مع أى منهم بحكم بيئتى الأزهرية. وظللت هكذا بعيدا عن الأقباط أدافع عنهم دون معرفة حتى بعد تركى الأزهر الى أن تعرفت بصديقى طيب الذكر الدكتور فرج فودة ، فتعرفت من خلاله على كثير من الأقباط ،منهم من أفخر بمعرفته حتى الآن ومنهم من أعتذر عنه لنفسى امام نفسى معللا تعصبهم بقسوة الاضطهاد الذى تحملوه.

5- حين انطلق شيطان التطرف يقتل الأقباط فى الصعيد وغيرها فى أوائل التسعينيات كونت مع مجموعة من المصريين النبلاء ( الجبهة الشعبية لمواجهة الارهاب ) وكنت مقررها الفكرى ومستشارها الدينى، وكان لها نفوذ تبرعت به الدولة وقت ضعفها أمام سطوة الجماعات الشيطانية فى الصعيد والأحياء الشعبية بالقاهرة فكنا نذهب الى معاقل التطرف نزور الضحايا ونهاجم الجناة ونندد بهم فى لقاءات مفتوحة فى وقت قبع فيه كتبة الحكومة وخدمها داخل مكاتبهم مذعورين وبعضهم أخذ يغازل المتطرفين بين سطور كتاباته يحجز لنفسه مكاتا فى الاتوبيس القادم. بعد أن استعاد الحكم المستبد سيطرته اتبع معنا سياسة " الاستدعاء والاستغناء " أى يستدعينا اذا احتاج ويستغنى عنا اذا لم يعد محتاجا لخدماتنا التطوعية . طالبنا بتفعيل دورنا الفكرى لنقطع دابر التطرف الفكرى بعد كسر حدة الهجمة الارهابية العسكرية ولكن الحكم الاستبدادى كشر لنا عن أنيابه فتوارينا عن الانظار خوف الاعتقال – ومعظمنا ذاق مرارته. الا اننى واصلت الطريق من خلال الجمعية المصرية للتنوير ثم مركز ابن خلدون وندوة ابن خلدون الاسبوعية والمقالات الاسبوعية والشهرية فى الصحف المصرية.

6- جاءتنى فكرة عقد مؤتمراسلامى مصرى خالص يناقش قضية أضطهاد الأقباط من منظور اسلامى فلامى فى مركز ابن خلدون أو المنظمة المصرية لحقوق الانسان. كتبت هذا البحث وعرضت الأمر على صديق قبطى صحفى مشهور فاقتنص الفكرة لنفسه ، وبدلا من دعوة المفكرين المسلمين المستنيرين دعا أثرياء الأقباط للحديث وكانت الورقة الوحيدة هى ورقتى التى قرءوها وتحدثوا فى موضوعات شتى غيرها، وانتهى الأمر بتجاهلهم لطبع ورقتى ونشرها ، وهى أساس المؤتمر الذى لم يسمع به أحد ، والفائز الوحيد هو الصديق القبطى الذى جمع الأموال ممن دعاهم وتحول المؤتمرالاصلاحى الذى كنت اتمناه الى جلسة "مصاطب" للتسلية.

7- رجعت احلل الموقف طيلة ليلة بأكملها.كان أملى هو الاصلاح من داخل الاسلام لان المشكلة فى داخل الفكر السلفى الذى يرفع لواء الاسلام زورا. وورقتى البحثية تثبت ذلك وتعطى اساسا للنقاش بين المفكرين المسلمين الذين تغيب عنهم الكثير من الحقائق، ولو كسبنا بعضهم لكان فى ذلك نصر كبير لمصر والأقباط. وسألت نفسى : لماذا هذا التجاهل ؟ قد أكون الوحيد الذى يدافع عن الأقباط بدون أن يحول دفاعه عنهم الى استرزاق، فقد دافعت عنهم دون أن تكون لى أدنى معرفة بأى منهم ، ودافعت عنهم داخل الأزهر ذاته وكسبت عداءات داخل جامعتى وأصحابى من أجل من لم أعرفهم.

8- فى النهاية عرفت السبب وبطل العجب. اننى دون أن أدرى – أدافع عن دينى أولا وأخيرا. اهاجم المتطرفين لأدافع عن الاسلام وليس الاقباط. ومعظمهم لا يريد ذلك . المتعصبون منهم لا يرانى مختلفا عن بقية الشيوخ طالما أتحدث مثلهم من داخل القرآن وبالتراث. ولأنه يكره الاسلام أصلا فانه يحلو له أن يظل الاسلام متهما بالارهاب أفضل من ان آتى أنا وأضع الحقائق الفاصلة بين الاسلام والمسلمين، بل بين المسلمين المستنيرين والمتطرفين. ولهذا يكره ما أعمل ويتمنى ألا أفعل. هو بذلك يلتقى مع المتطرفين الوهابيين، فتلك طبيعة الأشياء فى تلك الدائرة حيث يتلامس أقصى اليمين المتعصب مع أقصى اليسار المتشدد. الا أن طبيعة الأشياء نفسها تؤكد أن الطرفين المتطرفين – بسكون الياء – ليسا كل الدائرة انما مجرد طرفين متباعدين. الذى يصنع الحقائق على أرض الواقع وفى صفحات التاريخ هم غير المتعصبين . وفى عصرنا لم يعد كثير متسع للتعصب.

فى مقابل التعصب القبطى - الذى اتفهمه وأعذره - هناك رفاق من نبلاء الأقباط تحلو بهم الدنيا مهما اكفهر وجهها. لكثرة اسمائهم لا يتسع المقال لذكرهم . وهم دائما فى القلب . حتى اذا كان القلب .. فى المنفى ..!!

آسف عزيزى القارىء لهذه المقدمة الطويلة لهذا البحث الذى كتبته منذ أكثر من عشرة أعوام ولا يزال صالحا "للاستهلاك الآدمى "..

أحمد صبحى منصور

الاسكندرية - فرجينيا - مايو 2005

 

اضطهاد الأقباط فى مصر بعد الفتح الإسلامى

 

"المقدمة"

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾

(غافر 44)

وبعد..

هذه ورقة بحثية عن.

وتضم العناصر الاتية:

1- موقف الإسلام من اضطهاد غير المسلمين.

2- بداية اضطهاد الأقباط فى عصر الخلفاء الراشدين.

3- اضطهاد الأمويين للأقباط عنصرياً.

4- الاضطهاد الدينى للأقباط بعد الأمويين.

والواضح أن التركيز ههنا على الاضطهاد الذى لاقاه الأقباط بعد الفتح الإسلامى وجذوره الدينية والتاريخية، والورقة تركز على ذلك لتبرئ الإسلام منه، ولتحذر بعض المنتسبين للإسلام من استعادة بعض مظاهر التعصب التى سادت فى العصور الوسطى والتى تخالف سماحة الإسلام وشريعته.

وأكثر ما فى هذه الورقة جاء تلخيصاً لمؤلفات سابقة بعضها تم نشره مثل (السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة)، (شخصية مصر بعد الفتح الإسلامى).وبعضها لم يحظ بعد بالنشر مثل رسالتى للدكتوراه فى جامعة الأزهر، وأبحاث أخرى مثل "حقوق الأقليات فى الإسلام"، "الحياة اليومية لأجدادنا المصريين منذ خمسمائة عام.."، "الشورى الإسلامية: أصولها، تطبيقها.." بالإضافة إلى عشرات المقالات المنشورة التى ناقشت بعض الموضوعات السابقة، ونشرتها (القاهرة)، (الأهالى)، (الأحرار)، (الأخبار) وإصدارات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان..

ونأمل أن تتلو هذه الورقة البحثية دراسات وأبحاث لمثقفين آخرين تتصدى بشجاعة لإنصاف المظلومين وتبرئة الإسلام مما يرتكبه بعض المسلمين..

والله تعالى المستعان..

د. أحمد صبحى منصور

أكتوبر1994