عصر مبارك

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢١ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
فى حديثك فى البى بى سى ذكرا ايجابية وحيدة للرئيس مبارك ن وهى تقديم جائزى للدكتور سيد القمنى. أخالفك لأن عصر مبارك شهد الكثير من الايجابيات فى تحديث الطرق و الكبارى و المواصلات و الانترنت والاتصالات .. وأستطيع أن اكتب لك المزيد ..
آحمد صبحي منصور
انه عصر مبارك يا عزيزى !!

ثورة يولية المصرية سنة 1952ورثت منجزات الليبرالية المصرية التى بدأت منذ عهد الخديوى اسماعيل الذى أنشأ أول مجلس نيابى فى مصر قبل الثورة المصرية بنحو قرن من الزمان ، والذى لا تزال قصوره فى القاهرة والاسكندرية أفخم المقرات لحكام مصر بعد الثورة، ولا زالت العمائر المبنية فى عهده هى السمة الحضارية لوسط القاهرة بعد التوسع فيها بعيدا عن القاهرة الفاطمية القديمة، وهو الذى صاغ لمصر أول قانون مدنى مكتوب مستقى من مبادىء القانون الفرنسى بعد أن عجز شيوخ الأزهر عن صياغة قانون محددة مواده من ذلك الكائن الهلامى المسمى بالشريعة الاسلامية والتى ليس لها من الاسلام الا مجرد الاسم، والتى هى مجرد مذاهب فقهية بشرية متخلفة فى معظمها، وهى تختلف فى كل شىء حتى فى الصفحة الواحدة. والخديوى اسماعيل هو الذى وصلت جنوده – المصرية - الى منابع النيل والصومال واريتريا لحماية وتأمين الحقوق المصرية فى النهر.
هذا التراث العظيم الذى بدأ بالوالى محمد على باشا وتألق فى عهد اسماعيل واستمرت بعده ماذا فعلت به الثورة المصرية واستبدادها العسكرى ؟ قامت بتشويهه فى كتب التاريخ والتعليم ، واستفادت من قصورة وحضارته ومن الكفاءات الثقافية والفكرية التى نضجت فى عهده.

أعلام الفكر والصحافة والثقافة والفن والعلم فى عهد عبد الناصرنشأوا وتعلموا فى تلك الليبرالية المصرية قبل ثورة . 1952. انهم ابناء تلك الحقبة الزاهرة من التاريخ المصرى الحديث .ورثتهم الثورة واستغلتهم ودجنتهم واستخدمتهم الى النهاية ومن استعصى على التدجين مات قهرا أو نسيا منسيا. حتى محمد حسنين هيكل فيلسوف الناصرية هو ابن لتلك الحقبة لا يقل عن خصميه اللدودين مصطفى وعلى أمين فى ذلك الانتماء. على سبيل المثال لا الحصرحسبما يرد للذاكرة نذكر هذه الأسماء التى تنتمى الى عصر الليبرالية المصرية واستغلتها الثورة المصرية فى مشروعها الثورى: طه حسين – العقاد – نجيب محفوظ – احسان عبد القدوس- توفيق الحكيم – كامل الشناوى –محمد التابعى - رشاد رشدى – سلامة موسى – احمد أمين – محمد يوسف موسى – الشيخ ابو زهرة – محمد كامل حسين – يوسف ادريس – أمين يوسف غراب – على أحمد باكثير – يوسف السباعى – أحمد حسن الزيات – يحيى حقى – محمد عبد الحليم عبد الله.
اولئك الآساتذة تتلمذوا على علم واجتهاد وجهد اساتذة أعظم ، من الطهطاوى الى الشيخ محمد عبده وسعد زغلول ثم الى محمد حسين هيكل والرافعى و جورج زيدان والمنفلوطى والمراغى وعلى عبد الرازق.
وفى الفن استغل عبد الناصر تلامذة الليبرالية المصرية – فى العهد البائد كما كانوا يقولون – وكان منهم محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية ونجاة وفايزة احمد والسنباطى والقصبجى ومحمود الشريف و كارم محمود ومحمود قنديل وعبد العزيز محمود ومحمد فوزى والكحلاوى ... وأعلام الممثلين من أنور وجدى و حسين صدقىوحسين رياض ويوسف وهبى وعباس فارس وأمينة رزق وعبد الوارث عسر وزكى رستم وهند رستم ومحسن سرحان وشكرى سرحان وعمر الشريف والمليجى وفريد شوقى وكمال الشناوى وفاتن حمامة وهدى سلطان وزبيدة ثروت ومديحة يسرى وسميحة أيوب واستيفان روستى وعلوية جميل وماجدة وليلى فوزى...وأعلام المخرجين من نيازى مصطفى وبدرخان الى كمال الشيخ وشيخ الواقعية السينمائية العربية صلاح ابو سيف.
أولئك الفنانون العباقرة استلهموا فن الرواد الأوائل من الشيخ سيد درويش الى الشيخ ابو العلا محمد وزكريا أحمد وجورج ودولت أبيض و زكى طليمات وعزيزة أميروفاطمة رشدى فى الموسيقى والمسرح والسينما.
بعد عبد الناصر كان الجيل التالى فى عصر السادات أقل وأضأل، ثم حدث الانهيار فى كل شىء فى عصر مبارك الذى يمثل نهاية الأنحداروعصرالحضيض لأى ديكتاتورية تتحجج بمشروع حضارى أو أخلاقى فلا تلبث أن تنتهى الى صفر ضخم فى كل شىء نتيجة الفساد.
الفساد لا بد ان يصحب الاستبداد وفق سياسة المستبد التى لا تتغير، وهى احلال أهل الثقة – أى الأتباع الذين لا مؤهل لديهم سوى النفاق والتصفيق- محل أهل الخبرة والكفاءة الذين يقوم عليهم تقدم المجتمع.
بدأ الفساد فى عهد عبد الناصر على استحياء فى داخل الجيش وأوصل البلاد الى هزيمتى 1956 و1967 لأن الذى كان يتولى مقاليد الجيش واحد من أهل الثقة – توأم ناصر الروحى عبد الحكيم عامر- والذى تمت ترقيته ليعلو من هم أكبر منه رتبة وخبرة وكفاءة. ثم قام المشير عبد الحكيم عامر بتقريب أهل ثقته ليصبحوا ( الشلة المصاحبة له فى الفساد والافساد) ثم انتقل الفساد تدريجيا لسائر القطاعات فى عهد السادات ليصبح سياسة رسمية معلنة للدولة المصرية فى عهد مبارك . لم يعد الفساد عيبا يخجلون منه بل ينادون علنا بتمديد الفسادأو توريثه.
هذا الفساد الشائن أخلاقيا أصبح ظاهرة معترفا بها اجتماعيا، تبدأ باستشراء الغش فى امتحانات المدارس والجامعات والواسطة والرشوة الصريحة فى الحكومة ، ولا تنتهى بنسف ما تبقى من هيبة القضاء بعد أن استغلته الحكومة فى فسادها. أصبحت للفساد فى عصر مبارك شرعية اجتماعية لأن ذلك الفساد قامت عليه أحزاب ومصالح وأجهزة سيادية تحترف قهر الشعب وتعذيبه بشكل روتينى اتخذ بالاعتياد والممارسة اليومية سمة الشرعية الوظيفية والأدمان الذى يسلب القائم به ما تبقى من آدميته ودينه وخلقه و..مصريته. لذا لا نعجب لقيام اولئك الأنذال بانتهاك أعراض الآنسات والسيدات المصريات والاعتداء عليهن علنا فى الشوارع., مخالفين كل ما تربى عليه المصرى من اعتبار المرأة ( حرمة) أى يحرم الاقتراب منها بما يمس الشرف !! الفساد هنا وصل الى النخاع بعد اربعة وعشرين عاما من الممارسة اليومية، فالذى كانت الوحوش الآدمية تفعله فى عياهب السجون وأماكن الحجز فى أقسام الشرطة أصبحوا يفعلونه علنا فى الشوارع وعلى أعين العالم وصحافته.
القائمة الذهبية البيضاء فى عصر مصر الليبرالية قبل 1952 مالبث أن حولها العسكر المصريون الحاكمون المستبدون بالبلاد منذ اكثر من نصف قرن الى قائمة سوداء كريهة. حدث هذا التحول تدريجيا الى أن وصل الحضيض فى عصر مبارك
بدأت القائمة البيضاء بمحمد حسنين هيكل فى عهد عبد الناصر وانتهت فى عصر مبارك باهم اثنين من نوابغ الصحافة هما ابراهيم نافع فى الأهرام الذى يقولون عنه : أن كتابه أكثر من قرائه" أن الذين يكتبون له مقالاته أكثر من الذين يقرأون المقالات المنشورة باسمه. الثانى هو سمير عجب أو سمير رجب الذى يسيطر على امبراطورية صحفية هائلة هى دار التحرير وعشرات الصحف التى تصدر عنها. ويكتب له عشرات الأساتذة لتظهر عشرات المقالات باسمه فى كل تللك المطبوعات. أصبحت قامة سمير رجب المخبر الصحفى السابق فى مطار القاهرة تطاول قامة هيكل أيام عبد الناصر.
فى الفن احتل شعبان عبد الرحيم مكانة عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد معا. وأصبح عادل امام ومحمد هنيدى وبقية المهرجين يحتلون الموقع الذى كان يليق بيوسف وهبى ونجيب الريحانى.
المبدعون الحقيقيون والمفكرون الشرفاء تواروا الى الظل أو اجبرهم الاضطهاد والسجن وخوف الاغتيال الى النفى واللجوء السياسى.
انه العصر الذى أصبح فيه المثل الأعلى حسنى مبارك فى وطنيته ، وصفوت الشريف فى شرفه واستقامته ، وعادل امام فى وسامته و فاروق حسنى فى رجولته، وشعبان عبد الرحيم فى ثقافته ، وسمير رجب فى علمه وفصاحته ، واحمد الفيشاوى فى شهامته، وماهر عبد الواحد فى عدالته والوزير حبيب العادلى فى طيبته وفتحى سرور فى صدقه ونزاهته وشيخ الأزهر فى رقته وجندى الأمن المركزى فى وداعته وضابط البوليس فى طهره وعفته ورئيس مجلس الوزراء فى مسحوق نظافته.
اجمالي القراءات 12284