غزو أمريكا للعراق

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٧ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
لدي ثلاثة أسئلة مباشرة للدكتور أحمد صبحي منصور عن القضية العراقية وأرجو ألا يجد في صدره حرجا من الإجابة عليها ونشر إجابته على الملأ ؟ 1- هل يعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور قتل الجنود الأمريكان في العراق ومن يتحالف معهم من عناصر الأمن العراقية عملا مشروعا ويُثاب فاعله أم جريمة وذنبا يستوجب التوبة والمغفرة ؟ 2- هل يعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور قرار دخول القوات الامريكية والمشروع الأمريكي في العراق عملا تحريريا يجب البناء عليه ام عملا استعماريا يجب القضاء عليه ؟ 3- هل يعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور الطبقة السياسية الحاكمة في العراق عملاء مستباحة دماؤهم أم أنه يرى النظام الحالي شرعيا؟ أتمنى أن أحصل على إجابات الأسئلة في أقرب وقت مع جزيل الشكر والاحترام . سليم الجابري
آحمد صبحي منصور
فى لقاء مع قناة الحرة سبق وأن أجبت على سؤال حول الحكم الشرعى للتدخل الأمريكى فى العراق ، واقول :
1 ـ كنت أول من حذر من مغبة الغزو الأمريكى للعراق ، من الناحية السياسية و العسكرية ، وقلت أنه سيكون محنة للجيش الأمريكى تهون معها تجربة فيتنام . وهذا رأى سياسى و عسكرى ولا شأن له بالحكم الدينى.
2 ـ الحكم الشرعى الذى أراه أنه يجوز لأى دولة أن تتدخل لانقاذ شعب يعانى من ظلم حاكم مستبد ، احتكر لنفسه كل القوة وتحكم فى الثروة ، واستخدم جيشه فى إرهاب شعبه ، واتخذ شعبه أسيرا فى يديه ، يقتل من يشاء ويعذب من يشاء ، ولا يستطيع الشعب الخلاص منه ، وإذن فان تدخلت دولة بجيشها لتنقذ ذلك الشعب من ذلك الطاغية فهو تدخل محمود . وعلى أن يترك تقدير وقت التدخل ومدته وطبيعته الى أصحاب الرأى. ,من هنا فالحكم الشرعى فى نظرى هو جائز ، ولكن التوقيت الذى حدث قاتل .
3 ـ والدليل من القرآن الكريم .
* يقول تعالى (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ( الحجرات 9 )
المعنى واضح فى انه إذا بغت دولة على أخرى وقاتلتها فيجب على الدولة ـ إذا كانت مسلمة وتتحرى العدل ـ أن تتدخل بقتال الدولة الباغية حتى ترجع الى العدل الذى هو سبيل الله تعالى.
صدام حسين بغى على الكويت واحتلها ودمرها وعذب أهلها وقتل منهم من قتل. هنا وضع أشد إيلاما من قوله تعالى (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) لأن أهل الكويت كانوا أعجز من أن يدافعوا عن أنفسهم ،أى لم يقاتلوا جيش صدام ، وبالتالى
فنحن أمام بغى تجاوز الحد الذى تحدث عنه رب العزة ، وأمر من أجله بالتادخل من دولة مسلمة ـ أى دولة تتحرى نصرة العدل. وبالتالى فان التدخل هنا أقوى وأشد ضرورة ، لأنه ليس لمساعدة قوة ضعيفة تدافع عن نفسها أمام قوة أكبر تعتدى ، بل هنا شعب مسكين لا يستطيع الدفاع عن نفسه وجد نفسه فجأة تحت نيران جيش يعتدى عليه بلا سابق إنذار. ومن هنا كان واجبا ـ فى الشرع الاسلامى ـ تدخل أمريكا وغيرها لانقاذ الكويت.
* حال أهل العراق ـ من سنة وشيعة و عرب وأكراد وتركمان و سريان وكلدانيين ـ أشد قسوة من حال أهل الكويت حين هجم عليهم صدام ،وبينما عانى أهل الكويت بضع سنين من صدام فان أهل العراق عانوا أضعاف أضعاف ذلك من صدام من حيث الوقت و الظلم .
وفقا للديمقراطية الاسلامية المباشرة ـ والتى شرحناها فى مقالات وابحاث لنا بالعربية والانجليزية ـ فالمفروض فى حكم الشرع الاسلامى أن يكون صدام خادما للشعب بعقد وأجر ، ويملك الشعب محاسبته وطرده من عمله . إن لم يحدث هذا فقد أصبح الحاكم هو الذى يملك الشعب وهو الذى يستخدم الشعب ،أى أصبح فرعونا ، ومعلوم ما قاله رب العزة عن فرعون ، وقلنا فى ابحاثنا عن الديمقراطية أن الاستبداد موصول بالظلم وادعاء الالوهية ، ومن هنا تحتل الشورى الاسلامية أو الديمقراطية المباشرة مكانها فى صلب العقيدة الاسلامية كما انها ضمن الشعائر التعبدية المنسية فى الاسلام . إذ لا يستقيم فى ميزان العدل الاسلامى ان يستأثر فرد واحد بحقوق ملايين الأفراد ، ثم لا يكتفى بأكل حقوقهم بل يعتدى على حياتهم ويقهرهم ليظل محتفظا بما يسرقه من حقوقهم .
وقلنا أن الغرض من اقامة الدولة الاسلامية ـ بل الغرض من ارسال الرسل وانزال الكتب السماوية هو أن يقوم الناس بالقسط ، فان لم يتحقق القسط والعدل فالمجال مفتوح لاستعمال العنف أى (الحديد )، طبقا لما جاء فى سورة الحديد (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )(آية 25 ) أى فالاية تشير الى جواز التحرك لرفع الظلم باستعمال الحديد أى السلاح إذا تعذر اصلاح الحاكم الظالم. فماذا إذا احتكر الحاكم الظالم كل اسباب القوة واستخدم جيشه فى قمع شعبه ، وأقام المذابح للثائرين منهم . ما الذى يستطيعه هذا الشعب الأسير ؟
هنا إذا تدخلت قوزة من الخارج لازاحة هذا الطاغية فان عملها يكون شرعيا ، خصوصا إذا كانت تعلن على الملأ أن الهدف هو تحقيق الديمقراطية .
وهكذا ، فالحكم الشرعى ـ عندى ـ هو جائز شرعا ، ولكن التوقيت والأخطاء الأخرى التى صاحبت التدخل الأمريكى أدت الى كوارث ، ومن تلك الأخطاء، عدم القيام بتوعية كافية للشعب العراقى تمهد للتدخل ، وتؤكد الغرض منه ، وتسريح الجيش العراقى باسلحته، مما جعل السلاح يذهب الى البعثيين الذين ارتدوا زى الوطنية ، ووجد الجيش الأمريكى نفسه يتعامل مع مدنيين يقتلون بعضهم البعض ويقتلون أفراد الجيش الأمريكى و الأمريكان المدنيين أيضا . زاد في المشكلة عدم فهم الأمريكان للتركيبة المعقدة للشعب العراقى ، ومدى غسيل المخ والدمار المعنوى والعقلى الذى تعرض له العراقيون تحت حكم صدام ، وطبيعة النظم المستبدة العربية التى تريد فشل الديمقراطية فى العراق ، وتحول العراق الى ساحة مفتوحة يلعب فيها الجميع حيث الحدود الطويلة مع ايران وسوريا و السعودية مما جعل كل أعداء للديمقراطية يتحالفون معا ضد االديمقراطية ، ويتحاربون بالوكالة فى ارض العراق بين الشيعة و السّنة. ووجدت أمريكا نفسها فى مستنقع لا قرار له كما توقعت فى أواخر عام 2002.

اجمالي القراءات 17408