أخلاق القردة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
يستخدم الأفارقة حيلة عجيبة في صيد القرود. إذ يقومون بعمل تجاويف دائرية في ثمار الجوز ويضعون بداخلها بعض الأرز المحبب للقرود، ويقومون بتثبيت تلك الثمار في ساحات المدينة. وتأتي القرود بحثا عن الكلأ، فتجد ما لذ وطاب من طعامها المفضل، فيقوم كل قرد بوضع يده داخل ثمرة جوز لينتزع طعامه من جوف الثمرة لكنه لا يستطيع إخراجها وهي ملأى بالأرز، فيحاول ويحاول رافضا التخلي عما جنت يداه. ويظل يصرخ ويصرخ حتى يهرع إليه أهل القرية ويلقون القبض عليه متلبسا بالطمع. لسنا وحدنا المصابين بحمى الجشع والأنانية في هذا العالم إذن، ولسنا استثناء بين المخلوقات، وقد أثبتت القردة الشرهة أنها تمت إلينا بصلة غباء يقيد أعينها وقلوبها ومصائرها ومعاصمها. لسنا وحدنا المدانين بالسطو الممنهج على الممتلكات والرغبة المفرطة في جمع المال وتكديس الثروات حتى وإن كان في الأمر هلاكنا وهلاك من حولنا. ولسنا وحدنا المقيدين بشهواتنا وغفلتنا وسوء طوايانا. نحمد الله ونشكر القردة على نعمة ستر عورات نفوسنا وهشاشة قيمنا وضعف إرادتنا أمام الملذات المحرمة. ولا تثريب على سفهاء قومنا الذين سرقوا قوت أولادنا جهارا نهارا وتركونا نتلوى من الجوع والفاقة والمرض. لا حق لنا اليوم بعد أن رأينا بقامات القرود التي لا تعرف فلسفات الخداع ونظريات تزييف الوعي تغامر بحريتها في سبيل حفنة من الأرز لا تسد جوعا ولا تستر عريا فاضحا. وليس من النخوة أن نحاكمهم على قبض أياديهم واستعدادهم للموت دفاعا عن ثرواتنا التي صانوها في خزائنهم وخزائن عملائهم دهورا. آه لو كان ترومان حيا بيننا وشاهد أخلاق القردة بين ساسة اليوم وتسابقهم على وضع أياديهم في ثمار الجوز والبطيخ والشمام وفي جيوب عباد الله الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون ولا ما يستر عورات نسائهم ويسكت صراخ أمعاء أطفالهم! ترى، هل كان سيرتضي ترومان الخروج من منجم الفقراء المليء بالياقوت والمرجان والمن والسلوى مقابل معاش تقاعدي لا يتجاوز ثلاثة عشر ألف دولار في العام ويقبل صدقة الكونجرس حتى يستطيع أن يفي بمتطلباته اليومية من مأكل ومشرب وملبس؟ هل كان سيرفض في حمق شراكة المؤسسات الكبرى مقابل أموال لا يحصيها عددا بحجة أن هؤلاء الناس لا يريدونه بل يريدون منصبه الذي هو ملك للشعب وأن الشعب ليس للبيع كما كان يقول دائما؟ هل كان سيرفض تكريم الكونجرس له وهو في السابعة والثمانين من العمر بحجة أنه لم يفعل شيئا يستحق التكريم رغم أنه أفنى حياته كلها في خدمة أمريكا وأهلها؟ ماذا لو امتد العمر بذلك الزعيم ليطلع على ثروة كلينتون التي تربحها من مقعد لم يعد لأمريكا ولا لشعبها فيه خشب ولا مسمار؟ وماذا لو امتد العمر بهذا الرجل ليرى ما وصل إليه جشع أعضاء الكونجرس ذوي الكروش المنتفخة والبذات الأنيقة؟ هل كان سيضحك من طرفة يحكيها الأمريكيون البسطاء بأن قاطع طريق أوقف أحد أعضاء الكونجرس على طريق دائري وطالبه بتسليم أمواله، فلما علم منصبه قال له: "إذن أريد أموالي أنا لا أموالك أنت"؟ هل كان سيضحك حتى ينقلب على قفاه أم كان سيشعر بالغيرة من ساسة يحكمون الشعوب بأخلاق القردة؟ وماذا لو جاء إلى بلادنا الغارقة في مستنقع "الاستقراد" دون أن ينعم أهلها بأي معاش تقاعدي؟ بقي أن أوجه نداء إلى أصحاب الرأي في بلادنا - إن كان لدينا أصحاب رأي أو كان لنا بلاد - أن يرسلوا بعثات علمية إلى تلك البلاد الإفريقية ليتعلموا وينقلوا إلينا حرفة بناء فخاخ لقردة بلادنا الذين يستطيعون كل مرة السطو على ثرواتنا دون أن نتمكن من القبض على معاصمهم بجوز الهند أو زوجة القانون. عبد الرازق أحمد الشاعر أديب مصري مقيم بالإمارات Shaer129@hotmail.com
آحمد صبحي منصور

هذا رائع ..

أهل بك فى موقع أهل القرآن ملتزما مثلنا بشروط النشر. 

اجمالي القراءات 3443