يوم حصاده

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٢ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
أحد كبار التجار الملتحين الذين يترددون بكثرة على مسجد الحى سألناه فى التبرع لايواء عشرة عائلات سقط بيتهم ، فتملص من التبرع. وكلمته على انفراد وفوجئت به يفتخر بأن له عشر سنوات ما أخرج الزكاة .. وقال : إن الزكاة لا تجب إلا كل حول ( أي بعد مرور عام ) و قبل أن يكتمل الحول أجعل أرباح العام تدخل في رأس المال . حتى إذا حال الحول كان مكسبي صفرا فلا ادفع زكاة المال . وهكذا طيلة السنوات العشر الماضية . ودخلت معه في جدل ولكنه ذكر أحاديث تؤيد كلامه ، وقال أن دورة رأس المال ينتج عنها في النهابة رخاء المجتمع فيستفيد منه مستحقو الصدقة .. فماذا ترد عليه ؟
آحمد صبحي منصور

هو تابع للدين السنى الأرضى ، وفيه حديث أبي داود ." وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول .." وقول ابن عمر " من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول .." وهناك رواية مالك في الموطا " لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول " . ولكن فى الدين السماوى : ( الاسلام ـ القرآن الكريم ) فالأمر مختلف كالعادة .
فى الاسلام الزكاة تعنى تزكية النفس بالأعمال الصالحة و بالتقوى . ومن تزكية النفس التصدق بالمال، أو تزكية المال و تطهيره ونماؤه بالانفاق فى سبيل الله تعالى وفق ما حدد رب العزة جل وعلا.
وهناك نوعان من الصدقة :
1 ـ الصدقة التي يجمعها الحاكم المسلم في توقيت سنوي محدد أو يجمعها سنويا حسب حالة كل ممول. وهى تقترب من مفهوم الضريبة في عصرنا الراهن. وتقوم الدولة بتوزيعها على الفقراء والمساكين والموظفين العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم الذين تريد الدولة استمالتهم وفي عتق الرقاب وتحرير الرقيق وفي مساعدة الغارمين وفي ضيافة ابن السبيل وفي الجهاد في سبيل الله ..
2 ـ الصدقات التطوعية.التى يقوم المسلم بإنفاقها بنفسه كل يوم. وقد يكون للصدقات الرسمية موعد سنوي ولكن الصدقة التطوعية كل يوم وفي كل الظروف ..
وكما حدد القرآن مستحقي الزكاة الرسمية في آية " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها " فإنه حدد مستحقي الصدقة الفردية التطوعية في قوله تعالى " يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ : البقرة 215 "
الدولة الإسلامية تتعامل مع شرائح وسجلات رسمية في توزيع الزكاة المالية ،ولا تتعامل مع أشخاص محددين. وعليها أن تضع حدا لمستوى الفقير المحتاج للصدقة ، ومن هو أفقر الفقراء أو المسكين ، ومن تنطبق عليه مصطلحات الغارمين و المؤلفة قلوبهم..وفى سبيل الله ..لا أقصد مجرد التعريفات الفقهية أو القانونية ولكن التحديد الاقتصادى ومستوى الدخل. وبعد هذا التقنين تقيم تضع قواعد التوزيع لتلك الشرائح فى كل مدينة و قرية وحىّ. ثم تقيم دورا لإيواء العجزة وكفالة الأرامل واستضافة أبناء السبيل ورعاية المرضي .. ولكن السجلات الرسمية وبيوت الخير لا يمكن أن تستوعب كل المستحقين خصوصا أن هناك من يدخل دائرة الحرمان كل يوم.
ماذا يكون مصير أولئك ؟ هنا يكون دور الصدقة الفردية التطوعية لتسد النقص وتستوعب ما تعجز الدولة عن رعايتهم ـ خصوصا فى أوقات المحن و النكبات . وفى الأوقات العادية هناك أفراد مستحقون ، و فقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يمدون أيديهم الى أحد ، و يستنكفون من تسجيل أسمائهم لدى الجهات الرسمية . ومفروض أن يعرفهم المسلم الذي يتصدق بماله.
هذا المسلم هو أعرف بالمستحقين من الأفراد ، وعليه أيضا أن يعطى أقاربه وجيرانه ومعارفه وأولهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل ..
وهنا لا يكون التوقيت سنويا ، بل في كل يوم وفي كل الظروف. إذا مرض الوالدان هل تقول لهما : سوف أعالجكما حين يحول الحول ؟ إذا سقط بيت فى الحى و تشرد سكانه هل سينتظرون فى الشارع وفى العراء الى ان يحول الحول ؟
يقول تعالى عن الصدقة الفردية التطوعية " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : البقرة 274 " إذن هو إنفاق مستمر ليل نهار ولا ينتظر حتى يحول الحول. ولأنه مستمر ليلا ونهارا فلا يهتم صاحبه إذا كان ذلك سرا أو علانية المهم أن يرضي ربه ، لذا فلا خوف عليه ولا يحزن . ويقول تعالى " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ : آل عمران 134 " إذن هو إنفاق في الغنى والفقر ، في العسر واليسر ، في الربح والخسارة في السراء والضراء ، وليس مثل صاحب اللحية والمسواك والجلباب والملايين يكتنز الأموال عاما بعد عام وهو يخدع الناس بمعسول الكلام والحوقلة والبسملة ، وكأنه لم يقرأ قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ : التوبة 34 .
إن السائل – أو المحتاج الذي يسأل المعونة – له حق ، وللمحروم حق ، وحين يأتي الإيراد شهريا أو يوميا فلابد من إخراج ذلك الحق " وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ : الأنعام 141 " والمسكين الجائع يحتاج ثلاث وجبات يوميا ، وابن السبيل يأتي في أي يوم ، والأقارب قد يحتاجون في أي وقت ولابد لكل منهم أن يحصل على حقه " وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ: الإسراء 26 " " فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الروم 38 "
المؤمن بدين الله تعالى السماوى ينسى عبارة " حتى يحول الحول .. " أما اصحاب الديانات الأرضية فيشرعون لأنفسهم ما يحبون... وفى دينهم لا بد أن ينتظر الجائع و المحروم و المحتاج (حتى يحول الحول.)..!!..

اجمالي القراءات 17061