(ماهية جنة آدم ) بحث بقلم خالد حسن

في السبت ٢٠ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

( جنة أدم )
بحث بقلم خالد حسن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد علم الجميع أن الغيبيات الواردة في القرآن الكريم هي من الأمور التي يجب الإيمان بها كما جاءت في القرآن الكريم , وكما دلت عليه الآيات الكريمة , وذلك من خلال إعمال العقل ضمن نطاق الآيات لأن العقل البشري لا يستطيع إدراك هذه العوالم الخارجة عن نطاق , ( x)فهمه ولذلك فسيقوم العقل البشري بلا شك في التخيل والتفكير و التأمل والشطط إلى أن يقرب الصورة إلى ذهنه بطريقة يستسيغها هو دون غيره مما يؤدي إلى ظهور عدة آراء للمسألة الواحدة , وكل رأي منها قد يلبس لباس الإقناع و يعتمد على دلائل تبدو قطعية , وبالمقابل يكون الرأي المقابل يتحلى ( متحلياً) بنفس الصفات من الإقناع والدلائل , والنهاية أن هذه الآراء تبقى وجهات نظر ليست يقينية بسبب أن العقل البشري عاجز عن إدراك هذه الغيبيات , بل يعتمد العقل على اللسان في انتقاء ( إنتقاء) الألفاظ التي تساير المعنى المراد تحقيقه وفي النهاية يتحول هذا الأمر الغيبي إلى علم كلام لا فائدة منه سوى الكلام .

ومن المحزن أن الأمة الإسلامية هي من كان لها الطول الفارع والباع الطويل في علم الكلام ولا تزال , حتى أني أسميها أمة الكلام , بينما الغرب سار في الأرض واعتنق المذهب التجريبي واكتشف العوالم والذرات والجاذبية ونحن لا نزال يريد كل منا فرض رأيه ( لا يزال كل منا يريد فرض رأيه) في الغيبيات التي على أرض الواقع لا تفيد.

ومن القضايا الفلسفية الشائكة التي تفرق من وراءها ( ورائها) المسلمون فرق ( فرقاً) هي مسألة الجنة التي أخرج منها آدم .

- هل هي جنة الخلد التي وعد بها المتقون؟ إن كانت كذلك فهي دار الجزاء فكيف يبتلى آدم وزوجه فيها ؟ وهي دار المقامة والخلود فكيف يخرج منها آدم وزوجه ؟؟
- أم هي جنة في السماء ؟؟ كيف ذلك وقد قال الله تعالى لإبليس أخرج منها مذءوما مدحورا ( مذءوماً مدحوراً) فكيف دخلها إبليس ؟؟ هل كانت في السماء ويدنو منهم ( منهما) ويوسوس لهما ؟؟؟ هل كان ينادي عليهم ( عليهما) من بعيد ؟؟
- هل كانت جنة على الأرض ؟؟ كيف ذلك وقد قال تعالى ((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى(118) طه )) ؟؟ الجميع يجوعون ويعرون على الأرض , أليست الأرض هي دار الإبتلاء والامتحان ؟؟ كيف تكون بها جنة وفيها نموت ومنها نبعث ؟؟؟

هذه تساؤلات قديمة جديدة يصعب على كل شخص فرض رأيه على الآخر فلكل حجته وكل معه أسلحته العقلية فلذلك يجب علينا تتبع القرآن الكريم كما جاء ت فيه الآيات بدون فكر مسبق فنتركه يقودنا إلى المعنى الصحيح بدون فلسفة ولا تلاعب بالألفاظ .
وملاحظة صغيرة هي أن هذه الأمور غيبية يكفيك الإيمان بها من دون خوض , فهي لا تفيد عملا ( عملاً) وليست هي مقصد الله تعالى من هذا الدين حيث أن الدين أنزله الله لكي يقوم الناس بالقسط , أي من أجل إصلاح الدنيا وللسمو في الأخلاق لكي يعيش الناس بسلام , وأي رأي بشري في هذه المسائل يبقى رأي بشري ( رأياً بشرياً ) ليس له أي قدسية .

نأتي للقضية
جن معناها الستر وقد سمي الجن بهذا الاسم لاختفاءهم ( لإختفائهم) وسترهم وعدم ظهورهم , ويقال جن الليل أي نزل وأخفى كل شيء , ويقال شخص مجنون أي أن عقله غائب مختفي , ويقال هذه جنة أي البستان العظيم الذي يستر ما بداخله،

قال تعالى عندما خلق آدم ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة )) أراد الله أن يجعل في الأرض خليفة فقالت الملائكة استفسارا هل تريد أن تجعل فيها من يقتل ويسفك الدماء , بناء ( بناءاً) على أن الله خلق الملائكة للعبادة فقط وخلق الجن للابتلاء ( للإبتلاء) فقاست الملائكة الأمر على الجن من حيث أن الجن يخضع للابتلاء فلا بد أنه أخطأ وعصى , ولا أقول أن الجن سكنوا الأرض قبل الأنس حيث أنه لا دليل على ذلك حيث أن الله قال (( ...... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) البقرة )) فكان الهبوط من خارج الأرض , وحيث أن الله أمر الملائكة بالسجود ولم يسجد إبليس ويدل ذلك على تقارب الملائكة والجن في المكان .
لكن الله خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود فسجدوا إلا إبليس , وقد يقول قائل فالأمر للملائكة فما دخل إبليس في الموضوع ؟ لقد عرف الجميع أن إبليس من الجن والجن مكلف بالطاعة والأمر يشمله إذا قال تعالى يدلل أن الأمر كان شاملا ((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) ص )) لكن كان يحظى بحرية الاختيار بكونه جن مخير ومحاسب فرفض ذلك , قال تعالى ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف )) فطرده الله من رحمته بسبب حسده ومخالفة أمره فقال تعالى ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) ص)) فتوعد إبليس آدم وحلف بعزة الله أنه سوف يضله قال تعالى ((قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص))

وقد علمنا أن الله قرر ( قدر) أن يجعل في الأرض خليفة لذلك أخضع آدم إلى اختبار بسيط وهو أن يمتحن قدراته وليعلم آدم أنه ليس أفضل من الجن , فكما رفض إبليس أمر الله فهل سيرفض آدم أمر الله ويخالفه ؟؟ولذلك فقد خلق الله لآدم جنة لابتلائه ( لإبتلائه) وامتحانه , وأسكنه إياها فأنا أسميها بستان ( بستاناً) أو حديقة الامتحان ( الإمتحان) أو جنة الامتحان ( الإمتحان) والابتلاء ( الإبتلاء) , ولكن دعونا نعرف ما هي هذه المغريات التي وضعها الله له في هذه الجنة لتزداد نعمة الله عليه ويشتد ويعظم الامتحان , قال تعالى في وصف تلك الجنة أو ذلك البستان :
((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) طه ))
قال تعالى ((وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا .....35.)) البقرة
قال تعالى ((وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا...... 19)) الأعراف

فهذه هي صفات الجنة التي وهبها الله لآدم وزوجه فلا يجوع ( جوع) فيها ولا عطش فيها , ولا عري فيها بمعنى الذلة والمهانة , ولا تضحى فحسب اللغة تضحى تعني : شمس الظهيرة , أي يعني لا تعب فيها ولا إرهاق , وله في هذه الجنة الأكل من حيث شاء .
لكن هذه الجنة على ما يدل ظاهر الآيات أن ( أنها) لم يكن فيها خلود , وهذا ما أدركه آدم وزوجه وكانت الثغرة التي وجدها إبليس للوسوسة (.)
فقد علمنا أن الله امتحن آدم فبعد إعطائه هذه الجنة ونعيمها حرم عليه شيء واحد (شيئاً واحداً) وهو عدم الاقتراب ( الإقتراب) من شجرة معينة قال تعالى ((وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) الأعراف ))
قال تعالى (( وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) البقرة ))
فلقد كان الاختبار ( الإختبار) هو عدم الأكل من شجرة معينة , ولآدم وزوجه الحرية في الاكل ( الأكل) من حيث شاءا , فعلم ذلك إبليس وبدأ يوسوس لهما , وأخبرهما أن هذه الشجرة إما شجرة الخلد أو أن هذه الشجرة بمجرد الأكل منها تتحول إلى ملك وبدأ يوسوس لهما
قال تعالى ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف ))
قال تعالى ((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) طه ))
فوقع آدم وزوجه بالمعصية وأخبره الله أنك لست أفضل من الجن وأن الجن ليسو بأفضل منك فأنتما تعصيان , وأخبره أن الشيطان هو عدو مبين له وذلك بسبب تزيين المعصية له وبإخراجه من الجنة , فاستحق الاثنان ( الإثنان) الهبوط للأرض بسبب المعاصي ليخضعوا هناك للامتحان ( للإمتحان) مرة أخرى , والفرق بين آدم وإبليس أن آدم استغفر ربه ((قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف)) ثم أمر الله الاثنين بالهبوط للامتحان ( للإمتحان) الأكبر ,
قال تعالى(( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) البقرة ))
قال تعالى ((قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة ))
قال تعالى ((قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) الأعراف ))

فكان الهبوط من السماء إلى الأرض وذلك للامتحان ( للإمتحان) مرة أخرى قال تعالى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) الذاريات ))
الخلاصة
أن هذه المواضيع هي مواضيع فلسفية غيبية لا يجب (في رأي)( فى رأيى) الخوض فيها , فالعقل لا يكف عن التفكير والشطط بل يجب علينا تتبع آيات الله البينات وتركها تقودنا إلى الغيبيات لا أن تقود عقولنا الآيات , فإذا فعلنا ذلك لن نكتفي بالقرآن , بل سنتتبع كل خرافة موجودة وسنختلق روايات وسنصدقها كأنها حق منزل , وسننهل من الأساطير القديمة وغيره ( غيرها) كل ذلك لإشباع عقلنا الذي هو بالأصل لا يستطيع ادراك ( إدراك) تلك الغيبيات , وحتى هذه الغيبيات المذكورة في القرآن ( في رأي ) ( فى رأيى) هي على غير هذا الوصف لكن الله اختار كلمات من لغتنا فقط من أجل تقريب الفهم لعقولنا , حيث أن هذه الغيبيات في الواقع هي مختلفة تماما( تماماً) قال تعالى في وصف النعيم في الجنة للمؤمنين وهي آية محكمة ((فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة )) فهذه الآيات والكلمات التي تتكلم عن الغيبيات تكون بمعنى المجاز ليتقبلها العقل البشري لا (X) فهي ليست وصفا حرفيا لتلك الغيبيات .