يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
من الظلمات إلى النور أم من الظلمات إلى الظلمات

محمد صادق في الأربعاء ١١ - يوليو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

من الظلمات إلى النور أم من الظلمات إلى الظلمات

بسم الله الرحمن الرحيم

عملا بمبدأ التواصى فى القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (3:102

هذا المقال هو عبارة عن صرخة من القلب لشعب مصر الحبيب، فقد بدأ تسرب مبادئ السلفية الوهابية إلى الشارع المصرى، نتائج سيئة للغاية وبدأت فى الإنتشار فى صفوف المجتمع وذلك بتسريح شباب مخدوع بوسائل الدعاية المشوشة من حزب النور السلفى الوهابى على طريقة اسيادهم الحكام السعوديين وهو تفشى جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومدى ما وصلوا إليه من تفسيرات خاطئة مشوشة لمعظم ابناء هذا الشعب الذى ليس له دراية علمية إسلامية سليمة ليميز بين الحق والباطل. هذا ما دعانى للدخول فى هذا المستنقع الكاذب الذى يحاولون به السيطرة على الحاكم والشعب المقهور منذ 1952. وعلى القارئ إن أراد الإستفاضة علما عن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فعليه قراءة كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن النمكر للدكتور أحمد منصور، ففيه كل ما تريد بإسهاب تاريخى ودينى وعقائدى وسلوكى، وهذا الكتاب منشور على الموقع.

والآن ندخل إلى موضوع هذه الصرخة، توكلت على الله الرحمن الرحيم...

يقول الله سبحانه :

البقرة (آية:257): اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257

نعم، الله سبحانه هو ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، فكيف يكون ذلك، فلنقرأ إحدى آيات الله العلى القدير ليوضح لنا كيف يكون هذا الإخراج: الطلاق (آية:11): "  رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ".   

ظهرت جماعة فى الفترة الأخيرة فى مصر تُدعى جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لم تظهر هذه الجماعة من قبل على أرض مصر الحبيبة. والواقع يشهد بأن تيار الوهابية السلفية السعودية بدأ يزحف إلى أرض الكنانة بقوة وبشدة ويريد السيطرة والهيمنة على أبناء شعب مصر وشبابه وشباته الذين خرجوا إلى الشارع فى 25 يناير 2011، يطالبون بالحرية والعدالة وتصحيح المفاهيم العقيدية والسلوكية وتحسين الحالة الإجتماعية والمعيشية أى العدل والقسط والمساواة وحرية العقيدة وحرية الخطاب، وتحريرا من الذل والعبودية التى طالت منذ 1952 .

خلال وجود شعب مصر فى الشارع ينادون بالحرية ، قتل من قتل وجرح من جرح ودخل السجون من قبض عليهم فى خلال هذه الفترة. حدثت الإنتخابات وتمت بإختيار رئيسا للجمهورية ففرح الشعب على أن إستطاع أن يهزم الطاغية وبعض من أعوانه وجاء رئيسا له خلفية وله معتقد ينبع من طائفة بذورها الوهابية السلفية تدعى الإخوان المسلمون. فكان هذا الرئيس المنتخب فى أول الأمر عبارة عن أمل الشعب فى التغير الذى ينادى به كل مصرى حر يغار على بلده وأبنائها بمعنى الخروج من الظلمات إلى النور، ظلمات العهد البائد منذ عصور وأعوام طالت.

لم يستغرق وقتا طويلا  حتى ظهرت النوايا المدفونة وراء الشعارات الكاذبة الواهية بظهور فرقة من جذور الوهابية السلفية زحفت إلى أرض مصر من تجاه السعودية . هذه الفرقة التى تسمى جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ونفهم من هذا المصطلح أن الأمر بالمعروف، والمعروف فى القرآن الكريم له معان عدة، ونتائج خيرة ولكن جائت هذه الجماعة بدلا من إخراج الناس من الظلمات إلى النور تبدل الحال فكانت النتيجة حتى الآن وهى فى بداية نشأتها نجد أنها فى حقيقتها تخرج الناس من الظلمات إلى الظلمات بشكل وهالة دينية وتلبس لباس الإسلام.

جاء فى تصريح المسؤول السعودى عن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بأن الجماعة سوف تستمر وبقوة رغما عن أنف أبى ذر، هذا فى السعودية ولكن جاء هذا التصريح فى الوقت التى تتحرك فيه جماعة السلفية فى مصر للسيطرة على أبناء وموارد هذا البلد. ومن هنا أعلن حزب النور السلفى الوهابى بإحتياج الحزب إلى متطوعين لينضموا إلى جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو ما تسمى بجماعة التكفير. وأضاف المسئول عن الحزب بأنهم سوف يجندون شباب لأداء هذه المهمة وسوف يتم تعيين جماعات فى كل حى وكل شارع. فكانت النتيجة أنه تقدم مئات الشباب للتطوع وبدئت مصر تدخل فى دور جديد من الظلمات. وأقول ذلك وأنا مسؤول أمام الله. بدلا من أن تقوم هذه الجماعة التى لا أصل لها فى الشريعة بالمفهوم الخاطئ والتى تفهم وتعتقد إعتقادا راسخا بأن ما تقوم به هو أمر الله وشريعته وبذلك يضمنون دخول الجنة. إن كان هذا هو المفهوم الصحيح بزعمهم وأنه أمر من الله سبحانه وتعالى، فلماذا لم يُنفذ منذ مئات السنين كأمر إقامة الصلاة وإتاء الزكاة وحج البيت وجميع أوامر الله وتطبيقا لشريعته السمحة. لماذا الآن أيها السادة والعلماء ومشايخ الحزبة وما إلى ذلك. لماذا الآن ؟

 هؤلاء الذين قدموا أسمائهم ليكونوا متطوعين فى هذه الجماعة المزعومة بفهمهم لمصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو ما يسمون أنفسهم جماعى التكفير، وقادتهم الذين يقومون بالإشراف عليهم ويقوموا بتدريبهم على ما يجب عمله فى الشارع المصرى، كانت النتيجة من أول يوم أربعة قتلى فى منطقة السويس ثلاثة شبان قتلوا على الفور والرابع مات بعد نقله من مستشفى السويس إلى مستشفى بلبيس، مات بعد وصوله إلى غرفة الطوارئ. ما هى جريمة واحد منهم يستحق عليه القتل الفاضح فى وسط النهار؟ هذا الشاب كان يصطحب خطيبته بعد تناول وجبة الغذاء فى منزل أهل الشاب بحضور كل العائلة وبعدها سار مع خطيبته إلى منزلها بدلا من أن تذهب بمفردها فكانت هذه هى تهمته أنه يسير فى الشارع مع فتاة بالرغم من أن الشاب قد أوضح لهولاء الثلاثة الذين كانوا يركبون على دراجة بخارية ومعهم أسلحة، فكانت الضربة القاضية وفر أفراد الجماعة هاربين. وليس هذه الحادثة الأخيرة ولكن على شاشات القنوات المصرية هناك الكثير مثل هذا فى أنحاء الجمهورية.

جاء فى القرآن الكريم مصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فى مواضع كثيرة، وسوف نتدبر سويا هذا المصطلح من القرآن الكريم ذاته وليس من أقوال البشر. هذا المصطلح يتكون من أربع كلمات، الأمر، المعروف، النهى، المنكر. وأعتقد والله أعلم، أن هذا المفهوم الخاطئ لدى هذه الجماعة جاء من عدم فهم كلمتين فى هذا المصطاح وهما كلمة المعروف والأخطر من ذلك كلمة الأمر. أما النهى وكلمة المنكر معروفه ومفهومة لدى الجميع.  ولنبدأ بتدبر كلمة " الأمر " بمشتقاتها.

ذكرت كلمة أمر ومشتقاتها فى القرآن الكريم فى عدة مواضع ومعظمها منسوب إلى الله سبحانه صاحب الأمر والنهى. وجاءت فى مواضع أخرى تشير إلى البشر سواءا كانوا أنبياء ورسل أو افراد مؤمنين ومؤمنات. إليكم بعض الآيات التى تخص موضوعنا فى هذا المقام:

فى سورة آل عمران نقرأ قول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102-3:104

 " يدعون إلى الخير " الدعوة أساسها الخير لأن الله سبحانه ورسوله يدعون إلى الخير والمعروف هو من الخير ولا يوجد معروف ينتهى بالقتل المتعمد.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110

نرى فى هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وصف هذه الأمة بالخير وبدء بها الآية الكريمة وتلاها بالأمر بالمعروف وهو جزء من الخير أيضا.

وفى سورة آل عمران أيضا جاءت الآية 114 تقول: " يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " 3:114

فى هذه الاية الكريمة إنتهت ب " يسارعون فى الخيرات " مرة ثالثة فى نفس السورة يوضح الله لنا ان الأمر بالمعروف هو من الخيرات وليس شيئ آخر فهل نتعظ ونتدبر فى آيات الله سبحانه.

ولنقرأ فى سورة الحج قول الله سبحانه وتعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ " 39-41: 22

 ولم يكن..ليحول الفئة المؤمنة إلى مجاميع مسلحة ، تقطع الطريق ، وتخيف السبيل ، وتقتل على الهوية.. ولم يكن القتال في القرآن.. لإكراه الناس على تغيير معتقداتهم ، وتبديل  قناعتهم  الدينية..إن القتال في القرآن..قتال لحماية الإنسان وكرامته من القتل والظلم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..) والظلم والقتل وإخراج الإنسان من وطنه، وأهله ليس لشيء إلا لقوله ربنا الله.. وإن لم يكن هذا استنكار لمن يقتل الناس لمعتقداتهم فماذا قد نسميه !! وبمعنى آخر ، أن هؤلاء القوم لم يقتلوا ولم يظلموا أحداً.. حتى يُقتلوا ويهجروا من الأوطان. فالإعتناق وحده ليس مبررا للقتل والعدوان، وهذا ما صرح به القرآن " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ".            

ولننظر ماذا يقول القرطبى والطبرى فى تفسير هذا المقطع من سورة الحج لمجرد الإطلاع على بعض المفاهيم الذى لا تؤدى إلى أى نتيجة من أصحاب الأقوال النيرة بزعمهم:

فى تنفسير القرطبى قال:

قال الزجاج : " الذين " في موضع نصب ردا على " من " , يعني في قوله : " ولينصرن الله من ينصره " . وقال غيره : " الذين " في موضع خفض ردا على قوله : " أذن للذين يقاتلون " ويكون " الذين إن مكناهم في الأرض " أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأرض غيرهم . وقال ابن عباس : ( المراد المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ) . وقال قتادة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة : هم أهل الصلوات الخمس . وقال الحسن وأبو العالية : هم هذه الأمة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة . وقال ابن أبي نجيح  يعني الولاة . وقال الضحاك : هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الملك ; وهذا حسن . قال سهل بن عبد الله  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه . وليس على الناس أن يأمروا السلطان  لأن ذلك لازم له واجب عليه , ولا يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت عليهم. إنتهى...

هنا نجد تسعة أراء مختلفة لكبار الصحابة بزعمهم... هل نخرج من هذا التفسير بشيئ مجدى يؤدى إلى الحقيقة أم هى طلاسم لابد من البحث المضنى فى كتبهم حتى نقف على المراد من آيات الله الكريمات؟

فى تفسير الطبرى قال:

يقول : ودعوا الناس إلى توحيد الله والعمل بطاعته وما يعرفه أهل الإيمان بالله . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 19130 - حدثني الحارث , قال : ثنا الحسين الأشيب , قال : ثنا أبو جعفر عيسى بن ماهان , الذي يقال له الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية , في قوله : { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } قال : كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده لا شريك له ; ونهيهم عن المنكر أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان . قال : فمن دعا إلى الله من الناس كلهم فقد أمر بالمعروف , ومن نهى عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان فقد نهى عن المنكر.

 تفسير آخر يُضاض ما يزعمه جماعة التكفير – الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

"الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور "ِ

أعتقد والله أعلم، أن أفراد جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – جماعة التكفير – خلطوا فى مفهومهم بين ما بدأت به هذه الآية الكريمة " الذين إن مكناهم فى الأرض " وكلمة " وأمروا ". وبالطبع إن ربطنا هذان النصان فكل واحد منهما يكمل الآخر، فتكون النتيجة أن هؤلاء الذين يدعون الأمر بالمعروف قد مكنهم الله سبحانه فى الأرض – فى شوارع مصر – فأصبحوا بهذا المعنى هم أصحاب العقيدة السليمة وغيرهم على الباطل لذلك مكنهم الله سبحانه ليأمروا الناس بالمعروف حسب تفسيرهم لكلمة المعروف وهم أصحاب الحق ولا غيرهم، فهم الآمرون الناهون ومعهم شهادة من الله سبحانه بأنهم فى جنة النعيم. بمعنى أوضح، إن إعتقدوا أنهم هم المعنى بهم فى التمكين فى الأرض وعليه فهم المتحكمون والآمرون والناهون ولا أحد يستطيع أن يرد عليهم أو حتى يناقشهم طالما أن الله سبحانه هو الذى عينهم فى هذا المنصب فكيف لنا أن نخالفهم أوحتى نتناقش معهم، معهم الحجة والأمر والنهى.

وما يعضض موقفهم، إعتمادهم على:وقال أبو جعفر الباقر : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير " ثم قال " الخير اتباع القرآن وسنتي " رواه ابن مردويه والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " وفي رواية " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " . وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو به وقال الترمذي : حسن والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

هنا مشكلة فى هذا الحديث، " فليغيره بيده " فلابد أن نعرض بعض الآراء من السابقين وهى غير بحجة ولم أذكرها للإستشهاد بها على ما أقول ولكن لإظهار الحق من الباطل:


وقال طاوس : أتى رجل ابن عباس ، فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ؟ قال : لا تكن له فتنة ، قال : أفرأيت إن أمرني بمعصية الله ؟ قال : ذلك الذي تريد ، فكن حينئذ رجلا . وقد ذكرنا حديث ابن مسعود الذي فيه: يخلف من بعدهم خلوف ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن الحديث ، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد . وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود ، وقال : هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة . وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال . وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح ، فقال : التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ، مثل [ ص:249 ] أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ، ونحو ذلك ، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك ، وكل هذا جائز ، وليس هو من باب قتالهم ، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه ، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده 

وأما الخروج عليهم بالسيف ، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . نعم ، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه ، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره ، كذلك قال الفضيل بن عياض وغيره ، ومع هذا ، فمتى خاف منهم على نفسه السيف ، أو السوط ، أو الحبس ، أو القيد ، أو النفي ، أو أخذ المال ، أو نحو ذلك من الأذى ، سقط أمرهم ونهيهم وقد نص الأئمة على ذلك ، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم. إنتهى ...

ورأى آخرعن رسول الله عليه السلام:

وقد روي عن أحمد ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب ، قال في رواية أبي داود : نحن نرجو إن أنكر بقلبه ، فقد سلم ، وإن أنكر بيده فهو أفضل ، وهذا محمول على أنه يخاف كما صرح بذلك في رواية غير واحد . وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه ، وصح القول بوجوبه ، وهذا قول أكثر العلماء . وقد قيل لبعض السلف في هذا ، فقال : يكون لك معذرة ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم : أتعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ الأعراف : 164 ] ، [ ص: 252 ] وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به ، ففي " سنن أبي داود وابن ماجه والترمذي عن أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له : كيف تقول في هذه الآية : عليكم أنفسكم [ المائدة : 105 ] ، فقال : أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بل ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العوام.

وأخيرا من أقوال السابقين:

قال القاضي عياض رحمه الله : هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا ; فيكسر آلات الباطل , ويريق المسكر بنفسه , أو يأمر من يفعله , وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه , أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره ; إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله . كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى . ويغلظ على المتمادي في غيه , والمسرف في بطالته ; إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم . فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده , واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف . فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه , وكان في سعة , وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب , وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره , أو يقتصر على تغييره بقلبه.

هذا بعض من أقوال السابقين، والآن نعود إلى كتاب الله القوى الجبار عالم الغيب والشهادة...

ولنقرأ سويا ما جاء فى كتاب ربنا جل وعلا عن كلمة الأمر ومشتقاتها لإعتقادى أنها هى أساس الفهم الخاطئ، وخصوصا إن إرتبطت بالتمكين فى الأرض، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول سبحانه وتعالى:

فى أهل الكتاب نقرا قول الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم : "  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ... " 7:157

هنا يقوم الرسول عليه السلام بنفس الدور لأهل الكتاب أن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. فماذا كانت النتيجة، هل أمره الله سبحانه إن لم يطيعوك فيكون التغير بيدك أولا وإن لم تستطع فبلسانك ثم بقلبك؟ نحن نقول إننا نتبع الرسول الكريم فلماذا لم نتعظ بهذه الآية والتى هى من صميم موضوعنا الآن. هل قاتلهم الرسول لعدم الإمتثال للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.... إتعظوا يا أولى الألباب.

وفى سورة مريم نقرا قول الله سبحانه: "  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا " 55-19:54

ولنا أن نتخيل من سياق هذه الآية الكريمة إن إسماعيل كان رسولا نبيا، فماذا فعل عندما أمر أهله بالصلاة والزكاة، فهناك بالطبع من إمتثل لهذا الأمر وربما هناك من لم يمتثل، فماذا نتوقع من الرسول إسماعيل عليه السلام أن يفعل بعد هذا الأمر، هل قتلهم أو عذبهم أو سجنهم لأنهم لم يمتثلوا لأمره وهو أمر من الله سبحانه وتعالى؟ إتعظوا يا أولى الألباب.

وفى سورة طه يقول عز من قائل: " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (20:132

هنا امر الله سبحانه لرسوله الكريم بأن يأمر أهله بالصلاة ولم يقل إن لم يطيعوك – وهذا يعتبر أمر بالمعروف – لم يقل إقتلهم أو آذيهم أو إجبرهم على ذلك بيدك ثم بلسانك ثم بقلبك، ولكن سبحانه وتعالى قال" وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا " فأين نحن الآن من مثل هذا الأمر الإلهى لرسول الله.

وفى سورة لقمان نجد الدواء الشافى فى تحليل كلمة الأمر يقول سبحانه وتعالى على لسان لقمان: ولننظر كيف بدأ لقمان النصيحة لإبنه:

 وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ .... (31:13

" يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (31:17

نفهم من هذه الآية الكريمة أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو موعظة وليس أمرا بالمفهوم العام لكلمة " أمر " ويحتمل عند الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن يصحبها بعض المصاعب فجائت كلمة " وإصبر" ولم يقل أن تنهى بيدك أو بلسانك أو بقلبك ولكن أصبر على ما أصابك.

أوجه هذه الآيات الكريمات، كنصيحة وموعظة لكل من تسول له نفسه ويرتكب من الجرائم بمفهومه الخاطئ للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:

" وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ *  أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " 42-2:44

فكيف تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وتتلون الكتاب، ألم تقرؤا قول الله سبحانه: "  مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " 32-30:31

وفى سورة الأنعام: " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ "(159: 6)

ألم تقرؤا هذه الآية الكريمة وأنتم تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟

ألم يقول الله سبحانه وتعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ..... "18:29

وفى سورة هود نقرأ: " فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11:112

ولا تطغوا،لا تتجبروا على أحدوعدم مجاوزة الحد ولا تغلوا فى دينكم.

وفى سورة النساء نقرأ : "  لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " 114: 4

إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، أليس هذا امر بالمعروف ونهى عن المنكر بشرط أن يكون لإبتغاء مرضات الله وليس لمرضات حزب معين أو حاكم أو طريقة أو مذهب ما ولكن لمرضات الله.

يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة يونس: "  وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (10:99

أيها السادة أصحاب العقول النيرة، ألم تقرؤا هذه الآية الكريمة والتى لم يأمر الرسول بإكراه الناس أن يكونوا مؤمنين، فما بال من هم من دون الرسول عليه السلام، أم لكم كتاب آخر تدرسونه أو لكم عند الله عهد لم يأذن به الله. إتعظوا يا أولى الألباب.

ونختم هذه الفقرة من آيات الله الكريمات لأن الآيات كثيرة، فنقرأ فى سورة التوبة:

"  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " 9:71

أليست هذه الآية الكريمة تدل على أن ألأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من واجبات كل مؤمن ومؤمنة بعضهم من بعض ويقوموا بيتنفيذ هذه الموعظة والنصيحة فيما بينهم حتى ينالوا رحمة الله الواسعة وأنه عزيز حكيم ؟

لا إكراه في الدين

وما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا.. كون قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعا وأنى له بعد ذلك أن تناله رحمة الله!!, بعد أن سلب حياة الناس ومزقها.. نقول (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)

(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)فهو وإن لم يكن مؤمنا إلا أن حكمه كحكم المؤمن.. فدمه حرام لمسالمته وعدم اعتدائه على الغير، فنهانا الله عن قتله وعدم تبرير ذلك بعدم إيمانه.. فيفهم من هذا النهي أن حكمه كحكم المؤمن ولا فرق لأن النفس عند الله واحدة..

فى الختام

ترتبط خيرية هذه الأمة ارتباطا وثيقا بدعوتها للحق ، وحمايتها للدين ، ومحاربتها للباطل ؛ ذلك أن قيامها بهذا الواجب يحقق لها التمكين في الأرض ، ورفع راية التوحيد ، وتحكيم شرع الله ودينه ، وهذا هو ما يميزها عن غيرها من الأمم  ويجعل لها من المكانة ما ليس لغيرها ، ولذلك امتدحها الله تعالى في كتابه العزيز حين قال : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110وإذا ضيعت الأمة هذا الواجب بالكلية ، وأهملت العمل به ، عمت المنكرات في المجتمعات ، وشاع الفساد فيها ، وعندها تكون الأمة مهددة بنزول العقوبة الإلهية عليها ، واستحقاق الغضب والمقت من الله تعالى

والمتأمل في أحوال الأمم الغابرة ، يجد أن بقاءها كان مرهونا بأداء هذه الأمانة ، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من أخبار تلك الأمم ، ومن أبرزها أمة بني إسرائيل التي قال الله فيها : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ  " المائدة : 78 - 79

إن هذا الواجب هو مسؤولية الجميع ، وكل فرد من هذه الأمة مطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته ، والخير في هذه الأمة كثير ، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المباركة التي تحفظ للأمة بقاءها ، وتحول دون تصدع بنيانها ، وتزعزع أركانها.

اجمالي القراءات 16358