كتب الأحاديث المتناقضة في الكم و الكيف
بحثاً عن محمد في القرآن [ 28 ]

امارير امارير في الإثنين ١٤ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

[ الذاكرة ] تسير دائماً في الإتجاه [ المضاد للزمن ] ، كلما مرّ الزمن الى الأمام ، كلمّا قلّت الذاكرة و تراجعت الى الخلف ، و التناقل الشفهي لخطابٍ بعينه ، أو منظومة [ أحاديث ] لشخصٍ بعينه ، يجب أن تمّر عبر هذا القانون ، إلا إذا كنّا نتحدّث عن شخصين ، كانا يعيشين في مجتمعين مختلفين و عبر زمانين مختلفين ، لكن القاعدة العامة تبقى على حالها ، و هنا تكمن المعضلة ، بعيداً عن الإنتمائيّة المفرطة في التعصّب ، يجب علينا أن نعترف بأن كتب الأحاديث ليست سوى إختراعات طارئة ، [ الربيع بن حبيب ] ، [ الكافي ] ، [ البخاري ] و [ مسلم ] ، و نتوقّف عند هذا العدد من المصادر بسبب كثرتها حقيقة ، كلها تنتمي لصنفٍ واحد ، فهي كتب يقال أنّها [ أحاديث للرسول ] ، و الرسول شخصٌ [ واحد ] ، لكنّه حقيقةً أكثر من ذلك بكثير ، فعبر هذا [ المنهج السحري ] ، قام الفقهاء بسحر الأمّة ، و كان أول ما فعلوه هو أن أنكر كلّ منهم الآخرين جميعاً ، ليسير الجميع على رؤوسهم بدلاً من أقدامهم ، فبالعودة الى قانون [ الذاكرة و الزمن ] فإن طريقتين من طرق كتابة الأحاديث عبر [ مذهبين ] منفصلين يطرحان أسئلةً عدةً ، فيقول [ البخاري ] في صحيحه الذي تنقصه الصحّة ، حيث يقول في مقدّمته أنّه : [ جمع و صنّف 600000حديثٍ في 16عام] ، و بعمليّةٍ حسابيّة بسيطة نكتشف المنطق المقلوب الذي يستخدمه البخاري للشهادة على بطلان قوله ، 16 عاماً هي 5760يوم، و هي أيضاً 138240ساعة ، و إذا افترضنا قرضيّةً قريبةً إلى الصحّة مفادها أن البخاري إنسانٌ يستهلك في اليوم فقط 8 ساعات للقيام بكل وظائفه الحيويّة و المعيشيّة بما في ذلك التنقّل بين مصادر الاحاديث المختلفة ، فإنّه يستهلك دون حساب زمن الركعتين اللتين يقوم بصلاتهما عند تدوين كل حديث كما كان يقول ، يستهلك 16 ساعةً يوميّاً يجمع خلالها 6 أحاديث كل ساعة ، أي بمعدل حديث كل 10 دقائق ، وفق المعادلة الآتية : 16 سنة = 5760 يوم = 138240 ساعة – 46080 ساعة [ 8 ساعات يوميّاً ] = 92160 ساعة و هي ساعات العمل المخصّصة لتجميع 600000 حديث ، 600000 حديث ÷ 92160 ساعة = 6.5 حديث / 1 ساعة ، و هذا الأمر مستحيلٌ لا يقبله الناموس الطبيعي للكون الذي خلقه الله ، و لا يزول هذا الناموس أو يتغيّر إلا بقدرة الرسالة و صلة النبوّة بين الله و أحد عباده الّذين إختارهم ، و التي انقطعت منذ وفاة الرسول الكريم محمّد عليه صلاة الله .

 

[ الجامع الصحيح ] كتاب [ ربيع بن حبيب ] ، إمام الحديث في فقه [ الإباضيّة ] ، ولد بين سنتي 80/90 هـ ، يحوي كتابه فقط على [ 1000 ] قولٍ منسوبٍ للرسول ،  و هي تمر عبر طريق [ سند ] يحتوي فقط [ 3 ] أشخاص في المجمل ، أورد جلّها في كتابه [ البخاري ] إبن [ بردزبة ] ، صاحب كتاب [ الجامع الصحيح ] أيضاّ ، و الذي وُلد ولد بين 180/190 هـ ، مرجعيّة أحاديث فقهاء المذاهب الأربعة [ المالكيّة / الشافعيّة / الحنفيّة / الحنابلة ] ، يحوي كتابه على [ 7500 ] حديث ، أي [ عشر أضعاف ] ما يرد في كتاب [ سلفه ] ربيع بن حبيب ، و ما يساوي فقط [ 3/1 ] ثلث ما يرد في كتاب سلفه [ أحمد بن حنبل ] الذي يحوي مسنده ما يزيد عن [ 27000 ] سبعاً و عشرون ألف حديثٍ صحّحها إمام المذهب الحنبلي المتأخر عن سلفه الإمام مالك صاحب الموطأ ، و الذي يحوي فقط [ 1800 ] ألف وثمانمائةٍ حديثٍ في مفارقةٍ غريبةٍ في مقدار التضخّم و التضائل في عدد الأحاديث ، رغم اتّفاقها في تسلسل السند و أسماء الرجال مرجعيّات النقل كما ينسب إليهم فقهاء كتب الأحاديث السنيّة خصوصاً ، حيث عند البخاري مثلاُ يمر عبر طريق [ سندٍ ] يحوي [ 5 ] أشخاص في المجمل ، الأمر الذي يتناقض و الطبيعة البشريّة ، فالوضع الطبيعي هو أن يتناقص عدد [ الأحاديث ] مع مرور الوقت ، ببسبب اتّساع المسافة الزمنيّة بين الحدث و تدوينه ، لكن الرحلة مرّت رأسا على عقب في الإتجاه المعاكس للمنطق و قوانين الطبيعة ، بسبب كون المبحث [ إنتمائي ] و مقيّدٌ برغبة الباحث عن الأحاديث و مدوّنها لا حقيقة قولها من عدمه ، إلا في حال رجعنا الى كتب التراث لنقرأ أن أحد السلف قال : [ أننا إذا إستحسنّا حديثاُ ، وضعنا له سنداً ] ، [ نبيّ القرن الثالث ] كان يتكلّم أكثر من [ نبيّ القرن الثاني ] على ما يبدو ، نعم يوجد أكثر من محمّد عليه صلاة اللهفي كتب الفقهاء ، و يجب الأخذ بالعلم كون أوّل نص ترد فيه كلمة [ السنّة ] منسوبةً للرسول في كتب التراث الإسلامي هو نصٌّ في وثيقةٍ منسوبةٌ [ لعبد الله ابن أباض ] ، الواجهة الدعائيّة للمذهب الإباضي ، في ستّ مواضع في رسالةٍ للخليفة [ عبد الملك بن مروان ] في أواخر القرن الهجري الأول : [ فولّوا عثمان ففعل ما شاء ، و نفاهم الى أطراف الأرض من أجل أن ذكّروه بكتاب الله و سنّة نبيّة و آثار من كان قبله من المؤمنين ] ، و نلاحظ هنا تمييز إبن إباض للنبي عن الرسول ربّما في قوله سنة : [ نبيّه ] ، فلم يقل سنّة [ رسوله ] ، و من باب التخمين نقول أن التمييز كان جليّاً عند الأولين خلاف المتأخرين ، كما لا يمكن تجاهل كون الزخم و التضخّم التراثي للنصوص المنسوبة للرسول في كتب مذاهب السنّة ، يفوق أضعاف مضاعفة ما يرد في [ البخاري ] منفرداً ، إذ أن منهجيّة كل فقيهٍ هي التي تحدد كم الأحاديث الموثوقة من عدمه ، فمسند ابن حنبل يحوي [ 27688 ] سبعاً و عشرون ألف و ثمانمائة و ستّاً و ستّتون حديثاً ، و صحيح [ مسلم ] للإمام الناسبوري يحوي ما يقارب [ 3033 ] ثلاثة ألاف و ثلاثة و ثلاثون حديثاً ، بمقدار [ 4500 ] أربعة آلاف و خمسمائة حديث ناقصة عن زميله و معاصره [ البخاري ] ، و الفارق ليس وجود شخصين اثنين أو ثلاثة يُنقل عنهم الكلام ، بل ثقة الرجلين بآخر الأشخاص في طريق السّند في اتّجاه المصدر الذي نُسب له الكلام ، وهو في واقع الأمر مسالةٌ عبثيّةٌ ، فلا معنى لقبول المتن المليء بالثغرات و التناقضات فقط لأنه منسوبٌ لرجال رضخوا لطاعة السلطة الحاكمة على امتداد المسافة الزمنيّة الشاسعة بين وفاة الرسول و بين تدوين أحاديثه ، لكن تجاوزاً قررنا حصر الحديث عن البخاري لا غير كنص دلالة على هذا الزخم و التضخّم ، فمسألة الثّقة في السند خرافةٌ منشأها [ السياسة ] لا غير ، فلا يمكن الوثوق في الرجال ما دامت طائفة المنافقين في علم الله وحده ، حيث الكل مقيّد بالولاء السياسي أولاً و أخيراً : ]وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [العنكبوت 11 ، و من ناحيةٍ أخرى فإن اعتبار السند كتقنيةٍ تعطي إنطباع الوثوق في الرجال داخل تسلسله لم ترسخ كتقليدٍ متّبع إلا من خلال كتّاب متأخرين ، فعلى سبيل المثال لا يذكر [ مقاتل بن سليمان ] سلسلةً إسناديّةً لدعم مرويّاته عن أسباب النزول في تفسيره للقرآن ، و لكن السؤال الحقيقي هنا ، لماذا اتّفق الفقهاء على نسب صفة [ الشيخين ] لكلّ من [ مسلم ] و [ البخاري ] ، رغم وجود شيخين إثنين أكثر منهما علماً و أقرب منهما لعهد الرسول نسبيّاً ، هما الإمامان حسب لغة الفقهاء نفسها [ مالك ] و [ ابن حنبل ] ، و الّذان يملكان كتابي صحيح الأحاديث أيضاً [ الموطأ ] و [ المسند ] ؟ ، رغم إعلان حسن النيّة المفرطة  ، إلا أن الأمر مثيرٌ للريبة حقيقةً ، و نكتشف خلاف الرسول محمّد عليه صلاة الله[ كثير الكلام ] في [ البخاري ] و [ ابن حنبل ] ، و الرسول محمّد عليه صلاة الله[ قليل الكلام ] عند الحبيب ، عبر فارق أحاديث ضخم يضم [ 6000 ] حديثٍ [ زائدة ] عند الأول [ تنقص ] عن الآخر ، عند الكلّيني في كتابه [ الأصول في الكافي ] و هو كتاب أحاديث للرسول و آل بيته مجتمعين يخص المذهب [ الجعفري / الإثنا عشرية ] ، نكتشف شخصيّة أخرى تخالف الشخصيّة الإعتياديّة في المرجعين السابقين ، فسياق التعبير هنالك كان على هيئة خطابٍ جافٍ ، يتّسم بالنسق الواقعي ، العملي المباشر  و الصارم ، الخالي من الإيقاع الرمزي أو التناسق التعبيري ، و مثال ذلك الحديث الشهير في [ مسلم ] والمنسوب الى الرسول ، و الذي ينسف فكرة كتابة الاحاديث من أصلها :  [ لا تكتبوا عني ، و من كتب عني غير القرآن فليمحه ] ، و ما نُسب إليه أنّه قال في [ البخاري ] : [ من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ] ، و هو من الأحاديث التي يقوم الفقهاء بتغييبها تارةٍ ، و استجلابها تارةً أخرى حسب ما تقتضيه المصلحة الآنيّة التي تحكمها الظروف لا غير ، فيقول بنسخ حديثٍ و يتناسون ذكر آخر ، و عموماً فإن السياق التعبيري في كتب أحاديث [ السنّة ] يخالف شخصيّة التعبير في كتاب [ الشيعة ] ، فالسياق في [ الكافي ] يتّسم بالإيقاع البلاغي المليء بالمسحة الشعريّة ، كقوله عبر أحد الأحاديث القليلة الواردة فيه و المنسوبة للرسول الكريم في باب الأخذ بالسنّة و شواهد الكتاب : [ إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ] ، و انّه قال أيضاً في  باب فضل البنات : [ نعم الولد البنات ملطفات ، مجهزات ، مؤنسات ، مباركات ، مفليات ] ، و هذا سياقٌ يوصل إلى رسولٍ آخر في حال مقارنته بما نُسب له في صحيح البخاري أنّه قال : [ ... الشؤم في ثلاثة ، الفرس ، الدار و المرأة ] ،و يرد أيضاً عند الكافي : [ ... خرجت والمرأة تمخض فأخبرت أنها ولدت جارية، فقال له النبي: الأرضتقلها والسماء تظلها، والله يرزقها وهي ريحانة تشمها، ثم أقبل على أصحابه فقال: من كانت له ابنة فهو مفدوح ، ومن كانت له ابنتان فيا غوثاه بالله ، ومن كانت له ثلاث وضع عنه الجهاد وكل مكروه، و من كان له أربع فيا عباد الله أعينوه، يا عباد الله أقرضوه، يا عباد الله ارحموه ] , و هذا محمّدٌ آخر و هذه سنّة اخرى ، و باستخدام لغة الفقهاء ، هذا وحيٌ آخر .

اجمالي القراءات 12420