لكن الفلول يضحكون بعد المليونية!

محمد عبد المجيد في الجمعة ١٣ - أبريل - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

أخطر ما يصيب حركة تمـَرد هي أن تصبح عادة، والعادة سكون وليست حركة، والسكون يتهشم قبل أن تقضي عليه.
خمسون ألفاً كانوا يهزّون النظام في فترة احتجاجات حركة 6 ابريل، فلم تكترث السلطة لبضعة آلاف! ومئة ألف كانوا يحرّكون عـَـرْش المخلوع قبل خلعه لو لو تجمعوا أمام مصانع المحلة أو كفر الدوار ، لكن قبضة من الآلاف لم تــُــحرك نسراً من فوق كتف رجل أمن يتلقى التعليمات من حبيب العادلي.
ثوار 25 يناير لم يكونوا حالة ساكنة، وتضاعفوا مع كل نصف يوم يـَـمـُـر، وفي الحادي عشر من فبراير 2011 وقبل التوجه للقصر الجمهوري لينزعوه من جذوره كان رأس النظام قد سقط في قلبه، وأغلب الظن أن جمال مبارك كان يرتعد خوفاً وذعراً في صدر أمه، وعلاء مبارك يغالب دموعه، لكن أمهما تؤكد لهما أن عرش الوالد لا يهتز، وأن رجالا صنعهم سيعيدون إليه مجده ولو بعد حين، وأن أصدقاء النظام في الشرق والغرب يرتبطون برباط مقدس مع كل من عمل مع العائلة.
وانتشى الثوار، واختلط الأمرعليهم فلم يـُـفـَـرّقوا بين قائد يبحث عنهم وبين ثعلب يمكر بهم، وغاب عنهم الفارق الكبير بين الأسنان والأنياب، وأعطوا الثورة المنتصرة هدية للمشاركين في كل جرائم مبارك والصامتين عليها.
منذ الحادي عشر من فبراير 2011 وحتى هذه اللحظة والمصريون يـَـجمعون أدلة وقرائن ووثائق وشواهد على أن مبارك يحكم، وأن المشير أمين على عرش العائلة، وأن المجلس العسكري لن يقترب رمية سهم من اللصوص والسفـّـاحين والجزّارين والنهّابين والبلطجية.
ورغم أن الأدلة التي في حوزة الشعب الثائر تكفي للف حبل المشنقة حول عنق عدة آلاف من رجال المخلوع، إلا أن الفلول يضعون أصابعـَـهم في آذانـِـهم وفي عيونـِ،نا في الوقت عيـّـنـِـه اعتماداً على ذاكرة شعبية مثقوبة، وضـَـجر جماهيري صنعه الإعلام مُحـَـمِّـلين مسؤولية التدهور والانفلات الأمني والأزمات المتوالية والمتفاقمة لأبنائـِـنا الأطهار .. ثوار 25 يناير.
ترشح عمرو موسى وهو رجل مبارك لأكثر من عشر سنوات، وعيـّـن مبارك في جامعة الدول العربية، والآن يريد أن يصبح يدَه التي تبطش بالشعب بعد خلع سيـّـدِه.
وصَمَتَ المصريون!
ترشـَّـح أحمد شفيق وهو أحد المقربين لمبارك، ورئيس وزراء كاذب، وذلك بهدف إنقاذه خلال الثورة المباركة، فأراد أن يردَّ إليه الفضلَ من القصر الجمهوري إلى جناحِه في المستشفى الفاخر.
وصـَـمـَـتَ المصريون!
قبلهما رفض المشير أن يعتذر للشعب عن أكثر من عشرين عاماً كان الساعد الأيمن والعارف ببواطن الأمور وصفقات الأسلحة والمشارك في كل صغيرة وكبيرة، وهمس في آذاننا بأنه سيحمي شبابــَــنا وسيكون الضامنَ الأكبر لنقل الثورة من الميدان إلى الانجازات وتحقيق المطالب، فأخلف كلَّ العهود، وقام بحماية كاملة للمخلوع في شرم الشيخ وفي المحاكمة الوهمية وحافظ على كل ملياراته المنهوبة من شعبنا المسكين، وأمر المستشار أحمد رفعت أن يحاكمه محاكمة جنائية عن عدة أيام ويغض الطرف عن ثلاثين عاما.
وشهد المشيرُ مع المخلوع بعدم المعرفة ليفتح له الباب للبراءة.
وفي عهد المشير تم قتل المئات، وفقأ العيون، والكشف على مواضع العفة من ضباط محرومين جنسيا على فتيات مصريات لا يملكن غير حب مصر و.. شرفهن.
وصَـمَتَ المصريون!
وجاءت صناديق الاقتراع ، وأمرت السلطة بلطجيتها بالانسحاب في ايام الإنتخاب فقط، وفتحت الفضائيات أثيرَها لمزايدة دينية تمهيداً لدغدغة مشاعر الجماهير الطيبة والساذجة التي تصورت أن إعطاء الصوت لمن يزعم أن الله تعالى جاء بصحبته للجنة الانتخاب يستتبعه بيت في الجنة، فاحتل مهووسون ومتخلفون ومتعصبون ومتشددون مقاعد في البرلمان ليضربوا الوطن في العمق برفض النشيد الوطني، والقــَـسَـم للسلطة التشريعية إلا باضافة ما يفرّقون به بين النائب وقضايا شعبه.
وصَمَتَ المصريون!
وتعرَّت قوىَ المزايدة الدينية، وظهرت سوءاتها، وانكشف جهلها، وانفضحت أميـّـتها، لكنهم يملكون شعبية سادية يتسابق فيها الناس للدفاع عنهم، ويـُصـِّـر الحمقى على أن الإسلام هو الإخوان المسلمون والسلفيون!
فرفعوا أصواتهم وقبضاتهم مطالبين بأن يضع نصفُهم الدستور الدائم لدولة مدنية عريقة، والنصفُ الثاني يختار النصفَ الآخر الذي سيشارك في وضع الدستور.
وصَمَتَ المصريون!
ووقف المجلس العسكري يُحَرّك خيوط ( الليلة الكبيرة)، ويبدل (شجيع السيما بالأراجوز)، وينادي على الساذجين ( حُمُّص .. حُمُّص ، وخد لك صورة ستة في تسعة) وينتهي العسكر إلى وصف المشهد ( وتخشّ من مَطْرح ما طلعت، ولما تلقى مقلة لبّْ، تعرف بإنك تـُـهْت و .. ضـِـعْتْ)!
وجاء الترشح لانتخابات الرئاسة، وكل مرشح يعلم مسبقا بأنه إذا نجح فالمشير هو الذي يأمر وينهى وينهر ويقيل ويركل الرئيس الجديد على مؤخرته، ووضعت لجنة من النائمين شروط الترشح، فإما أن تحصل على ثلاثين صوتا من أعضاء مجلس الشعب ( لم يقل المُشـَـرّع النائم بأنهم ثلاثون مثقفا وأكاديميا ورئيس جامعة) أو ثلاثون ألف توكيل، وهي عملية أيسر من شراء قرطاس رفيع من الفول السوداني، أو ترشيح من حزب سياسي وهي أيضا أسهل من استنشاق هواء ملوث.
وسحب استمارةَ الترشح فلول وأميون وأصحاب سوابق ونشالون تائبون في عملية مقصودة للحط من هيبة منصب الرئيس، ويستنجد الشعب بالمجلس العسكري، فصفعة الضابط على وجه المواطن أكرم له من رئيس نشـَّـال يضع يده الخفيفة في جيبه المثقوب.
وصَمَتَ المصريون!
وهنا يرتفع الستار على البطل القادم، ويحبس الناس أنفاسَهم، وتشرب الدولة العبرية نخبَ إنتصار رَجـُـلـِـها في مصر، ويؤكد له المشير هامساً: لا تكترث، فذاكرة شعبنا لا تستدعي حدثا مضى عليه أسبوع، وأنا انتزعت منهم الثورة والرئاسة والحُكم ورجال رئيسي السابق ومع ذلك فهم يمارسون حياتـَـهم كمن تم اغتصابــُــها فأسرعتْ لتشاهد في السينما فيلماً كوميدياً.
ويبتسم اللواء عمر سليمان، فمحركو العرائس في المسرح المصري يعرفون أن الحاضرين لديهم أملاً في أن يضبط مبارك الجديد، أعني اللواء عمر سليمان، الشارع المصري غير الآمن حتى لو تحولت أرض الكنانة إلى مقبرة واحدة لا يقوم بزيارتها أحد، فكل المصريين مدفونون فيها!
ويختلي المشير بعمر سليمان وعمرو موسى وأحمد شفيق وتصل ضحكاتهم إلى كل أرجاء الدنيا، فالآن يعرف كل واحد منهم نصيبــَــه من الكعكة.
وينتاب اليأسُ شبابــَــنا، وتحركهم العاطفة، ويشتري المجلسُ العسكري بعضَ الضعفاء منهم لمناصب وهمية، ولم تعد المليونية تخيف صرصاراً مريضاً، والقوى الدينية، الاخوانية والسلفية والقبطية، ترفض الانخراط مع شبابٍ سددوا من دماء زملائهم الشهداء أغلى ثمنٍ لتحرير مصر.
وظهرت دعوات لمليونية في 13 ابريل، وأخرى في 20 ابريل، وثالثة في الأول من يوليو، ورابعة في ..... الخ
وأنا أتعاطف مع كل مليونية، لكن عقلي لا يستسيغ الفشل، ولا يتحمل جهازي العصبي أن تنفـَـضّ انتفاضةٌ بعد غروب الشمس، ولا ترسل وكالة أنباء مراسلاً لها باعتبار أن المليونية حدث بسيط لتجـَـمُّع معارض، ثائر، يعود أصحابه إلى بيوتهم لتناول طعام العشاء.
أتمنى أن تنجح واحدة من هذه الدعوات، لكن المشهد منذ 11 فبراير 2011 يوشي بنتائج معاكسة.
ما هو الحل الذي أراه يحصد نجاحــَـه قبل انبلاج الفجر الرابع لليوم الموعود؟
العصيان المدني المُسالم الذي لا يرفع فيه أحدٌ شعاراً دينيا أو حزبيا أو طائفيا أو مذهبيا، أو يعرف خلاله أيُّ مصري تـَـوَجُّهَ وأيديولوجية من يسير بجواره.
العصيان المدني المليوني الذي يمكن أن نتعاون جميعا، في الشارع وفي الفيسبوك وفي التويتر وفي المواقع والمنتديات والنقابات هو الحل الوحيد.
العصيان المدني بمطالب محددة لا يختلف عليها مصريان، فإذا اختلفا فلا حاجة لنا فيهما معاً، وأهم المطالب هي البدء من نقطة الصفر، أي 11 فبراير 2011، وتطهير كامل( وليس تصفية أو عنفاً أو دماء) لكل من عمل مع مبارك لأكثر من عامين.
العصيان المدني المليوني هو الذي نسترد به الثورة، وأموالنا، ونريح أرواح شهدائــِــنا، ويتحول القضاء من فساد إلى عدالة، ويختفي النائب العام، وتصبح محاكمة رموز النظام، ولو كانوا آلافاً، كمحاكمة نورمبرج الألمانية التي لم تترك نازياً واحداً إلا ووضعته خلف القضبان أولا، ثم حُكم العدالة بعدها.
أتفهم الذين يدعون لخروج مليونية قبل أن يصبح عمر سليمان رئيساً يجعل أحلام المصريين كوابيس مفزعة، لكن للأسف الشديد فشعبــُــنا ليس مستعداً قبل المثول الأبله والساذج أمام صناديق الاقتراع، خاصة الخوف من غرامة وهمية يفرضها عليه النظام.
لقد وضعتُ الفكرة في جروب يحمل اسم
( مليون فيسبوكي لاسترداد ثورة 25 يناير
http://www.facebook.com/?ref=tn_tnmn#!/groups/317018321692378/
) ولم ينضم إليه أكثر من 3700 عضو حتى هذه اللحظة، أي في أسبوعين، وتوقف العدد، ولم يهتم الأعضاء بمناقشة مطالب الثورة لأنهم منشغلون بالانتخابات والترشيحات وغيرها!
إنني أدعو القوى الوطنية الشريفة أن لا تــُــدخل ثوارَنا في مليونية تتحول إلى ألفية فاشلة، فالشعب لن ينضم قبل أن يضع الأوهام في صندوق الاقتراع الكاذب، وحينئذ يمكن استقطاب الملايين في العصيان المدني.
حينما يكتشف الشعب والثوار والإخوان المسلمون والسلفيون والأقباط والمستقلون والليبراليون والمثقفون الشرفاء أننا جميعاً تعرضنا لعملية نشل كرامة في وضح النهار، وأننا كنا مغيــَّــبين ومخدَّرين وبانجيين وقاتيين، ولعبنا مع الكبار، والكبارُ فلول، والفلول كوهينيون وكلينتيون، وأننا لم نفهم أن قوتــَــنا في ميدان التحرير إذا تركنا وراء ظهورنا، لبعض الوقت فقط، المذهبَ والعقيدة والدين والجماعة والحزب والمرشد الروحي والزعيم والهلال والصليب، فإن النصر سيكون أقرب إلينا من حبل الوريد.
المفاجأة في يوم العصيان المدني المليوني أن الله تعالى سيكون معنا في ميدان التحرير، ولو بقينا في مساجدنا وكنائسنا ومقار أحزابنا ومجلس الشعب وبيوتنا رافضين العصيان المدني لاسترداد الثورة فلن نجد الله، تعالى، معنا ولو كنا معتكفين وساجدين ومبتهلين بالدعاء.
أيها المصريون،
ميدان التحرير في مليونية العصيان المدني هو دار العبادة الوحيدة التي تعترف بها السماء.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 9 ابريل 2012

Taeralshmal@gmail.com

 

اجمالي القراءات 8725