حيرة مسلمة

يحي فوزي نشاشبي في السبت ٣١ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم  الله  الرحمن  الرحيم

حيرة  مسلمة

مهما  كانت  وجاءت  الأفكار  والآراء غريبة غير متوقعة ،  أو مفاجئة  لنا أو  شاذة حسب تقدير خفي  في  قرارة  أنفسنا ،  فإن  الواجب  هو  أن  نبذل   كل الجهود الممكنة من هدوء وبرودة  ورباطة  جأش ولين  وإنصاف  وعدم  إبخاس  الناس أشيائهم . علينا  أن  نتسلح  بهذه (العضلات ) المعنوية لمواجهة  تلك  الأفكار والآراء والتساؤلات  ومناقشتها ، والإطمئنان  في الأخير إلى ما  وقر عليه  رأينا  وارتاحت  إليه  نفسنا .

نعم، حسب  الظاهر إن  هذا  هو  الحل  والتصرف  البالغ  سن  الرشد ، لاسيما  من  طرف  المسلم البالغ  إسلامه فعلا  سن  الرشد هو الآخر.

وأما عن السبب الذي ولــّـد هذه المقدمة المتواضعة  فهو موضوعان  اثنان  وردا  في الصحافة : الأول هو عن  كتاب يحمل  عنوان :  حيرة  مسلمة ، والموضوع الثاني  هو حول  أغرب  فتوى  يتحمس إليها  مفتون  مسلمون .

ولقد ارتأيت  أن أكتفي  بالموضوع  الأول  في هذه المرة  وهو ( حيرة  مسلمة )  وهو عنوان  لكتاب  ألفته  الدكتورة  ألــفة يوسف، التي  كانت  متحلية  بشجاعة  وبجرأة غير آبهة بأي " طابوه  أو مسكوت عنه " وهي ترى أن  النص  الشرعي لم يحسم  أمور الإرث ، ونكاح اليد  والدبر،  والمهر،  وتقول  أيضا  في  كتابها:   حيرة  مسلمة ما  يلي :

01)على الرغم من أن القرآن العظيم كان صريحا ودقيقا في  موضوع  الميراث فإن فاطمة بنت محمد  رسول الله عليه  الصلاة  والتسليم  ، منعت  وحُرمت  من الميراث ،  فنشب خلاف بينها،  وبين أبي بكر الصديق الذي منعها  من حقها في  الميراث بدعوى أنه سبق له أن سمع رسول  الله  يقول " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما  تركناه صدقة "، وهو حديث نسب إلى رسول الله عليه الصلاة  والتسليم . – هذا ما  تراه  الكاتبة  ألفة  يوسف –

* وقد يعلق القارئ  الكريم  بما  مفاده : إن هذا  لغريب  حقا ما دام  الله  سبحانه  وتعالى قدر في تعليماته المنزلة تفاصيل الميراث بين عباده، وما دام  والد  فاطمة  محمد بن عبد الله  إنسانا  بشرا  يأكل  الطعام  ويمشي  في الأسواق؟

ومما قالته الدكتورة ألفة يوسف: وجدت في  كتابات الرازي قلقا من صمت  القرآن الكريم على  نصيب  الأختين انطلاقا من الآية : (( إن  امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما  ترك  وهو يرثها  إن  لم  يكن لها  ولد، فإن كانتا  اثنتين فلهما  الثلثان مما ترك )) .

فقال الرازي في هذا الباب : "  لما كان نصيب  الأختين الثلثين كانت  البنتان  أولى  بذلك  لأنهما  أقرب  إلى  الميت  من  الأختين ".

02)النكاح  في  الدبر : ولعل وجه الغرابة  أولا  وقبل  كل  شئ هو كيف سمت  هذه الكاتبة التونسية – أو غيرها - الأمر بالنكاح  في  الدبر؟ ولماذا لم  تقل  الإتيان  في  الدبر؟  هذا  إذا  وقع  الإتفاق  على  أن  النكاح  معناه  الزواج !?

وتقول  الدكتورة ألفة يوسف إن ( العلماء ) اختلفوا  في  جواز ( نكاح المرأة) في دبرها، وتقو:  استدل القائلون بجوازه  إلى قول الله تعالى : (( نساؤكم  حرث لكم  فآتوا  حرثكم أنى  شئتم ... ) . وظاهر الآية العام لا يحدد موضعا للإتيان ، لذلك  نقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية  تجويز إتيان النساء في  أدبارهن، وممن  اختار هذا  القول  مالك بن أنس والسيد  المرتضى  من  الشيعة.  وقد نفى  هذه  القراءة بعض المفسرين الآخرين ...إلخ ....  أما  عن الحجج  التي  جمعها الرازي فإنها حجج طرحت علامات  استفهام لدى الدكتورة  ألفة  يوسف .

03)تقول ألفة يوسف الدكتورة التونسية : لا نجد  في القرآن ءاية  صريحة  تحرم زواج  المرأة  بأكثر من  رجل  وذلك رغم  أن  المفسرين يستندون لبيان  اشتراك زوجين في امرأة إلى الآيتين اللتين يعدد الله تعالى  فيهما النساء  المحرمات ، ومنهن المحصنات  من النساء. - وهكذا  مما  ببدو  حقا  غريبا  في  بابه –

*وتستمر الدكتورة في عرض رأيها  وتساؤلاتها قائلة : فإذا اعتبرنا  كلمــــــــة  " المحصنات " دالة على  جميع  النساء كانت  الآية  بمعنى حرمنا  عليكم جميع النساء إلا بملك يمين أو شراء ، وكلهن ما  ملكت  أيمانكم . وهذا  التأويل  الشائع لا يحرم  بدوره  زواج  المسلمة  بأكثر  من  رجل  .

إن الآية  التي  تقـرّ  بتحريم المحصنات من النساء  باستثناء ملك اليمين قد  حيرت ابن عباس ومجاهد الذي قال : " لو أعلم أن  أحداً يعلم  تفسيرها  لضربت  إليه  أكباد الإبل ". ولكن هذه الحيرة لم تقف حجر عثرى  إزاء  المفسرين، فهم وإن لم  يجمعوا على أن الآية  السابقة تقطع  بمنع  زواج  المسلمة  بأكثر من زوج ،  فقد جزموا مع  ذلك  جميعا بهذا  المنع  باعتباره مسألة  بديهية وإن لم يوجد  نص  يثبتها.

*وتقول الكاتبة إن غرضها من هذه  الملاحظة  ليس  إثبات  إمكان  زواج  المرأة بأكثر من زوج  ولكنها تود أن تبيــّن أن ما يشرع  لهذا  الإثبات ليس نصا  قطعيا بل عرفا  سائدا  في  المجتمعات السابقة.

04)تعــدد الزوجات: تقول الكاتبة : أما  هذا  النوع  من الزواج فهو أمر جاد  وقد  وجد في التاريخ  الجاهلي  وتواصل  بعد  الإسلام، وإن  بتحديد  كي  يجعل  ما  فوق  الرابعة  كالزنى.

* وبالمناسبة يبدو أن هناك رواية نسبت إلى رسول الله ، مفادها أنه عليه  الصلاة  والتسلم يرفض أن يعدد  علي  بن  أبي طالب زوجاته ، فقالوا إن رسول الله وهو على المنبر قال : "  إن  بني  هاشم بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم  علي بن أبي طالب  فلا  آذن ،  ثم  لا  آذن ،  ثم  لا  آذن ،  إلا  أن يريد  ابن  أبي طالب أن يطلق  ابنتي  وينكح  ابنتهم،  فإنها هي  بضعة  مني  يريبني  ما  أرابها  ويؤذيني  ما  أذاها " .

05)نكــاح  الــيــد: تقول  الدكتورة ألفة يوسف : من المشروع  التساؤل عن  سبب  إدراج  الإستمناء  أو  نكاح  اليد  ضمن  فصل  خاص  بالزواج ،  ونجيب بأن الإستمناء من منظور بعض الفقهاء والمفسرين ضرورة يلتجأ  إليها  في  حال غياب  إمكان  الزواج  أو  التسرّي . فنكاح  اليد ضرب من الممارسة  الجنسية .  فهناك موقفان اثنان: الموقف الأول رافض للإستمناء ،  يعتبره  محرما ، ويستدل  أصحاب  هذا  الموقف ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله  ومن وافقه على تحريم  الإستمناء  باليد  بهذه  الآية  الكريمة :  (( ... والذين هم لفروجهم حافظون  إلا  على  أزواجهم  أو  ما  ملكت .... )) .قال فهذا  الصنيع خارج عن هذين القسمين ...  باستثناء  العلاقة  مع  الأزواج أو مع  ما  ملك  اليمين  ....    فهل  نكاح اليد أو اعتماده أي  أداة أخرى لاستجلاب  المتعة  الجنسية  نظير للإنسان  الموضوع  الجنسية الشائع ؟ وبعبارة  أخرى  تقول  الكاتبة : هل نتصور أن  يُطلب من شخص حفظ  فرجه  على  جميع  النساء  باستثناء  زوجاته  وجواريه  وأن  يفيد  هذا  الطلب  دعوة  له إلى  حفظ  فرجه  على  يــده  وعلى  أية  أداة  قد تمتعــه ؟

*وهنا تتكرم الكاتبة  إلى  إيراد  تعليق  يمكن  اعتباره  استراحة  مرحة  للتخفيف من هذا البحث الجاد الحرج أو المباشر والمحدق  فينا،  حيث  روت  أن الشيخ  كشك  يستهزئ  بهذا  التفسير  ويذهب  إلى  القول :  " إذا  كان  قد  أبيح  لنــــا (نكاح  ما  ملكت  اليمين )  لماذا   لا  ننــكح   اليمين  ذاتها ؟؟؟.

* وأما  عن  آخر  تعليق  أو  تساؤل  يوجه  إلى  الكاتبة  ألفة  يوسف  فهو  ما رأيها  في  ذلك  السؤال  الذي  ووجه  به  رسول الله  حول  المحيض ؟  ذلك  السؤال  الذي تولى  الله العظيم  نفسه  الإجابة  عليه  حيث  أمر  باعتزال  النساء  في  المحيض لأنه  أذى  ، ولم  يزد  شيئا  فوق  ذلك  في  أمره  له  علاقة  بالصلاة  أو  الصوم ؟  نعم  ماذا  يكون  ردها  الدكتورة  ؟ اللهم  إلا  إذا  كانت  تطرقت  إليه  في  بحر  ما  جاء  في  مؤلفها  وضمن  ما  حيرها ؟

 

  • ولعل  التأمل  في  بعض  آيات  قرآنية  وفي  بعض  أقوال  قائلين  وآراء  مفكرين ، نعم  لعل  ذلك  يساعد  وبكل  يسر  في  تأمل  ما  تراه  المؤلفة  التونسية  ؟   وهو  ما  يلي -  أما  عن  الموضوع  الثاني  الذي  لا  يقل  شجاعة  وتحديقا  فينا   فأرجو  أن  أتمكن  من  نشره  لاحقا  على  أمل  أنه  يفيد:

                                                                                                    

        ((  أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا  فإن  الله  يضلّ  من يشاء  ويهدي  من يشاء  فلا  تذهب  نفسُك  عليهم  حسرات  إن  الله عليم  بما  يصنعون )).فاطر – 8.   

         (( فلعلك  باخع  نفسك  على آثارهم  إن  لم  يؤمنوا  بهذا  الحديث  أسفا ))

الكهف رقم 6.

         ((  لعلك  باخع  نفسك  ألا يكونوا  مؤمنين )) – الشعراء  رقم 3.

(( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا  أفأنت تكره الناس  حتى  يكونوا مؤمنين )).يونس – رقم 99

 

ومن  أقوال  مفكرين

         25)  ...  ولست أرى  فضيلة  في  أي  إنسان  أروع  من أن يشك  في أن دينه ، أو مذهبه ، أو وطنه ، أو  رأيه ،  أو  موقفه ،  أفضل  أو  اصدق من دين عدوه ، أو  من مذهبه ، أو من رأيه ،  أو  من موقفه .

 

       15)  إنه مباح  لك وعدل أن تدين بآرائك  مهما كانت سخيفة وغير معقولة، ولكن عليك أن تفعل ذلك مبتدئا من حدودك منتهيا عندها، لأنك لست كل العالم ، ولأن في الفضاء  الذي تتحرك فيه آخرين يريدون أن يتحركوا فيه أيضا مثلما تريد  أنت ، ويريدون أن يعيشوا الجنون والحماقات التي تعيش أنت مثلها .

 

        01) ليس الإلف تكيفا نفسيا أو حالة  نفسية  فقط ،  بل  هو تكيف عصبي أو حالة عصبية كذلك. إنه تكيف  يرتبط  بالجهاز العصبي . إن إيماننا  بالمذهب  لا يساوي أكثر من ارتباط  جهازنا العصبي به ، ونحن  نتعصب  له -  أي  للمذهب – غضبا  يساوي  حالتنا  العصبية المتعاملة  معه .

 

        02)  ... فالتلاؤم  ليس  شرا أو خطأ خالصا، بل إنه مفيد أو ضرورة. ولولا طبيعة  التلاؤم  في الأشياء  أو قانون التلاؤم  فيها ، لما أمكن أن يستقر الإنسان ولا سواه في وضع من الأوضاع ، ولا أن يراه شيئا طيبا أو يرتاح  إليــه . فقانون التلاؤم سخيف وضار ومعوق، ولكنه مع  ذلك حاجة أو ضرورة ، إنه مفيد بقدر ما هو ضار، واحتياج بقدر ما هو ضد الإحتياج .

 

        03)  إن الذي يؤمن أكثر هو إنسان يتعصب  ضد الإنسان ويعاديه أكثر.

        إن الناس يتعصبون لمذاهبهم ومعتقداتهم ونظمهم  بقدر ما يكرهون الآخرين ويعادونهم، أو لأنهم يكرهون الآخرين ويعادونهم، ولا يتعصبون لها لأنهم يحترمونها، أو بقدر ما يحترمونها.

 

04) إذا كنت لا تستطيع أن تفكر كما ترى، أو أن ترى كما تجد، أو أن تقول

كما تفكر، فإما أن تصمت عن الكلام والرؤية والتفكير، وإما أن تقول ما لا تفكـــر، وتفكر ما لا ترى ، وترى ما  لا  تجد.

         إذا كنت ترى وتسمع وتتألم وتتلذذ فأنت حتما تقبل وترفض وتتلاءم وتتنافر، وإذا كنت كذلك فأنت حتما تفكر، أنت حتماً  تفكر ولو ضد التفكير، فكل الناس يفكرون ، ولكن أكثرهم  يفكرون  ضد التفكير. إذا كنت تحيا  فأنت  حتماً تفكر ولو لمقاومة التفكير .

       05) إن الذين لا يفكرون هم أشد عقما من الذين لا يلدون .

       06) إن الحاجة إلى التفكير إذا لم تتحول إلى تفكير تصبح شيئا رديئاً  ومدمراً.

 

       07) إن البشر جميعا لا يخافون حرية الأرض، حريتها في أن تعطي كــــــل احتمالاتها ، مثلما يخافون حرية الإنسان، حرية عقله واحتجاجه بأن يعطي كل احتمالاته.

 

        08) كيف تكون الأشياء كلها حلالاً ويكون الإنسان كله أو بعضه حراماً ؟ كيف نجرّب الصخور ويؤذن لنا بأن نجربها بكل حرية ،  ثم لا نجرؤ على تجربة ذواتنا  ولا يسمح  لنا  بتجربتها  بمثل هذه الحرية ؟

 

        10)  إذا كان ذنبا أو عارا أن نصمت عن قول ما نعتقد ونريد ونحترم، فماذا يمكن أن يكون إجماعنا على أن نقول ما لا  نعتقد أو نحترم أو نريد  ولو في بعض الأوقات في بعض المواقف والآراء ؟

 

       11)  ...  فليست الكثرة دائما شقاء وخسراناً، ولا  القلة دائما سعادة أو ربحاً أو رخاء.

 

        12)  إن مصادرة حرية التنفس ليست أكثر ظلما أو بلادة من مصادرة  حرية  الإختلاف  الفكري  أو العاطفي .

 

       13)  إن هذه الأفكار التي تعدّ  اليوم  جديدة  وتطارد  لأنها جديدة  ستصير مع الأيام  قديمة ،  يعدّ مخالفوها زنادقة ومنبوذين ، وتحارب باسمها  الأفكار  التي سوف تكون أكثر منها  جدة .

 

       14)  إنك لن ترى منظرا ساخرا ومهينا أبلغ من أن ترى رجلين أو  طائفتين مختلفتين على المذهب أو العقيدة أو النظام ، تدخلان في حوار حاد، هذه الطائفة ترى أنها هي الحق كل الحق ، وأن المخالفة لها هي الباطل  كل الباطل ،  ثم  تدعي الطائفة الأخرى نفس الدعوى !إن الرجلين أو الطائفتين لتستحقان كل الرثاء  بدل  الغضب  أو  الكره.

       16) هل يمكن ألا يفكر الناس، وإذا فكروا فهل يمكن ألا يختلفوا فــي تفكيرهم ؟ إنه محتوم أن يفكروا ،  إذن هو محتوم أن يختلفوا .

       17)  كيف لا يخجل أي إنسان من سذاجته حينما يرى الله في مرآته أجمل مما يراه في مرائي الآخرين

       18) هل أنت تكره من خالفك لأنك تحبه وتريد له الخير والصدق ؟  هل أنت طيب إلى هذا المدى ؟ أم أنت تكرهه لأنك  أناني  مستبد ، ولأن فيك وحشاً  يحتاج إلى هذه الكراهة ، بل لأن فيك إنسانا يقتات بهذه الكراهة ؟  هل نكره من نحب لأننا نحبهم  جداً  ؟ إن  المؤمنين  الذين  يكرهون غير المؤمنين يزعمون أنهم يكرهونهم لأنهم يحبونهم !

        19) هل كفر الكافر وخلاف المخالف يوقفان جريان الأنهار أو اخضرار الحقول أو إزهار الأزهار أو تورد  الخدود الفتية أو رغبة الرجل في المرأة ، أو رغبة  المرأة  في  الرجل  أو قدرتهم  وقدرتهن على إعطاء  الأبناء  والبنات  

        20) ... وكما أنك لا  تستطيع أن ترى الشمس وأن تعشقها أكثر مما  يراها ويعشقها جيرانك المخالفون لك في الدين أو المذهب أو الشعارات، كذلك لا  تستطيع أن ترى أكثر أو أفضل منهم الصواب والذكاء الموجودين في نظامها  الذي قد تظن أنه – أي نظام الشمس -  ليس إلا هتافا وشهادة  لمذهبك أو نظامك

        26) والمزيد من الشك يجب أن يعني المزيد من التسامح والحب  والإعتذار عن الناس، وهذا هو الذي يعنيه ويصنعه الشك الفكري والمذهبي ، أو هذا هو الذي يفترضه ويدعو إليه الشك الفكري والمذهبي، أو الشك ضد النفس دفاعا عن الآخرين،  أو ضد  المذاهب والعقائد  دفاعا عن النفس وعن الآخرين.

        إن الشك بحث عن أسباب التسامح والحب والاعتذار عن الآخرين .

        إنه بحث عن أسباب  العدل.

        إنه بحث عن الأسباب  المسقطة  أو المضعفة للتعصب والبغضاء.

        إنه بحث عن مرآة  متدينة يرى بها الناس وجوههم ، ومذاهبهم ، وتاريخهم ومزايا  آبائهم بالحنان والحب اللذين يرون بهما  وجوه مخالفيهم ، ومذاهبهم ، وتاريخهم ، ومزايا  آبائهم .

        أو يرون بها دمامات وجوههم بالقسوة التي يرون بها دمامات وجوه  الآخرين !

        26) إن الذي  يرفع  صوته  بغضب  بالغ  مجهد ، يجادلنا أو يعظنا  مثل نبي قادم  من جبل المناجاة ، وفي فمه وأعصابه  كل توتر النبوة  وغضبها ،  إنما هو إنسان بائس هارب من عذابه ، من حرائقه  الذاتية ، يبحث في الهرب إلينا  عن النجاة لنفسه  ، لا عن الجنة  لنا. 

        27) وإنه لو تحولت كل عداوة وحقد وخبث  في النفس  الإنسانية إلى  سلاح لأصبحت نفوس كثيرة  من أكبر المصانع  المنتجة  للأسلحة ، ولاستطاعت نفس ثائر واحد  أو زعيم  واحد  أن تنتج من الأسلحة  ما يكفي لقتل جميع البشر. 

        28) أفضل أحزاني ورثائي لذلك التقي الفاسق، الجائع المحروم ، لذلك القديس الذي يمشي في موكب من التقى تخشع له النجوم ، يمشي وقد  كسر طرفه في غمد التقوى والتقية  دون أن يستطيع النظر إلى جمال  الزهرة  أو طلعة  القمر خوفا  من أن يعده الله – بذلك – مشغولا عن النظر إليه بالنظر إلى ما سواه ،  أو أن  يكون  بذلك  قد خرق العفاف  والنظافة ، أو فعل ما ينكره المذهب أو النظام الذي  يؤمن  به .

        هل يمكن أن تنطلق أعمالنا القوية المنتصرة إلا عن نفوس فيها صفاء ، واتزان ، وحب ، وتوافق ، وسلام مع الخارج  ومع ذاتها ؟ 

        31) إن استيراد الحضارة  أو استهلاكها  ليس حضارة،  بل  الحضارة طاقة إنسانية  تتفاعل  مع الظروف والاحتياجات لتصبح خُـلقاً  من أخلاق مبدعيها .

        إن الحضارة  ولادة  وليست تبنيا ، إنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية  

        32) إن الطريق  إلى التقدم والرخاء هو أن نكون متحضرين في  مستوياتنا النفسية والأخلاقية والفكرية والفنية، لا أن نكون مستوردين ما يصنعه المتحضرون. 

        33) ... لماذا لا نناضل لنتساوى حضاريا مع هؤلاء الذين نعيش على حضارتهم ؟   كيف لا نصاب بالذهول من هول الفرق؟

        لماذا لا نقاتل أو نضج ونصيح لنتحضر كما نقاتل ونضج ونصيح لننال استقلالنا السياسي ؟

        لماذا لا نحاول أن نسرق أو نغتصب موهبة الابتكار ؟

        كيف نصرّ على الظفر بالمساواة سياسيا مع أرقى المتحضرين ، ولا نصر  على المساواة  بهم  في  القدرة على ابتكار الحضارة وتصديرها إلى الآخرين ؟

        كيف نطالب العالم بأن نتساوى سياسيا، ولا نطالبه بأن نتساوى قدرة حضارية  

        34) إن الهمجية بلا وسائل حضارية قد تكون محتملة ، أما  الهمجية بوسائل حضارية فهذا  هو  الهول.

        35) إن الاستعمار لا يمكن أن يفسر به  التخلف أو العيوب،  وإنما يفسر هو بالعيوب والتخلف ،  إنه نتيجة  لتخلف وعيوب سابقة  لا  خالق  لها .

        37) إن استقلال كثير من الشعوب الذي حققته لها الظروف الجديدة الملائمة قد أصبح افتضاحاً وهجاء  لها ، أي إن الاستقلال الذي نالته أخيرا كثير من الشعوب قد تحوّل إلى أقوى هجاء  وافتضاح لهذه الشعوب ، لأنه قد  ألقى  بها تحت التجربة  التي  كشفت  فيها عن خزائن ومخابئ  هائلة  من  الضعف  والغباء  والطغيان .

        40)  إن التعليم  يجب  أن يكون حركة لا  معرفة ، شكا  لا  يقينا ،  سؤالا لا اقتناعاً. والخطر على المتعلمين ومن المتعلمين أنهم  يتحددون ويصبحون حقيقة لا  احتمالا ، ويتحولون إلى قراءة  لا إلى  تجربة أو تفكير ، ويجدون فيما يتعلمون أجوبة  مسكتة لكل تساؤلات الحياة  فيهم ، فيملؤون كل فراغ فيهم  ملأً  كاذبا ، ويسكتون احتجاجات التناقض بينهم وبين الطبيعة والناس والأشياء والمذاهب والمعتقدات ، ويميتون أشواقهم  

        41) إن العلم  خَـلق ،  فإذا  لم يصبح  التعليم  أو  المتعلم  خالقا  فما  الذي  أعطاه  التعليم  وما  الذي  ربحه  المتعلمون ؟

        إن التعليم بلا  خَـلق ضرب من التلقيح الميت ، ومن الملء  للفراغ الذي كان من الممكن أن يمتلئ  بمعنى من معاني  الحياة، فامتلأ  بمعنى من معاني الموت .

 

        إن طبيعة التلقي طبيعة  اتكالية ، والمتعلمون – في الغالب – متوكلون أي متلقون، إنهم مقابر توضع  فيها جثث  قديمة، وإذا أصبح  التعليم  توكلا أصبح نوعا من الاعتقادات  الكبرى التي تجمد  مواهب  الحياة واحتمالاتها ، وتدافع عن المذاهب والآلام التاريخية  التي قاسى منها الإنسان كل  العذاب  والجهل  والهوان.

        43) إن بضعة علماء  مغيرين  للحياة ، وواهبين  لها شيئا  جديدا  لأفضل  من جميع المعاهد والجامعات التي  تعد  لتعطي  أفواجا  هائلة متلاحقة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيرا دون أن يعرفوا  أن الكلام  لا  يساوي دائما  الفهم والذكاء –

 إن  الكلام  الكثير لا يساوي دائما  الفهم  أو  الذكاء  الكثير ،  وإن الكلام  بلغة  العلماء  لا  يساوي  العلم  دائما

        44) ...  والذين يعلمون ثم  لا يخلقون ،  أو  يرفضون ، أو يتغيرون ، ليسوا أفضل من الذين يتعلمون ثم لا  يعلمون.

        وما أسوأ الحمل الذي لا  ينتهي بولادة، وأسوأ  الولادة  التي  لا  تنتهي بحياة فيها صحة وجمال  وذكاء وظروف  اجتماعية  وإنسانية  جيدة ، وما أسوأ التعليم  الذي  لا  يكون فيه  علم ،  وأسوأ  العلم  الذي  لا  يكون فيه  خَـلق وتغيير ورفض وتجاوز.

        والمعرفة التي لا  تتحول  إلى  كينونة  أفضل، هي  نوع من الجوع  الأليم ، ومن النظر بلا  رؤية ،  ومن الرؤية  بلا  مشهد .

        45)  .. قد نتعلم  لنكون أكثر جهلا ،  وقد  نعلم  لنكون أكثر عجزاً.

        46) كان الإنسان  كينونة فقط  دون أن يريد أو يعرف ، حتى معرفته  لقد حدثت بدون معرفته .

        47) ... ولهذا فإن ما يتعلمون لا يغيرهم أو يرتفع بهم إنسانيا لأنهم لا يعيشونه وإنما يمرّ من  خلالهم  كما  تمرّ الأشياء السائلة  من  خلال  الأنابيب .

        إن الحضارة  تهاجم جهازهم  العصبي وتبهر أبصارهم وترفع أصواتهم  فقط .

        48) أن يتعلم البشر البلادة والعبودية والجهل شئ  فظيع ،  وألا  يتعلموا شيئا هل  يمكن أن  يكون شيئا  غير فظيع  ؟

        49)  إن القوة  هي  أن  نعيش  في  الآخرين ،  أما  الضعف  فهو  أن  نفنى  فيهم .

 

        50) ...  والخوف  من التفكير قد  يكون  مريحا  ،  كالإقتناع  بالتفكير.

اجمالي القراءات 15521