هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً
جيولوجيا الوادي وواحاته..

محمد عبدالرحمن محمد في الأربعاء ٢٨ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  يقول تعالى :

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }الملك15         

 كيف تكونت السهول بالوادي الجديد  وكيف تكونت الكثبان الرملية  وكيف  تكونت الغرود الرملية هذا ما يناقشه هذا المقال  ويناقش طبقات منخفضات الواحات الداخلة والخارجة. والفرافرة..

  الجيولوجيا:

  تمثل المنطقة بين( أبو منقار) وهو بئر مياة وواحة صغيرة  بينها وبين واحة "الفرافرة" ومنطقة الداخلة حتى وادي البطيخ شرقاً وحدة جيولوجية واحدة ،لها من خصائص الطبقات ما يختلف عن خصائص المنطقة التي تقع شرق وادي البطيخ.

 ويشكل القطاع الجيولوجي التالي التتابع الطبقي في هذه المنطقة التي تمتد بحوالي 250 كيلو متر.

التكوين النوبي :

 تمثل الصخور الرملية النوبية الجزء السفلي من القطاع وهذه عبارة عن طبقات من الحجر الرملي دقيقي الحبيبات إلى حبيبات كبيرة نوعاً ما. كما تتميز بوجود الطبقات الكاذبة ـ

الحجر الرملي متعدد الألوان بين الرمادي الفاتح إلى البني الغامق وحتى الأسود به نسبة قليلة من أكاسيد الحديد وبعض الطبقات من حصى الكوارتز وأخرى من الرمال المتماسكة الصلدة.

كما أن طبقات الكورتزايت الشديد الصلابة  تتبادل مع طبقات غير متماسكة مع طبقات الحجر الرملي ، وتزداد نسبة الطبقات كلما اتجهنا إلى أعلى حتى ينضج التكوين .. ممثلا بطفلة حمراء وطفلة رملية متعددة الألوان بها طبقات قليلة السمك من الأحجار الرملية ، يصل هذا التكوين المعروف باسم الحجر الرملي النوبي إلى 150 متراً فوق سطح الأرض، بينما يمتد القطاع لعدة مئات من الأمتار تحت السطح.

 كما أثبتت تجارب الحفر عن المياه، وإن كان القطاع الرملي تحت السطح لاينتمي إلى تكوين الأحجار الرملية النوبية بل هو أقدم منه عمراً.

  يعرف عُمْر التكوين النوبي إلى تكوين السينونيان (89 إلى 80 مليون سنة).

  ومن الناحية الهيدروجيولوجية:  فإن التكوين النوبي وما يوجد تحته من أحجار رملية يتعبر قطاعاً واحداً حاملاً للمياة ــ يصل سمكه في الواحات الداخلة لأكثر من ألف متر وإن كان يقل في الواحات الخارجة بحيث لا يزيد عن 600متر.

  تكوين صفوي:

هو عبارة عن الطبقات الحاملة للفوسفات وهذا الاسم  نسبة إلى جبل صفوي بالقرب من القصير على ساحل البحر الأحمر). يتراوح سمك هذا التكوين بالداخلة إلى ما بين 8 إلى 50 متراً ويتكون من عدة طبقات من الفوسفات متبادلة مع صخور طفلية  وأخرى جيرية.

التكوين الصفوي ملئ بالحفريات البحرية والتي حددت عمر التكوين بين الكامبانيان والمستريخي الأسفل (80 إلى 68 مليون سنة)!.

  وفوسفات الداخلة تحت المتوسط من الناحية الاقتصادية حيث تصل نسبة ثلاثي فوسفات الكالسيوم إلى 50%  في الخام. وهذه نسبة حقيقية .. وحيث أن الفوسفات الجيد في السوق العالمي تصل نسبة ثلاثي فوسفات الكاسيوم فيه إلى أكثر من 70% كما أن قلة سمك الطبقات بالداخلة ــ أقل من المتر  للطبقة الواحدة، والبعد عن وسائل النقل كلها عوائق تقلل من قيمة الخام.)

كيف يمكن استغلاله بشكل أفضل.!؟؟

  طفلة الداخلة:

وتوجد طفلة الداخلة أعلى تكوين صفوي وطفلى الداخلة عبارة عن طبقات من الطفلة عديدة الألوان مع تداخلات من الطبقات الطينية والجيرية ـ بها كثير من الحفريات البحرية التي حددت عمر هذا القطاع بالمستريخي) 68 إلى 65 مليون سنة يصل سمك تكوين طفلة  صفوي في الداخلة إلى حوالي 200 متر  وإن كان يقل شرقاً ناحية تنيدة إلى أقل من 100 متر .

   وإلى الشرق من درب الطويل يتميز تكوين الداخلة بوجود طبقات من حجر جيري  ملئ بالحفريات تدل على بيئة شاطئية ضحلة بالمقارنة بطبقات الطفلة التي توجد أسفله التي تدل على بيئة بحرية عميقة.

يصل سمك هذه الطبقات الجيرية إلى  40 متراً وتزداد في السمك  كلما اتجهنا شرقاً.  وتعرف هذه الطبقات باسن تكوين (كركر)  ـ جنوب غرب السودان.

 ويُكَوِن قمة حائط الواحات الداخلة طبقة جيرية بيضاء اللون قليلة التماسك إلى شديدة الصلابة. يصل سمكها إلى حوالي ستين متراًٍ أو اكثر كلما اتجهنا شمالاً  داخل الهضبة.

والحفريات بهذه الطبقة جيرية تدل على أن عمرها الجيولوجي  هو (الباليوسين الأسفل. 65 إلى 61 مليون سنة) وتعرف هذه الطبقات باسم تكوين( الطراواون) نسبة إلى جبل طراوان بالواحات الخارجة.

 وإلى الغرب من وادي البطيخ يزداد سمك تكوين كركر إلى أكثر من 100 متر  يعلوه طبقات جيرية أخرى تعرف باسم تكوين (الغرة)  إلى نسبة إلى جبل الغرة غرب أسوان) والذي يتراوح سمكه بين 50 متراً إلى 120 متراً . ويصل عمره طبقاً لما هو موجود به من حفريات إلى الباليوسين الأعلى وربما الأسفل (61 إلى 49 مليون سنة).!

  ويستمر القطاع بهذ الصورة حتى المداخل الغربية للواحات الخارجة حيث يظهر اختلاف للترتيب الطبقي للقطاع الجيولوجي بما يجعله يقترب من سحنة قطاع وادي النيل. ففي الواحات الخارجة من (بولاق) جنوباً وحتى (عين عامور) ـ غربي الواحات الخارجة يتميز التكوين الجيولوجي  بوجود طبقات من التكوين الرملي النوبي أسفله تعلوه طبقات فوسفاتية  وطفلة) (تكوين صفوي) تعلوها طبقات من الطفلة والطين (تكوين الداخلة) .

وتعتبر هذه التكوينات الثلاث امتداداً لنفس التكوينات  الموجودة غرباً على طول امتداد الهضبة من الداخلة غرباً حتى الخارجة شرقاً.

   وفي قطاع (بولاق ــ عين عامور )  مروراً بمدينة الخارجة  توجد صخور تكوين طراوان الطباشيرية فوق تكوين الداخلة  ــ يعلوها حوالي 50 متراً طفلة من تكوين (اسنا)  ثم احجار طيبة الجيرية (تكوين طيبة). بسمك يصل إلى 60 متراً ، ويرجع عمر هذا التكوين الأخير إلى (الأبيسين الأسفل)  من 54 إلى49 مليون سنة.

بينما  ينتمي تكوين طفلة إسنا إلى الباليوسين الأعلى  والأيوسين الأسفل  61 إلى 49 مليون سنة  ويرجع عمر تكوين الطراوان إلى الباليوسين الأسفل 65 إلى 61 مليون عام. بينما يمكن اعتبار تكوينات الداخلة وصفوي والنوبي إلى نفس أعمارها التي عليها هذه التكوينات في المناطق الغربية بالواحات الداخلة.

  ومن جنوبي بولاق وحتى مشارف درب الأربعين وحتى داخل منطقة الدرب تعدو سحنة القطاع الجيولوجي  إلى سحنة ما هو موجود في شرق الوحات الداخلة:

أي توجد طبقات كركر أعلى تكوين الداخلة يليها إلى إلى أعلى تكوينات (الغرة) ثم دنجل والأخير يتميز بطبقات متبادلة من الحجر الجيري والطفلة ويرجع عمر تكوين دنجل إلى الأيوسين الأسفل.

وهذا القطاع الجيولوجي (دنجل) يميز حوائط المنخفضين بالداخلة والخارجةةكذا هضاب الواحتين  التي تمتد حتى وادي النيل شرقاً  وبحر الرمال العظم غرباً وواحة الفرافرة شمالاً أو مشارف منخفض الواحات البحرية.

  مسطحات البلايا:

   توجد في أرضيات الواحات الداخلة والخارجة عدة تكوينات جيولوجية تنتمي إلى الحقب الرابع في الزمن الجيولوجي (حوالي 2مليون سنة) وأهم هذه التكوينات هى:

مسطحات البلايا((Playa: وهى سهول منبسطة مغطاة بطبقة طينية تجعلها خصبة في عملية استصلاح الأراضي.

وتقع الزراعات الموجودة بالواحتين داخل  مثل هذه النوعية من الأراضي، وتكونت البلايا  نتيجة لتعرية وتآكل الصخور الجيرية والطفلية الموجودة بالهضاب وحوائط الواحاتين وترسيبهما في في أرضيات الواحتين.

وقد تم نقل هذه التربة بواسطة الأمطار الكثيرة التي شكلت مجاري مائية ذات تصريف داخلي أي ىتصرف مياهها في البحر او النهر ــ النيل ــ وعندما توقفت المجاري عن الجريان نظرا لعدم هطول الأمطار توقفت المياة داخل المنخفضات ورسبت ما تحمله من فتات صخري، وأهم المواقع التي تنتشر فيها مثل هذه التربة هى مناطق : (الزيات)  بين الواحتين الخارجة والداخلة، وكذلك (غرب الموهوب)  وغربي مدينة الخارجة وجنوبها وجميع المناطق المزروعة بأرضية منخفضي الواحات الداخلة والخارجة.

تنتشر بالمنخفضين كذلك بعض التلال ذات الألوان المتعددة وهى ناتجة عن آبار قديمة كانت تفيض مياهها ثم جفت مع مرور الزمن وكما قال الله تعالى  (قل أرأيتم إن جعل الله ماءكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) .. وأخرجت الأرض مع المياة بعض أملاح الحديد والمنجنيز التي أعطت للرمال المحيطة بالآبار القديمة هذه الألوان الكثيرة  من حمراء إلى صفراء إلى بنية وتنتشر هذه الآبار الجافة في مناطق  ــ بلاط ، موط ، بولاق، جرمشين دوسن ــ وفي هذه الآبار الجافة وجدت آثار بَلْطَات  وسكاكين حجرية يرجع تاريخها إلى حوالي 120 ألف سنة ــ صنعها الانسان الحجري القديم منذ العصور الأشولية.

  وتنتشر آثار الانسان القديم داخل منخفضي الواحات الداخلة والخارجة فيما بين الأشولي والنيوليثي  حوالي 10 آلاف سنة كما يقول علماء الأنثروبيولوجيا وعلماء الآثار. وبقايا الانسان النيوليثي تنتشر بكثرة في الواحات الخارجة وتقل في الواحات الداخلة وإن كان عثر على بعض أدواته الحجرية شرقي تنيدة.

    ونتيجة لكثرة الأمطار خلال الحقب الرابع أي عصري (البلايستوسين  والحديث) أي حوالي مليوني سنة تكونت في مواضع كثيرة على الهضاب صخور (القوفا) والتي تنتشر بكثرة فوق هضاب الواحات الخارجة الشرقية والجنوبية وبخاصة في مناطق نقب أسيوط وبولاق .

 كيفية تخلقت الكثبان الرملية؟:

ولكثرة تدفق المياة من الآبار واستعمال الرب الغائر تكونت ملاحات داخل أرضيات المنخفضين تنتشر في مناطق  ــ موط ،بولاق، وجرمشين،  ومدينة الخارجة نفسها ــ ومع ازدياد الجفاف وقلة الأمطار وانعدامها تقريباً في العصر الحديث (مليون سنة مضت)  نشطت الرياح وكونت كثيراً من الكثبان الرملية عن طريق نقل (فتات الصخور الرملية) غالباً وصخور أخرى سواء كانت جيرية أو طفلية)

ويترسب فتات الصخور الرملية والصخور الجيرية والطفلية أمام أي عائق يعوق حركة الرياح  سواء أكان تلاً  صغيراً او مجموعة أشجار. حتى أن تراكم الرمال حول بعض الجمال النافقة قد يؤدي إلى تكوين غرد رملي ( Sand dune) .

الفوالق والطيات الجيولوجية:

والله تعالى يقول ( قل أعوذ برب الفلق) ويقول (فالق الاصباح جعل الليل سكنا) ويقول إن الله فالق الحب والنوى) مع هذه الآيات ومع التوصيف وفهم التراكيب الجيولوجية لطبيعة أرض المنخفضين للواحات الداخلة والخارجة نفهم الاعجاز اللفظي في الآيات السابقة  ونفهم معنى قوله تعالى (قل أعوذ برب الفلق). فنجد أنه:

  تقل  التراكيب الجيولوجية من الفوالق والطيات بالواحتين الداخلة والخارجة. فالطبقات تكاد تكون أفقية ذات ميول بسيطة ناحية الشمال بما لايزيد عن درجة أو إثنين. وأهم الفوالق بالمنطقة هو:

 فالق الخارجة الشهير :

الذي يمتد بطول الواحات الخارجة ..!! والله تعالى يقول ( والأرض ذات الصدع) كما أن هناك فوالق صغيرة غيره في منطقتي ــ قرن جناح ، وعين أم الدبادب ــ ثم فوالق صغيرة أخرى ــ بالواحات الداخلة.بدرب الطويل،ومنطقة  القصر ــ 

  والطيات : ((Folds:

 أكثر تواجداً من الفوالق في الواحتين فتتابع الطيات على امتداد  الواحات الداخلة من أقصاها الغربي إلى أقصاها الشرقي وتمتد حتى غرب مدينة الخارجة . فتتابع الطيات المقعرة والمحدبة على طول هذا الامتداد الصخم وإن كانت الطيات عريضة ضعيفة الميول حتى لا تكاد تُلْحَظ بالعين المجردة وتحتاج إلى عمل خرائط كُنْتُورية لمعرفتها.

 في المقال القادم نناقش موارد  المياة الجوفية بالوادي الجديد.

                             

اجمالي القراءات 31304