[ الحقيقة هي التي حدثت ، و ليست تلك التي نبحث عنها ] [ آرسطو ]
بحثا عن محمد في القرآن [ 24 ]

امارير امارير في الثلاثاء ٢٧ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

[ الحقيقة هي التي حدثت ، و ليست تلك التي نبحث عنها ] [ آرسطو ]

]إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران 19 ، الله غير مقيّد بالمكان و الزمان ، الدين عند الله هو الإسلام ، و الإسلام ليس حالةً أو مرحلة زمنيّةً بدأت بعد نزول الوحي على الرسول الكريم [ محمّد ] عليه صلاة الله، الإسلام هو المبادئ العامة التي أتت بها [ الفطرة ] و حاولت الكتب السماويّة السابقة تهذيبها و تأطيرها ، الإسلام هو القيم العامة على امتداد المكان و الزمان ، و القرآن هو المنهج النهائي لتنظيم هذه المبادئ : ]قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل 44 ، ]وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس84  ،  ]وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس 90 ، ]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ُ [الحج 78 ، لكن الذي حدث هو أن خرج المنهج خارج نص [ الوحي ] ، و خُلِقَتْ نصوص [ وحيٍّ ] بديلةٍ ومتوازيةٍ مع النص القرآني لا تلتقي و إياه مطلقاً ، أدّت الى [ هجر ] النّص الى ما هو [ ظلٌّ ] له : ]وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان 30 ، فالقرآن الكريم نصٌّ [ مُقفل ] ، بينما نصوص الأحاديث المنسوبة للرسول كما هو حال نصوص التاريخ و السيرة هي نصوصٌ [ مفتوحةٌ ] و [ مباحةٌ ] تقبل الزيادة والنقصان ، [ الوحي ] هو : الإشارة ، الإلهام و الكلام الخفي ، طريقة تبليغ الكتب السماوية للرسل في مجملهم ، و الوحي هو [ القرآن ] ، داخل النّص القرآني يحمل أكثر من مسمّى ، فهو [ القرآن ] : ]وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ [الأنعام 19  ، و هو  [ الحديث ] : ]اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً [الزمر23 ، و بناءً عليه يكون [ لهو الحديث ] و الذي يرد في النّص هو كتب [ التفسير ] بالدرجة الأولى و نصوص [ الأحاديث ] بدرجةٍ ثانيةٍ ، بعيداً عن هالة الغموض و التفسير السطحي لمعنى الآية : ]وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [  لقمان 6 ، بمعنى أن أي دائرة حديثٍ خارج الدائرة الأولى [ التفسير / أحاديث الرسول / الأثر السلفي ] ، هي لهوٌ لا يستند على دائرة  العلم [ القرآن ] بل يستند على دائرة [ الظنّ ] التي تبتعد كثيراً عن فهم النص و تفعيله مع واقع الناس ، هذه الحقيقة التي يفرضها كون [ المتشابه ] يساوي أضعاف [ المُحكَم ] ، بما يفيد تفاعل النّص مع المتغيّر ، و هو [ الكتاب ] و [ الحكمة ] : ]رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة 151 ، و الواو هنا لا تفيد الكثرة بل تفيد التكرار : ]وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة 231 ، و قوله : ]وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [آل عمران 48 ، حيث أن [ الكتاب ] هو [ الحكمة ] لا شيء آخر و منها قوله تعالى : ]فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً [النساء 54 ، وقوله : ]إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [المائدة 110 ، حيث ترد [ الحكمة ] دائما مرافقة [ للكتاب ] ، دلالة كونهما شيئاً متّصلاً ، و يرد ذكر [ الكتاب ] منفرداً أحياناً بمعنى [ القرآن ] : ]وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [فاطر 31 ، كما ترد [ الحكمة ] أيضاً منفردةً بذات المعنى : ]ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً [الإسراء 39 ، و هو [ الّذكر ] : ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل 43 ، و هو أيضاً [ السنّة ] : ]سُنَّةَاللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبلُ [الأحزاب 62 ، و هذا الإسم الأخير هو الباب الذي فتحه الفقهاء و أنتحله أهل السير امام النصوص تتقاذف من كل جانبٍ و من كلّ حدبٍ و صوب ، تزاحم [ النّص ] ، و تشاركه [ القداسة ] ، بحجّة كون السنّة وحياً ، و هو في واقع الأمّر حسب منطق الفقهاء أنفسهم وحيٌ [ مشكوكٌ في امره ] ، فالأحاديث المنسوبة للرسول تتراجع و تتقدّم ، تُخترع و تُحذف ، يتم تصنيفها موضوعةً وضعها الواضعون لتمرير أجندة انتهى عصرها ، لأجل تمرير أجندة أخرى حسب متطلّبات المرحلة و الأيديولوجيا التي يعلنها ، يتبنّاها أو تُفرض على الفقيه ، لكن على جانبٍ آخر القول بأن السنّة و حيٌ أمرٌ صحيح حقيقةً ، داخل النّص لا خارجه ، لكن المصطلح تم إنتحال معناه ليعني شيئاٍ آخر ، كتب [ الأحاديث ] الظنيّة ، لمختلف الفرق و الملل ، و التي باعد زمن [ تدوينها ] عن زمن [ وقوعها ] ، الأقوال و الوقائع المنسوبة للرسول أو أصحابه على إختلاف المستوى ، عبر كل نصوص كتب الفقه المذهبيّة التي توصلنا إلى نتيجةٍ مفادها انّ هذه النصوص [ الظنيّة ] إما جملة إختراعاتٍ لا تمت للدين بصلةٍ ، عبر هيمنة التاريخ على إرادة النّص ، محاولة إفراغه من قيمته [ العقليّة ] عن طريق تجميده في [ تراثٍ ] مرتبط [ بالتأريخ ] و [ الغائيّة ] التي خلقته لا غير ، و هو في واقع الأمر ما يخبرنا به النص نفسه : ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام 159 ، إمّا هذا و إمّا أنه كان هنالك أكثر من [ محمّد ] الرسول الكريم عليه صلاة الله، لأنه و ببساطة هنالك أكثر من [ سنّة ] خارج كتاب [ السنّة ] القرآن الكريم ، و هذا حدث فعلاً عندما تم اختزال [ الدين ] في هويّةٍ عقائديّةٍ [ سياسيّة المنشأ ] ، تميل إلى [ التقليديّ ] دائماً ، تاريخيّة الجذور رجعية المدخل و المخرج ، يقول الإمام النووي على سبيل المثال في شرحه لصحيح مسلم على لسان محمد الدمشقي : [ ... إذا كان رأياً حسن ، لم أرَ بأساً من أن أجعل له سنداً ] ، يقول ابن الجوزي في الموضوعات عن حمّاد بن زيد : [ ... وضعت الزنادقة على رسول الله أربعة عشر ألف حديث ] ، و يقول ابن صلاح في معرفة أنواع الحديث : [ ... الوضّاعون للحديث أصناف ، و أعظمهم ضرراً ، قومٌ من المنسوبين إلى الزهد ، وضعوا الحديث إحتساباً فيما زعموا ، فتقبّل الناس موضوعاتهم ، تقةً منهم بهم ، و ركنوا إليهم ] ، و نورد هنا مفارقة ترد عن الإمام الشافعي في كتابين إثنين له ، الأوّل [ الرسالة ] حيث يستنكر الإستدلال على حديث الرسول : [ ... ما جائكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فأنا قلته ، و ما خالفه فلم أقله ] ، حيث يقول معلّقاً على هذا النّص : [ ... إنّما هي روايةٌ متقطّعة من رجلٍ مجهولٍ ] ، و في كتابه الثاني [ الأم ] يقول الشافعي نفسه في معرض حديثه عن متن الأحاديث : [ ... ما خالف القرآن فليس عن الرسول ، و إن جائت به رواية  ] ، لقد كان اختلاق النّصوص مسالةً سهلةً جداً ، و النّص هنا دائماً خارج [ النّص ] الحقيقي ، خالقاً شريعةً مزوّرةً سندها السياسة و متنها غايات الرجال ، و بادئ ذي بدء فلنتحدّث عن مفاهيم أسماء النّص المختلفة داخل النّص ، فالوحي في القرآن أنواع ، و نتحدّث هنا عن الوحي في مطلقه لا في خصوصه عن [ القرآن ] ، فهنالك :

(1)          وحي [ القرآن ] : ]قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام 19 ، و هو النّص القطعي الواسع ، غير المقيّد بظروفٍ أو أسباب نزولٍ قطعاً .

(2)           وحي ما هو ليس بالقرآن ، أو [ المنسوخ ] من النصوص السابقة له : ]إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً [النساء 163 ، و [ كما ] لغةً تشير الى [ التشابه ] لا إلى [ التطابق ] : ]الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة 146 .

(3)          وحي مَن [ ليسوا مِنَ الأنبياء ] : ]وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة 111 ، و هو وحيٌّ مرتبطٌ بالدرجة الأولى بالأخذ [ بالأسباب ] .

(4)          وحي [ الملائكة ] : ]إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال 12 .

 

إستدراك معنى مفردة : ]سُنَّةُ[غير ممكنٍ خارج سياق النّص القرآني إلا عبر عمليّة إنتحالٍ و تدليسٍ لا طائل منه ، إذ أن المفتاح الحقيقي لفهم معنى الكلمة و مدلولها يأتي عبر طريقة [ الرسم ] جزء الوحي المنسي ، و الذي يجعل التمييز بين معنيّين مختلفين لذات الكلمة ، حيث ترد في صورةٍ أولى : ]سُنَّةُ[في [ 6 ] مواقع ، و صورةٍ ثانية : ]سُنَّتَ[في [ 4 ]  مواقع  أخرى ، و الأولى قطعاً لا توصل الى نفس معنى الأخرى ، ففي الآيات الست التي ترد فيها المفردة [ سنة ] بهذه الصّيغة يوصل السياق دوما للحديث عن [ المنهج ] و [ الهدى ] المتصّل بالوحي أو [ الرسالة ] في مستواها الدنيوي في أربع مواقع منها  :

 

الآية :

[ الدال / سنّة ]

[ المدلول / الرسالة ]

الحجر 13 :

]وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ [

]وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ [

الإسراء 77 :

]سُنَّةَمَن قَدْ أَرْسَلْنَا [

]عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [

الكهف 55 :

]تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ [

]إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى [

الأحزاب 38 :

]سُنَّةَاللَّهِ [

]عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ [

 

 

أمّا في الآيتين في سورتي الأحزاب و الفتح ، فإن السياق المتّصل بمفهوم [ السنّة ] المتّصل بمضمون [ الوحي ] و [ الرسالة ] أو [ القرآن ] من داخل النّص القرآني نفسه ، يوصل الى معنى مرتبط بمسألة [ عدم التبديل ] للناموس أو القانون الجزائي الدنيوي المتّصل بهذه السنّة أو الشريعة ، و المتكرّر في سياق الآيتين : ]وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [، ألا و هي عقوبة الكفّار و المنافقين في الحياة الدنيا و التي ينصّ عليها المنهج الربّاني داخل نصّ الوحي : ]لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً [الاحزاب 60 -61 ، ]وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً [الفتح 22 : 

 

الآية :

[ الدال / سنّة ]

[ المدلول / العقوبة الدنيويّة  ]

الأحزاب 62 :

]لِسُنَّةِاللَّهِ تَبْدِيلاً [

]وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً [

الفتح 23 :

]لِسُنَّةِاللَّهِ تَبْدِيلاً [

]لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً [

 

 

و على الصعيد الآخر فإن مدلولات الرسم الآخر لذات المفردة [ سنّت ] يوصل الى نتائج و مفاهيم أخرى داخل السياق الذي ترد فيه داخل الآيات الأربع ، حيث المدلول دائماً متّصل بالعذاب و العقوبة الأخرويّة التي أشار إليها النّص كنقيضِ و مقابلٍ  للهداية الدنيويّة [ السنّة ] في سورة الكهف تحديداً : ]إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً [الكهف 55 ،

 

الآية :

[ الدال / سنّت ]

[ المدلول / العقوبة الأخرويّة ]

الأنفال 38 :

]َقَدْ مَضَتْ سُنَّتَ الأَوَّلِينِ[

]وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ  [

فاطر 43 :

]فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [

]فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ [

فاطر 43 :

]وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [

 ]وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ  [

غافر 85 :

]سُنَّتَاللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ [

] فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْإِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [

 

 

إنّ إخراج مسمّى [ السنّة ] خارج هذه المعادلة لتعني أشياء أخرى متعدّدة ، متناقضة و انتمائيّة بالدرجة الأولى ، يبقى مجرّد جزءٍ من لعبةٍ اختفى فيها [ المدنّس = السياسة ] خلف عبائة [ المقدّس = الدين ] ، [ سنّة الرسول ] هي [ القرآن ] ، و [  سنّة النبي ] هي [ أحواله الشخصيّة ] التي يرويها المؤرخون في كتب السيّر المحشوّة بالأفكار المؤدلجة دون أن يلتقوه أو يجلسوا معه البتّة ، القول بكون السنّة / الاحاديث [ مرجعيّة ] في المطلق قولٍ يناقض عدّة حقائق ، فالسنّة / الأحاديث ليست سوى تراكماً تاريخيّاً لنصوصٍ يكتبها [ فقيه / مؤرخ ] كمربّعٍ غير مكتمل الأضلاع ، يملأه فقط المنطق الدغمائي [ للفقيه / المؤرخ ] ، و الذي يؤرخ حياة الرسول و يذكر فقط ما يبرر عبرها غايات السلطة التي طلبت منه تدوين النّص ، فلا يمكن القول بأن هذه النصوص تحوي توثيقاً و تسجيلاً كاملاً لكل أقوال و أفعال الرسول بما لا يترك المجال للإضافة أو النقصان ، القول بكون الأحاديث و كتبها التي تعتبر فقط تسلسلاً تاريخيّاً يخضع للنقد و الدّحض حالها حال أي كتاب يحوي تسلسلاً تاريخيّاً لمرحلةٍ أو أشخاصٍ بعينهم ، القول بكونها مرجعيّةٌ يمكن أن تشكّل نواةً او نقطة انطلاقٍ نحو تأسيس منهجٍ تشريعيٍّ متكاملٍ غير مقيّد بغايات أو تبريرات آنيّة يبقى أمراً اعتباطيٌّاً ، [ السنّة / الاحاديث ] ليست وحياً ، ببساطة لانفصالها عن مكان و زمان [ الوحي / القرآن ]  ، فطرق وحي [ القرآن/السنّة ] عديدةٌ متنوّعةٌ : ]وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى 51 ،  فهي إمّا :

 

(1)          [ بالإعلام ] : ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف 3 ، و كان الوحي يتم بوسيطٍ للرسول [ محمّد ] عليه صلاة الله : ]قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة 97 ، و لم يأته الوحي إلا بواسطة الروح [ جبريل ] : ]وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى 52 .

(2)           [ بالإلهام ] : ]وَأَوْحَيْنَاإِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص 7 .

(3)           [ بالرؤيا ] : ]فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات 102 .

 

و الخروج خارج دائرة [ النص ] عبر إدّعاء الوحي خارج الوحي ، نحو دائرةٍ أخرى يوصل إلى خروج الشريعة عن مصدرها و إنتاج [ شرعٍ ] لا علاقة له بالمصدر الرئيس لها : ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام 93 ، فعندما يُذكر [ التراث ] يتبادر إلى الذهن [ الدين ] مباشرةً ، و كأن الدين ليس سوى روايةٍ تاريخيّةٍ تتناقلها الأجيال خارج واقعها و يومها ، عبر مجموعةٍ من الأساطير و التصوّرات الغير منطقيّة ، و هذا في واقع الأمر هو الوضع المعقّد الحاصل اليوم ، و بالأمس أيضاً ، فاعليّة النّص عبر تغيّر فهم الغائيّة وفق إعادة رسم تصوّرات فعّالةٍ لنص [ الوحي ]  تم تقييدها بنصوصٍ مصمتةٍ إسمها [ كتب الأحاديث ، الأثر و الفقه ] ، و التي تحوي أكثر من نصّ داخلها ، و أكثر من [ محمّدٍ ] عليه صلاة اللهأيضاً ، فنصّ الوحي هو [ دائرة الإيمان ] ، في [ اليهوديّة ] دائرة الإيمان خرجت من [ التوراة ] المشوّهة أصلاً إلى [ التلموذ ] ، و في [ المسيحيّة ] دائرة الإيمان انتشرت و تقطّعت بين [ الأناجيل ] بعد أن انفصلت عن التوراة العبريّة شيئاً ما ، و في [ الإسلام ] الذي يحتوي فيه النص [ القرآن ] كل النصوص السابقة ، و الذي يشكّل [ نوراً ] ملأ الفراغ الأسود الذي أنتجه تلاعب رجال اللاهوت بالنّص الديني ، بعد قيام المؤسّسات الدينيّة و التي فتحت الطريق مُشرعاً للهروب من الله بدلاً من السعي لمعرفته ، فخرجت الدائرة الإيمان [ الوحي ] الى دوائر أخرى عبر مستوياتٍ عديدة [ الفقه / اللاهوت / السياسة ] ، يناقض حقيقتها المقولة المنسوبة للرسول الكريم ، و القائلة بانقسام أمة الإسلام في زمنٍ غير محدّدٍ و مكانٍ غير محدّدٍ أيضاً الى [ 73 ] طائفة وُضعت كلها على مستوىً واحد ، خلاف واقع تعدد مستويات الإنقسام الحاصل و الذي يتناقض أيضاً مع الرقم المُعلن ، و الذي بحث الفقهاء في مباحث [ تلفيقيّة ] حاولت المزاوجة بين الرقم السرّي و عدد الطوائف و الملل و النحل : (1)المستوي [ العقدي ] بين فرق : [ المعتزلة ] ، [ الأشاعرة ] ، [ الماتريديّة ] ، [ الباطنة ] ، [ الظاهريّة ] ، [ الصوفيّة ] ، [ المرجئة ] ، [ الجبريّة ] و [ الحشويّة ] ، (2)المستوي [ الفقهي ] بين مذاهب : [ الإباضيّة ] ، [ الزيديّة ] ، [ الجعفريّة ] ، [ المالكيّة ] ، [ الشافعيّة ] ، [ الحنفيّة ] ، [ الحنبليّة ] ، [ الإسماعيليّة ] ، [ العلويّة ] و [ الدروز ] ، (3)المستوى [ السياسي ] بين طوائف : [ النواصب ] ، [ الروافض ] و [ الخوارج ] ، تلك الّتي نتجت بعد اوّل إختلافٍ [ مُعلن ] عنه بين المسلمين ، حادثة [ السقيفة ] ، الحادثة التي هي نفسها لها أكثر من [ نصّ ] ، أكثر من [ رواية ] و أكثر من [ قراءة ] ، [ تفسير ] ، [ تأويل ] و [ وجهة نظر ] تلتقي جلّها حول فكرة [ المؤامرة ] من قِبلِ أصحاب رسول الله على أصحاب رسول الله ، هذه الملل التي تتقاطع عبر عدّة نقاطٍ في تشابكٍ مشوبٍ بالنوايا السيّئة و الحسنة في آنٍ واحد ، و بعيداً عن المعطيات التاريخيّة العامة التي أنشأت و أنتجت هذه الطوائف و الملل فإن العودة إلى النص [ كخطوةٍ اولى ] تفتح أمامنا الباب للإجابة على السؤال المنطقي ، [ كم يوجد من وحيٍّ في الإسلام  ؟ ] ، و [ هل يوجد قرآنٌ خارج القرآن ؟ ] : ]وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام 153 ، هل القبول بفكرة [ الوحيّين ] ، القرآن و الأحاديث أمرٌ يقرّه [ الوحي ] في الأساس ؟ .

اجمالي القراءات 9210