في الطريق إلى مصرستان

كمال غبريال في الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لو كانت الصورة عما يجري في سوريا أكثر وضوحاً، ربما كان عنوان تلك السطور يمكن أن يكون "في الطريق إلى مصرستان وسوريستان". . نعم تبدو تجربة الثورة السورية أكثر وضوحاً من التجربة المصرية، ففي مصر توارت قوى التخلف والظلامية تماماً، وتماهت مع الجماهير في أوج فعاليات الثورة المصرية، ولم تبدأ الأفعى في الخروج برأسها إلا بعد سقوط رأس النظام، وحان ما تصوروه موسم الحصاد، ولكن التجربة السورية رغم غموض واختلاط ملامحها، إلا أن مراقباً بعيداً مثلي قد بدأ يرى أن أكثر النظم المعاصرة إجراماً وفاشية وهو نظام البعث الأسدي يقف الآن في مواجهة تشكيلة قوى، تدين السيطرة والفاعلية فيها للسلفية الجهادية، التي قد تكون عضوية الصلة بتنظيم القاعدة. . هو إذن الخيار المر الذي لا أحب أن أوضع فيه، إذ لا يمكن لمثلي بأي حال أن يقف بجانب ضباع البعث السوري وغلامهم الشرير بالوراثة، كما لا يمكن لي بأي حال أن أقف في صف ذئاب الظلام، التي لو تمكنت من المنطقة ستحيلها إلى بركة من الدماء والدمار!!
ولأن الحكمة تقول "أيها الطبيب اشف نفسك"، فالأفضل لي أن أترك مرغماً الشأن السوري الذي يهمنا جميعاً ولا ريب، علاوة على التأثير المشترك والمتبادل بين ما يحدث في سائر بقاع المنطقة، لأستعرض المأساة المصرية منفردة، تلك التي تداهمنا نحن المصريين، بذات القدر الذي تداهم به المنطقة والمجتمع الدولي كله:
ليس ما يدعي الإخوان المسلمون تمثيله من اعتدال ووسطية هو ما يسيطر الآن وتدريجياً على الساحة المصرية، بل هي جماعات السلفية الجهادية التي كسر نظام مبارك عمودها الفقري، فذهبت إلى ما سميت مراجعات أعلنت فيها نبذها للعنف، فيما اليد الثقيلة للأجهزة الأمنية تضغط على أعناقها. . هذه خرجت الآن من السجون، وتتوافد على البلاد من كافة بؤر الإرهاب العالمي، ويعاد محاكمة القتلة لتبرئتهم والإفراج عنهم، ومنهم أعضاء الآن في البرلمان، ولهم ممثل لفكرهم مرشح لرئاسة الجمهورية، وأصبحوا نجوم القنوات الفضائية، وغدوا وكأنهم تابو يتعبد له المتعبدون، ولا يتجاسر أحد على المساس به. . فهل تتحول مصر إلى نموذج باكستان، حيث يتوغل الإرهابيون في الشارع، في ظل اختراقهم للأجهزة الأمنية والمخابراتية، أم سيسيطرون تماماً ورسمياً على البلاد لنصل لنموذج أفغانستان الطالبانية؟
الحصون المصرية بداية من الإعلام وصولاً للقضاء تتهاوى بسرعة ليست بقليلة أمام زحف الظلاميين والإرهابيين ودعاة الكراهية والعداء للحضارة وللعالم، فهل ستظل العجلة تدور على هذا النحو، حتى نشهد سقوطاً مدوياً ودراماتيكياً للبلاد؟
لنأخذ مثالاً من الإعلام المرئي، قناة فضائية تليفزيونية أسسها رجل الأعمال المصري الليبرالي نجيب ساويرس، ويفترض أن هدفها تنويري لمواجهة الإعلام الرسمي المنافق والمتواطئ، وكذا مواجهة طوفان الإعلام الممول خليجياً، والذي يسقي البسطاء عصير الإرهاب والكراهية والعداء للعالم، فنجد هذه القناة المأمول استنارتها قد آلت إلى أياد تحولها لأداة للفاشية العروبية والسلفية الجهادية، فالعروبجية يريدونها دولة مارقة ممانعة، والمتأسلمون يريدونها دولة مجاهدة تحتضن إرهابيي العالم، في غياب شبه تام لمن يريدها وطناً للسلام والإنتاج والحضارة.
هكذا وتأكيداً لما نكرره دوماً ونحن على غير يقين كامل مما نقول، أن "العروبجية والمتأسلمين وجهان لعملة واحدة"، تنضم قناة الرأسمالي المخلص والمستنير لتلك الجوقة المأفونة من الفضائيات التي تعزف ألحان الإرهاب والظلامية، فنجد فيها مذيعاً محترفاً يسخر مواهبه في التأرجح ما بين نعيق العروبجية الذي يقاتل طواحين الهواء، ولا يثمر غير تعميق الكراهية في قلوب البسطاء وغير البسطاء لكل العالم الحر، وبين عواء السلفية الجهادية صاحبة الأيادي التي لم تكد تجف عليها ما أسالت من دماء، ليقوم المذيع المحترف خريج البي بي سي والجزيرة في برنامجه بالتنظير والتبرير للإرهاب، والترحم على عتاة الإرهابيين في العالم، ليجعل منهم في نظر الشعب أبطالاً مجاهدين، تعرضوا للتعذيب والاستشهاد على يد الأمريكيين أعداء الإسلام، وتحملوا كل ما حل بهم في مصر وهم "يقولون كلمة حق في وجه سلطان جائر"، والسلطان الجائر المقصود هنا هو مبارك، هكذا لا يكون مبارك قد قمع هؤلاء وكسر شوكتهم لأنهم قتلة يغتالون الأبرياء من الشعب المصري والسياح الأجانب، وهو فضل سيذكره له التاريخ رغم كل شيء، ولكن لأنهم يقولون "كلمة حق" في مواجهته، والتي هي ذات "كلمة الحق" التي يحملها للعالم تنظيم القاعدة!!. . إلى هذا الحد بلغ بالمذيع اللامع أو بنا جميعاً الابتذال والخسة في العداء، الذي تجاوز العداء لزعيم مستبد وفاسد، لنلتحق بالمعادين للحضارة الإنسانية، على حساب كل القيم وكل الوطن وكل الشعب، وعند هذا الحد لن نكون مبالغين إذا ما تساءلنا إن كان الراعي الرسمي للقناة الفضائية التنويرية قد صار تنظيم القاعدة!!
ليت الأمر اقتصر على إعلام مُضَلِل ومأفون، فأمامنا مسلسل خروج الإرهابيين من السجون، ذاك الذي بدأ مع فعاليات الثورة بالتنسيق مع حماس وحزب الله، لتتولي دولتنا الرشيدة (المنهارة) فورياً وهم بعد بلباس السجن تمويلهم بالملايين تحت مسمى تعويضات عن تعذيب، هكذا خلال أيام معدودة دون قضايا تستمر لسنوات أو حتى لدقائق معدودة، وما واكب ذلك من توارد مئات وربما آلاف الإرهابيين الهاربين إلى البلاد، وإصدار قرارات غير معلنة تتيح لهم رد الاعتبار وممارسة حقوقهم السياسية. . مازال هذا المسلسل المذهل مستمراً، وتتوالى إعادة محاكمات الإرهابيين المحكوم عليهم بالإعدام لتبرئتهم، بقرارات من المجلس العسكري، وكأن القضاء المصري (العسكري أيضاً) الذي أصدر أحكاماً عليهم عقاباً على ما ارتكبوه من مجازر لم يكن قضاء شريفاً عادلاً!!
مثير أن نطالع خبراً عن إعادة محاكمة المحكوم عليهم بالإعدام في تفجيرات طابا وشرم الشيخ، تلك الإعادة التي تخرج عن التسلسل الطبيعي والقانوني لدرجات التقاضي، إذ تأتي بناء على قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو قرار سياسي إذن، فما الذي تغير في سياستنا يا ترى، لكي نعيد النظر سياسياً في موقفنا ممن فجروا وقتلوا في بلادنا؟!. . ما الذي يحدث بالتحديد في مصر، وكيف يتم الآن توجيه وتوظيف القضاء سياسياً وإلى أين يقودنا هذا؟!
كيف أنسى يوم تفجيرات شرم الشيخ حين كانت ابنتي العروس تمضي هناك بعضاً من شهر العسل مع زوجها، ومدى ما أصابني من جزع عليها، علاوة بالطبع على جسامة الحدث على المستوى الإنساني والوطني. . هل هذا هو ما أوصلتنا إليه ثورة خرجنا نهتف فيها للحرية والكرامة الإنسانية، فتتحول لحرية الإرهابيين الذين يسحقون الإنسانية، وفاقوا في توحشهم الضواري؟!!
هل سلوك المجلس العسكري هذا هو الطريقة التي حمل بها أمانة البلاد وحمى ثورة الشباب؟!!
وعندما تتعالى الصيحات بكل جسارة مطالبة بالإفراج عن المحكوم عليهم في قضية محاولة اغتيال رئيس جمهوريتنا السابق في إثيوبيا، هل نكون بإزاء ثورة من أجل نظام سياسي رشيد وديموقراطي، أم نكون همجاً نهدم الدولة المصرية على رؤوسنا، ليكون الإرهابيون قد حققوا بالحشود الجماهيرية الباحثة عن الحرية ما فشلوا في تحقيقه بمتفجراتهم وخناجرهم؟!!
ما هو وضع سيناء الأمني الآن بالتحديد ومن يسيطر عليها، تلك الأرض المصرية التي دفع جيلي الدماء الغالية لاستخلاصها من يد إسرائيل، هل تسيطر عليها قواتنا المسلحة، أم صارت كما يتردد إمارة إسلامية ترفرف عليها الأعلام السوداء لتنظيم القاعدة؟
أين رئيس الوزراء الذي يقول بملء شدقيه مصر لن تركع، ومن يصل صراخهم السماء مستشعرين إهانة الكرامة المصرية جراء الإفراج عن الأمريكان الذي مدوا يد الدعم للمجتمع المدني، أين هؤلاء من مسلسل تفجيرات أنابيب الغاز المصري بسيناء، حتى لو كانت ذاهبة لتزويد الشيطان ذاته بالطاقة، وأين هم من تهريب السيارات المسروقة عبر أنفاق المعارضة الحمساوية، وقتل رجالنا الذين يحاولون حماية حدود بلادنا من الانتهاك من قبل وحوش الإرهاب المسعورة، وأين من دهسوا بالمجنزرات شباب الأقباط في ماسبيرو؟!!
ماذا يحدث الآن بالتحديد يا سادة ومن المسؤول عنه؟!!
هل المسؤول هو الشباب والشعب الذي هب طلباً للحرية، ولإسقاط نظام مستبد وفاسد، في الوقت الذي كان ينبغي علينا الصمت والاستكانة حتى تغرق البلاد تماماً في الفساد فلا يتبقى فيها ذرة غير ملوثة، وينعدم كل أمل في إمكانية الإصلاح، تحاشياً للمصير الذي نواجهه الآن؟!
أم المسؤول هو المجلس العسكري الذي تصدى لحماية البلاد كما يدعي، فإذا به يتخذ تكتيكاً لحماية نفسه، هو ممالأة الإرهابيين والظلاميين وإطلاقهم علينا، ليكون أشبه بمن يحرق أثات بيته لكي يتدفأ، وهو الأمر الذي إن لم يتم تداركه سريعاً، يقتضي تحويل المشارك فيه إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى؟!!
أم أن المسؤول الحقيقي هو نحن جميعاً، المصريون في مختلف المواقع، والذين يتقهقرون أو حتى ينهارون أمام الزحف الأسود للظلامية والإرهاب، لنتساقط أفراداً وجماعات، نشطاء وإعلاميين وقضاة ووزراء ورجال أحزاب ومجتمع مدني؟
أين الشجاعة المدعاة لمن يهتفون "يسقط حكم العسكر"، ولما لا يجرؤون على الهتاف "يسقط الظلاميون والقتلة الإرهابيون"؟!
أظن أن رحلة السقوط قد بدأت بالفعل ولا سبيل الآن لتدارك الأمر، خاصة في ظل مشاركتنا جميعاً في الدفع باتجاهها، وافتقاد الطرف الذي يمكن له التقاط شعب يسقط لأنه كان قد قرر مع سبق الإصرار الانتحار. . هل ننتظر معجزة؟. . ربما، وسيكون هذا لو حدث فرصة لإعادة إيماني بالمعجزات!!

 

اجمالي القراءات 7831