المحيا والممات فى الدنيا
إذا دعاكم لما يحييكم

أحمد الجَحَاوى في الجمعة ٠٩ - مارس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

     يرسل الله تعالى إلى الأرض الماء ليُحييها بعد موتها فيُخرج منها الزرع والنبات. وكذلك الأجساد التى خلقها الله تعالى لنا فى الحياة الدنيا، فهى جزء من الأرض وتحمل نفس مكونات وخصائص الأرض، وينطبق عليها ما ينطبق على حال الأرض التى يحييها الله تعالى بعد موتها، فيرسل رُسله بما يخرجنا به من الأرض من الموت ومن الظلمات التى تقترن به إلى الحياة وإلى النور الذى يقترن بها، وهى مسألة تواصلية مستمرة، ليست مرتبطة بحد معين ما قبله ظلمات وما بعده النور، والظلمات درجات والنور درجات.

 

والموت والحياة يختلفا فى مفهومهما عن محيا وممات العبد خلال فترة بقاؤه فى الدنيا، ولا تجد لكلمة "ممات" معنى فى أغلب قواميس اللغة إن لم يكن جميعها، ويعتقد كثير من الناس أن الممات هو الموت وأن المحيا هو الحياة، ولكن المحيا والممات غير الحياة والموت، لأن الحياة والموت بيد الله تعالى هو الذى خلقهم ولا يملك العبد أن يقول أن حياتى وموتى لله، لأنه لا يملك من أمرهم شيئاً ليهبهما لله أو لغيره، أما المحيا و الممات فهم بيد العبد، ولذلك يملك العبد أن يجعلهما لله تعالى - إن شاء العبد – كما يجعل صلاته لله أو لغيره سبحانه. والمحيا والممات يكون بحسب الحياة التى يرتضيها العبد لنفسه فى الدنيا، فهناك حياة الترف والبزخ، وهناك حياة الزهد والتقشف، وهناك حياة الفسق والفجور، وهناك من يحيا لنفسه وشهواته خالصاً، وهناك من يحيا لله خالصاً، وهناك من يبتغى بين ذلك وذاك سبيلا، وبحسب الوجهة التى يكون عليها صاحبها فى حياته الدنيا والشاكلة التى يكون عليها والتى يسعى إليها تكون حياته التى يحياها فى الدنيا بإختياره هو، وكذلك الموت الذى يكون عليه وهو فى الدنيا، والموت لا يعنى فقط مغادرة الدار الدنيا نفساً وجسداً، ولكنه يعنى ألا يحيا العبد حياة الدار التى هو بها. والحياة لها شهوتها العظيمة التى تتملك أكثر الناس، ولها مقوماتها وأسبابها التى تقوم عليها وتؤدى إليها، ومن الناس من لا يعبأ أن يقتل ويسرق ويرتكب المعاصى فى سبيل أن يحيا حياته التى يريدها فى الدنيا.

 

ويضع الله تعالى لنا تعريفاً للحياة الدنيا فيقول جل شأنه:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد : 20] – وكلمة "فى الآخرة" تعنى أن الحياة الدنيا فى الآخرة تُختزل إلى إما عذاب شديد وإما مغفرة من الله ورضوان، مما يشير إلى عِظم أمرها بالنسبة للمؤمن على ما هى عليه من قِصر العمر ومتاع الغرور ومآل إلى فناء "فتكون حُطاما".

 

ولا يعنى مطلقاً قول الحق سبحانه فى الآية السابقة أن الحياة الدنيا يُنكرها الله ويدعونا لننصرف عنها وألا نسعى إليها أو أنها عبثاً نحياها، وإنما لنعرف ما هيتها وتوضع فى ميزانها ونصابها الصحيح فى قلب المؤمن فلا يعلق بها، وألا نحزن عندما يجد البعض منا أننا ميتون فيها، وفى ذلك يقول تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص : 77]. وقد يكون السعى إلى الحياة الدنيا على حساب إبتغاء الدار الآخرة وقد يكون إبتغاء الدار الآخرة على حساب الحياة الدنيا، وعلى المؤمن أن يحقق المعادلة بين إبتغاؤه الدار الآخرة دون أن يفرط  فى حقه الذى وهبه الله تعالى له أن يحيا فى حياته الدنيا ودون تقصير فيه، لأن الله تعالى هو الحىّ،  وهو يدعو إلى الحياة ولا يدعو إلى الموت، والتقرب إلى الله تعالى يستوجب أن نسعى إلى الحياة فى الدنيا، وليس كما يظن كثيرين أن عليه أن يزهدا لأنها فانية ولأنها كذا وكذا، والزهد ليس أن تزهدها وإنما تزهد فيها، وإلا فما قيمة أن تزهد شيئاً وأنت لا تملكه.

 

 فالمؤمن الحق الذى يعي مراد الله سبحانه يدرك أن عليه أن يحيا فيها لا أن يرفضها ظنّاً منه أنه يصرف نفسه عن السوء والفتن والحياة الفانية، لأنها حياة، ولأنها حق، ولأنه الحى سبحانه إذا أردت أن تصله فيجب أن تكون حياً، فهو يدعو إلى الحياة وليس إلى الموت، ولأن الخروج الحقيقي من الظلمات إلى النور هو خروج من الموت إلى الحياة، وعلى المؤمن الحق أن يقبلها كما خلقها الله تعالى، وبالصورة الدنيا التى جعلها الله عليها، وأن يكون العبد راضٍ بها (وليس عنها)، وإلا فكيف يكون الإمتحان فى الدنيا إذاً. فإذا هرب العبد من مواجهة الحقيقة وهرب من ساحة الإبتلاء وهى الحياة الدنيا إلى الموت فيها متقوقعاً فى قبره فيها، وقد ظن كذباً بأنه قد رضى - والموت لا يرتضيه أحد - رافضاً أن يُمتحن، فكيف له أن يحكم على هذه الحياة الدنيا وهو لا يعرفها ظالما نفسه فيها. أما المؤمن الحق فيحياها ويرضى بها حياة على ما هى عليه، فقط لأن الله تعالى أرادها كذلك، ولأنها حق، ولأن الإمتحان الحقيقى هو وأنت فيها وليس منصرفا عنها، ولكنك قد علمت من الله تعالى قيمتها فلا تعلق بها، وألّا تتملكك وأنت مالكها وليس وأنت لا تملك منها شيئاً، مبتغيا بها الدار الآخرة، فإن لم تملكها فبم تبتغى الدار الآخرة.

 

ويقول تعالى فى شأن الحياة الدنيا أنها "لعب ولهو"، فلتحرص على نصيبك إذاً من اللعب واللهو مادام ذلك يحييك فيها، ولكن فى إطار المعادلة بين إبتغاؤك للدار الآخرة وألّا تنسى ما تسعى إليه فى الدنيا – وكذلك فإنها "زينة" ويقول تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 32]، ولا يخلو قلب مؤمن أو كافر من الزينة، والله تعالى قد زين لكل أمة عملهم، وزين للناس جميعا حب الشهوات من النساء والبنين والمال والأنعام وغير ذلك، أى متاع الدنيا بعمومه زُين فى قلب الناس، فيدفع ذلك الناس ليسعوا إليه، فزينة ما يعمله المرء وزينة متاع الدنيا فى قلبه شاء أم أبا، أقبل على حياته الدنيا أم لم يقبل عليها، ، ولكنّ سعى المؤمن وما يبتغيه من وراؤه وتعلقه به يختلف عن سعى غير المؤمن. "وتفاخر بينكم"، فلو أن أحداً أو فريقاً من الناس حقق نجاحاً أو تقدما فيما فيه نفعه ونفع من حوله فلا ريب أن ذلك مدعاة للفخر، ويدفع ذلك الآخرين للتنافس، وفى ذلك خيراً كثيرا، ويقول سبحانه:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة : 251]، فالناس تدفع بعضها بعضا للإصلاح فى الأرض ولإعمار الأرض، وأما الفخر بين الجهلاء فيكون بما ليس فيه وبما لا يملكه كمن يفتخرون فخر الجاهلية بقبليتهم وعصبيتهم – "وتكاثر فى الأموال والأولاد" والمال له أهمية كبيرة فى الحياة الدنيا، وعلى المؤمن السعى فى طلبه لأن الله تعالى من رحمته قد جعل الجهاد فى سبيل الله بالمال قبل أن يكون بالنفس، كما جعل من رحمته فى الدنيا أن العبد بيده أن يتزكى بماله عند الله تعالى فيغفر له من ذنوبه ويكفر عنه سيئاته ويُقيه وأهله السوء ويرفعه درجات إذا ما آتى ماله (عن حب) فأنفقه إبتغاء مرضاته سبحانه، ومن كان له مالاً فقد كف نفسه ومن يعول عن السؤال، والإنفاق يُعلّم الإنسان أن يوق شحّ نفسه وأن يتخلص مما يعلق فى قلبه من بُخل وما أقبحه من مرض يهوى بصاحبه. والبنون تنفع بإذن الله كما ينفع المال بإذنه سبحانه إذا كانوا صالحين، ويقول تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء]، فالمال والبنون ينفع الله تعالى بهما صاحبهما فى الدار الآخرة إذا ما أتى ربه بقلب سليم.

 

والحياة الدنيا كما عرّفها تبارك وتعالى لا تختلف فى مفهومها بالنسبة للمؤمن ولغير المؤمن، ولكن بحسب محياه ومماته فيها وتقواه ومقصده من وراء عمله يتقرب بها إلى ربه أو يبتعد عنه.

 

ويُبتلى المؤمن فى محياه ومماته فى الدنيا، فيأتى وقت يُحرم فيه من بعض مقومات الحياة الدنيا، أو أن محياه يكون بما لا يرضى الله عز وجل، أو أنه يُظلم ظلماً شديداً، والظلمة من خصائص الموت والنور من خصائص الحياة. ويقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة : 155] – ويقول تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : 2]. فالله تعالى قد خلق الحياة والموت وكلاهما يدركهم الإنسان ويذوقهم خلال عمره فى الدنيا وقبل إنتقاله إلى الدار الآخرة، وكما أن الإبتلاء للإنسان يكون فقط خلال عمره فى الدنيا، فإن الموت والحياة اللذان يُبتلى بهما يكونا أيضاً فى الحياة الدنيا، وهذا بخلاف حياة الآخرة، فهى ليست كالحياة الدنيا وهى حياة إثابة، وهى للمؤمن فقط بخلاف الكافر الذى لا حياة له فيها. ويقول تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 122] وهذا فى حال أهل الدنيا منهم الميت ومنهم الحىّ وهم من قبل أن يفارقوها إلى الدار الآخرة.

 

ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال : 24]، والمؤمن الحق عليه الإستجابة للدعوة عندما تأتى ليحييه الله تعالى. وما يدعو الله إليه ليحيا به العبد - أو يدعو إليه الرسول – يحيا به العبد فى الدنيا والآخرة، وتأتى الصيغة "إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم" بصيغة المفرد بما يبين أن الدعوة قد تأتى منفردة من الله تعالى أو من الرسول، كما أن الإستجابة لله سبحانه لا تكون مشروطة، بمعنى أن الله عز وجل لا يقول لعبده إستجب لله إذا – ثم يأتى بعد كلمة "إذا" ما بعدها ليوقف الله تعالى عليه الإستجابة لله، فالإستجابة لله تكون مطلقة وغير مقيدة بـ "إذا"، بينما الإستجابة للرسول فى هذه الآية تكون عندما يدعو لما يحيا به المرء، والرسول هنا هو كل من يدعو إلى ما يحيا به المؤمن، إذا كان رسول الله (ص) أو أياً من يدعوك إلى ما تحيا به، ولذلك تجد الآية أوقفت الإستجابة ما كانت الدعوة إلى ما يحيا به المؤمن. فقد تأتى إليك الدعوة من الله تعالى من خلال شخص يعلمك عملا تحيا به وفيه صلاحك، أو عِلما تحيا وتنتفع به، أو دواء لما فى قلبك من كِبر أو غِل أو حِقد أو رِيبة أو حسد أو لهو أو عمى  أو غير ذلك كثير من أمراض القلوب ويكون فيه شفاؤك وتغيير مسار حياتك، أو أى شيئ آخر، ولذلك فكل ما يدعوك إلى ما يحييك فعليك الإستجابة، فالله جل وعلا  حىّ يدعو إلى ما يحيا به المؤمن ولا يدعو إلى أن يكون فيها ميتاً. ولكن لن يعرف العبد أو يهتدى إلى ما يجعل الله تعالى فيه سبباً ليحيا به وما يدعوه إليه الرسول إلا إذا توفرت الإرادة الحق داخل العبد، ولذلك معنى أمر الله تعالى لنا بالإستجابة فى الآية الكريمة هو أن تكون لنا إرادة حقيقية لأن نحيا وعندئذٍ سوف نهتدى لما يرسله لنا الله تعالى لنحيا به. 

 

ولكى يأخذ الإنسان بأسباب الحياة الدنيا فيكون فيها حياً ويستجب لأمر الله تعالى عليه أن يحدد أو يهتدى إلى هدفه الحقيقى فى الحياة الدنيا الذى يشترط فيه إيمانه بأن ذلك المراد تحقيقه هو الذى يحيا به بين الناس بالشكل الذى يحقق له الرضا لنفسه وعن نفسه، وبما يتوافق مع الحال الذى هو عليه ودرجة إيمانه بالله تعالى ومرحلة عمرية وأسباب بين يديه. وإيمانه بهذا الهدف يجعله يستشعرأن فيه "حياته" بمعنى أنه يحيا ويرضى عن حياته الدنيا عندما يكون على هذه الشاكلة التى بها "يحقق ذاته"، وبدون إيمانه بذلك فلن يكون له دافع لتحقيقه. وهذه المرحلة هى الأهم، لأن الإيمان الحقيقى يعنى الإعتقاد والظن الكامل والتصور بأن ذلك الأمر قد تحقق وأصبح حقيقة فى نفسه أولاً قبل البدء والأخذ بالأسباب. وكذلك أن يكون بالفعل آخذ فى تحقيق هذا الهدف أو مراحله التى توصِل إليه، آخذٌ بالأسباب التى بين يديه فى تحقيقه وما يتطلبة ذلك من إنفاق المال وجهاد النفس والعزم والصبر، ويشترط  فى ذلك أن يشعر بحقيق نجاح مرحلى فى التقدم نحو تحقيق ذلك المراد وبما يتناسب مع عامل الزمن.

 

ويتوافق ذلك مع الإحساس الفطرى بأن كل شخص عندما يُسأل "يحب يكون إيه – أو عايز مستقبلاً يطلع إيه" و"يطلع إيه" تعنى الخروج من الموت فى الدنيا إلى الحياة فى الدنيا، وعندما يعمل الشخص آخذاً بالأسباب الحقيقية التى تحييه فى الدنيا يشعر كمن خرج من الغفلة إلى الإنتباه ومن النوم إلى اليقظة، وكأن حياته كانت متوقفة قبل ذلك، ونجد البعض أحياناً يعبر عن ذلك بالتعبير الدارج " أنا حاسس إنى ما كنتش عايش أبل كده – أو حاسس إنى إتولدت من أول وجديد – أو عندما لا يتحقق ذلك الأمر يقول أنا حاسس إنى مش لائى نفسى أو حاسس إنى مش عايش".

 

وفى الدعوة إلى ما يحيينا به الله تعالى يبين سبحانه فى كتابه العزيز جوهر ما يدعو إليه الرسول (ص) وما يؤدى إليه وهو الإيمان بالله، ويقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الحديد : 8]، والميثاق الذى أخذه الله تعالى على المؤمنين – المؤمنين بالقلب وليس بالقول – قولهم "سمعنا وأطعنا"، وعلى المؤمن الحق أن يعلم أنها ليس كلمة هو قائلها كسائر الكلم، ولكنها بمثابة الإقرار على الميثاق بين العبد وربه، وهى من الكلمات الكبيرة عند الله مثل كلمة الطلاق والشهادة بالله والعهد. ويقول تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [المائدة : 7].

 

والإيمان بالله يكون بالهدى، فالله سبحانه هو الذى يهدى للإيمان، ويهدى الله من يشاء للإيمان بآياته التى يريها للعبد. ولكى تهتدى لابد لك من نور لتهتدى به إلى الآيات عندما يريكها الله تعالى، فالإنسان كما يحتاج إلى الضوء ليرى به الأشياء أو الماديات الحسيّة فهو يحتاج إلى النور الذى يبدد ظلمات القلوب ليري المؤمن بقلبه من آيات الله سبحانه ما فيه هدايته، وبقدر ما حوى القلب من نور بقدر ما رأى من الآيات ما فيه هدايته للإيمان. ويقول تعالى{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46]، والنور قد جعله الله تعالى بفضله ورحمته بين أيدينا، فقط علينا إتباعه إذا أردنا رؤية آيات الله ومن ثم الهداية والإرتقاء فى الإيمان الذى يحقق مراد الله تعالى فينا وهو أن يرحمنا، وهو ذات الغرض الذى يرجوه المؤمنون من ربهم وهو أن يرحمهم.

 

ويقول تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء : 174]

{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف : 157]

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى : 52]

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [التغابن : 8].

 

وهدايتك للإيمان هى مسألة مستمرة، لا يحدها حد إلا من نفسك أنت، وهى بنائية (أى لها أسس وأعمدة وقواعد ويشد بعضها بعضاً وترقى بصاحبها إلى السماء فيكون من أهلها). وهدايتك للإيمان تستوجب تحقيق مراد الله تعالى الأعظم من خلق الجن والإنس وهو أن يرحمك. وكل ما من شأنه تهيئة القلب لأن يرى آيات الله وأن يعقلها ومن ثم يؤمن و يزداد إيمانه فهو العبادة لله، وكل ما من شأنه العمل بما يستوجبه الإيمان الذى هداك الله تعالى إليه - على درجته التى أنت عليها – سواءاً الإقبال على عمل أو الإمتناع عن عمل فهو العبادة لله كذلك. ويريد الله تعالى منك العبادة لأنه سبحانه يريد لك الرحمة.

 

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56]

{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود : 119]

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام : 54]

 

وبالله التوفيق  ،،

 

فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ.

اجمالي القراءات 13197