السلفيون والمعونة الأمريكية

حمدى البصير في الأحد ٢٦ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


 
 فى يومين فقط جمع الداعية الإسلامى السلفى الشيخ محمد حسان مبلغ 60 مليون جنيه ، وهو تبرعات لصالح صندوق " المعونة المصرية " والذى أسسه الشيخ حسان لجمع أمولا من مصريين تكون بديلا عن المعونة الأمريكية ، ولاسيما بعد أن هدد الكونجرس الأمريكى بقطع أموال المعونة الأمريكية عن مصر ، عقابا لها بسبب إغلاق منظمات مجتمع مدنى تعمل على الأرضى المصرية بدون ترخيص ، وتهدد بعض أنشطتها الامن القومى المصرى ، ثم إحالة بعض القائمين عن تلك المنظات ، وبعضهم يحمل الجنسية الأمريكية إلى القضاء ،دون مبرر قانونى واضح وفى قضية جوهرها سياسى ،وسيدفع المتهمون فيها ظلما ثمن الخلافات السياسية بين مصر وأمريكا ونأمل إثبات براءتهم فى المحاكمة التى بدأت أولى جلساتها ,الأحد 26 فبراير الماضى.

والحقيقة إن مبادرة الشيخ حسان من وجهة نظرى لها جانبين ، معنوى ومادى .

فمن الناحية المعنوية أؤيد وأشجع تلك المبادرة جدا ، لانها فى جوهرها تحافظ على الكرامة المصرية ، وترفض تدخل الغير ، خاصة أمريكا ، فى شؤوننا الداخلية ، وترسل رسالة للعالم كله بأننا لانقبل التبعية لأحد ، أو أن تمس سيادتنا أو كرامتنا الوطنية خاصة بعد ثورة 25 يناير .

ولكن من الناحية المادية أو الواقعية ، فإننى أتحفظ على تلك المبادرة رغم نبل مقصدها ، لإن من الصعوبة الإستغناء عن المعونة الأمريكية خاصة التى تتعلق بالناحية العسكرية وقدرها 1.3 مليار دولار أو حتى المعونة الإقتصادية التى تبلغ حوالى 250 مليون دولار ، لإن تلك المعونة فى حقيقتها –رغم أنها فى تناقص مستمر - ليست منحة أو هبة ، ولكنها إستحقاق ،أو حق مكتسب ، ومثلما يستفيد منها الإقتصاد المصرى ، فإن أمريكا تستفيد منها أيضا وتحقق مصالحها فى المنطقة من خلال مصر .

فإتفاقية المساعدات الفنية والاقتصادية المبرمة بين مصر وأمريكا عام 1978 عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد كان يبلغ إجمالي تلك المساعدات وقتئذ 850 مليون دولار، وتلك المساعدات كانت مقسمة على ثلاثة مكونات وهي مكون المشروعات، ثم مكون التحويلات النقدية، والمكون الخاص بالاستيراد السلعي للقطاع الخاص ..
بالإضافة إلى الاتفاقية الأصلية العامة الموقعة في 1978 كان يتم إبرام اتفاق سنوي بين الجانبين المصري والأمريكي، بكل قطاع مصري مستفيد من البرنامج، ويتم عرضه وفقا لأحكام الدستور على مجلسي الشعب والشورى للتصديق عليها.
وقد تم الاتفاق بين الجانبين منذ العام 1994 على أن يتم تخفيض مبلغ المعونة بنسبة 10 % حتى وصلت عام 2004 إلى مبلغ 415 مليون دولار أمريكي تقريبا، إلى أن قام الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بشكل منفرد بتخفيض مبلغ المساعدات الاقتصادية لمصر إلى مبلغ 250 مليون دولار فقط ، والتى ستتناقص العام القادم إلى مائتى مليون دولار فقط ، ولاسيما أن جزء من تلك المعونة يقتطع لصالح منظمات المحتمع التى تعمل من المساهمة فى التحول الديمقراطى .

بمعنى اخر ليس من الممكن الإستغناء عن المعونة الأمريكية وأستبدالها بالمعونة المصرية ، لإن المسألة ليست متعلقة بأموال نحصل عليها بموجب إتفاقية ،أوكحق مكتسب يحقق مصالحنا ومصالح أمريكا ، وتشجيعا لنا من أجل إستمرار حالة السلام مع إسرائيل ، ولكن لإنها مرتبطة بعلاقتنا الإقتصادية ككل مع الولايات المتحدة الامريكية التى نسعى إلى عمل إتفاقية تجارة حرة معها ، وفى نفس الوقت نعتمد عليها كسوق ضخم لتصريف منتجاتنا ، خاصة الملابس الجاهزة والمفروشات ، وأيضا تملك أمريكا بما لها من ثقل دولى مساندتنا ودعمنا أمام مؤسسات التمويل والإقراض الدولية ، وإنها بابا ملكيا لمرور الإستثمارات الأجنبية إلى مصر .

كما أن العلاقات العسكرية مع أمريكا فى غاية الحساسية ، ولايمكن الإستغناء عنها فى الوقت الحالى ، خاصة فيما يتعلق بشراء الأسلحة الأمريكية ، أو قطع الغيار للأسلحة الموجودة ، وأيضا فى مجالات التدريب ونقل التكنولوجيا العسكرية ، والمناورات المشتركة .

نعم لمبادرة الشيخ حسان فى جانبها المعنوى ، والتى أرسلت رسالة واضحة ليس لأمريكا فقط ولكن للعالم كله ، بأن مصر بعد الثورة أصبحت أكثر إستقلالا ومحافظة على كرامتها الوطنية ، ولكن مصلحة بلدى تقتضى أن أوافق أيضا على إستمرار تدفق المعونة ولكن بكبرياء وطنى ، ومع المحافظة على أمننا القومى ومصالحنا الإستراتيجية ، وأيضا لا أحب أن يتحمل الشعب المصرى المطحون معاناة فوق معاناته ، ويوفر جنيهات قليلة من قوته كى يتبرع بها للإستغناء عن المعونة الأمريكية ، والتى أصبحت حقامكتسبا لنا .

أتمنى أن يأتى اليوم الذى نستغنى فيه بشكل كامل عن المعونة الأمريكية ، وأن يقوم الشيخ حسان أوالسلفيون بمبادرة لزيادة الإنتاج وزيادة ساعات العمل والإخلاص والإتقان فيه، والدعوة لوقف الإعتصامات والمظاهرات الفئوية ، وتلك المبادرة ستجد صدى كبير ، لأنها ستنطلق من رجال دين أفاضل ، أما أن يتبنى الشيخ حسان مبادرة إقتصادية للإستغناء عن المعونة الإمريكية وإستبدالها بمعونة مصرية ، فهذا ليس دوره أبدا ، ولابد أن نترك " العيش لخبازه "

حمدى البصير

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 11408