مع الشيخ راشد الغنوشى وعُرس الديمقراطية فى تونس

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٨ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

عرفت الشيخ راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة التونسية، قبل عشرين عاماً، وهو فى منفاه فى العاصمة البريطانية لندن، ودعوته إلى بعض حوارات منتدى الفكر العربى، وقت أن كنت أشغل الأمين العام للمنتدى بالعاصمة الأردنية عمان فى أواخر الثمانينيات.

وأذكر أن أول أسئلتى له كان حول اختيار لندن لمنفاه، بدلا من باريس أو جنيف، حيث إن لغته الثانية هى الفرنسية، أى أنه «فرانكفونى» وليس «أنجلوفونى»، فأجاب بأن «اللاجئ»، غير «السائح»، يلجأ إلى حيث يجد القبول والأمان، وأضاف، أن فرنسا لم ترحب به، حتى لا تغضب حليفها الرئيس التونسى زين العابدين بن على، أما جنيف فلم تكن آمنة. عكس ذلك وجد ترحيبا وأمنا وأمانا فى بريطانيا.

تحدثنا فى ذلك اللقاء قبل رُبع قرن فى لندن عن الثورة الإسلامية الإيرانية، وعن نظام عُمر البشير فى السودان، وعن السعودية، وطالبان فى أفغانستان، وكان الرجل وقتها متحفظا فى نقد الأنظمة «الإسلامية»، وركز نقده على الأنظمة الاستبدادية الشعبوية التى كانت مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق.

وحين وفد علينا فى اليوم الثانى لندوة «الثورة والانتقال إلى الديمقراطية فى العالم العربى»، التى نظمها مجلس دراسات الوحدة العربية ببيروت، والمعهد السويدى بالإسكندرية، وصافحنى الرجل بحفاوة، وهنأته على الثورة التونسية، وعلى السلاسة التى يحدث بها التحول فى تونس. وبادرنى بدوره، بسؤال عما إذا كُنت قد عدت إلى مصر من منفاى فى قطر وإسطنبول.. ورددت بالإيجاب، وعلّق الرجل أن أول رحلة قام بها بعد العودة إلى تونس، كانت إلى القاهرة، بعد ثورة ٢٥ جانفى (يناير)، وكان ذلك استمراراً لتقليد بدأه فى شبابه، بعد كل محطة فى مسيرته. ولم يمنعه عن مواصلة ذلك إلا رفض النظام المصرى منحه تأشيرة دخول، وذلك استجابة لطلب من الرئيس التونسى السابق، زين العابدين بن على. وأن رؤساء وملوك عرب آخرين ساروا على نفس النهج.

سألته: ما هى البُلدان العربية الأخرى التى أنكرت عليك حق اللجوء أو الإقامة؟

فاجأنى بأن الأسوأ فيها كانت السعودية، حيث إنها التى قطعت عليه مناسك الحج، وأجبرته على الرحيل من الأراضى المُقدّسة.

سألته: هل ينوى أن يعود إلى السعودية لإتمام مناسك الحج السابقة التى لم تكتمل؟

أدهشنى الشيخ راشد الغنوشى بأنه لن يعود إلى الأراضى المُقدسّة، إلا بعد أن تصلها نسائم الربيع العربى، وأن ذلك ليس على الله بكثير؟

ثم قال إننى أريد أن أعود لتصحيح ملاحظتك عن السلاسة التى يتم بها التحول السياسى فى تونس، فذلك ليس صحيحا.. فلا سلاسة على الإطلاق. كل ما هُنالك أن جميع القوى السياسية التونسية قد اتفقت بعد رحيل «بن على» مباشرة على أن ندير خلافاتنا سلميا. وساعدنا على ذلك وجود «مجتمع مدنى» قوى. نجح «بن على» فى إضعافه، لكنه لم ينجح فى القضاء عليه، كما حدث فى بُلدان عربية أخرى.

وأردف الرجل، أن قرب تونس جغرافيا من أوروبا، جعل لهذه الأخيرة تأثيراً ملموساً على تفكير ومُمارسات التونسيين، بمن فيهم الإسلاميون، من قيادات وأعضاء حزب النهضة (الإسلامى)، وأن ذلك كله قد ساعد على السلاسة النسبية للمرحلة الانتقالية، والتى لم تنته بعد.

ثم شاركت السيد راشد الغنوشى مائدة الغداء، مع كل من المصرية د. نيفين مُسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، واللبنانية د.مارلين نصر، مسؤولة البحوث بمركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت. وسألته عن موقفه وموقف حزب النهضة من السياحة، وتحديداً من احتساء السُيّاح للخمور، وارتياد النساء الشواطئ، وارتدائهن لباس البحر (المايوهات)؟

ابتسم الرجل ابتسامة عريضة، وقال إن الحزب الذى ينتمى إليه، وهو النهضة، أعلن ونشر موقفه من السياحة، كنشاط اقتصادى رئيسى، لا غنى لتونس وللتونسيين عنه، وهو مُلتزم بموقف الحزب. وسيكون الناخبون التونسيون هم الفيصل «النهائى».

كان مُجرد جلوس السيد راشد الغنوشى بين سيدتين، لمدة ساعتين دون حرج أو انزعاج، فى حد ذاته، نموذجاً للانفتاح والإيمان العلمى بالمُساواة بين الجنسين.

فهنيئاً لتونس بثورتها الديمقراطية، وتهنئة لحزب النهضة الحاكم بفهمه المُستنير للإسلام. وليت الإسلاميين فى مصر يتعلمون منهم ويقتدون بهم.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 9549