ولاية الرجل المسيحي على المسلمين

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ولاية الرجل المسيحي على المسلمين

إن تحريم معظم العلاقات الاجتماعية مع أهل الكتاب الموجهة من طرفهم إلى المسلمين كانت من وجهة نظر سياسية ، وليست دينية ، فلقد انطلق الفقه الإسلامي الموروث في تحريم هذه العلاقات من مفهوم أن القرآن قد احتوى رسالة خاتمة ناسخة لما قبلها ، وبالتالي فجميع من سبق ينبغي أن يتركوا ما هم عليه ويتبعوا النبي محمد صلى الله عليه وآله ، ناهيك عن إساءة وقصور في فهم نصوص قرآنية متعلقة بأهل الكتاب, وصفت بعضهم بالكفر والعداوة والبغضاء للحق وأهله, فتم تعميم ذلك بغفلة من فقهاء مسلمين على جميع أهل الكتاب ، مع العلم أن القرآن قد أتى بنصوص تذم بعضهم وتمدح الآخرين كما هو معروف لمن يقرأ القرآن بتدبر ! إن القرآن لم يأت ناسخاً لكل مضمون ما سبق ، فالتوحيد للخالق المدبر أساس دعوة الأنبياء والرسل جميعاً ، وكذلك توحيد العبادة لله أيضاً محور ثابت ، كما أن القيم والأخلاق والوصايا العشرة أيضاً ثابتة ومعلومة سابقاً لدى أهل الكتاب . فهل نسخ القرآن هذه الأمور ؟! أم اعتمد عليها وتواصل معها وأعاد تشريعها مرة أخرى ؟!

فالإسلام دين الله للناس جميعاً بدأ بنوح مروراً بإبراهيم وموسى وعيسى ، وتم ختمه وإكمال شرعه بمحمد صلوات الله عليهم جميعاً .

فجميع الأنبياء والرسل دينهم الإسلام ، ولا يوجد دين إلهي آخر ، وإنما يوجد تشريعات تاريخية قومية عينية كانت تنزل بجانب التشريعات الإسلامية ، ومع استمرار الزمن والتطور كانت التشريعات العينية يتم تعديلها أو نسخها ، وتنزل تشريعات عينية أخرى ، مع استمرار نزول التشريعات الإسلامية السابقة والإضافة لها من نوعها لدفع المجتمعات والرقي بها نحو الإنسانية . وهكذا استمر سير محور الشرعين . الشرع العيني في تقلص ونسخ ، والشرع الإسلامي في بناء وتكامل ، إلى أن تم إنهاء الشرع العيني تماماً, واكتمال الشرع الإسلامي بناء في بعثة النبي محمدصلى الله عليه وآله . فاحتوى القرآن كل الشرع الإسلامي من بدايته ومراحل نزوله إلى اكتماله [ إن الدين عند الله الإسلام ] آل عمران 19 [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ] المائدة 3

إذاً يوجد قاسم مشترك كبير بين أتباع الأنبياء والرسل ، قائم على التواصل والبناء والتعارف والتعايش والتعاون ، وليس عل التناحر والعداوة والبغضاء وإزالة الآخر .

فأتباع الأنبياء والرسل مسلمون, وليس لهم دين آخر أبداً . وبالتالي ينبغي إزالة مقولة : تعدد الأديان !!. فالدين واحد والشرع الإسلامي أيضاً واحد ، والشرع القومي متعدد ومختلف وهو محل النسخ والتعديل لما سبق, وأتباع الأنبياء والرسل متداخلون في العلاقات الاجتماعية بناء على الاحترام والمحبة والقبول بالآخر ، والقاسم المشترك هو الإيمان بالله واليوم الآخر, والالتزام بالقيم والأخلاق, والوصايا العشرة والعمل الصالح النافع للناس . [ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] البقرة 62

وبناء على هذه العلاقات أباح الله العلاقات بين المجتمعات المؤمنة ، وذلك من خلال عدم تحريمها [ الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص ] فلا مانع من الزواج المتبادل بين المجتمعات المختلفة ثقافياً ، ولا مانع من التبادل التجاري في إدارة مصالحهم ، ولا مانع من وصاية أو ولاية بعضهم على بعض في إدارة الأموال أو العناية بالأولاد ,كما أنه لامانع من أن يتنصب الرجل المسيحي زمام أمور الولاية الكبرى ( رئاسة الدولة ) لمجتمع الأغلبية فيه من المسلمين ! لأن الأصل هو التعايش والتعاون والتماسك بين أفراد المجتمع الواحد , والحكم سوف يكون وفق الدستور والقانون وليس وفق الهوى أو الطائفة !! . هذا حكم الشرع الإسلامي . أما تطبيق ذلك في الواقع فأمر مرتهن بالوعي والثقافة لدى جميع الأطراف، فقد يمتنعون عن هذه العلاقات أو بعضها . فمسألة الوصاية أو الولاية لرجل مسيحي على صعيد الدولة أوعلى أولاد مسلمين أمر مرتهن بثقافة الولي أو الوصي ، من كونه إنساناً يحمل مفاهيم الخير والعدل ويلتزم بالحق ويحترم الآخر , ومرتهن بوعي وثقافة المجتمع على ذاته. قال تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ] المائدة 57

اجمالي القراءات 24620