ضحايا بورسعيد بين الوهابية والكرة الأوروبية

رضا عبد الرحمن على في السبت ٠٤ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ضحايا بورسعيد بين الوهابية والكرة الأوروبية

 

كمواطن مصري يرى ويشاهد بعين ثاقبة كل ما يدور في مصر منذ اندلاع ثورة يناير العظيمة أستطيع القول أن فاجعة أو موقعة بورسعيد قد حققت أهدافها التي يبحث عنها من خططوا وأنفقوا على هذه الجريمة الغير إنسانية والتي لا تمت للشرف بأي صلة ، فكلما دخلت البلاد في مرحلة من الهدوء النسبي وحالة يمكن وصفها بالاستقرار ، وكلما اشتدت الثورة وعادت من جديد وأظهرت الثورة المصرية أنها حية ولا زالت تنبض في عروق شباب مصر وشعبها ، وكلما توافقت القوى السياسية واجتمعت على رأي واحد وهدف واحد ومطلب واحد هو القصاص من القتلة ونقل المخلوع لطره والمطالبة بصورة رسمية جادة باسترداد الأموال المهربة ومحاسبة من تواطئوا في إخفاء أموال مبارك داخل مصر ، والمطالبة بالقبض على سوزان مبارك ، والمطالبة بمحاكمة مبارك وعصابته محاكمة استثنائية ، وبعدما بدأ البرلمان يعبر عن نفسه وبدأ بعض أعضاءه يستدعون رئيس الوزراء ووزير الداخلية ، وكلها خطوات مؤثرة وإجراءات قد تحقق العدالة النسبية وترجع الحقوق لأصحابها وتعاقب المجرمين والقتلة والسارقين ، فيكون رد الفعل من الثورة المضادة أكثر إجراما وبشاعة ، وتكرر هذا الرد في جرائم متتالية بداية من موقعة الجمل ومرورا بأحداث مسرح البالون والعباسية وكنيسة امبابة ومسابيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ، وفاجعة بورسعيد التي تحولت لأحداث انتقامية واضحة في شوارع محمد محمود مرة أخرى وشارع الفلكي وشارع منصور وبعض الشوارع المؤدية لوزارة الداخلية وميدان التحرير ، وكل ما يحدث مقصود ومخطط وليس صدفة ، والغرض منه الانتقام من الشعب المصري وتأديبه وتلقينه درسا لأنه نجح في تنظيم مثل هذه الثورة العظيمة ، إذن هناك عملية انتقام واضحة من الشعب المصري وتأديبه ومعاقبته على الثورة التي أطاحت بالمخلوع ولم تسقط النظام الفاسد الذي كان يرأسه بما فيه المجلس العسكري ووزارة الداخلية وأمن الدولة فكلهم رجال مبارك ولابد أن نعلم جميعا يستحيل وأكرر يستحيل أن يوافق هؤلاء أن يُحَاكَمْ رئيسهم وربهم الأعلى مبارك فهم شركاء في كل شيء هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وهي الأهم إذا كان مبارك والعادلي بسبب موقعة الجمل وحدها تم القبض عليهما ومحاكمتهما ، فما هو الإجراء القانوني مع من يقوم مقام رئيس الدولة حين يحدث في فترة إدارته للبلاد كل هذه الأحداث.؟ إذن محاكمة مبارك والعادلي على موقعة الجمل وما حدث من قتل وجرائم خلال ثمانية عشر يوما فقط ، وصدور حكم قضائي عادل ضدهم بالإعدام أو السجن المؤبد  بحكم المسئولية السياسية الكاملة عن كل ما حدث ، فهذا معناه أن المجلس العسكري خلال عام مسئول عن أضعاف أضعاف ما حدث في ثمانية عشر يوما بحكم المسئولية السياسية أيضا.

أقول هذا الكلام ومعي دليل يثبت النية الانتقامية لدي أجهزة الأمن (يوم الخميس الموافق 2/2/2012م حاول المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة السابق ومعه مجموعة من الشخصيات الوطنية أن يذهبوا للمسئولين في وزارة الداخلية للاتفاق على هدنة ووقف المواجهات وبالفعل ذهبوا عن طريق شارع محمد محمود ، وفي منتصف الطريق وقبل أن يصلوا لمبنى وزارة الداخلية انهالت عليهم القنابل المسيلة للدموع فسقط المستشار مغشيا عليه ودخل في حالة إغماء هو والدكتور محمد حشمت ، ولولا إسراع الشباب ونقلهم من المكان لفارقا الحياة ، هذا الموقف حدث بعد أن قام أحد القيادات في وزارة الداخلية بالاتصال بهم وعرض عليهم مسألة الهدنة ، واتفقوا على الجلوس معا للوصول إلى هدنة  ووقف الاشتباكات ، وتكرر هذا عدة مرات مع شخصيات أخرى منها الشيخ مظهر شاهين خطيب مسجد عمر مكرم وتكرر نفس رد الفعل من أفراد الداخلية.

الدليل على هذا الرابط

!http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=bPfMICPuioU#!

إذن أحداث بورسعيد حققت أهدافها المنشودة التي يرديها أعداء الثورة ، لأن هذه الأحداث صنعت مادة جديدة للنقاش والحوار والجدال بين جميع القوى السياسية وجميع فئات الشعب المصري ، كذلك صنعت خلافات لا حصر لها وتباين في تقييم ونظرة كل فرد وكل جهة وكل فصيل للجريمة ولكيفية التعامل معها وإيجاد حلول لها ، كذلك حولت عقل وفكر الجميع إلى اتجاه واحد هو البحث عن القتلة والجناة الجدد ومحاكمتهم  ــ تماما كما حدث في الجرائم السابقة ، والهدف بالطبع نسيان وترك المحاكمات الأساسية وسقوطها من الذاكرة.

ملحوظة: من باب العلم بالشيء يقال بعد شهرين أن مبارك سيكمل 85 سنة ويقال أيضا أن المتهم في هذا السن لا يجوز قانونا  أن يحكم عليه بالإعدام ، فإذا كان هذا الكلام صحيحا حسب القانون؟ ، إذن مسرحية المحاكمات خلال العام الماضي كان هدفها أن يكمل مبارك سن الهروب من الإعدام.؟.

رغم كل هذا لا أجد في كل ردود الأفعال هذه أغرب من رد الفعل الذي أعلنه الأستاذ /خالد عبد الله /الداعية الوهابي بقناة الناس ، وكذلك ما قالته الدكتورة /عبلة الكحلاوي  أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، فكلاهما انشغل بأمر غاية في الخطورة والحساسية والغرابة ، فقد صرحا معا بأن من ماتوا في أحداث بورسعيد ليسوا شهداء ، وقد أضاف خالد عبد الله على هذه الكلمات قائلا لشهداء أحداث بورسعيد لما ربنا يسألكم كنتوا فين  هاتقولوله كنا في ماتش كورة.

وهنا لابد أن نسأل الدكتورة عبلة والشيخ خالد هل هذا الكلام يليق أن يقال في مثل هذا الموقف.؟ دون أي تقدير لمشاعر أسر الضحايا ، وهل المطلوب الآن هو تحديد مصير الضحايا وهل هم شهداء أو غير شهداء.؟ ، وبدلا من إدانة الحادث والبحث عن الجناة والقتلة والمطالبة بمحاكمتهم والقصاص للضحايا فورا تحقيقا للعدل القرآني ، لا ـ فقد تجاهلوا كل هذا وانشغلوا بمصير هؤلاء الشهداء في الآخرة وهل هم شهداء.؟ أو  غير شهداء ، لأنهم كانوا يشاهدون مباراة كرة قدم ، وهذه الأمور ليس من حق الإنسان أن يتحدث فيها  أو يتقول على الله فيها فهو وحده يعلم الغيب ويحكم بالعدل ولا يظلم أحدا ويحكم ولا معقب لحكمه.

السؤال هنا : هل هذه الفتوى من الدكتورة عبلة والشيخ خالد هدفها سياسي أو ديني.؟ بمعنى: هل يريدون تقليل عدد الشهداء حتى لا تدفع لهم الدولة تعويضات.؟ أو يقولون هذا عن قناعة دينية وعقيدة راسخة.؟.

رغم رد الفعل الغريب جدا من أستاذة بالأزهر ، وشيخ سلفي وهابي إلا أن لاعبي الكرة في أوروبا أظهروا أنهم أرقى بكثير من الفكر الوهابي وأنصاره وذلك حين وقف فريق برشلونة الاسباني دقيقة حداد احتراما لضحايا بورسعيد ، وكان أحد المشجعين يرفع علم مصر ، هذا هو الفارق بين الفكر الوهابي الذي يحاول أن يضع نفسه مكان الله جل وعلا وبين السلوك الإنساني الحضاري الأخلاقي الذي يمكن أن يصدر عن أي إنسان بفطرته السليمة الغير ملوثة ـ حتى لو كان لا يعرف أي شيء عن تعاليم الإسلام الحقيقي في القرآن الكريم الذي يدعو إلى الحب والتسامح والمودة والعدل وحقوق الإنسان وقول الحق والدفاع عن الضعفاء والمظلومين في كل مكان بدلا من التدخل في مصائرهم والتقول على الله ما ليس لنا به علم.

الفيديو على هذا الرابط

http://www.youtube.com/watch?v=Eapn73jVWuw&feature=related

اجمالي القراءات 11650