مؤمـــن آل فـــرعـــون
شـــهيـــد لــــــكل عـــــــــصــــر

محمد عبدالرحمن محمد في الأربعاء ١٨ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  

                            

كل أمة في عصرها لها شهيد أو شهداء يشهدون عليها أمام الله تعالى وذلك يوم الدين .. ولو تتبعنا لفظة شهيد  وشهداء في القرآن الكريم.. لوجدنا أنها تكون لشهادة الفرد على أمته  لإقامة الحجة عليها..  أو شهادة الشهداء على أممهم لإقامة الحجة عليهم.. يوم الدين

 مثلا قوله تعالى.. {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41

فالأنبياء شهداء على أممهم والأمم التي لم يكن بها أنبياء يكون بها شهداء عليهم..

يقول تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143

 هنا نعرف أن الشهادة يمكن ان تكون لفرد واحد وهو يكون شهيد على أمته أو تكون لأفراد عدة .. الله أعلم بعددهم ويكونوا شهداء على الناس  و سواءٌ كان الناس أمتهم التي ولدوا وعاشوا بها وأصبحوا شهداء عليهم . أو أصبحوا شهداء على جميع الناس في ذلك العصر.

 ومن هنا  فقد كان موسى عليه السلام شهيدا على بني اسرائيل وهم قوم موسى وكان شهيدا أيضا على فرعون وملئه وقومه في نفس الوقت..

 كما كان مؤمن آل فرعون شهيد على قومه قوم  فرعون وملئه.. وآله.. وهذا يمكن أن نتبينه من الآيتين السابقتين..

  ولنعيش في رحاب الآيات التي وصفت موعظة مؤمن آل فرعون لقومه الذين هم قوم فرعون وملئه وآله، في سورة غافر من الآية (28) إلى الآية  (44) من نفس السورة.... وهو مشهد واحد لم يتكرر في أي من سور القرآن.!

يقول تعالى:

 وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ{28}غافر

كتمان الإيمان .. لا حرج فيه..

في مستهل  الآية السابقة العظيمة  نجد توصيفا هاما وعميقا لطبيعة إيمان مؤمن آل فرعون فقد كان إيمانا مكتوماً أي غير معلن  لقومه فقد كان يعيش هذا الرجل المؤمن بين قومه يأكل مثلهم ويلبس مثلهم ويتكلم لغتهم ويتعاون معهم على أمور المعيشة كلها دون أن يميز نفسه بلباس معين مختلف عن لباس وزي قومه قوم فرعون ..

ومن هنا يمكن أن نعلن أن الإسلام والإيمان ليس له زي معين ولا لباس معين .. يميزه عن لباس الأمة أو مجموع لباس الناس،  فزي الرجل و المرأة المؤمنة هو نفسه زي المجتمع اللذان يعيشان فيه.. فالإيمان جوهر وليس بمظهر .. ولو كان الرسول محمد عليه السلام بُعِث في هذا العصر .. لوجدناه يلبس .. أحدث موديلات البدل والحلات العصرية  والمعاطف التي تتماشى مع هذا العصر...!!

لم تُنْكِر الآية الكريمة على الرجل المؤمن من آل فرعون كتمانه لإيمانه..! فربما كان موظفا في البلاط الفرعوني .. أو كان من الملأ  الفرعوني ..  فهو يمتلك  قوة المنطق وحسن البيان.. والعلم الغزيز..  وهذا بالطبع غير متوفر في طبقة المزارعين أو الحرفيين..

أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ وقد جاءكم بالبينات من ربكم..

 مؤمن آل فرعون يؤصل لحقيقة من حقائق الاسلام وهى تأمين الداعية  إلى الله على حياته حين يقوم بالدعوة السلمية  وهو يتلو البينات  .. فلا يجب أن يمنعه البشر من ذلك ..

وإن كان النبي المرسل  أو الداعية كاذباً فهو وحده الذي يتحمل وزر كذبه.. ولا أحد من الناس..

  أما إن كان صادقا..  فيما يدعو  له فمما يدعو إليه هوالإنذار بالعذاب لمن يكذب بالآيات  ربما في الحياة الدنيا.. ولعذاب الآخرة أكبر.

ومن يسلك هذا المنحي في قتل أو ترويع النبي أو الشهيد على قومه .. فهو من المسرفين المكذبين بدين السماء وهو الاسلام .. والله لن يهديه الصراط السواء. 

 

{ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا..}

في هذا الجزء من الآية  يمكننا أن نتعرف من حديث مؤمن آل فرعون .. على أن مصر كانت دولة قوية مُلْكُها عضود بين الأمم وقتها فهى بحق سيدة العالم القديم.. دولة بها مدنٌ وقرى وأقاليم .. ونظام حكم  قوي  مكين ومستبد.. يعرفه معظم سكان الأرض وممالكها.. جميعا.!

ليس هذا فحسب بل إن المصريين يعرفون الإله الواحد وهو الله تعالى .. وإن لم يكونوا صالحين،  فلم يكونوا وثنيين بمعنى عبادة التماثيل.. الحجرية.. كما هو شائع في المفاهيم المعاصرة اليوم..!

{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ{29}

فرعون  هنا يتقمص صفة من صفات الذات الإلهية بزعمه أنه لايجب أن يأتمر قومه إلا بأمره هو وحده.. ولا يذعنون لأحد غيره حتى  أنه حجب عن قومه  معرفة حقائق الأشياء ورؤيتها على حقيقتها والتي يجب عليهم أن يروها كما خلقها الله تعالى.. فلا يحق لهم أن يروا الأشياء إلا كما يراها فرعون.. فرؤيته هى البصيرة  ..

وطريقه هو طريق الصواب والحكمة والهداية.. وأنه سوف يمنع عن قومه  بأس الله تعالى .. إن جاءهم..

 وهو بذلك مسرف متعد لحدود الله وكذاب فيما يمارسه مع قومه.

  وما زال حكام مصر منذ محمد علي وأسرته وحتى اليوم يمارسون ما مارسه فرعون من التجبر والتكبر على المصريين  وزعمهم أنهم يهدون المصريين إلى سبيل الرشاد..!!

حتى أن الرئيس السادات كان يقول ( أنا رب العائلة المصرية) وقد قالها جده فرعون قبله حين قال ( أنا ربكم الأعلى)!!

 

{ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ{30}

مؤمن آل فرعون يخاف على قومه بل ويحب قومه ويشفق عليهم من مصير مخيف هو يعرف أنه يحدث لكل من سبقهم بالكفر والظلم والفسوق من الأحزاب السابقة ..

 فيجب أن يقلق الداعية على قومه وأهله بشأن فسوقهم وتعديهم حدود الله تعالى وخضوعهم المذل لأحد من خلق الله تعالى حتى ولو كان واحدا منهم وهو فرعون.

ولهذا نرى دعاة الحق  المخلصين يحبون مصر  ويخافون على مستقبل مصر وأهلها وأبناء أهلها من مصير مظلم لو استمر الخضوع والتذلل للمجلس العسكري والفلول(الملأ).. بعد أن نزع الله المُلْك من فرعون العصر حسني مبارك،  فهم يعظون بالقرآن  وبالتي هى أحسن وبحقوق الانسان وبالشورى والديموقراطية وبالعلم (العلمانية) ..  

واستمر مؤمن آل فرعون في الوعظ في موقف الشجاعة والفضيلة.. وحتى في عدم وجود موسى في هذا الموقف الخطير جدا!.

 

 {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ{31} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ{32} يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{33}

مؤمن آل فرعون  كان يعرف تاريخ الأمم السابقة وما حدث لهم من إهلاك بسبب فسادهم وكفرهم بدين الله تعالى وبآياته البينات ..! هو يذكر لهم ماحدث لقوم نوح من هلاك بالطوفان وما حدث لقوم هود يقول تعالى:

{وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }هود60

وعن ثمود وعظهم مؤمن آل فرعون بأن الصاعقة يمكن أن تصيبهم كما أصابت قوم عاد وثمود يقول تعالى

: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }فصلت13

والذين من بعدهم..  الله أعلم  بترتيبهم الزمني.. وأن الله تعالى لايريد الظلم للعباد  جميعا .. لكن من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.. فعندما يتعدى الحاكم المستبد أو المساعدين له من البطانة الظالمة (الملأ) حدود الله تعالى فيكون هلاكهم  بإحدى  طرق الهلاك في الدنيا التي ذكرها القرآن  ولعذاب الآخرة أكبر..   ولم يكن الله ليهلكهم  لو كانوا آمنوا بالآيات والنذر وذلك قبل نزول القرآن الكريم.. أما بعد نزول القرآن فلم يحدث إهلاك جماعي لمجتمع فاسق أو  كاره للإسلام .

لقد هلك جمال عبد الناصر بالموت تسمماً من أعدائه..  وهلك السادات قتيلا  في عيد تأليهه في السادس من أكتوبر.. على أيدي نائبه الخسيس حسني مبارك وبتنفيذ من الجناح العسكري للإخوان .. من ضباط صغار  في جيش الفرعون..!! ويا لسخرية الأقدار ..

واليوم  قد نزع الله تعالى المُلْك من يدي حسني مبارك ذلك الطاغية المتأله..  على أيدي كبار ضباط جيش هامان وزير حربيته وحربه. وهو يلاقي نهاية درامية ..ومأساوية الفضيحة له ولأسرته بالكامل. وهكذا يكون إهلاك الظالمين في الدنيا.. وزوال ملكهم.

( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد)

 للمرة الثانية يعلن مؤمن آل فرعون أنه يخاف على قومه من المصير المحتوم يوم القيامة ويوم الحساب عندما يتولوا مدبرين خائفين ومهرولين من هول  وفزع يوم الحساب..

مثابرة مؤمن آل فرعون في دعوة قومه لعبادة الله تعالى بدلا من الخضوع والخنوع للفرعون.. حتى لا يقعوا في دائرة الضلال لأن  الله لن يهدي من أراد لنفسه الضلال.

هكذا  أرى دعاة القرآن  وكفى  وهم دعاة الاسلام حقاً .. ومعهم دعاة العدالة والمساواة والحرية يثابرون في دعوة قومهم للإهتداء بهدي القرآن والانتساب لتعاليم الاسلام.. أو عن طريق حقوق الانسان.

 اليوم .. بضعة عشرات أو مئات  من  مؤمني آل فرعون يدعون قومهم  المصريين منذ  ثلاثة عقود أو أكثر لما دعاهم له (مؤمن آل فرعون) في الماضي البعيد..  يدعونهم بالقرآن وهديه!

{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ{34}

 

الآية السابقة تضعنا أمام حقيقة كبرى وهى أن المصريين كانوا قد خَبِروا  يوسف ورسالته التي نزل بها والآيات البينات التي دعا إليها المصريين في عصره ليؤمنوا بها ويعملون بهديها. وظل طوال حياته يدعوهم إلى عبادة الله الواحد والتخلي عن عبادة آلهة اخرى .. فالله وحده هو المستحق للتوحيد والتقديس والعمل بآياته البينات..

  هل استجاب المصريون ليوسف  طوال حياته ومقامه بينهم ؟ وأيقنوا أنه رسول من عند الله تعالى أتى لهم وآمنوا بالبينات!!؟؟

مؤمن آل فرعون يخبر قومه بحقيقة عقيدة المصريين السابقين لعصره..  وأنهم ما فتئوا أن استراحوا لوفاة وهلاك يوسف عليه السلام ..  

لكن مؤمن آل فرعون .. هو من نسل وسلالة المؤمنين القلائل  الذين آمنوا برسالة يوسف عليه السلام..!

لكن غالبية المصريون فرحوا بهلاك يوسف وموته.. واستراحوا لأن يخضعوا ويذعنوا إذعاناً كاملاً لحكامهم المستبدين.. ومازالوا حتى اليوم يُخدعون فيهم.. وكأنهم آلهة لايُسألون عما يفعلون.

  وفي هذا إسراف منهم لخضوعهم وتذللهم التام  لحكامهم المستبدين المتألهين. ولهذا فإن الله يضلهم  ولايهديهم للعزة.. لسلوكهم هذا.!! فالله لايهدي كل مسرف مرتاب.

  من هو المسرف المرتاب؟

 هو أو هم كل من يجادل في آيات الله ودين الله .. بغير سلطان من الله لهم .. فالله لم يخول أحدا من البشر ولم يعطه تصريحاً وتفويضاً مباشراً لكي يجادلوا في آيات الله وفي دين الله ويعارضوا الهدي والدعوة إلى دين الله تعالى والإيمان به..!!

 وذلك هو المقت الكبير عند الله تعالى وعند المؤمنين بالله وبآياته البينات. يقول تعالى : {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }الصف3

و في ذلك يقول الله تعالى: على لسان مؤمن آل فرعون:

   {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ{35}

 فكان العقاب الدنيوي لكل من تكبر وتجبر من فرعون وآله وملئه وقومه.. أن الله تعالى يطبع على قلوبهم الكفر الذي ارتضوه عن تكبر وتجبر.. فلا فرصة لهم لأن يتوبوا ويعدوا إلى طريق الإيمان  فيكون جزاءهم النار. يُعرضون عليها غدوًا وعشياً حتى قيام الساعة .. فيدخلون أشد العذاب.

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ{36} أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ{37}

 هذه الآية يمكن تدبرها مع الآيات التي تتناول فرعون وكفره وتكوينه .

 

 {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ{38}

شئ عجيب جداً يمكن أن نلاحظه..!!

لكي نتدبر هذه الأية المعجزة لابد أن نضعها جنباً إلى جنب مع الآية رقم29

وهى : {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ{29}

  فرعون يقول للمصريين: وما أهديكم إلا سبيل الرشاد..!

مؤمن آل فرعون يقول للمصريين:  أتبعون أهدكم سبيل الرشاد.!!

 لاحظ معي إعجاز البيان ودقة التعبير.. في كلمتي (أهديكم) التي قالها فرعون فهى تفيد المماطلة والتضليل بزياد حرف الياء.. أما التعبير القرآني عن الهداية التي ينشدها مؤمن آل فرعو عن طريق  دين الله تعالى فكان التعبير القرآني عنها بما يفيد السرعة والنفاذ .. فجاء التعبير القرآني بلفظة (أهدكم) بالقصر وبدون حرف الياء  لتأكيد  سرعة حدوث الهداية لو اتبع المصريون مؤمن آل فرعون.!! فسبحان الله العظيم.

كل حاكم مستبد ومتأله يقول للمصريين:

أتبعون أهديكم سبيل الرشاد.. قالها الفرعون.. ومعه ملأه للمصريين.. وقتها.. وقالها الملك فؤاد وابنه فاروق و جمال عبدالناصر للمصريين .. وقالها السادات للمصريين .. وقالها السفاح مبارك للمصريين اتبعون أهديم سبيل الرشاد..

 واليوم .. قالها المجلس العسكري .. وقالها الاخوان المسلمون والسلفييون للمصريين إتبعونا نهديكم سبيل الرشاد..!!!!!!

واليوم.. مؤمنو آل فرعون في العصر الحديث  من القرآنيين   يقولونها للمصريين..إتبعونا بهدي القرآن نهدكم سبيل الرشاد.!!

  أيها المصريون إلى من تنحازون ومن تَتْبَعُون؟ .. إلى الفرعون وملئه وآله (المجلس العسكري والفلول والإخوان والسلفيون) ..؟ أم إلى مؤمنو آل فرعون ..من القرآنيين..وكذلك المفكرين المصلحين المخلصين لكم ولأرض مصر.؟؟

الآيات المتممة لموعظة مؤمن آل فرعون أتركها للقارئ الكريم.. يتدبرها يتأمل في تدبرها بنفسه .. حتى لا نطيل أكثر من اللازم.

{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ{39} مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ{40} وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ{41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ{42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44} فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} غافر.

اجمالي القراءات 16521