خلق آدم من تراب
بحثا عن محمد في القرآن [ 11 ]

امارير امارير في الأحد ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

إن فهم [ السّر ] داخل النّص ، لا يمكن دون عزل هذا النّص عن المعلومات [ النمطيّة ] خارجه ، تلك المقيّدة بأسبابٍ محدّدةٍ بوقائع و حيثيّات غير ثابتة ، و التي تكوّن تراكماً معرفيّاً يعزل النّص عن سياق فهم السّر من جانب و عن سياق الواقع من جانبٍ آخر ، و يبقى بناءً عليه فهم النّص ككتلةٍ متجانسةٍ غير ممكنٍ ، النّص يفسّر نفسه ، و دائماً للكلمة داخله مدلولالتها الخاصّة البعيدة كل البعد عن التقليدي و النمطي ، [ التراب ] في القرآن ليس هو ما نعرفه خارجه ، الكلمة كعادتها محاطة بسياقها العام  على جانبٍ ، و دلالتها الخاصّة على جانبٍ آخر : ]يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [النحل 59 ، هذا هو السياق العام الذي يوصل الى معنى صلة الإنسان بحالة [ ما بعد الخلق ] ، و تحوّله الى [ تراب/عدم/مكونّ طبيعي ] : ]وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً [النبأ 40 ، ]أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [الرعد 5 ، و خلق الإنسان من [ نطفة ] لا علاقة له بخلق [ آدم ] من طين ، إذ هنالك [ بدايتان ] للخلق ، الأولى في الحياة الآخرة [ آدم ] : ]وَبَدَأَخَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ [، و الأخرى في الحياة الدنيا [ الإنسان ] ، عبر سلالةٍ واحدةٍ [ البشر / بني آدم ] : ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ  [، ليكون الناتج شخصيّةً هدفها في التكاثر الدنيوي هو [ النمو ] في الإتجاه العمودي [ الكيفي ] لا الإتّجاه الأفقي [ الكمّي ] ، شخصيّةٌ تهدف للإجابة على السؤال : ]فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ [الطارق 5 ، هذا السؤال الذي ترد إجابته مباشرةً داخل النّص ، لكن الفهم العجائبي لقصّة آدم عزل القصة عن الناس و عن النّص نفسه : ]خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ، يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق 6-7 ، هذه هي الإجابة غير المستحيلة ، الإجابة الممكنة لسؤال خلق الإنسان ، بعد فهم معنى الكلمة في دلالتها الخاصّة ، بمعنى [ التراب/التناسل ] ، و عزل دلالته الخاصة عن هذا السياق ، للإجابة عن السر ، و فك اللغز ، فلا يمكن وضع نظريّة [ داروين ] في مستوى واحد و قصّة [ الخلق ] القرآنيّة ، كلٌّ منهما يعمل في مستوى لا يلتقي و الآخر أبداً ، رغم وجود إشاراتٍ داخل النّص القرآني تربط بين النً نفسه و الداروينيّة ، و منها قوله تعالى : ]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار 8 ، و في الآية تلميحاتٌالى تطور الإنسان ، فتتطابق هذه الآية مع تلك النظرية القائلة بأن الإنسان قد مر بمرحلة إعتدلت فيها قامته بعد أن كان منحني الظهر في مراحل تطوره المبكرة،إن الإصرار على أن الله قد صنع تمثالا من الطين عرضه للشمس ثم نفخ فيه الروح هو فهم ساذج للآيات القرآنيةفي واقع الأمر ، نفس الأمر في قوله تعالى : ]إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ []عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران 33، ةو التي توصل الى نتيجةٍ مفادها أنّ ىدم لم يكن [ وحيداً ] ، و هو ما يؤيّده قوله تعالى بصيغى الجمع : ]وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ [الأعراف 11 ، العلم هو بحث [ الممكن ] ، و النّص الديني هو محاولة فهم و تصوّر [ اللا ممكن ] ، خلق الإنسان في القرآن يروى  قصّتين لا علاقة مباشرةٍ لأحدهما بالأخرى ، الأولى عن [ آدم ] الذي خلقه الله في عالم الحياة [ الآخرة/الملكوت/العُليا ] ، في قصّةٍ تلعب فيها الملائكة و إبليس دوراً محوريّاً ، ليغيب هؤلاء في القصّة الثانية في الحياة [ الدنيا/الشهادة/السفلى ] ، حيث [ التراب ] أولاًُ ، كنقطة بدايةٍ من الصفر وصولاً الى [ التراب ] نقطة النهاية للعودة الى البداية في القصّة الأولى : [ النطفة ] ثم [ العلقة ] ثم [ المضغة ]  ثم [ الإنسان ] نتيجةٌ لواقعٍ [ بيولوجيٍّ ] بعيدٍ عن الغرائبيّة أو عجائبيّة الفهم السطحي لقصّة الخلق القرآني ، تلك التي نتجت عندما حشر الفقهاء [ داروين ] رغم أنفه في نصوصهم ، عبر قراءة القصّتين دفعةً واحدة ، عبر استعجالٍ لا مبرّر له ، ]وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً [مريم 9 ، ]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران 59 .

 

هنا يكمن مفتاح السّر ، و نقطة البداية لفك خضم الفراق و الخصام الحاصل بين [ العلم ] و [ الدين ] ، و هو فراقٌ ملزم ، و خصامٌ لا مناص منه ، فهو ناتجٌ أصلاً لكن في الإتّجاه الخطأ بسبب محاولة الربط بينهما ، عبر وضعهما في مستوى واحدٍ و مقياسٍ مشترك ، و هو أمرٌ غير ممكنٍ ، و لا تقبله حقائق العلم و لا مفاهيم الدين  ، فعلى سبيل المثال عندما قام العلماء فرحين بتأويل قوله تعالى : ]إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف 4 ، كون الآية تتحدّث عن كواكب المجموعة الشمسيّة التي أثبت العلم الحديث أن عددها [ 11 ] كوكباً ، عبر تفسيرٍ مُستعجًل خارج سياقات النّص نفسه ، ليصدم نفس العلماء الفقهاء انفسهم  عندما أعلنوا أن كواكب المجموعة الشمسيّة بعد بحثٍ آخر هي [ 9 ] كوكب لا غير ، و أن الجسمين في آخر المجموعة ليسا سوى [ كويكبين ] لا يرقيان كي يتم تصنيفهما كوكباً ، فأسقط في يد الفقهاء و أدّعى الجميع أن شيئاً لم يحدث ، فالتراب حسب الفهم المُعجمي للكلمة [ كائنٌ ] ، و لا يجوز أن يقال له : ]كُن[بعد أن يكون : ]ثِمَّ قَالَ لَهُ[، إلا إذا لم يكن كائناً أصلاً ، الله لا يحتاج لشيءٍ كي يخلق شيئاً آخر ، الأصل في خلق [ آدم / الإنسان ] انّه خلق من [ لا شيء ] عبر المستويين ، لتنطلق الرّحلة في العالم البيولوجي ، بخلق الإنسان من [ تراب / ترائب / تناسل ] ، و ما يخبرنا به النّص عن خلق الإنسان من [ تراب ] و هو الأمر المشترك بين النبيّين [ عيسى ] و [ آدم ] كما تُعلن الآية في سورة آل عمران ، و الحديث هنا عن الخلق في الحالة الثانية : [ الحياة الدنيا ] لا الخلق في الحالة الأولى : [ الحياة الآخرة ] ، فما يربط بين النبيّين كمشتركٍ هو وجودهما في هذا العالم البيولوجي كشخصيّتين بشريّتين : ]أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً [مريم 67 ، ]هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً [الإنسان1 ، كلاهما لم يكن شيئاً ، كلاهما [لا شيء ] ، لتستمر الرحلة الى ما بعد الخلق حيث يعود الإنسان الى طبيعته التي تنتمي للعالم العروف ، كجزءٍ من الطبيعة [ تراب/مكوّن طبيعي ]  : ]وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً [النبأ 40 ، ]أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [الرعد 5 ، و الإستفهام هنا حقيقيٌّ للمقصود بالتراب في سورة الرعد ، يسأل المشركون : هل يُعقل أن يُعاد خلق الإنسان بعد أن يموتوا و يصبحوا جزأ من الطبيعة ؟ ، و دائماً يتّصل الحديث عن انتهاء حقيقة الخلق بالفناء ، عبر عودته الى سياق الطبيعة ، بربطه داخل النّص عبر الصيغة الإستفهاميّة بالعظام : ]أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الصافات 16 ،   ]قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون 82

إذاً قصّة الخلق تسير عبر مستويّين إثنين ، الأوّل [ الحياة الآخرة / العُليا ] أو حسب اللّغة الأفلاطونيّة [ عالم الملكوت ] ، غير المقيّد بالزمان أو المكان ، المستوى حيثالله ، و ملائكته و إبليس و آدم في عالمٍ واحد ، على جانبٍ واحدٍ ، يدور بينهم حوارٌ و جدلٌ لا يمكن أن يتكرر في المستوى الآخر [ الحياة الدنيا / السفلى ] أو حسب  لغة المتصّوفة عند الغزالي و ابن سيناء [ عالم الشهادة ] ، الذي يحتويه المكان و الزمان : ]خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء [النساء 1 ،و الخلق من نفسٍ واحدةٍ هو حديثٌ عن الإشتراك في [ النوع/الكم ] لا الإشتراك في [ الأصل/الكيف ] ، و رحلة الإنتقال بين العالمين رحلةٌ غير ممكنة دون التحرر من [ مفاهيم ] أحدهما عند الوصول الى الآخر : ]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة 30 ، يخلق الله الذي يعلم كان و ما سيكون ، و هو الغائب عن وعي الملائكة و إبليس ، يخلق في العالم الأوّل [ آدم ] من [ طين ] : ]وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف 12 ، و الطين هنا رمزٌ لا يتكرّر أبداً عند الحديث عن خلق الإنسان خارج هذه القصّة و هذه الدلالة ، يتغيّر الى رمزٍ آخر و هو [ الصلصال ] : ]خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ [  الحجر 33 ، يفيد هذا الرمز الى الوصول لحقيقةٍ يعلنها النّص ، كون آدم كان يمتلك القدرة على التمييز و المعرفة ، [ الطين ] يمتلك القدرة على [ التشكّل ]،و [ الصلصال  ] يمتلك القدرة على [ التغيّر ] و [ النمو ] ، و هو ما يؤهلّ آدم لإمتلاك الحق في الإختيار : ]وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة 31 ، ]قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة 33 ، و هي الحقيقة الغائبة عن الملائكة و إبليس : ]قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة 32 ، ]يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل50 ، حيث لا وجود للتمييز ، المعرفة ، النمو أو الإختيار ، و عبر هذه الثنائيّة [ الإختيار / عدم الإختيار ] ينشأ العداء المستفحل بين إبليس و آدم في بادئ الأمر : ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى [طه 116، ]فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ [طه117 ، ]   فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [الأعراف 20 ، ]فَوَسْوَسَإِلَيْهِ الشَّيْطَانُ [طه 120 ، ]وَعَصَىآدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه 121 ، لينتج عداءٌ مستفحلٌ بين الإنسان و الشيطان لاحقاً ، ينتقل الى المسوى الأخر [ الحياة الدنيا ] : ]أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يس 60 ، إن المسافة الشاسعة و البين الواسع بين منظور و مفاهيم الحياة [ الدنيا ] و الحياة [ الآخرة ] يبسّطه قوله تعالى : ]فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [طه 116 – 119  .

يقول اللاهوتي جيمس آشر [ 1582 – 1656 ] ، بناءً على دراسةٍ دقيقةٍ للنصوص الدينيّة توراتيّة المنشأ : [ ... أن الأرض خلقت في 23 من أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد تمام الساعة التاسعة ] ، بينما يقول الفيزيائي البريطاني السير وليام طومسون المشهور باسم اللورد كلفن [ 1834 – 1907 ] : [ ... إن عمر الأرض بناءً على دراسة حرارة الأرض من حالة الانصهار الى حرارته الحاليّة هي 2040 مليون عام ] ، و بناءً على المقارنة العلميّة بين نسبتي البوتاسيوم 1040 في القشرة الأرضيّة و الهواء و الذي يتفكّك الى [ أرغون ] تم تقدير عمر الأرض بـ 4,5 مليار سنة ، هنا انتهت القصّة ، و هنا أيضاً بدأت ، فالنصوص الدينيّة لا تتحدّث عن خلق الأرض أو الإنسان في العالم المعروف ، بل تتحدّث بكثيرٍ من التفاصيل غير ممكنة الفهم عن خلقه في العالم الغير معروف ، و هنا تكمن المشكلة ، و هنا أيضاً يكمن الحل ، القرآن لم يربط بين خلق آدم من [ طين ] و وجوده في الحياة الآخرة ، و بين خلقه من [ نطفة ] و وجوده في الحياة الدنيا إلا كتعبيرٍ عن إمتداد السلالة البشريّة و الصلّة بين العالمين : ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ [المؤمنون 12 ، لكن خلق الإنسان في عالم الحياة الدنيا يتم عبر التسلسل المعروف ابتداءً من [  تراب / لا شيء ] ، [ نطفة / مني ] ، [ علقة / جنين ] ليستوي [ إنساناً ] كاملاً عبر التسلسل البيولوجي الذي ينطلق من [ الترائب ] : ]وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح 14 ، ]أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف 37 ، ]فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج 5 ، ]وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً [فاطر 11 ، ]هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [غافر 67 ، و السرد القرآني لا يركّز على الحقائق العلميّة مقدار تركيزه على التصوّر و المفهوم العام ، فخلق الجنين لم يرد في النّص كما يثبته العلم بتفاصيله المعقّدة كون العظام تتكون و طبقة العضلات في مراحل متداخلة في الأسابيع الأربع الأولى من الحمل ، لكنّ النّص يوصل الصورة التي تنتج كمحصّلةٍ نهائيّة مفادها أن [ العضل ] يغطي [ العظم ] في نهاية مطاف الخلق و تكوّن جسد الإنسان ، و في هذا عدم إفساحٍ للمجال للخلط بين البحث العلمي و النّص الديني ، الذي إن حدث سينتج حالةً من حالات الوهم و التخبّط الذي يؤدي الى عزل أحدهما عن الآخر , و عزلهما كلاهما عن واقع الإنسان كنتيجةٍ نهائيّةٍ : ]ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون 14 ، و خلق [ آدم / الإنسان ] في الحياة الدنيا بشخصيّةٍ مخالفةٍ لها في الحياة الآخرة ، للإنسان صفاتٌ لم يكن يمتلكها آدم ، تبدأ الرحلة بتكريمه و بنوه [ سلالته / جنسه / صنفه ] بما لم يكن لديه [ العقل ] : ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء 70 ، و قوله : ]وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء 70 ، تم اختياره من بين آخرين : ]إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران 33 ، ليكون الإنسان تبعاً لهذا الإصطفاء و هذا التكريم الذي لم يستطع في الأغلب تحمّله أو فهمه ، متّصفاً بصفاتٍ لم تكن لدى آدم في حالته الأولى : ]إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ [يوسف 53 ، ]إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } إبراهيم 34 ، ]الإِنسَانُ عَجُولاً [الإسراء 11 ، ]الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء 28 ، ]الإِنْسَانُ كَفُوراً [الإسراء 67 ، ]كَانَ يَؤُوساً [الإسراء 83 ، ]الإنسَانُ قَتُوراً [الإسراء 100 ، ]الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف 54 ، ]الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب 72 ، ]الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات 6 ، ]الْإِنسَانُ هَلُوعاً [، ]مَنُوعاً[، ]جَزُوعاً[المعارج 18-20 ، هذه الصفّات وجبت لتفعيل الحق في الإختيار ، الذي ينتج بعد عزل الإنسان داخل المكان و الزمان في الحياة الدنيا بعد أن خلقه الله : ]فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين 4 ، عن شخصيته الأخرويّة التي كانت منفصلةً عن حقائقها البيولوجيّة : ]بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [ الأعراف 22 ،و التي لم يكن هنالك مبرّر لوجودها في الحياة الآخرة ، و كانت هي نقطة التحوّل و الإنطلاق ناحية الإلتقاء بالشخصيّة البشريّة في [ الحياة الدنيا ] دون عزلها عن شخصيّتها الآدميّة المتّصلة بالسلالة الآدميّة في [ الحياة الآخرة ] : ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ [المؤمنون 12، ]الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ [السجدة 7 .

اجمالي القراءات 9016