تحذير الاخوان والسلفيين ..من فخّ السّلطة والتمكين

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٤ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

ملاحظات سريعة

1 ـ لا أمل فى أن يسمع الاخوان والسلفيون هذا التحذير .هم الآن على وشك تحقيق حلمهم بالوصول للسلطة بعد 83 عاما ـ أى عمر المخلوع مبارك المولود فى نفس العام الذى ظهرت فيه جماعة الاخوان.

2 ـ لا يعنى هذا التحذير حبا أو تعاطفا مع الاخوان والسلفيين ،فالود بيننا مقطوع وممنوع ، ولكنه الحرص على حاضر مصر ومستقبلها ، والخوف من حرب أهلية قادمة لو وصلوا الحكم ـ وفشلوا ـ وهذا محقق ـ ورفضوا تداول السلطة ـ وهذا مؤكد .

3 ـ الهدف من هذا المقال :

3/ 1 : إثبات موقف من الآن ونحن فى يوم السبت 24 ديسمبر 2011 ، وتترى الأنباء باكتساح الاخوان والسلفيين لانتخابات مجلس الشعب فى المرحلة الثانية .

3/ 2 : ثم تحذير الأمة المصرية من قدوم هذه الغمّة الكارثية .

 أولا  : ملامح الغمة الكارثية

1 ـ مصر الآن فى حالة خراب بعد أن دمرها حكم العسكر حوالى ستين عاما . يكفى الآتى :

1/1 : أقدم دولة فى العالم و(أم الدنيا ) صارت تابعة لأحدث دولتين فى المنطقة : السعودية ( تاريخ ميلادها 1932 ) واسرائيل ( 1948 ) . ومصر التى كانت زعيمة العالم العربى أصبحت فى مستوى موريتانيا بالنسبة الى ( قطر) التى هى مجرد إمارة تصدرها قناة (الجزيرة ) .

1 / 2 : لأول مرة فى التاريخ المصرى ـ وهو أطول تاريخ فى العالم ـ يضطر المصرى الى الهجرة الى دول تم تصنيعها حديثا بعد الحرب العالمية الأولى أو قبلها فى الخليج والأردن ، وكانت مصر قبل العسكر واحة يهاجر اليها الأوربيون من اليونان وايطاليا والنمسا و البلقان ، هذا غير الشوام والعربان.

1/ 3 : لأول مرة فى التاريخ المصرى تتغير الحدود المصرية لصالح دولة معادية تم تصنيعها حديثا هى اسرائيل . وحين جاء أبناء يعقوب عليه السلام ( واسمه اسرائيل ) لدخول مصر كان لها حدود بعسكر ومعسكرات تفتيش على تخوم سيناء ، وبسبب يقظة حراس الحدود المصريين كان يعقوب يخشى على أبنائه من عبور تلك الحدود . ومنذ عهد عبد الناصر ـ زعيم العسكر فاسرائيل تسيطر على أجزاء من سيناء ، واقتطعت منها (أم الرشراش ) وحولتها الى (إيلات ).

1/ 4 : لم يحدث أن تعرضت مصر الى هزيمة مهينة وقاسية مثل هزيمة 67 ، والتى لازلنا ندفع فاتورتها حتى الآن .

1 / 5 ـ أصبح الجنيه المصرى لا قيمة له فى الداخل وفى الخارج ، لا ينافسه فى الذل والمهانة سوى الفرد المصرى.

2 ـ مصر بعد خراب استمر ستين عاما تحتاج الى اصلاح حقيقى ، لايمكن أن يقوم به العسكر وهم سبب البلاء . وشهدنا خيبة المجلس العسكرى فى إدارة مصر . ولا يمكن أيضا أن يقوم به الاخوان والسلفيون لأسباب كثيرة ..منها  :

2/ 1 : الاخوان والسلفيون ليست لديهم خبرة سياسية تمكنهم من إدارة عزبة أو قرية صغيرة  فكيف بدولة فى حجم مصر تعانى جبالا من المشاكل والأزمات ؟

2/ 2 : خبرة الاخوان السياسية ظهرت فى معاركهم ونقاشاتهم فى مجلس الشعب . كلها فى التفاهات ، ولم تقدم جديدا ، وهذا طبيعى فى جماعة منغلقة على نفسها تجيد فنّ التلون والنفاق و الدهاء ، وهذه خبرة يحتاج اليها من يتعامل مع خصم . ولكن لا مجال لها حين تتعامل مع الشعب .هم تدربوا على النفاق والدهاء والمعارضة ، ولم يتدربوا على فن الادارة والحكم . هم تدربوا على أن يكونوا أئمة للناس يصدرون لهم الأوامر وينتظرون منهم الطاعة ، ولم يتدربوا على حق الشعب ديمقراطيا فى أن يحكم نفسه عبر ممثلين عنه فى مجالس نيابية . هم تشربوا فى قلوبهم أنهم الأمناء على الاسلام ، وأن الله جل وعلا قد إختارهم من دون العالمين للحكم ، وانهم هم مصدر السلطة وليست الأمة ، ولذا فإن من يختلف معهم يكون كافرا مصيره القتل بحدّ الردة  فى الدنيا ، ثم دخول جهنم فى الآخرة . هذا هو مجال خبرتهم .

2 / 3 : ليس للاخوان برنامج سياسى حقيقى ، هو مجرد شعارات مطاطة تفصح بالخداع مثل ( الاسلام هو الحل ، وتطبيق الشريعة والرسول زعيمنا) . ونحن( أهل القرآن ) أثبتنا تناقضهم مع الاسلام وأن مرجعيتهم وهابية تهدف الى تكوين نظام حكم على نسق السعودية .

2/ 4 : وبسبب مرجعيتهم السلفية الوهابية فهم ضد حقوق المرأة وحقوق الأقليات والمواطنة والديمقراطية و الاقتصاد القائم على البنوك و الحريات الشخصية والحرية الدينية ، والتعامل مع الغرب على أنه ليس عدوا أبديا . هذه هى عقائد الوهابية السلفية ، ويجيد الاخوان فنّ النفاق والتلون فى محاولة للافلات من تحديد مواقفهم بما يلائم ثقافة المواطنة وحقوق الانسان والعدل والحرية . وكل عملهم هو التلاعب بالالفاظ ، مثل تسمية حزبهم بالعدالة والحرية وهم أبعد ما يكون عن قيم العدالة والحرية . السلفيون ـ وهم حيوانات سياسية برية   لا تتمتع بمكر الاخوان ـ تكلموا بصراحة مفزعة . وحين يتحكم الاخوان فى السلطة سيطبقون  نفس الكلام المفزع ، لأنه هو برنامجهم الحقيقى ، فلم يتعلموا سوى أحاديث السلفية وشريعة العصور الوسطى والفقه السلفى الذى لا شأن له بعصرنا .

3 ـ المستفاد  مما سبق :

3/ 1 : إنّ مصر تحتاج الى إصلاح جذرى ، ومن أولويات هذا الاصلاح مواجهة الفكر السلفى المسيطر فى التعليم والاعلام والثقافة والمساجد .أى لا بد من إصلاح الاخوان والسلفيين وتخليصهم من عقائدهم السلفية التى تباعد بينهم وبين معايشة ثقافة عصرنا ، وهى ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان .. فكيف لمن يحتاج إصلاحا أن يقوم هو بالاصلاح ؟ هل يستقيم أن نأتمن سفاحا على مدرسة أطفال ، وهو يستبيح القتل على أنه جهاد وفريضة دينية ؟ هل يمكن أن نأمن على دمائنا وحريتنا فى المعارضة بمن تقوم شريعتهم على حق الامام فى قتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين ؟ هل يمكن لمن يؤمن بأستباحة الأموال أن يتحكم فى أموال الشعب ؟ هل يمكن أن نأمن على تجربتنا الديمقراطية ذلك الذى يتهم الديمقراطية بالكفر ؟ هل يمكن أن نأمن ديمقراطيا لمن يعتقد فى (الحاكمية الالهية ) أى حق سيادته فى أن يركب ظهورنا باسم الله وان يكون مسئولا أمام الله فقط يوم القيامة ؟ هل يمكن لمن يعتبر صوت المرأة عورة ( إلا صوتها فى الانتخابات ) أن يمنح المرأة حقوقها ؟أو أن يسمح لنا بالتمتع الحلال بالفنون ؟

3/ 2 : والمستفاد أخيرا مما سبق : إن الاخوان والسلفيين لو وصلوا للحكم فسيفشلون فشلا ذريعا .

4 ـ فى حالة فشل الاخوان والسلفيين فى اصلاح الاحوال .. هل سيتنازلون عن الحكم ايمانا بأن الديمقراطية تعنى تداول السلطة طبقا لأصوات الناخبين ؟ .

4/1 : تفعل ذلك الحركات الاسلاموية فى تركيا واندونيسيا وسنغافورة . وذلك لسببين :

4/1 / 1 : لأن حركاتهم السياسية نبت من دين التصوف ، والتصوف يؤمن بالتعددية وتتعدد فيه (الطرق الصوفية ) وتتنافس سلميا فى خداع الناس وأكل أموالهم بالباطل . والحركات السياسية التى نشأت فى مجتمعات صوفية لا ترى فى التعددية بأسا ، بل تعترف بالآخر المختلف فى المذهب وفى الدين ، وتحمل تقديرا للمرأة ، وتقديرا زائدا للفنون من غناء ورقص ، بل وتجعلهما من ملامح الدين .

4/1 / 2 : بالاضافة الى التصوف فإن تلك الحركات (الاسلاموية ) نبتت فى بيئة علمانية ، خصوصا فى تركيا ، فأخذت من العلمانية حصانة ضد التطرف الوهابى . وجدير بالذكر إنه بمقدار تأثير الوجود العلمانى فى ثقافة شعب ونظام حكمه يكون تسامح الحركات الاسلاموية فيه . والدليل تونس . تشبعت تونس بالعلمانية من عهد بورقيبة ثم بن على الذى وقف ضد التغلغل السعودى الوهابى فى تونس. والدين السائد فيها هو التصوف (السنى المعتدل ) . ومع تبعية الغنوشى وحركته السلفية للوهابية ـ وهو من شرّاح كتب ابن تيمية ـ  إلا إنه أكثر اعتدالا من الاخوان المسلمين واكثر تفتحا من السلفيين . هذا ما قلناه من قبل ، وأثبته الغنوشى مؤخرا بعد نجاح حركته فى الانتخابات . والمضحك أن الغنوشى وقبله اردجان التركى نصحا الاخوان بالاعتدال . ولكن الاعتدال ـ عند الاخوان والسلفية  ـ من المحال .

4 / 2 : لا يمكن للاخوان والسلفيين فى مصر والجزائر وبقية العالم العربى قبول تداول السلطة إذا وصلوا اليها. بمجرد وصولهم للحكم فلن يتركوه إلا بالقوة وحمامات دم . لأن حركاتهم نبتت من الوهابية السنية الحنبلية المتشددة التى لا ترى فى نفسها إلا الممثل  للحق الالهى الذى يجب أن يسود بالجهاد ، ولا ترى فى الآخر مذهبيا ودينيا إلا عدوا يجب قتله ، ولا ترى فى الشعب إلا رعية يستغلونها ويسترقونها .

4 / 3 : وإذن فلنتهيأ الآن لحرب أهلية وحمامات دم

أخيرا : ما هو الحل؟

1 ـ قلناه بالتفصيل فى مقالنا السابق : (حقنا للدماء المصرية )، وهو بإيجاز :عودة الجيش الى ثكناته وخروج آمن لجنرالات مبارك ، وتوقف المظاهرات مقابل تسليم السلطة الى حكومة مؤقتة لمدة ست سنوات ، تؤسس اصلاحا تشريعيا دستوريا وقانونيا تقام عليه فى مصر دولة لا مركزية ديمقراطية نيابية حقوقية ، ثم تقيم هذه الحكومة انتخابات ، وتسلم السلطة لمن يفوز .

2 ـ لا يمكن فى اصلاح خراب استمر ستين عاما أن تجرى فيه عمليات تجميل. إن الاصلاح الجزئى والوقتى لا يجدى . مصر تحتاج الى اصلاح حقيقى وليس الى عمليات تجميل لمريض بالسرطان . ولا يمكن فى هذا الاصلاح أن تستعين بسبب البلاء وهم العسكر أو الوهابيون من الاخوان والسلفيين .   

أخر سطر

هو تحذير بالقلم قبل بحور الدم ..وقبل فوات الأوان .

اللهم بلغت..اللهم فاشهد ..

وكفى بالله جل وعلا شهيدا.

اجمالي القراءات 14562