يصلون على النبي
بحثا عن محمد في القرآن [ 2 ]

امارير امارير في الجمعة ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

عند الحديث عن النص الديني فإن الاتّصال [ بالواقع ] نقيض الإلتصاق [ بالتاريخ ] ، هو الذي يحدّد مجال الوصول الى المعنى من عدمه ، فالعقل و اللغة ضرورتان من ضرورات [ الإجتماع الإنساني ] ، خلاف التاريخ الذي يشكل [ القطيعة ] وهذا الإجتماع ، ونقل تفسير النص الدّيني عبر التاريخ يؤدّي الى القطيعة بين هذا النص و بين الإجتماع الإنساني ، لأنّ  نص التفسير معزولٌ عن استطاعة العقل للتدّخل في إعادة الفهم أو تقديم تصّورٍ عقليٍّ آخر جديدٍ أو مخالفٍ ، لإنقطاع الصلة بين زمان التفسير و واقع المفسّر من جهة و بين الإجتماع الإنساني المعاصر من جهةٍ أخرى ، وهذه هي حقيقة الخلاف بين جماعة [ العقل ] وجماعة [ النقل ] في الفكر الإسلامي ، فأي نصٍّ دينيٍّ تأويليٍّ يبقى نصّاً بشريّاً صنعته أفهام البشر ، فالتفسير غير ممكنٍ لأن النّص لا يعني دوماً غائيّته بطريقةٍ مباشرةٍ ، والبدء من الصفر أيضاً غير ممكنٍ في غالب الأحايين لأن الإنسان مقيّدٌ داخل [ اللغة ] أولاً و داخل [ المعرفة السابقة ] ثانياً ، ليبقى النص مُسَيطراً عليه من قبل شروطٍ لحظيّةٍ غير متّصلة بالنًص الأصلي ، فالتفسير الذي يأتي من الخارج ، هو في حقيقة الأمر نتيجةٌ لتفاعل الأفكار والنوازع والغايات المبيّتة لدى المفسّر بالدرجة الأولى لينتج لنا نصّ [ ميّت ] يخرج من النصّ [ الحيّ ] ، النص الميّت هو النّص البشري [ التفسير ] ، و النص الحي هو النص الإلاهي [ القرآن ] ، [ المنهج ] هو الذي يوصل الى [ التفسير ] ، لكن هذا التفسير مهما حاول الوصول الى [ المقصد ] فإنه يبقى مقيّداً [ بلغة النص ] من الخارج لا من الداخل قطعاً ، تعدّد المناهج توصل لتعدد التفاسير ، و السبب هو غياب الغائيّة و المقصد بعيداً عن عالم الواقع [ المكان ] و [ الزمان ]  الذي يتفاعل عبره النصّ ، لتغيب بناءً عليه فاعليّة النص و المجتمع الحيّ :

 

و عند الحديث عن النصّ الديني [ المطلق ] ألا و هو [ القرآن ] و الذي هو ]تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ[النحل 89 ، نجد أن النّص يكفي الإنسان لتتبع المنهج وفق ما يقول به هو نفسه للوصول الى نتيجة [ أنسنة ] فهمه بإلغاء عزله عن واقع الناس عبر متراكمات تركة نصوص [ الفقه ] : ]وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [البقرة 255  ، ]أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت 51 ، و هو لا يحوي النتائج الجاهزة و القوالب المصمتة ، [ فالشريعة ] ليست هي [ الشرع ] : ]ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الجاثية 18 ، [ الشريعة ] هي النّص الذي يقدّم قاعدو المعرفة ، و على جانبٍ آخر فإن [ الشرع ] هو النتيجة التي تنتج بسبب فاعليّة النّص عبر الفعاليّة الإجتماعيّة عبر الزمان و المكان بتغيّرهما : ]لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً  [المائدة 48  ، ]لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ [الحج 67 ، [ الشريعة ] هي [ المصدر / الطريقة ] ، و [ الشرع ] هو [ النتيجة / الهدف ] ، القرآن نص [ توجيهٍ ] و ليس نص [ تقييدٍ ] ، لتكون النتيجة متغيّرةً و ليكون المصدر ثابتاً ، فالخطاب الديني في واقع الأمر هو استخلاصٌ للقواعد و الأحكام قبل كل شيءٍ ، لكن الذي حدث في نهاية المطاف هو أن أصبح هذا الخطاب مصدراً لهذه القواعد و هذه الأحكام ، رغم كونه تبعاً لأيّ طائفةٍ أو فرقةٍ يبقى ثانوياً بالمقارنة بالنّص القرآني ، مجرّد مرآةٍ لشروطه الآنيّة التي تختفي باختفاء مسبّباتها ، لكنّ الذي حدث في نهاية مطاف الإنقلاب ضد الإسلام بالإسلام نفسه ، أن تحوّل النّص الفقهي الغير محكم ، غير المنزّه عن التغيير و التحريف من مرآةٍ لهذه الشروط الى نصٍّ يبني قواعد شروطٍ أخرى خارج المسبّبات بل و خارج النص القرآني نفسه ، ابتعدت كثيراً عن دلالات و معاني النّص و الكلمة في القرآن الكريم ، لتعزل نفسها بعيداً عن [ اللسان ] القرآني داخل [ اللغة ] البشريّة ، بعيداً [ العقل ] الفعّال داخل [ الذاكرة ] المنسيّة ، و بعيداً عن [ الواقع ] الحي ، داخل [ التاريخ ] الميّت ، فمجرّد المقارنة مثلاً بين [ قاموس ] المفردات في [ القرآن ] ، و نفس القاموس في [ الإناجيل ] مثلاً ، يكتشف لنا أن السياق القرآني للمفردات يضيف إليها واقعيّة و تحديداً أكثر مما كانت عليه في هذه الأناجيل و التي هي بشريّة المنشّا نتيجة كون النّص الإنجيلي نصٌ مترجمٌ بلغاتٍ لا علاقة لها بلسان النّص الأصل ، و مثال ذلك :

قرآن :  الله ، النفس ، الآخرة ، ثواب/عقاب

إنجيل : الرب ، الجسد ، الأبدّية ، الخلاص

 

هذه المعادلة المعقّدة في ظاهرها ، يمكنّ حلّها بسهولةٍ عبر مبحثٍّ لا يكلّف الكثير ، سوى أنّه سيجعلنا نقفز فوق كل النصوص و فوق كل الأفكار السابقة ، عبر البحث في قاموس [ السان ] ، خارج [ اللغة ] ، عبر [ النّص ] خارج [ التاريخ ] ، لكن عبر [ العقل ] داخله , و القاموس أو [ اللسان ] هنا ، كما يرد في النص القرآني هو [ قاموس القرآن ] و [ النص ] هنا هو القرآن لا غير ، و نبدأ حديثنا عن مفهوم الكمال القرآني الذي يتكرّر الحديث عنه في عديد الآيات ، بمعنى شموليّته [ لشريعةٍ ] تكون مصدراً [ للشرع ] السائد بين المجتمعات بما يناسبها على اختلافها ، و اختلافه أيضاً ، [ فالشريعة ثابتة ] ، لكن [ الشرع مختلف ] ، باختلاف الظروف و الحيثيّات ، و ليس لنا سوى المثال الذي يكرّره الفقهاء دوماً عن واقعةٍ تنتمي للتاريخ مفادها أن الخليفة الثاني [ عمر بن الخطّاب ] أوقف تنفيذ قصاص بتر اليد للسارق في عام [ الرمادة ] حيث انتشر الجوع فكان مبرّر السرقة ، و رغم عدم كفائة القصّة و سياق القيم القرآنية التي تقول بالتكافل الإجتماعي بين أفراد المجتمع في كل الأحوال فما بالك في عام قحطٍ كالتي يتحدّث عنها المؤرخون في أوّل القرون ، فانهيار البنيان لا يُبرّر إغلاق باب إحدى الغرف ، إذ تبدأ حقيقة شمول القرآن لكل مصادر الشرع بقوله تعالى ، في سؤال استنكاريٍّ يحوي الإجابة بالنفي داخله : ]أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ[العنكبوت 51 ، و ليؤكد هذه الحقيقة في قوله : ]وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل 89 ، و الشيء هنا ليس سوى الشيء [ منه ] فيما يخص الشريعة و العقيدة الكاملة [ فيه ] ، فالقرآن ليس تبياناً للعلوم التطبيقيّة مثلاً أو مصدراً للمعارف الكونيّة كالفيزياء ، الكيمياء أو الطب ، كي يكون السؤال الإستنكاري الثاني : ]أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَوَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [النساء 82 ، و في [ 69 ] مرّة يتكرّر فيها ذكر كلمة [ القرآن ] داخل النص ، تأتي آيةٌ تلخصّ فكرة التصاق لغة النص بالنص من الداخل لا من الخارج : ]الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر 91 ، بمعنى أن [ فاعليّة ] النّص متًصلة عبر أجزائه كاملة ، و أن هذه الفاعلية تسقط بإسقاط وحدة النص عبر القراءة [ المتقطّعة ] أو [ الإجتثاتيّة ] التي تجعل منه قطعاً متناثرةً لا تمت بصلةٍ للقرآن أصلاً ، و في عودةٍ لسياق الحديث عن [ القرآن داخل القرآن ] ، نكتشف الآية الوحيدة التي تتحدّث عن القرآن دون أن يشار إليه بصريح النص ، كونه : [ الصلة الوحيدة بين الله و عباده ] عبر رابطٍ يحوي فقط [ الرسول ] محمّد عليه صلاة الله، وفق صفته المتكرّرة كمرسولٍ ما عليه سوى [ تبليغ ] الرسالة في عديد النصوص المُحكمة : ]فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران 20 ،  ]مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ[المائدة 99 ، ]وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس 15  ، و هذه الآية حقيقةً تضعنا أمام جبلٍ من الأسئلة التي تجابه جبل المتراكمات القائلة بأن الرسول أضاف فوق القرآن [ سنّةً ] من عنده ، في أمورٍ مركزيّةٍ و هامشيّةٍ أيضاً ، عبر كل جوانب الشريعة التي توصل إلى تقييدٍ  للشرع ، فعلى سبيل المثال الحديث عن وجود ما يسمى [ بفروض ] الوضوء و [ سننه ] قول ينافي الآية التي تجيب على سؤال موجبات الوضوء دون زيادةٍ أو نقصانٍ ، عبر تسلسلٍ و ذكرّ للتفاصيل يوصل إلى نتيجةٍ اخرى و هي ما يجوز أن يظهر من جسد المسلم و ما لا يجب أن يظهر بغض النظر عن الجنس [ ذكراً ] كان أو [ أنثى ] ، بعيداً عن العادة الثوراتيّة التي كرّستها الأناجيل حول وجوب تغطية المراة لشعرها أثناء الصلاة ، يرد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس / الإصحاح الحادي عشر:[... رأس كل رجلٍ هو المسيح ، و أمّا رأس المرأة فهو الرجل ، و رأس المسيح هو الله ، كل رجلٍ يصلّي أو يتنبّأ و له شيءٌ على رأسه يشين رأسه ، و أمّا كلّ امرأةٍ تصلّي أو تتنبّأ و رأسها غير مغطّى فتشين رأسها ... ] ، و هو ما تجاهله النّص القرآني الذي هو المهيمن على النصوص السابقة الناسخ لها : ]وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ [المائدة 48 ، و ما يجوز إظهاره أثناء التعاملات العامّة للجنسين ، هو الوجه ، الشعر ، اليدان الى المرافق و الأرجل الى الكعبين : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ [المائدة 6 ، قد يكون هذا الرأي مخالفاً لرأي الفقه في المجمل ، لكنّه ليس أغرب مما يورده الشافعي في مسنده حين يقول : [ ... أخبرنا مالك عن نافع عن بن عمر عنه عنهما أنه كان يقول :  إن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون في زمان النبي جميعاً ] ، فالإضافات القائلة بوجود سنّة للرسول خارج الفرض القرآني قول بأن الرسول ناقض ما قال به القرآن على لسانه كونه : ]مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ  [يونس 15 ، و القراءة السطيحّة للنص و المقيّدة [ بالتراث ] أو [ المعرفة السابقة ] أولاً ، و [ باللغة ] خارج [ قاموس القرآن ] ثانياً ، أوصلت الى نتائج هامشيّة لا تفيد أحداً ، و تحوّل فاعلية النص الى جمودٍ و تكرارٍ لا غير ، إذ أن النّص مقيّد بسياقه بالدرجة الأولى ، توصل فيه المفردات الى دلالاتٍ خاصّةٍ ، غير مقيّدة بالمعرفة المسبقة أو المتعارف المُعجمي للكلمة .

 

في قوله تعالى : ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب 56 ، سارع الفقهاء كعادتهم ناحية الحلول السهلة التي لا تُرهق أحداً ، و قفزوا نحو تكرار الآية بصيغٍ مختلفةٍ بعد سماع إسم [ الرسول محمّد ] عليه صلاة الله، في أي نصٍّ خلاف النّص القرآني ، كلٌّ طائفته و الإرث الفقهي الأيديولوجي الذي يقيّده ، تحمل كلمة [ الصلاة ] في القرآن معاني تُفهم وفق سياقها ، لا عبر معناها اللغوي القاموسي الإعتيادي ، كعادة الكلمات داخل النّص ، عبر [ 99 ] موقعٍ بتصريفاتها المختلفة ،  تأتي في [ 9 ] مواضع كمفعولٍ لفعل [ الإقامة ] ، و المعنى هنا هو [ التعبّدي ] أي الركوع والسجود أي [ فعل الصلاة ] : ]وَيُقِيمُونَالصَّلاةَ [البقرة 3 ، حيث المعنى الموصل الى مواقيت الصلوات : ]إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً [النساء ، [ المغرب / العشاء /الفجر ] في قوله : ]أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء 78 ، و صلوات [ الظهر/العصر/القيام ] في قوله : ]وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ [هود 114 ، و الأخيرة فرضٌ يؤكّده قوله تعالى : ]إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمل 20 ، و هذه حقيقةُ يؤكّدها النّص القرآني و ينفيها الفقه الذي يقول أن صلاة القيام سنّة [ إبتدعت ] بعد وفاة الرسول بسنين طوال ، و على جانبٍ آخر يرد عند فقهاء الإباضيّة أن الرسول الكريم قد قال عن صلاة القيام : [ ... إن الله زادكم صلاةً سادسةً هي خيرٌ لكم من حُمر النّعم ] ، و في [ 15 ] موقعاً بنفس الصفة مفعولاً به لكن للفعل الامر [ أقم ] : ]وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ [الأنعام 72، و في [ 18 ] موقعاً ترد كلمة الصلاة عبر تصريفاتها المختلفة بمعنى أداء الصلاة : ]وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ  [النساء 102 ، و في موقعين [ اثنين ] ، يرد معنى الصلاة بدلالة [ مكانها ] : ]مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة 251 ،   ]وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ [الحج 40 ، و في [ 3 ] مواقع ذُكرت مقترنةً باسم الفاعل من الفعل أقام : ]وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَوَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً [النساء 162 ، ]رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ [إبراهيم 40 ، ]وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِوَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [الحج 35 ، لكن في [ 8 ] مواضع أخرى ترد كلمة [ صلاة ] بمعناها الإصطلاحي بمعنى [ الصّلة ] أو [ اللزوم ] ، و منها الآية موضع الحديث : ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب 56 ، و تحوي هذه الآية [ أمراً ] للعباد بالصّلاة [ على ] النبي ، مطابقةً لصلاة الله و ملائكته [ عليه ] ، اتّجه الجميع نحو الحل السهل ، الذي لا يكلّف سوى الإبتعاد عن معنى [ الأمر ] في عمومه في القرآن ، و معنى الآية في [ دلالتها العميقة ] أيضاً ، فالأوامر في النص القرآني مرتبطة [ بالطاعة ] و [ التنفيذ ] العملي ، بمعنى [ إفعل و لا تفعل ] ، و تكرار جملة [ أن الله يصلي على النبي ]بصيغةٍ آخرى و هي:[صلّى الله عليه و سلّم ] لا تعني حقيقة طاعة الأمر ، بل أن القرآن لم يقل أنّ الله [ يسلّم ] على الرسول مطلقاً كي يقال : [وسلّم ] ، خصوصاُ إذا وجدنا آية أخرى تتحدّث عن أن الله [ يصلّي ] على المؤمنين ، بمعناها السياقي المرتبط [ بالإلتزام بالصلة ] بين الله و عباده المؤمنين : ]هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب 43 ، و علي سياقٍ آخر فإن الوثائق القليلة التي حقّقها المستشرق غروهمان سنة 1963 على سبيل المثال ، و هي عبارة عن مجموعة أوراق بردي و تعود الى العصر العبّاسي لا يرد أي تمجيدٍ أو لاحقةٍ لإسم الرسول الذي يرد مرتين في هذه الوثائق مما يشير الى أن فهم الأمر بالصلاة على النبي بإعادة تكرار الجملة المشهورة وضعه الفقهاء متأخراً عن عهد الرسول نفسه ، الصلة بين الله و عباده مباشرة ، عبر النص القرآني الذي سلّمه الرسول لعباد الله عبر الصلة بينه و بين الله ، أحد [ الملائكة ] الذين ينتهي دورهم في عقد الصلّة هنا ، وعند دور توثيق الأعمال و عمق التمسّك بالصلّة : ]مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق 18 ، ]وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً [الإسراء 13 ، بل أنّ دلالة الصلاة بمعنى عقد الصلة في سياق عام لسورةٍ كاملةٍ : ]أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ  ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون ، حيث المصلّين هم من يعقدون الصلّة بينهم و بين المساكين و الإيتام ، و ما يؤكّد قولنا : ]قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر 43-44 حيث في ثلاث مواقع يرد فيها ذكر [ المصلّين ] في سورة المدثّر ، الماعون و المعارج يتّصل السياق بالحديث عن [ الإنفاق ] و [ التصّدٌق ] ، و هذا سياقٌ آخر يتناسق مع [ فهمٍ ] آخر و [ إستدلالٍ ] غير عادي لسياق المفردة و الأمر في النّص القرآني ، فالصلة التي تُخرج من الظلمات الى النور هي [ القرآن ] عبر ازدواجيّة الصفة لمحمّد عليه صلاة الله[ النبّي] ، من عُقدت بينه و بين الله الصلة بالقرآن ليصبح [ رسولاً ] : ]لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب 43  ، و العلاقة بين العباد و رب العباد تمر عبر الرسول خلال [ القرآن ] : ]فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ [المائدة 92 ، ]وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُالْمُبِينُ [يس 17 :

 

 

 

 

]إِلَّا الْمُصَلِّينَ [

]وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [

المعارج

]قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [

]وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [

المدثّر

]فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [

]الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [

الماعون

 

 

و بالعودة الى الآية كما انّ سياق الآية نفسها ينتهي بالقول ]وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الاحزاب 56 ، و المعنى الدلالي الواضح للأمر بالصلاة عبر الصلة المباشر [ بالإذعان ] و [ التسليم ] لحقيقة أمرٍ ما لا بإلقاء التحيّة ، منها قوله : ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء 65 ، وقوله في سياقٍ آخر لكن بنفس المعنى في ذات السورة [ الأحزاب ] : ]وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب 22 ،  و مضاعفة أمر التسليم  ليس مجرّد تناسٍق في نهايات الآيات ، و لا يوصل معنى التكرار لإلقاء التحيّة قطعاً ، ففي مواضع أخرى  يرد الحديث عن الصلاة بمعناه الذي يتّفق مع الأمر في سياق معنى [ الإلتزام بالصلة ] ، مفهوم الصّلة يصلنا عبر سياق الآيات الأخرى أيضاً : ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [  التوبة 103 ، حيث مال الصدّقة التي يشرف عليها الرسول يعتبر مفتاح [ الصلة ] بين الناس ، و هو ما تشير إليه خاتمة الآية ]وَصَلِّ عَلَيْهِمْ[، الأمر بالصلاة على الرسول ، في واقع الأمر هو أمرٌ بالإلتزام بالنص القرآني و عدم [ الخروج عنه ] بل [ الإنطلاق منه ] بحثاُ عن معانيه و حقائقه الدفينة ، بعيداً عن الفهم الطائفي الذي حبس معنى الآية في تعقيداتٍ سياسيّة و تأويلات ولاءٍ لا تمت  بصلةٍ سوى لتاريخ الصراع السياسي الذي أنتج الفرق و المذاهب الرئيسيّة :

 

 

]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ  [

103

البقرة

]أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  [

157

البقرة

]وَلاَ تُصَلِّعَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ [

84

التوبة

اجمالي القراءات 15800