حفظ العمل
حفظ العمل

غالب غنيم في الجمعة ١٦ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

الأستاذ الفاضل أحمد منصور،

أسمحوا لي بالرد عليكم في مقال فلم استطع الرد في تعليق.

أولا : استخدامكم لكلمة "أكذوبة" في عنوان المقال، أنتم تنفون به رد أي كان ممن يرد عليكم، لحكمكم المسبق على الذي يجيبكم.

ثانيا: قولكم "
ومستحيل أن تكون أنت نفس الصورة بحيث لا يكون لك وجود إلا فى هذه الصورة ، بل تظل أنت (الأصل ) وهى ( الصورة ). " انتهى.. هو الأصل في التفكروالداعي له! فهل من المعقول أن يغفل الله تعالى آثار الرياح في الرمل؟ فالأصل بنا التفكر، فإن لم يغفل الله تعالى آثار الرياح في الرمل فسجلها، فهل سيغفل آثار الأعمال على اللاحقين بعدم تسجيلها؟
بالطبع كما قلتم، ستظهر صورة الإنسان نفسه في "كتاب أعماله" ولكن ..ألم تسألوا أنفسكم، "كيف سيثبت الله تعالى علاقة عملكم بمن حولكم؟" حيث لا يظهر غيركم؟  إن هذا لهو البيان المبين المسجل في إمام مبين، وبالفعل إن هذا "
هو الفارق بين تسجيل الأعمال الذى تقوم به الملائكة وتسجيلنا نحن لحياتنا بالكلمة وبالصوت وبالصورة" انتهى.

ثالثا: في الآية (
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ) الانعام - 61 ، لماذا لم تتوقفوا عند قوله تعالى "وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ "..؟ ففيها الحكمة.. حيث أن الله تعالى قال عنهم أنهم يعلمون الغيب في أمرهم الذي يؤدونه بإذنه، وبالتالي هم لن يفرطوا في ذكر وكتابة كل ما له علاقة في الحدث، وسيكتبون كل ما له علاقة به، فلن يفرطوا في شيء فيه، ولهذا "نعم ..ينتهي التسجيل بالموت....ولكن...هل فرّط الكتبة في شيء؟".

رابعا: ألا ترون في قوله سبحانه (القاهر فوق عباده) أنه سيقهرنا في تصورنا اننا سنتملص مما أخفته أنفسنا من غاية ورغبة فيما قمنا به؟ فسيقوم "بقهرنا" بإخراج ما خفي فينا وإظهار ما ضمرناه ونويناه لكي يبين "للجميع" كدليل واضح عن سعينا ؟ وهذا كله "السعي"؟ فالعمل ليس الفعل، فالعمل هو ما فعلنا من أفعال، والسعي هو ما هدفنا اليه من أعمال، وهذا كله ليس محصورا علينا "كشخص فقط" بل له "رابط وعلاقة مباشرة بمن حولنا"، وكمثال بسيط على ذلك:

أنا سرقت من فلان خاتما أو كل ماله ومت مباشرة بعد وصولي البيت، وفلان لم يكن في البيت، فالتصوير يكون "لأخذي" الخاتم من بيته، ولكن ، كيف يثبت الله تعالى أن هذه سرقة "يوم الحساب"؟ اليس ذلك بربط تبعات سرقتي لما حدث لهذا الشخص من "مآسي" تبعت سرقتي للخاتم وموتي مباشرة بعد ذلك؟ حيث طلقته زوجته بعد شهر لظنها أنه يخونه، أو لنفرض أنني سرقت كل ماله، فما تبعات تلك السرقة التي ستحدث بعد فترة من الزمن وليس بمجرد السرقة؟
اليس هنا يكمن سر (القاهر فوق عباده)؟ وأنه سبحانه (عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌأوليس استخدامه سبحانه التعميم المطلق "كل شيء" يدل على ما نقول فيه ههنا؟

خامسا: في استشهادكم "وليس النبى حفيظا على قومه الكفار،بل هو رب العزة:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) (الشورى 6 ). " انتهى
لم يقل الله تعالى لرسوله أنه ليس "حفيظا" على قومه بل قال "بوكيل".

سادسا: باستشهادكم بقوله تعالى (
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ) (ق 4 ).)، يفهم منها أن كل ما يكتب ويسجل "لن يفنى" حتى يوم القيامة، بل سيبقى في الكتاب المبين، أو الإمام المبين "محفوظا من الضياع"، حيث سيسترجع وترونه يوم تنشرون يوم البعث، والمسألة ليست في "الطيران أو الطاقة"، فليس لنا "تطويع" الآيات لما يأتي به العلم، فلا شيء يطير من أعمالنا، بل هي مسألة عدم التفريق بين "الفعل" و "العمل" في التدبر، فهناك "فعل" نفعله كل لحظة وهناك "عمل" نقوم به من هذه الأفعال، والعمل هو نهاية "الأفعال" ، وهو يتضمن "الفعل والنية والغاية"
فالفعل هو (عمل) لا يمتد في الزمان ولا يأخذ وقتا ولا يُخطط له بل يأتي مصادفة أما العمل فهو "الفعل" الذي يمتد في الزمان والمكان ويأخذ وقتا طويلا و يُخطط له (ولكم البحث في القرآن عن الفعل والعمل)... والمؤمن لا (يعمل) المعصية، ولا (يعمل) الإلتهاء إنما (يفعله)، وهو مضطر أو نائم وما من شأنه أن (يعمل) هذا العمل لكنه (يفعل) .

وبالتالي، يتم تسجيل الأفعال ...مشكلةً الأعمال ثم آثارها مشكلة "أعمال" الأمة كلها، بشكل مترابط متناسق ينسقها كتاب "يحصيها" جميعا، ويوضع كل هذا في "إمام مبين" حتى "لا تفنى أو تضيع" حتى "لا يكون للإنسان حجة على ربه يوم الحساب".

سابعا : أما قولكم "أما جزء الطاقة ـ أو العمل ـ فهو الذى يبقى،ولا يفنى مع هذه الأرض بل تتخلى عنه الأرض ضمن أسرارها كما سبق التعرض له "انتهى فلم أفهمه ولن أستطيع، فالعمل ليس الفعل كما أسبقت، وحتى العمل فهو ليس بطاقة، بل إن الطاقة لا علاقة لها بكل هذا الأمر فالطاقة تنتج عن الفعل وليس العمل الذي هو نتاج الفعل وأهدافه مضافا اليه الزمن..فكيف نفهم ما تريدون قوله هنا ؟

ليس اكتشاف العلم يدل على الخالق بل العكس:
إن تسجيل الأعمال لا علاقة له بالطاقة، فإن فهمنا وفقهنا الأفعال على أنها مكونة للأعمال، سيساعدنا على فهم تسجيلها، فالفعل هو كل جزئيات حياتنا، وبتسجيله يتم تسجيل أعمالنا، وكل ما يلزم هو "الإضطلاع بالغيب لتأكيد الغاية والهدف" من أعمالنا، وليس للطاقة من معنى هنا، فهي أولا وآخرا "طاقة" ...تماما كما الطاقة الناتجة عن حرق النار...وليس لنا "بتطويعها" للقرآن لأننا "كما الرسل" لا نعلم الغيب..ولنا "فقط" ما نعلمه ونفقهه وليس "القياس" علميا  و "وضع الفرضيات".
أخيرا فلقد تعبت بالفعل حينما ضربتم ذلك المثل، فاعذروني، أنتم ضربتم مثال "المسجد" ، الذي أراه يتردد على لسان كل من يؤمن بما تقولونه، فهذا المثال تكرر أكثر من مائة مرة – إن لم يكن أكثر – في موقعكم ، والكل يستشهد به لكي يثبت عدم قدسية الأمر، وهذا بحد ذاته لا يهمني كمثال، فلقد قرأته كثيرا هنا، والمثال لا يعمم الحكم
، فأنا أعطيكم مثالا آخر، واحكموا عليه كما هو من منطلقكم:

الإنسان "س"  قام بخالص النية والضمير وبكل صدق وإخلاص لله تعالى وبدون أي مراآة ونفاق حينما كان عمره أربعون عاما ببناء بيت للفقراء وقام بإيوائهم طالما عاش، وإطعامهم وتعليمهم المهنة، ثم ترك لهم مليونا من المال حتى يكفي حاجتهم بعد موته، وهو استمر في ذلك حتى أصبح عمره ستون عاما، ثم مات، ومن بعده قام أبناؤه باتباع طريقه بكل صدق وإخلاص واستمروا في "إنفاق مال أبيهم الذي تركه بعد موته – أي المليون" حتى نفق المبلغ بعد عشر سنين.......!
والآن السؤال؟ ماذا لو كان هذا المليون ينمو ولا ينتهي؟
هذا ما اريد جوابه وليس "عمليات الإحتيال التي يقوم بها من شهدتموهم فأصبحوا ناموس الكون في العمل الصالح"!
 
، وفي مثالكم قلتم جملة "وإنما المراد هو تسجيل السعى . والسعى يعنى حركتك المقصودة وأنت تتحرك حيا فى إطار المكان ( الأرض ) والزمان ( العمر المحدد لك) ."
وهنا اسمحوا لي بمخالفتكم في مفهوم السعي، فالسعي ليس الحركة من فعل وعمل وطاقة!
إن الفعل هو الأساس، ثم يتلوه العمل ، ثم يتلوه السعي..
وهي كلها مستويات مختلفة لما "يطمح ويرغب ويهدف" الإنسان للوصول اليه.
فالإنسان يفعل الكثير، ويعمل القليل، ويسعى لشيء واحد.
وإبليس يفعل الكثير جدا بالوسوسة ، ويعمل القليل بالفعل لأنه جالس في مكانه!، وسعيه هو "إغوائنا أجمعين".
فأنا الآن بردي عليكم، أفعل الكثير من الحركات والأفعال والطباعة وغيرها، وعملي سيكون هو ردي عليكم مضافا اليه ما في قلبي مما أخفيه، وفي النهاية، الله وحده يعلم سعيي وهدفي ومرادي في هذا المقال، وسيسجله.
ولي مقال مفصل آخر مدعم "بكل" الآيات التي تدعم وتثبت مبدأ العمل الصالح بكل قوة، لكي أثبت لكم وبدون "أي نظريات علمية أو غيرها" أن العمل الصالح لا ينتهي بموت صاحبه، والذي لن أذكر فيه "مثال واحد" مما نعانيه في حياتنا. قريبا بإذن الله تعالى

وشكرا لكم

 

اجمالي القراءات 7666