جرائم العسكر
سنحت لي الفرصة أن أنتقم من جنرال

محمد عبدالرحمن محمد في الإثنين ٢٨ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

  •  في اليوم السابق للتنحي أو التخلي الذي أعلنه سفاح العصر مبارك في العاشر من فبراير 2011 م يوم الخميس .. كان جميع المصريين يتميزون من الغيظ والسخط على هذا الطاغية وأوامره لقتل المتظاهرين بالميدان..  كنت في عملي وأتابع الأحداث عن كثب وقلق .. وتضرع إلى الله تعالى بأن ينصر ثوار مصر الأحرار.. في هذا الوقت البارد من العام.. وكنت عائدا من عملي.. بالوجه القبلي..
  • كنت واحدا من  ملايين المصريين في تلك الليالي الباردة  لكن قلوبنا متوهجة لهول  ما وصل إليه الفساد والتنكيل بالمتظاهرين الثوار العزل.. من قتل وسحل تحت عربات الداخلية المصفحة.. واختطاف  الفتيات من قلب الميدان ورميهن في عربات الداخلية التي تستخدم لحبس ونقل القتلة والمجرمين.. وهى مغلقة عليهن تماما ولايوجد تهوية او مياة شرب وتركهن في صحراء 6 أكتوبر .. حتى فارقن الحياة.. مع زملاء من الثوار الشباب.. وكانت هذه الأحداث تجعل القلوب اللينة الرقيقة أشد قسوة من الفولاذ.
  •   في تلك الليلة وقبل التنحي بليلة واحدة.. ركبت الحافلة.. من مقر عملي عائدا إلى القاهرة في إجازة وكانت الحافلة مكيفة الهواء للتدفئة في صقيع شتاء ليل الصحراء.. وقبل أن تنطلق حافلة الوجه القبلي للنقل والسياحة.. وتطوي مسافات شاسعة بسرعة كبيرة .. في جوف ليل الصحراء.. ركب إلى جواري جنرال في الأربعين من العمر يزيد أو ينقص قليلا عن ذلك.. كنت أجلس لوحدي على كرسيين متجاورين نظرا لقلة عدد الركاب.. وكنت اتحاشى المقعد المجاور لزجاج الشباك ليلا لأنه عندما تنطلق الحافلة يزداد الجو برودة بدرجة كبيرة جدا فكنت أجلس في المقعد الذي يطل على طرقة الحافلة..
  • كان السفر مخاطرة كبيرة في تلك الأيام وخصوصا ليلا وفي جوف الصحراء..  والأجواء متوترة للغاية بالقاهرة.. والجامعات متوقفة.. والمدارس.. لذلك كان عدد المسافرين معي أقل من  العدد الذي تستوعبه تلك الحافلة (الأتوبيس البولمان)
  •  طلب مني مفتش الحافلة ... أن أفسح مكانا لذلك الجنرال..  ففعلت.. على مضض وجعلته يركب إلى جوار النافذة.. فالبرودة تزداد أضعافا بجوار النافذة وقلت لنفسي لعله يشعر بما يشعر به المتظاهرون  من صقيع يناير في الميدان...و كان يلبس اليونيفورم العسكري المموه.. وهو في تمام  مظهره.. وحذاءا عسكريا.. وكان اصلع الرأس..  ويبدو عليه الإرهاق.. وكأنه لم ينم منذ أيام..
  • تلك هى المرة الوحيدة التي ركبت فيها الحافلة ويجلس إلى جواري جنرالا بالجيش برتبة عقيد.. على مدار خمسة عشرة عاماً .. فقد أشار عليه مفتش الحافلة بأن يجلس إلى جواري .. مع أن هناك مقاعد شاغرة أخرى بالخلف..
  •   أفسحت له مكانا بجواري في المقعد الملاصق لنافذة الحافلة.. في ذلك اليوم العصيب  وتلك الليلة القاسية البرودة والأحداث.. عليّ وعلى جميع المصريين ..
  • سألته في نبرة غيظ وتتوتر .. وكنت أرى عليه علامات الارهاق وعدم النوم .. إنت جاي من شرق العوينات..؟ أجاب وقال : لا .. لم استطرد معه الحوار وانقطع الكلام.
  •  تحركت الحافلة.. وقطعت ما يقرب من خمسين كيلو متر وتركت آخر محطات التوقف التي تأخذ منها ركابا.. وبقي بضعة مقاعد شاغرة.. منها المقعدين اللذان يقعان خلفنا.. أنا والجنرال....
  • كان مفتش الحافلة (الكمسري) يطوف بالركاب يستطلع تذاكر السفر ويفحصها .. وعندما وصل عندنا فحص تذكرتي ..  ولم يطلع على كارنيه الجنرال ولم يأخذ منه نقود لتذكرة ..! فهمت أنهم يركبون تلك الحافلات بدون مقابل  ويحاسب لهم الجيش شركة النقل..
  •  فجأة... طلب مني المفتش أن أترك المقعد الذي اجلس عليه بطريقة سخيفة .. وقال لي وراك كرسيين اجلس فيهم وسيب المكان للباشا علشان ينام ويستريح.. ونظر له بكل تقديس واحترام..!
  •  إزداد غيظي .. وشعرت شعورين مختلفين.. فالمفتش مواطن مقهور يريد ان يحظى برضا ذلك الراكب الجنرال ومساندته له في الطريق.. هو وقائد الحافلة .. والشعور الآخر المصاحب  أنني عندما أكون قد استرحت من توتري لوجودي بجوار ذلك الجنرال الذي يمثل العسكر وسطوتهم وتواطئهم مع قوات الداخلية..
  • انتقلت إلى المقعدين الخلفيين وراء المقعدين الذين يجلس عليهما الجنرال..  كنت متوتراً متيقظاً ... مغتاظا..
  • انطلقت الحافلة (الأتوبيس) بسرعة كبيرة في جوف الليل والصحراء القارسة البرودة.. كالسهم المارق عندما  يخرج من قوسه إلى فضاء ساحة القتال.. ليصيب هدفه..
  • غط الجنرال في ثبات (نوم) عميق بسرعة تتقارب من سرعة الحافلة وكلما أسرعت الحافلة ازداد نومه ثقلا وعمقاًً هما عمق الليل وظلام  الصحراء..
  • الدقائق تمر الساعات تمر وندخل عمق الليل وعمق الصحراء.. والنوم يهزم جميع ركاب الحافلة بما فيهم الرضع والنساء والأطفال.. والشيوخ.. حتى أصبح جميع الركاب نيام.. فيما عدا سائق الحافلة.. وأنا في مقعدي خلف الجنرال..
  • وجع السنين وقهر المستبدين.. وزبانية مبارك من الداخلية والجيش المتواطئ الخادم لمبارك .. وقتلى الثوار العزل بالتحرير.. والتحرش الجنسي بفتيات مصر الأحرار.. وقتل غلمان في سن الزهور في الميدان على أيدي قناصة الداخلية وبلطجية الداخلية.. كل هذه الجرائم في حقنا كمصريين شرفاء نطالب بالعدل والحرية والكرامة..
  • جعلت قلبي أنا ذو الأربعين عاما او يزيد ... يمتلئ حقدا وكراهية للعسكر وعلى رأسهم السفاح الفرعون.. وكلابه التي تنهش في جسد الأم مصر.. وشعبها..النبيل .. وكلما زادت الحافلة من سرعتها تسارع الكره داخلي.. حتى انني لم أشعر ببرودة الصحراء الشديدة في ليلها..
  •  كنت في طفولتي .. وديعا مسالماً حتى أنني في المرات القليلة التي تشاجرت فيها مع أقران الصبا.. كنت دائما ما أهزم وأضرب منهم.. ليس عن ضعف في الجسد فالبنية سليمة والحمد لله.. لكنه كان الاشفاق على  خصوم الصبا من أن اوقع بهم الأذى فأفقأ عينا او أكسر سناً من أسنان أقراني.. لذلك كنت كثيراً ما أهزم في مشاجراتي معهم..!!
  •  حتى في أحلامي الصبيانية وفي أحلام وكوابيس الشباب عند النوم.. عندما كنت اتشاجر مع خصومي وانا نائم.. كانت ضرباتي لهم ولكماتي جميعها تطيش وتبوء بالفشل... وأخسر النزال والعراك..
  •  أصحو من النوم حزيناً لأنني خسرت معاركي مع خصومي.. لكنني كنت اتمالك نفسي وأقول.. الحمد لله انها كانت أحلام.. أما أنا في الواقع اليومي.. فكنت حريص على ألا اخسر معاركي مع الخصوم .. وكانت اقوى الخصوم هى نفسي .. لابد من أهذب طباعها .. وأستئصل الاستبداد الذكوري الذي نتربى عليه..من ذاتي.. واعلم نفسي وأربيها بخلق وتعاليم القرآن العظيم.. فنحن أسرة وعائلة.. ورثت حب القرآن والتدبر فيه وتجليه حقائقه السامية.. وقدمنا تضحيات كبيرة من الاضطهاد في القرية إلى الاضطهاد في الجامعة  ووقت التعيين بالعمل ، على أيدي جهاز امن مبارك جهاز امن الدولة.
  •   حانت ساعة القصاص والانتقام.. على دقات القدر.. في شخص هذا الجنرال.. فقد اذل الجنرالات الشعب المصري منذ الانقلاب الأول الذي قامو به في يوليو 1952م عبدالناصر سجن وسحل المصريين باسم القومية العربية.. وجهاز مخابراته وصلاح نصر وعبدالحكيم عامر .. أذلوا المصريين على  كل وجه ولون ..وتخطيط فاسد وهزيمة نكراء في 67م .. وعشرات الآلاف من المعتقلين.. من الإخوان والشيوعيين .. ومن الطلبة والعمال..  السادات جنرال خبيث.. أضاع من مصر بعد النصر في أكتوبر اكثر مما أضاعه جمال مع الهزيمة.. سلم للعدو الاسرائيلي  شرف مصر في كامب ديفيد.. ونزع كرامة كل المصريين والمصريات مقابل أن يزور الكنيست.. ويتنزه في كامبديفيد.. ويحظى بالشهرة والمجد..
  • فرعون العصر مبارك هذا العميل الذي صنع على أيدي الاسرائليين بمعرفة وتخطيط صفوت الشريف ذلك القواد في عصر السادات وتمتد سنوات خيانته وخداعه للمصريين بعد مقتل السادات.. ليؤسس  للإسرائليين عميلا برتبة ووظيفة رئيس جمهورية مصر .. والمصريون غافلون مخدوعون..
  • عاث كلاب أمن دولته في مصر فسادا.. فقد الذكور المصريين رجولتهم  على أيديهم.. وأصبح من السهل على المصري ان يختزل شرفه في الدفاع عن إناث أسرته فقط .. وهم يهبون له هذا الشرف المحدود في مقابل انتهاك وهتك كل مكونات الشرف الأخرى..
  • القتل  والتعذيب في أقسام شرطة الداخلية.. وتلفيق التهم والقضايا لكل مصري شريف يقف في وجه طغيانهم وفجورهم..
  • إنهار التعليم وانهارت معه القيم والأخلاق والمبادئ..في ثلاثة عقود  سود من الاهانة والتهميش لكل المصريين.. كل تلك الخواطر تدور وتتسارع في عقلي  وأنا انظر  إلى ذلك الجنرال النائم على الكرسي.. الذي امامي.. وصور قتلى الميدان على الشاشات والفضائيات وانتهاك أعراض فتيات مصر.. ووجوه الكهول في الميدان بائسة وحزينة والأمهات الثكلى لفقدان أبنائهم وبناتهم وصبيانهم في أيام الثورة السبعة عشر السابقة لليوم الثامن عشر...
  • كل ذلك يتراءى أمامي وتستحضره ذاكرتي ومشاعري.. لابد من الانتقام.. ورد الكرامة..
  • من الأقرب لي كي أقتص منه إنه الجنرال النائم في المقعد الأمامي مباشرة لي.. إنه رتبة من رتب العسكر..
  • ترقيتين إثنتين ويصبح لواءاً وربما لواء أركان حرب.. أو قائدا لسلاح من أسلحة الجيش..  مثل هؤلاء القادة العسكريون الفجار الذين أذلوا المصريين وسرقوا شرفهم وثرواتهم عبر الخمسين عاما  الماضية.. تحت مسمى حماية الوطن وحماية الشعب.. وهم يسفكون دماء المصريين وأعمارهم وثرواتهم وثروات أبنائهم..
  • يمكن لهذا الجنرال أن يصدر أوامره للجنود الذين هم تحت رحمته في الخدمة العسكرية .. بقتل المتظاهرين الثوار.. أو أيا كان من المصريين الأحرار الذين يطالبون بعدالة توزيع الثروة والكرامة والعيشة الكريمة.. ربما يصدر أمرا لطيارين بقتل المصريين..
  •  كل ذلك والدماء تغلي في عروقي غليانا أنساني صقيع الصحراء.. 
  • إنه مندوب وممثل عن مبارك وجيش مبارك في هذه الحافلة التي تمثل شعب مصر وتمثل المصريين ففيها من جميع طبقات وفئات الشعب.. هذه الحافلة بها السائق والعامل والمزارع والطبيب والطالب والنساء والرضع والأطفال والشيوخ.. والمدرسين..
  • فليكن القصاص الآن على يديّ أنا... هم نائمون لكنني بعقلي وفكري متيقظا ساهراً نائباً عنهم.. وبإرادتي أستطيع تنفيذ القصاص الذي كنت دائما أفشل فيه في أحلامي في الطفولة والصبا والشباب مع خصومي..
  • فلتنصف نفسك وتحقق ذاتك وتقتص من خصومك وخصوم  شرفاء وضعفاء مصر.. وأطفالي من ضعفاء مصر .. ولابد من تأمينهم من خسة العسكر فلا مستقبل لهم مع وجود العسكر يحكموننا ويشردوننا جيلا بعد جيل من أبي إليّ وإلى أطفالي..
  • الحافلة تتوقف كل ساعتين في استراحة.. لكل من أراد ان يشرب فنجانا من الشاي  أو يرتاد المرحاض ..
  •  ما  هى أسلحتي وما هى  حيلتي.. ماذا يمكني ان أفعل ؟ أنتظر نصف ساعة   ونصل الاستراحة التالية.. وأحضر حجرا قويا.. من حجارة الصحراء.. وليكن  مدبب ذو سن قوي بحجم قبضة اليد مرتين  نصفه في قبضتي ونصفه الآخر خارجها بطرفه المدبب الحاد..
  • أعرف أنه لم ينزل في الاستراحة السابقة.. فهو  يغط في نوم عميق.. ولن ينزل في الاستراحة التالية.. فلأُحضِر سلاحي الحجري ..   وأنتظر نزول ركاب الحافلة.. وأجهز عليه وأقتص لأبي و لنفسي ولولديّ وأحفادي من جميع العسكر في شخص هذا الجنرال..وأقتص  لشرفاء شعبي وضعفائهم ولثوار الميدان.
  •  وأنزل أرتشف كوبا من الشاي الدافئ.. ولا احد يدري ما حدث.. !!..
  • فلأُهشّمُ أمّ رأس هذا الجنرال الفاجر الفاسق رمز الاستبداد.. والقتل والاستعباد للمصريين .. ولأطحن جمجمته طحناً بسلاحي الحجري البدائي..  
  • إنني أعلم النقاط  الضعيفة بعظام الجمجمة.... وبضربة واحدة فقط في وضعه هذا أعرف كيف أحدث كسراً  بقاع تلك الجمجمة الخبيثة ونزيفا تتواضع معه كل جراحات المخ والأعصاب.. لن ينجو منه أبداً..  فلن يسعفه سادته من العسكر الأعلى منه رتبة ولن يرسلوا له طائرة هليوكوبتر تنقله إلى غرفة جراحة المخ والأعصاب.. فهم في شغل  شاغل عنه اليوم فهو لم يصبح من السادة الكبار بعد.
  •  الوقت يمر ببطء وضجر.. أأنتظر النصف ساعة حتى أحصل على سلاحي الحجري.. ربما لا تسنح الفرصة مثل اللحظة الآنية.. فالجميع نيام وهو معهم .. وماذا أملك من أسلحة اخرى..
  •   فتّشْتُ في أغراضي .. فوجدت قلما رصاصاً  وسألت نفسي أهو سلاح يصلح للقتل والقصاص؟
  • قالت لي نفسي بل هو سلاح للوعي والتنوير وغرس الكرامة والأمل في النفوس.. لكنه يمكن
  • أن يكون سلاحا فتاكاً حقيقياً في مثل هذه الحالة.. فالمجرم مستلق نائم كأنه في غيبوبة.. وأنت مهني تعرف أخطر النقاط في الرقبة لو أصبتها .. تقتل أسرع من إطلاق الرصاص.. الحي .. الذي يطلقونه على إخوتك الأصغر سنا من شباب الميدان..
  •  إن الشريان السباتي الأيمن لهذا الجنرال  في مواجهة يدك اليمنى .. ويدك تأخذ كل عزمها.. فلتكمم فمه بيدك اليسرى ولتغرس القلم بيك اليمنى بكل قوة وسرعة ودقة في الشريان السباتي الأيمن وأنت من ورائه في مقعدك.. فلن يستطيع له ردا ولن يحدث صوتاً.
  •  سيكون قصاصا رائعاً سريعاً ناجزاً .. من أول مواطن مدني مصري بدق عنق أول مجرم فاجر من فجار العسكر.. في هذه الثورة الشعبية الطاهرة.
  • إنه قلم من الرصاص  فتاك مثل الرصاص الحي.. بل أسرع منه فتكا لو غرسته بدقة كما يجب.. 
  •  وأنا مهموم بهذا الأمر ..
  •  ظهرت لي في أفق عقلي تلك الآية الكريمة  التي يخبرنا الله تعالى فيها  أن من قتل نفساً بغير الحق وبغير أن تكون قد قتلت نفساً فكأنما قتل الناس جميعًا ..  ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعاً.. أنا لم أرى هذا الجنرال يقتل أحدا أمام عيني.. فكيف لي أن أقتله.. وأصبح مثل أسياده من الجنرالات الأعلى منه وأقتل مثلهم سواء بالأمر المباشر لمن هم تحت سطوتهم بحكم الرتب في الجيش أو بانفسهم.. إذن أنا مثلهم.. يقول تعالى .. {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32

  •  
  •  خفف سائق الحافلة من سرعته رويدا رويداًً  ووصلنا  الكمين العسكري ..  قبل مائتين وخمسون كيلو من القاهرة.. وتوقف سائق الحافلة.. ودخلت الشرطة العسكرية وجنود الكمين لتفتيش  ركاب الحافلة .. والتحقق .. من هويات الركاب..
  • صحا جميع الركاب بما فيهم هذا الجنرال..
  •  وتحقق جنود الكمين من هويات جميع الركاب.. وأدوا التحية لهذا الجنرال.. وطلب الجنود من سائق الحافلة.. أن ينتظر على جانب الطريق.. وينتظر حتى انتهاء  وقت حظر التجوال..
  • كان  على السائق أن ينتظر  خمس ساعات حتى تنتهي ساعات حظر التجوال ونصل القاهرة في السابعة صباحاًً
  • كانت درجة الحرارة أقل من الصفر.. والبرودة تزداد بالحافلة حتى أوشكنا على التجمد.. لأنه عندما تتوقف الحافلة  يطفئ السائق التكييف والتدفئة.. حتى يمكنه أن يشغل الحافلة عند التحرك .. مرة ثانية..
  •  طلب مفتش الحافلة من هذا الجنرال أن يتوسط عند هؤلاء الجنود في الكمين للإفراج عن الحافلة وتركها تواصل السفر .. ليلا وخصوصاً عندما رأينا أن هذا الحظر على الحافلات (الأتوبيسات والملاكي) فقط أما عربات النقل الثقيل التي تحمل البضائع فلا يستوقفونها ولا يطبقون عليها حظر التجوال.. !!
  • استيقظ الأطفال والرضع بدأو يبكون ويصرخون من شدة البرد القارس الذي تتجمد منه الأطراف.. وتصتك منه الأسنان وترتعش معه جميع عضلات الجسم..
  •  ذهب الجنرال للجنود وطلب منهم أن يسمحوا للحافلة بالتحرك.. لم يستجب الجنود  لطلب هذا الجنرال.. ولم يلح عليهم.. فهو يعلم أنهم لن ينفذوا لهم هذا الرجاء.. وقالوا له إنها أوامر عليا من وزير الدفاع المشير..
  •  ثلاث ساعات من الجحيم  القارس قضاها ركاب الحافلة بأطفالهم الرضع.. وسط صرخاتهم.. وأناتهم .. من هول وشدة برودة الجو الصحراوي..
  • لم يستطع الرجال التصرف فربما تنشب معركة بين الرجال والجنود المسلحين والمزخرين.. ومعهم دبابة  منظرها بشع من الطراز الروسي القديم .. الذي ربما يصل إرتفاعها إلى أعلى من طابق من طوابق المنزل العالي.. وماسورة المدفع طولها أكثر من سبعة امتار.. وشكلها عابس وموجهة فوهة المدفع نحو الحافلة وكل الحافلات المنتظرة على جانب الطريق الصحراوي..
  •  منظر مآساوي.. لم يستطع الرجال في الحافلة التصرف.. ولم يستطع الجنرال أن يتوسط لدى الجنود .. في ذلك الكمين المنصوب للمصريين.. في تلك الحافلة.. ورجع خائبا إلى مقعده أمامي..
  •  فزعت نساء الحافلة وخصوصا الأمهات منهن للرضع.. ونزلن من الحافلة.. وذهبن للجنود وقلن لهم ..  أنه حرام هذا التصرف.. تسمحون لعربات النقل بالمرور وتمنعون الاتوبيسات من التحرك نحن واطفالنا الرضع والصغار سوف نتجمد  من البرودة.. ده ما يرضيش ربنا.. أوامر إيه إنتوا كده بتقتلوا أطفالنا أمام أعيننا..
  •  طأطا الجنود وجوههم في الأرض وأحسوا بالجريمة التي يرتكبونها بناءا على أوامر المشير وزير الدفاع  وبعد انتظار ساعتين سمحوا لنا بالمرور....
  • عندما رأيت ما حدث مع الجنرال وأن  جنود الخدمة في الكمين لم يلقوا  له بالا لتوسطه بأن يستثنوا الحافلة  من حظر التجوال ويدعوها تمر في طريقها وعاملوه   كأنه نكرة بناءا على الأوامر العليا التي جاءت لهم.. صرفت النظر .. عما كنت عقد العزم عليه من القصاص.. فهو لم يصبح من الكبار بعد.
  •  نحن اليوم في الخامس والعشرين من نوفمبر وقد مر أحد عشرا شهراً من بدء ثورة يناير.. بالضبط..
  • وبعد  استمرارالجرائم الكبرى التي يمارسها العسكر وجهازهم الأمني في حق المتظاهرين العزل من الشباب والفتيات ..  واختبار  كشف العذرية  لهن وقتل الشيوخ في ميدان التحرير..  وتواطؤ الإخوان معهم لتقسيم الكعكة كعكة السلطة.. 
  • فانا أسأل نفسي السؤال الآتي..  هل كنت أضيع فرصة القصاص من ذلك الجنرال؟


     
اجمالي القراءات 11624