الملك والملكوت
كتاب الله بين عالمي الملك والملكوت

محمد خليفة في السبت ٢٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الله

سورة

كتاب الله بين المـُلك والملكوت

سوف نورد هنا بعضا من مقتطفات مبحث الجـِذر   (  مـ . لـ . ك )

 

مَلِكْ وهو الشخص الذى يملك وذكر في القرآن إحدى عشر مرة.

ستة منها تشير إلى واحد من ملوك الأرض

أما الخمس اللواحق فهي تشير إلى الذات العلية

 

أولا : لفظة الملك التي تشير إلي واحد من ملوك الأرض

 

  تردد ظهور لفظ الْمَلِكُ كواحد من ملوك الأرض خمس مرات في سورة يوسف

 

 {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ...أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ
 كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}      

 { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ ....... إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}

 {  وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
 (54) }
 { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) }
 { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ,,, كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
  ...   ..... عَلِيمٌ (76)}

 

أما سادسة تلك الإشارات فوردت في سورة الكهف

{  أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْمَلِكٌ
  يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}

 

ثانيا : لفظة الملك والتي تشير إلى الذات العلية

 

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
  عِلْمًا (114) } سورة طه

{  فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) } سورة المؤمنون

{  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
 الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) } سورة الحشر

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
   سورة الجمعة

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) } سورة الناس

 

 

أما لفظة  " مُلّك "  وهى تعني المساحة التى تغطى سلطة المَلِكْ (42 مره) ،
 ولمن أراد التفاصيل الرجوع إلى مبحثنا في إشتقاقات الجذر (مـ . لـ . ك )

 

ونرى وعلى سبيل المثال  ذلك واضحاً فى الاّية 038035  من سورة ص وهو دعاء سليمان

" قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"

وأنعم الله عليه بالملك الأتى:

الدعوة للإنس والجن ، وجنوده منهما ، معرفة كلام الطير والحيوان والحشرات ،غدو الرياح ورواحها، إساله عين القطر ، وورث داوود سليمان الذى ألان الله له الحديد ، هذه هى مساحة ملك سليمان والذى لم تمنح لأحد من بعده.

 

 

 

أما الملكوت فقد وردت فقط أربع مرات


   

     {  فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِمَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) } سورة يس


&  { قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ  تَعْلَمُونَ (88) }
         
سورة المؤمنون

&  {
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِيمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ
        يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ  يُؤْمِنُونَ (185) }
سورة الأعراف
 
& { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ  الْمُوقِنِينَ  (75)}
      سورة الانعام   


   وهكذا نرى أن نبي الله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه هو الوحيد من بين أنبياء الله ورسله الذى نص الحق على أنه  أ ُر ِيَّ ملكوت السماوات والأرض.

والملكوتهو كل ما لا يظهر من المخلوقات، أى أسرار العالم الحقيقية، والقوانين التى تحركها، والطاقات الخفية، والعلاقات والروابط غير المرئية،  ونحن مطالبون بالبحث فيها ووراءها وقد يفتح الله على بعض المجتهدين من خلقه فيصل إلى بعض منها .

 

والملك يؤتى من عند الله وكذلك ينزع بأمر من الله، واقرأ معي الآية
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنتَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُإِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  (26) } سورة آل عمران

 

 

  يقول الحق في كتابه الكريم
  {
 إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ  وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} سورة الأعراف


     تبين هذه الآية أن الله جل وعلا بيده مقاليد العالمين عالم الأمر والغيب والملكوت، وأيضا عالم الخلق والشهادة.
   
     وعند الإشارة إلى عالم الخلق أي عالم المادة والزمان والمكان أشارالحق إلى خلق كل شئ ، وقد أورد الحق في هذا الصدد العديد من الآيات نذكر منها وعلى  سبيل المثال

  {
 قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) }  الرعد


  {  قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} طه


  { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ
     شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)
}  الفرقان


  { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)}  غافر


  { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } القمر

  إلا أن القانون العام الذي يحكم الكون أن الله ليس كمثله شئ
    {
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ
      فِيهِ  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ      (11)}  الشورى


  ثم أردف الحق قانون هلاك الأشياء
   {
 وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) } الأعراف


  {   كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) } الرحمن

 

وكان عدم التدبر لهذه الآيات جميعا، سبباً في خلط جوهري وسوء تقدير ملحظي وقعت فيه فرقة المعتزلة –  مع إحترامي الشديد لكثير من أفكارهم -  وهو إعتبار أن القرآن هو شئ...! من أشياء عالم الخلق، لذا فهو مخلوق ويجري عليه ما يجري على كافة مخلوقات عالم الشهادة من الهلاك والفناء، والخطأ يكمن في كون أن القرآن ليس بشئ من عالم الخلق، لكنه هو أحد موجودات عالم الأمر والملكوت وهوغيب ...منشأه غيب وانتهائه غيب ، وتأويله غيب وليس لنا نحن المسلمون أن نتناول الغيب في أحاديثنا أو مناقشاتنا، كما أنه لا طائل لنا  من أن نـُعمل فيه عقولنا فهو علم محجوب عنا وهو من أمر الله.

 

من هذا نستطيع أن نقول أن الكيان الوحيد الذي يجمع بين عالم الأمر والملكوت، وبين عالم الخلق والشهادة، هو كتابنا الكريم، فهو من أمر الله وهو موجود من مواجيد علم الله،

 لكنه.... أيضا له وجود ملموس  في كون الله، نستطيع أن نلمسه بأيدينا، ونبصره بعيوننا، ونسمعه بآذاننا، لكنه مع ذلك لم يتضح لنا كامل معانيه، وعجزنا عن تأويل آياته، وتفهم أبعاد كلماته، وسوف يبقى هذا العجز قائماً إلى يوم القيامة ذلك لأن الحق أورد في محكم كتابه

 

{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا
  الَّذِينَ  فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ
  تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
  إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)
 } سورة آل عمران

 

هكذا قـَصـَر الله على نفسه العلم بتأويل كلماته والتي وردت في كتابه الكريم وقرآنه العظيم، وقد يرى البعض أن الحق قد أدخل في معيتة الراسخون في العلم في معرفة تأويل كلماته، وهذا قول يجافيه الصحة، هذا لأن حرف الواو التي تسبق الراسخون هي واو استئنافية أي أن مهمتها تقتصر فقط على استئناف العبارة، وليست بحال واو عطف والتي تتيح لهم القول بما ذهبوا خطأً إليه.

أيضا يردف الحق في إشارة صريحة موجهة إلى المؤمنين إلى أن الذكر القرآني سوف يفصح عن بعض ما يحتويه وعن بعض ما تحمله كلماته من معاني ومن أنباء، ذلك بعد  حين زمني غير محدد، وقد صبت الصياغة في قالب الإستمرارية المستمرة إلى أن تقوم الساعة..

{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) }
 سورة الواقعة

ثم يجزم الحق بأن الآيات سوف تترى في الآفاق وفي الأنفس


 {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ
   عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
} سورة الصافات

ووجود حرف السين في صدر الآية تعني ديمومة الحديث عن المستقبل الكائن في علم الله، وهو غيب عنا، ولذا يكون من المهم أن نعي أن هذه السين موجودة إلى يوم يبعثون، بما يعني أن البشر لن يصلوا أبدا إلى كمالات المعاني ولا إلى أعماقها ولا إلى أبعاد التأويل وأسراره، فهو بذلك - القرآن -  سوف يبقى في عالم الأمر والغيب والملكوت، هذا ... مع وجود الكتاب ملئ أسماعنا وأبصارنا وجوارحنا...!!


ألا تكمن في هذا الذي أشرنا إليه آية عظمى من آيات القرآن ، أو واحدة من معجزاته،

 إي وربي إنها لآية كبرى.


 

اجمالي القراءات 29107