النظام السوري في النزع الأخير!

د. شاكر النابلسي في السبت ٢٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

الصحيح، أنه ليس النظام السوري الحالي هو الذي (يعافر) وحده ، وهو في النزع الأخير قبل الموت الكلي. فحاله حال الدجاجة المذبوحة بسكين الثورة الشعبية، ولكن هذه الحال هي حال معظم الأنظمة العربية الدكتاتورية القروسطية من جمهورية، وملكية، وعسكرية، ومدنية.

ومن يظن، أن الجامعة العربية (عصا الملك سليمان الأسطورية، التي نخرها النمل منذ زمن)، هي التي ستُعجِّل في نهاية النظام السوري فهو خاطئ. فمبادرة الجامعة العربية قد مددت في عمر هذا النظام أياماً، أو ساعات!

ومن يظن، أن الجامعة العربية، هي التي تدفع بالقضية السورية الى مجلس الأمن، لكي يبدأ الناتو عملياته، التي قام بها من قبل في ليبيا فهو خاطئ . فالناتو قام بعملياته في ليبيا بقرار من مجلس الأمن. وكانت الجامعة العربية في ذلك الوقت تغطُّ في نوم عميق وتجتر البيانات، وتعلك الكلمات الجوفاء، وتحلم بتمرة خليجية، وفنجان من القهوة المُرَّة.

 

-2-

وقرارات الجامعة العربية في الأمس، واليوم، والغد، قرارات سياسية وليست وطنية شفافة، تحددها، وتلونها الدول العربية الأقوى في الجامعة. ففي الأمس، كانت "مصر عبد الناصر"، هي التي تُشكِّل، وتحدد، وتلوِّن، قرارات الجامعة العربية. واليوم أصبحت دول الخليج، هي التي تلعب هذا الدور، بفضل المال السياسي وحده.

 فماذا تملك دول الخليج غير هذا المال؟

ولو نفد هذا المال يوماً، فستصبح دول الخليج عباءات تذكارية.

 

-3-

 المستشرق والمفكر السياسي الألماني كارستين ويلاند، المتخصص في الشؤون السورية، كان قد قال في كتابه المهم (سوريا: الاقتراع أم الرصاص؟) في عام 2004  - حيث تبيّن لنا بعد ست سنوات، أن سوريا الأسد هي الرصاص وليست الاقتراع، ولكننا لم نسمع ما قاله لنا الشاعر الجاهلي "دريد بن الصمة" الفارس الشجاع، من أن أهله لم يستبينوا النُصح إلا ضُحى الغد. ولكن ليس للثورات التي هي كالبراكين الثائرة مواعيد محددة، كما قال جواهر لال نهرو  في رسالة من سجنه لابنته انديرا غاندي عام 1933 – من أن نظام الحكم في سوريا نظام رصاص، وليس نظام اقتراع. ومن يقرأ كتابه اليوم سوف يعرف كثيراً، عما يدور في سوريا الدكتاتورية القروسطية اليوم.

 

-4-

كان بشار الأسد، قد أعلن غداة اعتلائه الحكم عام 2000 ، أن النموذج الديمقراطي الغربي لا يصلح لنا نحن العرب في سوريا، وغير سوريا. وكان مُحقاً في كلامه هذا . فالديمقراطية الغربية نبعت من مجتمع غربي، له صفاته، ومميزاته، وخصوصيته، وثقافته. واقترح بشار بقوله، أن سوريا ستسير على النهج الصيني في التحرر الاقتصادي لتصل في نهاية المطاف الى التحرر السياسي! ولكن ما حصل في سوريا، أن الاضطهاد السياسي منذ عام 2000 وحتى بداية 2011 كان على أشده، ولم يُتح الفرصة للنمو الاقتصادي لكي يتطور.

فأصبحت سوريا بذلك كالمُنْبَت. فلا هي ظهراً أبقت، ولا هي أرضاً قطعت. أي لا حققت نمواً اقتصادياً كالصين، ولا طبَّقت مبادئ الديمقراطية التي تقترحها، بعيداً عن الديمقراطية الغربية اللعينة والملعونة في كل كتاب دكتاتوري قروسطي ديني أومدني!

فلا هي أطعمت السوريين خبزاً، ولا هي منحتهم الحرية، كما قال الباحث البريطاني جورج آلان في عنوان كتابه عام 2003: " لا خبزاً ولا حرية Neither Bread Nor Freedom "

 

-5-

لم يفطن معظم المثقفين السوريين ومنهم – أدونيس في رسالته الأخيرة لبشار الأسد في جريدة "السفير" في 13/7/2011 بعنوان: "أبعد من النظام، وأوسع من السياسة" الى أن النظام السوري، وكذلك باقي الأنظمة العربية، لا صلاح فيها، ولا إصلاح لها. وكل إصلاح لها يعني انهيارها ورحيلها، لأنه قامت أساساً على قواعد لا إصلاح لها، فإما أن تبقى، وإما أن تزول وترحل، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي في 1989 وما بعدها. فلا نفعت بروسترويكا جورباتشوف، ولا شفعت آمال الاشتراكيين في كل أنحاء العالم من إنقاذ الاتحاد السوفيتي وتحاشي تفتيته، ليصبح – بعد ذلك - سنداً للدكتاتوريات العربية المنهارة، كما تمَّ مع روسيا في موقفها من ليبيا القذافي، وسوريا الأسد. وهو ما قالته بثينة شعبان – والتي من المؤكد أنها ندمت على قولها التالي، واعتذرت عنه – من أنه "عندما تكون المؤسسة برمتها فاسدة، فلا يمكنك فعل شيء حيالها." (سوريا: الاقتراع أم الرصاص؟ ص 107).

 

-6-

يقول المستشرق والمفكر السياسي الألماني كارستين ويلاند المتخصص في الشؤون السورية، في كتابه المهم (سوريا: الاقتراع أم الرصاص؟):

"لقد حارب النظام [ربيع دمشق] عبر الاعتقال والحظر." (ص 109). وها هو اليوم يدفع ثمناً مرتفعاً وغالياً ثمن هذه الحرب وهذا الحظر، وإن كان هذا الثمن قد دُفع متأخراً. كذلك، فإن كافة الأنظمة العربية التي مارست القمع والحظر لربيع بلادها، سواء الربيع الذي أنبت سيقاناً طويلة للعشب، أو الذي أنبت سيقاناً قصيرة، أو ذلك الذي ما زال عشبه تحت سطح الأرض، ولم ينبت بعد، سوف تلقى المصير نفسه، الذي يلقاه النظام السوري الآن، وسوف تشرب من الكأس الحنظلية المُرَّة التي يتجرعها الآن النظام السوري، وقد تخلّى عنه – مرغمين - معظم أطباء وحكماء العالم العربي والعالم كله، وتركوه يموت موتاً سريرياً بطيئاً الآن. فشأنه شأن من هو ميت في واقع الحال، لولا خراطيم الأمن السياسي القمعي، التي تمده بالحياة المؤقتة، وتجعل قلبه ينبض نبضاته الأخيرة حتى الآن.

 

-7-

لا شك أن هُزال وجُبْن وتشتت المعارضة السورية قد أكسب النظام السوري - خاصة بعد عام 2000- قوة، وصلابة، وزاد من قسوته، ومدَّد من إقامة حكمه. فالنظام – كذلك الأنظمة العربية الأخرى - ليس قوياً في ذاته، بقدر ما يستمد قوته من ضعف المعارضة وهُزالها. وقد تجلّى هذا الهُزال، وهذا الجُبْن، وهذا التشتت في الإعراض عن مهاجمة النظام، ورأس النظام نفسه، منذ سنوات، والمطالبة بإصلاحه فقط، رغم أن "السمكة تفسد من رأسها"، كما يقول الفرنسيون. ولعل هذا حال المعارضة الهزيلة في العالم العربي كله – باستثناء مصر التي هاجمت مبارك شخصياً في السنوات الأخيرة وجهاً لوجه، دون خوف أو تردد – التي تلف وتدور حول النظام، دون أن تجرؤ على مهاجمته مباشرة. والأمثلة على ذلك كثيرة. وفي ذكاء القراء ووعيهم، ما يُغني عن الإفصاح، غير المُباح.

 

اجمالي القراءات 8554