شراب النحل والقرآن الكريم
نظرات متجددة في رحاب آيتي النحل

محمد خليفة في الجمعة ٢٥ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

شراب النحل والقرآن الكريم

مقدمة   :

سورة النحل هي سورة مكية   عدد آياتها 128 آية،  وترتيبها التوقيفي 16،  وترتيبها التنـزيلي  70  وتقع بدايتها في الجزء 14 والحزب 27 وفي الربع الثاني منه

ووردت فيها الآيتين الكريمتين 68 و69

{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ*ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.

ملحوظة :

سوف نعرض لألفاظ آيتي النحل كلمة تلو كلمة بالتفصيل المختصر
وللتعبيرعن عنوان الكلمة في الآية وفي السورة قيد البحث نعرض نظام الترميز الآتي:
عـدد سـور الـقرآن الكريم    114   سورة أي يكفي لترميزها ثلاث خانات رقمية

وكذلك أكبرعدد من الآيات ورد في سورة البقرة وهي  286 آية
 أي يكفي لترميزها ثلاث خانات رقمية
أما أكبر عدد من الكلمات جاء في آية واحدة هـو    128   كلمة
 وذلك في آية الدين 282 سورة البقرة   أي يكفي لترميزها ثلاث خانات رقمية

                                                      

ويظهر الصفر على شمال العدد تحقيقا للثلاثية الرقمية لكل رمز منها على حدة

مثال: كلمة يعرشون هي الكلمة الثالثة عشر      013

في آية النــحل      068 

   وفي سورة النحل ذات الترتيب التــوقيفي     016 

وعلى ذلك يكون عنوان "يعرشون" هو  016068013

          مثال: عنوان كلمة "كلي" هو  016069002  وهكذا

 

 

016068001  "وَأَوْحَى"

تبدأ الآية بكلمة وأوحي، وبالرجوع إلى تفاصيل جدول الجذر "و.حـ.ي" سوف نجد أن هذا الاشتقاق ظهر استخدامه ثمانية مرات في القرآن ثانيها كانت لهذه الآيةومن الملفت للنظر أن هذه اللفظة لم توجه إلى أي من الحيويات المتحركة أي المخلوقات الحية المتحركة (الحيوانات، الأنعام، الزواحف، الطيور، الجراد، الضفادع إلى آخر هذه السلسلة وأيضاً من الحشرات مثلالذباب، البعوض، العنكبوت، القمل...الخ) سوى لهذه المخلوقة الفريدة المتفردة (نحل العسل).

والوحي لغير العاقل "برمجة" أو هو كتاب الله الموجود في كل خلية من خلايا هذا المخلوق أو هو بلغة العصر صفات أو مُوَّرثات جينية لكل منها وظيفة معينة، فكلمةوظيفة هنا تعتبر كلمة كبيرة نسبياً ونستطيع أن نستبدلها بكلمة تَوَجُه أي كل مُوَرَثة موروثة لها توجه خاص يعتبر إحدى لبنات أداء وظيفة بعينها هذه التوجهات جميعاً قد كتبها الله أي حددها ووصفها وقدر أبعادها وحدودها ومداها وحدد موعداً لبدايتها وموعداً لنهايتها، بل وضع فيها موعداً لفنائها وكيفية التخلص منها فضلاً عنإنه جل شأنه حدد مكوناتها وعناصرها الأولية وتراكيب هذه العناصر لتنتج مكونات أكثر  تعقيداً ثم تستمر هذه التفاعلات  لتََكَون مواد أكثر وأكثر تعقيداً وهكذا في سلسلة كبيرة تنتهي إلى الوصول إلى نفس الصيغة الوراثية التي تعد واحدة من المكوناتالكثيرة جداً والتي تقدر بالملايين، ولا أُبالغ إن قلت أنها بالمليارات والتي تنتقل من جيل إلى جيل بنفس الكيفية والتي تجعل هذا المخلوق ينتظم في العمل الذي خلق من أجله انتظاماً بديهياًمدهشاًمكرراً لنفس نمطية ما كان عليها أسلافه الأولين.

 

  016068002   " رَبُّكَ " :

"تأتي بعدها لفظة ربك وقد اختار الحق كلمة "رب" لأنه رب العالمين ورب السماوات والأرض وما فيهن، رب الكافر والعاصي والمؤمن، رب الحيويات المتحركة (البشر والحيوانات.. الخ)، ورب الحيويات الثابتة (النباتات، والأشجار...الخ)ورب كل شيء، وقد قدر فيها ولها أرزاقها، فتجئ استعمال "رب" هنا متوافقة تماماً مع هذا التوجه، لأن استعمال لفظ الجلالة (الله) لا يأتي إلا عند الحديث عن الإيمان التعبدي، لكن لفظ الرب يأتي عند الحديث عن الأرزاق، والتصرفات الحياتية وقد جاءت الكاف في آخر الكلمة لتعطي خصوصية للمتلقي، فهي تعطي خصوصية للمتلقي الأول رسول الله (محمد)صلوات الله وسلامه عليه، وأيضاً تعطي خصوصية للمتلقي الأخير أو القارئ الآني الذي يقرأ هذه اللفظة دائماً بهذه الخصوصية "ربك" لكي يرسخ في الأذهان أن المتحدث هنا هو الرب رب كل شيء ربك ورب النحل ورب الأكوان جميعاً، وكأن القرآن قد تنزل عليك يا من تقرأه الآن.

 

01606803 "إِلَى النَّحْلِ ":

ثم جاءت بعدها " إلى النحل " أي أنه يوجه الانتباه إلى أن الحديث سوف يخص مخلوق أسماه النحل هو بالطبع مخلوق أمامنا في الطبيعة ومتوافر في الحياة وما من أحد (تقريباً) من البشر إلا ويعلم ما هو النحل، ويجب علينا أن نلاحظ أن الصيغة المستعملة هي صيغة الجمع فيما يعني أن الحق يشير إلى أن هذا النوع الخاص من الوحي سوف يكون لجنس النحل بكافة أنواعه وعلى إختلاف البيئة المتواجد فيها، في حين أنه حين أورد الإشارة إلى عالم النمل أورده بصيغة المفرد قائلا
{  حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) } سورة النمل

وهنا يجب أن نلتفت الإنتباه إلىأن الحق لم يعرِّ ف هذه النملة بحرفي الألف واللام، بما يعني أنها مجرد نملة عادية ، ولا تميزها أي مميزة خاصة، وعند تدبر هذه الإشارة فإنما تعني أنه يتوجب على أي فرد عادي من أفراد المجتمع التنبيه والإعلان بأي وسيلة عند إقتراب ما يرى فيه خطر على باقي أفراد المجتمع، أيضا توجه النظر إلى ضرورة وجود حراسات خاصة مستمرة بل وتناوب في هذه الحراسات، ليس هذا فحسب بل نوفر معهم وسائل الإعلان عن أي خطر من أي نوع عند مجرد إقترابه من المكان الذي يتواجدون فيه.
كانت هذه إشارة سريعة إلى عالم النمل، ونعود الآن إلى موضوعنا الأصلي ،
 فما الذي يريدالله أن يلفت إنتباهنا إليه في الحديث عن النحل.

 

0160680506 "أَنِ اتَّخِذِي ":

أول هذه التوجهات أنه قال "أن اتخذي" أي أن الحديث سوف يكون عن أنثى هذا المخلوق وذلك لتأنيثالفعل "اتخذ" وسوف يتكرر هذا التوجه لتأكيد هذا المعنى أربع مرات الأولى  "اتخذيمن " ، "ثم كلي" ،    "فاسلكي" ،      "من بطونها".

إذن هناك إصراراً على تأكيد أن الحديث إنما هو موجه لأنثى النحل وللقارئ أن يتعجب عندما يعلم أن النحل إنما يوجد دائماً في الطبيعة على ثلاثة أنواع:

الأول:الملكة وهي أهم فرد في الخلية فهي التي تقود هذه المملكةوتنظم أولوياتها وتحدد بدقة هائلة الخطط المستقبلية وخطط بناء الخلية وتحديد عدد الأفراد وعدد كل نوع وعليها يقع عبء استمرار هذا الكائن ووجوده الدائم في الحياة، وعليها وحدها يقع عبء وضع البيض بنظام خاص لإكمال دورة الحياة.

الثاني: الذكور ومهمتها تنحصر فقط في انتظار لحظة معينة يحددها قائد هذه المملكة (الملكة) لتخرج في عملية انتقائية للذكر الأقوى والذي سوف يفوز بإخصاب الملكة, وتسمى هذه العملية للعاملين في مجال تربية النحل ( عملية التطريد)

الثالث: الشغالة وهي أنثى غير مكتملة التكوين فهي لا تستطيع أن تتناسل أو تضع بيضاً وعليها وحدها يقع عبء العمل الكامل في الخلية وهو ما رصد الباحثون منه ما يلي:

1- جمع الرحيق.

2- جمع حبوب اللقاح.

3- جمع الماء لتخفيف السوائل.

4- تهوية الخلية برفرفات من أجنحتها.

5- الحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة وثباتهافي الخلية.

6- حراسة الخلية واعتراض من يحاول الدخول خلسةإليها.

7- الدخول في قتال مع الأعداءالطبيعيينمثل: زنبور الحقل، الفئران.

8- القيام بإنتاج ستة أشربة (سوائل) وهي:
      (العسل، الغذاء الملكي، الشمع، صمغ البروبولس، خبزالنحل،  سم النحل للدفاع عن
        نفسها)

9- عملية حضانة البيض ومراقبة عملية الفقس وتغذية الأجنةورعايتها.

10- حراسة الملكة وتنظيفها وتغذيتها.

وهكذا نرىأن عناء التشغيل والعمل يقع فقط على رأس هذا النوع الثالث، وكما سبق وأشرنا إلى أنها أنثى غير كاملة، فكان السبق القرآني بتحديد ذلك التخصيص وتوجيه الحديث بصيغة الأنثىسبق لما انتهت إليه الحديث من العلوم.

والعجيب أن هذه المخلوقة تقوم بكل هذه الواجبات دون أن يوجهها أحد ودون أن تتلقى تدريباً من أحد، فالنحل لا يرث الواجبات وليس هناك تعليم ولا تعاليم من أي نوع من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق إن هي إلا مراحل سنية أي هي شرائح زمنية من عمر النحلة تقوم فيها في كل مرحلة بأداء وظيفة بعينها وتنتقل تلقائياً إلى المرحلة التالية دون أن يطلب منها أحد ذلك والسر هنا يكمن في طبيعة وحي الرب (وأوحى ربك....).

 

016068007 "مِنَ":

بعد ذلك تأتي لفظة "مِنَ" واستعمال هذه الأداة للتبعيض لكن قائلهذه الكلمات هو الله رب العالمينلأن "من" تعني أي أن النحل لابد وأن يأخذ مكان معيشته على ما هو عليه فليس له القدرة على إعادة تشكيلالمكانأو تعديل أبعاده بل هو يستطيع التواؤم مع أي أبعاضوأبعاديجدها مناسبة.

فلو فرضنا أن استعملتالأداة " فِي "  بدلاً من الأداة " مِنَ ".

 مثال : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) }سورة النحل ،
 هنا الأمر الإلهي بالسير في الأرض وليس على الأرض لأن  (في الأرض) تعني التعامل مع الأرض في ثلاثة أبعاد ، مع  ما هو تحت الأرض ومع ما هو على الأرض وأخيرا مع  ما هو فوق الأرض، أي اختراق البحار والمحيطات والغوص فيها وحفرالمناجم والأنفاق ثم السعي على سطح الأرض، ثم أيضاً الطيران في الغلاف الغازي(الهواء)الذي يحيط بالأرض إحاطة السوار بالمعصم ويشكل جزءاً من تكوينها هذا مما يعنيه استخدام الأداة  "في"،

ملحوظة :
وردت الصياغة  "  قل  سيروا في الأرض "   أربعة مرات في القرآن الكريم

006011 الأنعام &   027069   النمل   &   029020   العنكبوت & 030042  الروم

ووردت على الصورة  " فسيروا في الأرض "

 مرتان   003137   آل عمران  &   016036  النحل

 

 مثال آخر:

 { قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) } سورة طه.

 أيضا كمثال أخر لحركة هذا الحرف في القرآن هو ما جاء في  الحكم الجائر الذي حكم به فرعون مصر حين سجد السحرة كلهم أجمعين حين رأوا آية تحول عصا
 ( نبي الله موسى) إلى ثعبان حي وما هو ليس بسحر من النوع الذي يألفون ويعرفون.

وكان منطق الناس أن يجيء القول في الصلب مستخدماً الأداة  "على"  أي على الصورة  (لأصلبنكم على جذوع النخل)لكنه جاء " وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ"
وبينهما الكثير، فمعنى استخدام الأداة  " في"  أنه سوف يصلبهم صلباً شديداً جداً وقاسياً إلى درجة أن تختلط لحومهم مع لب النخيل الداخلي وليس بعد ذلك قسوة، فالأداة " في " هنا دلت على شدة وقسوة الصلب.

وعودة إلى الأداة  "مِنَ "  فقلنا أنه لا يوجد عند النحل أدوات حفر ولا نقر ولا شق ولا تقطيع لتقوم بعمل تعديل لأي مكان اختارته لتبني فيه بيوتها، إذن يكون الاستخدام القرآني للأداة  "مِنَ "  هو الاستخدام الأمثل والموافق لطبيعة النحل.

 

016068008  " مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ*"

ثم بعدها تأتي "من الجبال ومن الشجر ومما يعرشون".

وهذه حددت الأماكن الطبيعية والتي يمكن أن يبني فيها النحل خلاياه، لكنا كلها مسبوقة بالأداة "مِنَ " أي أن النحلة سوف تأخذ بالأبعاد الموجودة كما هي عليه في الثلاثة بيئات، لكن الغريب أن هذا التدريج جاء أولاً الجبال ثم الشجر ثم يعرشون، وبذلك نجد أن

درجات فعالية وجودة منتجات النحل تتناسب طرديا مع ذات الترتيب الذي أتى به الحق في الآية لكل بيئة فمنتجات النحل الجبلي تتفوق بالجودة العالية والتأثير الأقوى عن مثيلتها من نحلالغابات ثم يأتي في نهاية القائمة في الجودة تلك المنتجات التي نحصل عليها من خلايا النحل المصنعة بواسطة الإنسان (مما يعرشون) ،
 ألا يبين هذاالترتيب ما ينبأ عن آيات العلم في القرآن ؟

إي والله يحققه ويدلل عليه ويسبقه، فمثلا هذا الترتيب يتناسب مع

1.      تواتر الخلق فالجبال خلقت أولا ثم تلاها الشجر والنباتات عموما ثم الخلايا المصنـَّعة بيد الإنسان.

2.      درجات الندرة في الطبيعة.

3.      صلابة التكوين.

4.      الجودة العالية والتأثير الأقوى.

5.      القيمة النقدية.

 

 

016068009 "بُيُوتًا ":

وتبقى كلمة "بيوتاً" من الآية 68 وتفاصيل هذه الكلمة تحتاج إلى مبحث خاص بها لورودها في القرآن في 18 اشتقاق جاءت على تخريجتين:

الأولى :  (ب.يَّ.ت) أي ضمر في ضميره شيء، أو إنتوي نية معينة مثل بَيَّتَ الغدر أي أخفى في شعوره نيةالغدر وهكذا.

 الثانية : (بَ.يْ.تْ)وهو المكان الذي يحتوي أحياء واستخدامها يأتي على أشكال:

أ- فيقال بيت الرجل وبيت الأسرة.

ب- يصف الله المساجد بأنها بيوت الله، وخص المسجد الحرام بمكة بلفظ البيت،  فيقال مثلاً البيت،  البيت الحرام، والبيت المعمور.

جـ- الأماكن التي تعيش فيها كائنات غير بشرية مثل النحل والعناكب، لكن اختلفت هذه الصفة  تبعاً لنوع الكائن فللطيور أعشاش، وللحيوانات عرين (الأسد)، وللزواحف جحر.  

ويختلف استعمال لفظ "بيت" عن لفظ "منزل" عن لفظ "مسكن"،فلكل منها استخدام خاص ولسوف نفرد لها مباحث خاصة بها بإذن الله، ما يعنينا هنا هو لفظة "بيوتاً" فلسوف نلاحظ على الفور أن الحق توجه بالحديث المفرد إلى الشغالة (الأنثى غير مكتملة النمو) قائلاً: اتخذي، كلي، فاسلكي، لكن جاءت لفظة (بيت) جمعاً فقد وردت بيوتاً ولم يقل بيتاً وهذه إشارة مهمة إلى كونه مركباً من عدة أماكن مجهزة كلها للحياة. فتلاحظ أن خلية النحل هي عبارة عن أقراص شمعية مبنية بأشكال هندسية خاصة (سداسية) متماثلةالأبعاد لكل نوع من أنواع الخلايا، فسوف نجد أن الوحدات السداسية المخصصة لاحتواء يرقات الذكور تبني بكثافة 28 وحدة في البوصة المربعة، أما الوحدات الخاصة باحتواء يرقات الشغالات فتبني بكثافة 16 وحدة/بوصة مربعة،أما الوحدات الخاصة بالملكات فليس من معلومة متاحة عنها إلا أن يرقات الملكات تغذي بالغذاء الملكي فقط طيلة فترة الحضانة، أما الشغالات فتغذي يرقاتها ثلاثة أيام فقط بالغذاء الملكي فقط ثم تطعم بعدها خبز النحل،هذا عن كلمةبيوتاً والتي جاءت جمعاً في هذه الآية، ويجرنا الحديث عن البيوت أن نذكر أن الحق ذكر بيتاً آخر لحشرة معروفة وهيالعنكبوت

"مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" سوررة العنكبوت الآية 41

 هنا التوجه أيضاً بصيغة الأنثى لكن الفارق بينهما شاسعاً في هذه الآية يضرب الحق المثل أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء أي أنهم لجأوا لغير الله مهما كان هذا الذي هم لجأوا إليه هو ضعيف واهن.

الوهن هنا ليس في خيوط بيت العنكبوت فالثابت علمياً أن قوة الشد لهذا الخيط تعادل عشرة أضعاف مثيله من الصلب فالوهن هنا ليس في الخيط وإنما هو في بناء البيت المعنوي أي ليست في مواد أو بنية البيت، وإنما هو في حميمية العلاقة الأسرية ودفئها وأمنها، فالشاهد أن أنثى العنكبوت بمجرد أن يطأها الذكر تقوم بلدغه على الفور لتقتله في مكانه ثم تقوم بوضع البيض في ثنايا جثة الذكر وتحت حراشيف جسده وتترك الجميع لترحل وتقوم الأجنة المفرخة من البيض نتيجة الحرارة المنبعثة من تحلل أنسجة الذكر المقتول بالتغذية على سوائل هذا التحلل. أي أن قتل الذكر ضرورة حياتية لتخبئة البيض في ثناياه، ولعملية تفقيسه نتيجة حرارة التحلل ولعملية تغذية الأجنة من سوائل التحلل، وهذا يعني أن القتل حتمي وبديهي لإكمال دورات الحياة وهذا لا يكون أبداً في أسرة متكاتفة تحمي بعضها بعضاً.

وعلى النقيض من ذلك نجد حشرة اجتماعية أخرى وهي النمل قد جاء ذكرها في:

{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.سورة النمل الآية 18

 تلاحظ هنا ظهور مساكنكم بمعنى المكان الذي تعيشون فيه واستخدم الحق صفة المساكن ذلك لأن بها سكن وسكينة وتعاطف وعواطف وحميمية أسرية قائمة، وقد جاء في الآية كلمة "لَا يَشْعُرُونَ" وهي مستخرجة من المشاعر ولا يعقل أن تستخدم النملة المتكلمة لفظاً لا يشكل معناه أهمية عند الجماعة بما يعني أن هناك سكينة تحكمها مشاعر وهذه لمحة قرآنية مميزة لعالم مملكة النمل.

أيضا يجب أن نلفت الإنتباه إلى أن البيوت يدخل في إنشاءها مواد بناء من طبائع مختلفة
ففي بيوت المدن والتي يعيش فيها البشر يستعمل الطوب والآجر والحجر في البناء، أيضا يستخدم الشمع في بناء بيوت النحل، والخيوط القوية في غزل بيت العنكبوت وهكذا.

واستطراداً مع آية النمل سوف نجد أن هناك إشارة إلى "سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ " ورداً على تساؤلنا كيف تمكنت هذه النملة (الأنثى) من التعرف على نبي الله سليمان؟.

لقلنا أنه قد أوتي من الملك والعلم والمعرفة ما يمكنه من ترجمة وفهم لغة الحيوانات والطيور والحشرات ومما يبدو طبيعياً أن تتعرف النملة على نبي ذلك الزمان بوحي من الله ،- فالله ينبأ مخلوقاته المسيرة جميعا بنبي الحقبة الآنية - ذلك نبي الله سليمان الذي يفهم لغتها لكن المثير للانتباه أن تردف النملة  كلمة "وَجُنُودُهُ " ، فهذا يعني أن هذه الكلمة مفهومة ومتداولة في عالم النمل. فالثابت أن عندهم جنود وعندهم معارك وغزوات وإلا ما كان لها أن تستخدم هذه اللفظة في حديثها فهي لن تستخدمها،  إلا إذا كانت تدرك معناها تماماً وينتشر هذا المعنى بينهم وكان من الممكن أن تستخدم بدلاً منها (سليمان ورجاله)أو (سليمان والذين معه)أو (سليمان وأتباعه)وهكذا، ولكن استخدامها لفظة (ُ وَجُنُودُهُ) إنما تعني أنها تدرك معناها تماماً.

ثم جاء في التحذير الندائي للنملة "لَا يَحْطِمَنَّكُمْ " بدلاً من "ليقتلنكم" أو "ليميتكم" فقد ثبت أن جسم النملة الخارجي يدخل في تركيبه مادة السليكون الزجاجية، لذا جاء التحطيم أقرب في المعنى من القتل، فضلاً عن استخدام لفظة "لَا يَحْطِمَنَّكُمْ " يدخل فيها تحطيم الروح المعنوية والتي تفوق أهميتها التصفية الجسدية، ثم انتهت الآية بكلمة "لا يشعرون" وهي من الشعور والمشاعر ونعود لنؤكد أنها لو لم يكن لهذه الكلمة استخدام في عالم النمل ولو لم يكن لهذه الكلمة معاني محددة عندهم لما أطلقتها تلك النملة في نداءها التحذيري، وهذا يشكل نوعاً من الترابط الفكري أو توافق المعنى وتناسق السياق بين لفظي مساكنكم  وما تشير إليه من سكن وسكينة وبين "لا يشعرون" وما تعنيه من مشاعر وشعور مما يعني إظهار علاقة المشاعر بالسكينة،والسكينة هي أعلا درجات الأمان،  والأمان هو شعور داخلي وجداني يشيع في النفس الراحة والهدوء والرضا إذن يوجد هناك علاقة مباشرة بين مدخل كلمات الآية وعجزها.

ومن نافلة القول أن نسوق إليكم تصرف عجيب ومدهش يقوم به النمل عندما يغزو مساكنه جيش مهاجم للسطو على مخازن الغذاء عندهم ، فحينما تتصاعد صيحات التضور من الجوع من الجيش  الغازي ، فإن النمل  المُهَاجـَم يقوم أولا بتقديم وجبة مشبعة لهم حتى تتوقف تأوهات الجوع ، ليس عن جبن أو رشوة لردهم عن الهجوم، وإنما عن نبل أخلاق، فلا يصح في عرفهم قتال الجائعين، وأي نصر هذا الذي سوف تحصدونه إذا ما قاتلتم الجياع، ليت بني البشر يكون لديهم بعض من هذا الخلق القويم، والمشاعر النبيلة.

 

016069001  "ثُمَّ "

كما قلنا من قبل أن حزمة الآيات من سورة النحل والتي بدأت من الآية "64" وانتهت عند الآية "73" سوف نجد أنها كلها بدأت بحرف الواو فيما عدا الآية التي نحن بصددها "69" والتي بدأت بـ "ثم"... وثم تفيد التعقيب مع التراخي أكثر من التراخي الذي يشير إليه استعمال الواو لأن أمر بناء البيوت سوف يستغرق ردهة زمنية ليست بالقصيرة، وبعد إعداد المكان وبناء البيوت (الخلايا السداسية) تأتي مرحلة أخرى  وهي مهمة الإبقاء على النسل لإعادة دورة الحياة، وقد سُخر النحل بما أودعه الله فيه من خطط وبرامج إلى أنه وفي طريقه إلى تجديد دورة حياته يقوم بتصنيع وإفراز عدة مواد نحن البشر في حاجة إليها جميعاً للغذاء والاستشفاء.

 

016069002 " كُلِي ":

وتبدأ هذه العملية بالأمر "كُلي"الموجه إلى أنثى النحل (الشغالة)، لكن العجيب أن النحلة لا تأكل وإنما تمتص رحيقاً، فليس عندها فم وأدوات مضغ وإنما كل الذي لديها فم محور على شكل أنبوبي (خرطوم) ليسهل عليها امتصاص الرحيق لغذاءها ولتصنيع ما هي مسخرة لإنتاجه.

والرجوع إلى أصل الفعل "كُلي"سوف نجد أن النصوص القرآنية قد استخدمت بعض اشتقاقات هذا الجذر (أ .ك. ل) فيما ليس هو بطعام فمثلاً أكل الربا أكل أموال الناس واليتامى أكل السحت، أكل التراث، فقد جاءت في أكثر من عشرين موضعاً قرآنياً مما لا تعني الإطعام لكنها بعد ذلك جاءت كلها تعني الإطعام، والمعروف أن الأكل هو عبارة عن تناول مواد متوافرة في البيئة المحيطة يقوم المخلوق بإدخالها في جوفه بطريقة ما ثم تفرز عليها عصارات وأنزيمات ومواد هاضمة لتحيلها إلى شكل قابل للامتصاص في الخلايا، ويتم حسن استغلالها بالصورة الأخيرة في الاحتراق لتوليد الطاقة اللازمة للحياة والحركة أو تذهب المواد المهضومة إلى أجهزة أخرى في الجسم لتقوم بتحويلها إلى ما شاء الله به من هرمونات وفرمونات وإفرازات لتقوم بتجديد نفسها وأيضاً لإنتاج ما هي مكلفة به ومخلوقة من أجله.

فالأنعام نأخذ منها اللبن واللحوم والجلود وبعض العطور (المسك) والأمصال والأدوية والأسماكنأخذ منها لحومها وبعض الأدوية والعطور (العنبر).

ودودة القز نأخذ منها الحرير وهكذا، إذن الأكل هنا بمعنى ابتلاع الطعام المتوافر ثم هضمه للاستفادة منه في العمليات الحيوية لداخل الجسم وللمنتجات لخارج الجسم.

 

016069003 " مـن":

ويأتي بعد الأمر "كُلِي"الأداة "من" وهي هنا للتبعيض, وقد سبقت الإشارة إليها على أنها تفيد التعامل مع الأشياء كما هي فليس عند النحلة منقار ينقر (الطيور) أو أدوات ثقب (البعوضة) أو أسنان لتمضغ , أو قواطع لتقطع , كل الذي عليها أن تبحث عن الطعام (رحيق الأزهار) المتوافر في بيئتها المحيطة وتنهل منه كما هو ما شاء الله لها من رزق.

 

016069004 " كُلَّ":

وبعدها تأتي كلمة "كُل" وهذا يعني أنه لا فرق عندها بين زهرة وزهرة وليس عندها تفضيل لزهرة عن زهرة وإنما الكل في الاختيار سواء لكن العجيب أن النحل إن وقع على مساحة بها نوع بذاته من النباتات المزهرة والتي هي بطبيعة الحال متماثلة الزهرة فإنها توقف البحث عن زهرات أخرى لكي تتخصص في جمع رحيق هذه الزهرة فقط دون غيرها، والأعجب أنه إذا تعددت النباتات والأزهار في ذات المنطقة لكن بكميات تسمح لكل نوع منها بأن يحصل على حد الجدوى الاقتصادي (Break Even Point (B.E. P.سوف نجد أن خلايا النحل سوف تنقسم بحسب تعدد الأزهار في المنطقة، فمثلاً وعلى سبيل المثال لو أن بالمنطقة حدائق كمثرى وليمون وخوخ بكميات كبيرة فإن خلايا النحل سوف تتخصص في جمع رحيقزهرة بعينها، أي أن كل مجموعة تقطن خلية (عريشة) سوف تجمع رحيق زهرة بعينهافالنحل في واحدة منها يتخصص في جمع رحيق شجر الليمون والأخرى تتخصص شغالاتها في جمع رحيق زهور الكمثرى وهكذا.

فعند توافر الطعام الكافي لوجود رحيق زهر لكل منهم يكون التخصص له المبادرة وتقدر المساحة اللازمة لإنتاج 1 كيلو من العسل ب 4 هكتارات
 ( الهكتار 10000 متر مربع) أي حوالي 2.5 من الأفدنةالمصريةأو تستطيع أن نقول أنرحيق 400 كيلو جرام من زهور البرسيم ينتج منها 1 كيلو عسل أيضاً من المعلوم أن طيران النحلة يكون في دائرة نصف قطرها 4-5 كيلو متر حول العريشة، ثم أيضاً من المعلوم أن لكل حشرة من الحشرات ارتفاع خطي تطير عليه ولا ترتفع عنه إلا قليلاً وفي حالات خاصة وهذا الارتفاع يقدر بـ 30 سنتيمر إلى 150 سنتيمتر.

وعودة لمبحث نحل العسل:

فمن الجائز أن النحل وإن تخصص في جمع الرحيق من زهرة معينة فإن هذا لا ينفي استعانته ببعض الزهور الأخرى لكنها بنسبة بسيطة وذلك لإكمال الفائدة من وجود خلطات من أرحقة متعددة. ويستغل مربيو النحل هذه الخاصية إذا ما كان الغرض هو إنتاج عسل يحمل مواصفات معينة لعلاج مجموعة من الأمراض فوجدنا مثلاً عسل حبة البركة حيث حقول حبة البركة وعسل البردقوش حيث تتوفر حقوله وهكذا، والعجيب أن خلط الأعسال ببعضها يتم ظاهرياً دون مشاكل لكن إذا ما ترك العسل المخلوط فترة فإننا سوف نجد أن كل نوع منها سوف يشكل طبقة خاصة به منفصلة عن أخلاط العسل الأخرى....!!

 

016069005  "الثَّمَرَاتِ":

تأتي بعد هذا كله "الثَّمَرَاتِ".

وجرى العرف على اعتبار أن الثمرات هي ثمرات الفاكهة الناضجة ومن هذا المنطلق سوف نجد أن النحل لا يملك في تركيبه ما يمكنه من جرح قشرة الثمرة الخارجية ليمتص عصيرها المُحلى، وحتى إذا كانت الثمرة مجروحة بفعل نقرة طائر أو ثقب ناتج من حشرة ثاقبة، فإن العصير المتدفق خلال هذا الجرح سوف يتعرض للهواء الجوي مما يسرع بتساقط خمائر سابحة في الجو عليه، فتقوم بتخثره وتحويل السكر الموجود فيه إلى الكحول في عملية تخمر كحولي طبيعية وهذه تنفر منها النحلة مهما كانت قلة درجة تركيز الكحول الموجود على شفا الجرح مما ينفي لجوء النحلة إلى مثل هذه الطريقة للحصول على عصير الثمرة.إذن ما هو المقصود بالثمرات في الآية.

بالرجوع إلى مصنف ألفاظ الآية [1]سوف نجد أن الثمرات هو اشتقاقات الجذر ث. م.ر.والذي يظهر لها 16 استخداماً مختلفاًولفظة الثمرات في الآية قيد البحث تأتي في الترتيب الثاني عشر بين هذه الاستخدامات. لكنا سوف نلاحظ أنلهذا الجذر اشتقاقات أخرى مثل أثمر وثمره.

وقد ظهرتا في آيتين في سورة الأنعام
 {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ }    آية 99 سورة الآنعام

{ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } آية 141 سورة الأنعام.

والسياق بهذا إنما يشير إلى أن للثمرات درجات إثمارأو يعني درجات نضج أو يعني أن نضج الثمرة يأتي على مراحل، فأولاً تكون هناك ثمرة أو بداية لما هو يمكن أن يكون بعد فترة زمنية يشكل ثمرة ناضجة يانعة، هذه المرحلة من الإثمار تسمى الزهرة وهي بداية تكوين الثمرة على أي من أشكالها ونتيجتها أن تتكون بذرة صالحة لإعادة دورة الحياة للأصل أو تكون هذه البذرة داخل وعاء حاوي لها،له من الشكل واللون والرائحة والطعم مما يشجع -هذا الوعاء اليافع الناضج-بعض أفراد المخلوقات (البشر- الحيوان- الأنعام- الطيور) على إلتهامه، وبذلك تكون الزهور أول درجات الإثمار أو هي أول حلقة من حلقات تكوين الثمرة، وأغلب الظن أن الاستعمال القرآني للفظة الثمرات جاء على هذا النحو إشارة لهذه الرؤية، أيضاً هناك استخدام قرآني لهذه اللفظة لكنها تشير إلى نوع آخر من أنواع المعاني    {ُيجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } آية  57  سورة القصص

وهنا أرى أن المقصود بالثمرة هو الناتج النهائي الأخير من أي شيء زراعي أو صناعي أو تجاري أو حتى يكون شيئاً معنوياً مثل ثمرة جهده، وثمرة كده وتعبه وثمرة دراسته، أي أن كل شيء كيفما كان هذا الشئ له ثمرة نهائية ونتيجة حتمية لما سبقه من إعداد وحلقات وخطوات وأغلب الظن أن دعوة سيدنا إبراهيم،،
     { وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ} سورة ابراهيم الآية 37

إنما كانت تعني هذا المعنى وليس اقتصاراً على الثمرات النباتيةالتي تؤكل.
ثم يأتي رابع هذه المعاني في استخدام الحق للفظة " الثَّمَرَاتِ " ففي سورة الكهف
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) }

 

هنا يشير الحق إلى " أَعْنَابٍ " ومفردها عنبة وجمعها عنب وجمع الجمع لها أعناب

والمقصود هنا ليس في ثمرة العنب بذاتها وإنما تشير إلى كل الفواكة مائية التكوين،

أيضا أشار الحق إلى " بِنَخْلٍ " ومفردها نخلة وجمعها نخيل وجمع الجمع لها نخل

وأيضا ليس القصد هنا هو النخل المنتج للتمور فقط، وإنما يرمي إلى جمبع الفواكه الجافة

من غير مائية التكوين مثل البلح والدوم وجوز الهند والنقل ( المكسرات ) .

 

أيضا ذكر الحق أن " كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا..." بمعنى تعظيم الإنتاج وأن الجنتين لم يكن من الممكن أن تأتيا بالثمار أكثر مما أنتجت فعلا، لكن يفاجئنا الحق في الآية التالية "  وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ..." ، أي ثمر هذا الذي يشير إليه الحق بعدما أخبرنا في الآية السابقة أن الجنتينقد اتخمتا بالثمر ..!! ؟؟

واقع الأمر أن  الحق يشير إلى نوع آخر من أنواع الثمر ، هو يشير إلى أن هناك ثمة عمليات تصنيعية تحولية لتحويل الثمار الطبيعية الناضجة إلى منتج مـُحول، مثل التمر الجاف والعجوة والفوكه المجففة مثل التين والزبيب وقمر الدين ...وهكذا ، لذا حين قدَّر الله على هذا المتبطر بالهلاك أشار إلى أنه قد " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ..."أي أطاح بما لديه من الأخضر واليابس أي ذهبت الجنان إلى غير رجعة وكذلك المصانع التحويلية


{  وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِفَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) }

 

كان هذا  الذي تحدثنا عنه آنفا هو التعرض لبعض المعني المختلفة والإستخدامات المتنوعة للثمر وللثمرات.

 

016069006"فَاسْلُكِي ":

 سنلاحظ هنا ظهور الأداة "ف" وهي تعني التعقيب مع الإسراع وجاءت بعد انتهاء كلمتي "كلي من كل الثمرات"، أي أن عملية الحصول على الطعام قد انتهت بعد تمام إعداد البيوت وجاء الأمر هنا بالفاء في أوله مما يفيد الإسراع في السلوك، والسلوك هنا يعني شيئين:

إما أنه سلوك طريق بعينه أي السير في دروب خاصة مخصصة مثل خطوط الطيران، فالطائرة تسير في خطوط ملاحية خاصة بها أشبه بتواجد طريق ثابت في الجو تسير فيه الطائرة.

أو هو سلوك معنوي مبرمج  بما يعني تنفيذ خطة معينة مرتبة ذات خطوات متتابعة بمنهجية خاصة للوصول إلى هدف بعينه.

 

009-008-01609007 " سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ":

وتجئ كلمة "سبل ربك ذللاً"بعدها لتزيد من حيرتنا، فهل السبل المقصودة هنا هي الطرائق التي تسير فيها النحلة في رحلات ترددية بين الخلية وبين حقول الزهور فيكون المقصود أن الله ذلل لها هذه الطرق أو أن المقصود هو أن النحلة قد جبلت على السير في هذه الطرق مذللة لذلك مجبورة مقهورة عليه ولا تستطيع منها فكاكاً وذلك تمثلاً لقول الحق "والشمس تجري لمستقر لها"، أيأن الشمس تسير في مدار ثابت لا تستطيع عنه تحولاً ، فلو كان هذا المعنى هو المقصود لجاءت الكلمة ـ  وفقا  لتصورنا  ـ هكذا،

 (فاسلكي سبل ربك ذللاً...أولا   ثم بعدها تتلوها .... فكلي من الثمرات),

ذلك لأن عملية البحث عن الطعام والسير في طرائق المكان وأجوائه تسبق عملية الإطعام، لكن ولأن الترتيب جاء على النحو الذي جاء عليه فأغلب الظن أن المقصود هنا ليست السبل بمعنى الطرق والدروب التي تسير فيها النحلة للوصول إلى حقول الزهور جيئة وذهاباً.

لكنه على الأغلب هو المعنى الآخر المستمد من كلمة  "وأوحى ربك"  لأنها تتوافق مع "سُبل ربُك"، أي أن النحل سوف يتبع البرامج التي خلقت بداخله وحيا لعمل تركيبات خاصة من هذا الغذاء الذي حصلت عليه بخطوات معينة لا دخل للنحلة فيها وإنما هي تقوم بها مجبورة مقهورة، لأن هذه الخطوات مخلوقة(مطبوعة)في جيناتها وصفاتها الوراثية ولا تستطيع أن تتصرف على نحو مغاير، وهذا معنى ذُللاً، كما أن النحل لا يقوم بتعليم صغاره خطوات حياته لكنه مجبور مقهور مطبوع عليها، وعلى هذا يكون الترتيب المنطقي أن يبني النحل بيوتاً بكيفية خاصة  ثم تأكل ما هو متوافر في المنطقة من أرحقة الزهور ثم تقوم بتصنيعه طبقاً لخطوات ثابتة ووصفات معينة ومواصفات بعينها لإنتاج مواد أيضاً معينة ولا دخل لها فيها فلا هي تستطيع أن تمتنع عن العمل ولا تستطيع الإبدال والتغير في أسلوب التنفيذ ولا تستطيع أن تنتج موادً أخرى من تلقاء نفسها فهي مجبورة مسخرة لما وضعه الله فيها من برامج.

وهذا لا يعني أن الهداية إلى طرائق الذهاب والعودة والبحث هو بالأمر الهين، وهو أيضاً يدخل ضمن ما أوحى به الله إلى الخلائق جميعاً من معرفة الدروب ذهاباً وعودة إلا أنه يأتي في مرحلة لاحقة من الأهمية للتعرض لها.

 

016069010 "يَخْرُجُ ":

ثم بعدها تأتي "يخرج من بطونها" لا حاجة طبعاً لشرح معنى يخرج فهو من الخروج لكن نود أن نضيف أنه شيءيختلف عن الإخراج بمعنى إلقاء الفضلات وطردها إلى الخارج، فالنحلة لا تخرج العسل من فتحة الإخراج كما أنها لا تتقيؤه من داخل بطونها عبر الفم لكن خروجه يكون من غدد خاصة منتشرة على بطنها شأنها في ذلك شأن غدد أخرى موجودة أيضاً على البطن لإنتاج منتجات أخرى كلها تخرج من أماكن خاصة في البطن وليس كما يتبادر إلى الذهن (خطأ)أنهيخرجها من فتحة الإخراج، فالنحل كأي كائن حي يتغذى ويهضم غذاءه ويقوم بإخراج فضلات هذا الغذاء من فتحة خاصة بإخراج الفضلات ولا علاقة لهذه الدورة بعملية تصنيع العسل أو غيره من المواد.

 

016069006 "مِن بُطُونِهَا ":

هذه هي رابع إشارة لتخصيص صيغة الإنثى، فالأولى كانت إتخذي، ثم كُلي، فاسلكي وكما سبق وأشرنا أن كلمةيخرج يدل على خروجه من البطن لكن من غدد خاصة ( مثلها مثل الغدد المنتجة للعرق في الإنسان ) وكل مجموعة غدد مخصصة لإنتاج مادة معينة.

ولمعنى تلك اللفظة تفصيل يرجي الرجوع إليه في الملاحق.

ننتقل بعدها إلى الكلمة التالية في الآية

 

 014-013-016069012 "شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ":

سوف ينتقل الذهن على الفورلتأويل هذه الكلمة "شراب" بأنها عسل النحل ولو كان الحق يريد أن يشير إلى هذه اللفظة بالذات لجاء بها واضحة صريحة مثلما جاءت في الآية

 

"مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ ".سورة محمد الآية 15

أي أن لفظ العسل هو أحد الألفاظ المعتمدة والمتداولة والمستخدمة في القرآن، وإن كانت لم تأت إلا هذه المرة في هذه الآية، فما المانع من استعمالها مرة أخرى في هذا المقام إذاما كان الحق يريد الإشارة إلى أنه عسل النحل.

والجواب على ذلك أن النحلة لا تنتج شراباً واحداً (والشراب تعني حالة السيولة)، بمعنى أن النحلة تنتج سوائل متعددة حصروها في ستة سوائل، وقد جاءت تفصيلاتها في الملحقات ،لكنها كلها تنتج أولاً على صورة سائلة وتخرج من غدد خاصة لكل منها في بطن النحلة فتبقى بعضها على حالة السيولة وبعضها الآخر يتحول بعد ملامستها لهواء الجو ليصيرصلباً  على الصورة المناسبة للاستخدامات في الخلية.

 

017-016-016069015 "فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ":

وقطعاً طالما اختلف السائل المنتج فإن ذلك يستتبع اختلاف كل خواصه من لون ورائحة وطعم وكثافة واستخدام، فضلاً عن أن كل سائل منهم على حده قد يأتي بعدة ألوان تبعاً للزهرة التي ترعي فيها النحلة. بما يعني اختلاف ألوان المنتجات واختلاف الألوان في المنتج الواحد وكل منها فيه شفاء للناس أي يستعمل في معالجة نوعيات مختلفة من الأمراض، سواء الباطنة أو الجلدية أو الجهاز الهضمي أو الجهاز البولي أو الدورة الدموية والتغذية وعلاج فقر الدم وعلاج ارتفاع وانخفاض ضغط الدم وارتفاع السكر وانخفاضه، يا سبحان الله يعالج الأشياء المتضادة أي الشئ وضده لكنبأسلوب استخدام مختلف، لذا سوف نجد أن هناك مستشفيات في الخارج (بلغاريا وروسيا) يقوم فيها العلاج أساساً على منتجات نحل العسل ولا يستعمل أي مواد أخرى لتطهير العمليات الجراحية والحروق وقطرات للعين وللأذن والفم، ولو عددنا لوجدنا عدداًيقدر بخمسمائة مرض بل يزيد على ذلك يمكن علاجها بمنتجات نحل العسل وحده، طبعاً هذا ليس عن معارف تعارفية أو خبرات شعبية لكنها رصدت في أبحاث علمية جادة ومنشورةفي مجلات علمية طبية متخصصة لا يتسع المجال لسردها هنا جميعاً،

 

وهكذا نكون قد وصلنا في محاولاتنا في فهم نصوص الآية إلى "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" ولابد أن نراعي أن اللفظ "فيه شفاء" وليس فيه الشفاء حتى لا يتبادر إلى الذهن أن منتجات النحل فيها الشفاء من كل داء وسقم لكن فيها شفاء أي أن بعضاً من الشفاء بإذن الله وليس كل الشفاء

 

 

 

024_016069019 "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ":

 

لن أتعرض بطبيعة الحال إلى إعراب النص وتصنيف كلماته وإشارته إلى حروف الشرط والجزم والعلة، والإشارة وغيرها  لكننا سوف نعرض للمعاني التي نستخلصها سوياً أو الأجدر أن تقول نحاول معاً أن نستخلصها من واقع موقع ظهور الحرف وترتيبه.
فلسوف نجد  أن الجملة بدأت بحرف التأكيد "إن"واستمرت صيغة التأكيد باستخدام "في ذلك"وكانت الثالثة إضافة حرف اللام لكلمة آية، يعني ثلاثة مستويات من التأكيد على أن ما سبق وعرضه النص إنما يشير بالتأكيد الجازم المشدد عليه أن هذا الذي يحدث يشكل آية

(والآية جاءت في القرآن بعدة معاني فهي تعني الدليل أو البرهان أو الحجة أو العلامة أو الجملة القرآنية ولذلك مبحث خاص).

أي أن هذا الذي سُقناهمن أخبار عن هذا المخلوق وعما هو مسخر ليفعله ليشكل دليلاً دامغاً وبرهاناً عقلياً، على طلاقة قدرة الله ويشير إلى حقيقة علمية مؤكدة من شواهد الأمور.

يشير لمن؟ ويؤكد لمن؟. ويدلل على أمور لمن؟. لنوع واحد من البشر (لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

بما يعني أن هذه الأدلة لا تُساقإلى أي كائن بشري أو إنسانيولكن لمن يعمل فكرة في تدبر آيات الله وعجائب مخلوقاته لأنه سوف لا يجد مناصاً من الهتاف سبحان الله.

 

الخاتمــة:

وبعد هذا العرض التفصيلي لمجمل النظرات المتفحصة لما تشير إليه معاني الكلمات كل على حدة، والتي لمست بعض الأبعاد – ولا أقول أنها ذهبت إلى كافة الأعماق لأن ذلك يحتاج إلى متخصصين بحَّاثة في تخصصات كثيرة- نستطيع بعد ذلك أن نجمل النظرات المتجددة في آيتي النحل فيما يلي:

 أن الله جَلَّ وعلا يشير إلى أنه حين خلق النحل خلقه متكاملاً بما يحفظ عليه نوعه، ويهيئ له التواجد المستمر في الحياة بأنه جعله على ثلاثة هيئات (الملكة والذكر والشغالة) وقد تشكلت خلايا بناء أجسام كل نوع منها بما يكفل لها أداء مهمتها في الحياة بحفظ نوعها بالتناسل، أيضاً بأن وضع في مُوَّرثاتها الجينية وصفاتها الوراثية من خطط العمل المتزامنة ما يمكنها من إنتاج عدة أشربة (العسل – الغذاء الملكي – الشمع- صمغ البروبولس- سم النحل – خبز النحل) وكلها تختلف الألوان فيها عن بعضها بل تختلف أيضاً على مستوى النوع الواحد منها وجعل فيها أيضاً بعض الشفاء وفي بعضها كل الشفاء.

والملاحظ أن توجه الحديث على لسان الحق في الآيتين جاء موجهاً إلى أنثى النحل (الشغالة) فهي المكلفة بأعمال بناء بيوت النحل من الخلايا الشمعية السداسية سواء كان ذلك في البيئات الطبيعية من الجبال والغابات أو في البيئات الصناعية مما يعرشه لها الإنسان من خلايا طينية أو خشبية  -  مع ضرورة ملاحظة اطراد درجات قوة تأثير منتجات كل بيئة، وكذا درجة ندرتها - ، ثم بعدها تقوم برحلات متكررة للبحث عن رحيق الزهور التي هي بداية تكوين كل ثمرة في النباتات وكذلك جمع الماء وحبوب اللقاح ثم تناول كل ذلك وهضمه ثم بإتباع ما خلقه الله فيها وحياً من سبل وطرق إنتاج متعددة تقوم بفرز منتجات مختلفة الألوان والمذاق والتأثير من غدد خاصة في بطنها – وليس من فتحة الإخراج - وكلها فيها شفاء للناس.

ومثل هذا المثل الذي يضربه الله للبشر جاء بالإشارة اللطيفة إلى المتلقي الأول رسول الله محمد صلوات الله عليه وسلامه ثم أيضاً إلى المتلقي الأخير وهو القارئ الآني حيث جاءت الكلمات "وأوحى ربك إلى النحل أن..." حيث جاء الحق بلفظ الربوبية "ربك" حيث هو رب محمد (صلى الله عليه وسلم) ورب القارئ ورب الأجناس كلها من ملائكة وجن وبشر ورب كل شيء من الحيويات المتحركة والثابتة والجوامد.

وهو رب العالمين الذي يوجه القارئ إلى إعمال فكره بتدبر كلمات الله وآياته في كونه المنظور متلمساً خطوات هذا التدبر من كتابه المسطور ومترسماً كلمات الآية

{ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) } سورة فصلت

والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.


الملاحق  :

 

سوف نلقي الضوء هنا في هذه المقالة , على مقطع خاص من الآية 69 وهو

{ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ }

 "يخرج من بطونها"   لا حاجة طبعاً لشرح معنى يخرج فهو من الخروج لكن نود أن نضيف أنه شيء يختلف عن الإخراج بمعنى إلقاء الفضلات وطردها إلى الخارج، فالنحلة لا تخرج العسل من فتحة الإخراج كما أنها لا تتقيؤه من داخل بطونها عبر الفم لكن خروجه يكون من غدد خاصة منتشرة على بطنها شأنها في ذلك شأن غدد أخرى موجودة أيضاً على البطن لإنتاج منتجات أخرى كلها تخرج من أماكن خاصة في البطن وليس كما يتبادر إلى الذهن (خطأ) أنه يخرجها من فتحة الإخراج، فالنحل كأي كائن حي يتغذى ويهضم غذاءه ويقوم بإخراج فضلات هذا الغذاء من فتحة خاصة بإخراج الفضلات ولا علاقة لهذه الدورة بعملية تصنيع العسل أو غيره من المواد.

لكنا قبل أن نسترسل في كلمات هذا المقطع من الآية لنا وقفة صغيرة هنا للربط بين هذه الآية وآية أخرى سبقتها بقليل في نفس السورة ألا وهي الآية " ( 066 ) سورة النحل

" وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ".

سوف نلاحظ أن السياق القرآني جاء بـ "بطونه" مع الأنعام بصيغة المذكر مع أن المعلوم أن أنثى الأنعام هي وحدها التي تنتج اللبن. في حين أنه في هذه الآية جاء بصيغة المؤنث فقال  "بطونها".

وأرجح الآراء في ذلك أن الذكر في الأنعام له تأثير مباشر وحتمي على هذه العملية فلولا أن الذكر يطأ الأنثى فتحمل جنيناً ثم تقوم بولادته فينتج على الأثر اللبن اللازم لغذاء الوليد هنا يتضح سبب تذكير اللفظة، أما في حالة النحل فإنه لا دخل للذكر في هذه العملية من أساسها وما يقوم به النحل من مصنعات كلها تخرج من (بطونها) دون أي تدخل من بعيد ولا من قريب من ذكر النحل، فذكر النحل له مهمة واحدة محددة هو أن الذكر الأقوى يقوم بتلقيح الملكة وهذه العملية تتم بالانتخاب الطبيعي حيث تصعد الملكة بعد عدة إشارات منها ورقصات وإفراز فورمونات ( الفورمونات هي المقابل اللفظي للهورمونات في الكائنات الأكثر رقيا) خاصة لتعلن أن الملكة قد استعدت لعملية ( الطراد ) وهي تعني المطاردة من جميع ذكور الخلية لتصعد في طبقات الجو العليا ووراءها تطير الذكور إلى أن يقعوا واحداً تلو الآخر من الإجهاد ولا يصل إليها إلا الأقوى والأجدر عندئذ يقوم بتلقيحها أي يقوم بضخ سائله المنوي إلى جراب داخلها حتى يمتلئ هذا الجراب بالسائل المنوي عندها تقوم الملكة بدفع قوائمها الخلفية في جسد الذكر لكي تملصه منه لأن قضيبه سهمي أي يتحرك في اتجاه واحد وهو الدخول فقط ولا يمكن إخراجه منها إلا بانتزاعه من جسده فيقتل الذكر على الفور وتعود بعدها الملكة إلى العريشة حيث تقوم وصيفاتها من الشغالات بتنظيفها مما علق بها من أحشاء الذكر وتغذيتها بجرعة من الغذاء الملكي لكي تسرع على الفور في وضع البيض في خلاياه الخاصة به.

وهذا يعني أن ذكر النحل هو الآخر يقتل لذا فأغلب الظن أن الحق استعمل هنا كلمة بيوتاً بدلاً من استخدام مساكن للتعبير عن أن هناك شيئا ما مفقودا  لا تكتمل بغيره الحميمية الأسرية، وعودة إلى أصل الموضوع فذكر النحل لا دخل له مطلقاً فيما سوف تقوم النحلة بتقديمه لنا من منتجات فالفضل يرجع لله في الإيحاء لها وحدها في ذلك لذا جاء النص مؤنثاً.

أما في حالة الأنعام فلا بد من وجود ذكر لإتمام عملية الحمل والولادة وبعدها يجيء المنتج المتوقع ألا وهو اللبن الحليب، لذا جاء النص مذكراً في هذه الحالة.

 

 

 

 

 

 

 

إضافة لابد من ذكرها في هذا المقام

حدث وأن حضرت في شهر  مارس 2009 مؤتمرا أدارته كلية العلوم جامعة الأزهر ,وبمشاركة هيئة الإعجاز العلمي ,وكان أحد الأبحاث المعروضة في هذا المؤتمر عن هذه الجزئية التي نحن بصددها

{ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ }

وكان أن قدم الباحث الدكتور مصطفي إبراهيم حسن أستاذ علم الحشرات بالكلية المذكورة بحثا لا يخلو من الطرافة وفي ذات الوقت يتضلع بالجدية، فقد أشار الباحث أنه قد استثارت تأملاته البحثية هذه الصياغة، فانصرف ذهنه ليس إلى ما ذهبنا إليه من سوائل وأشربة ينتجها النحل، لكنه قام ليجرب سائلا آخر هو منتوج عصير بطن النحل، فقام بعصر مجموعة منها ثم جرت عمليات تنقيته وتعقيمه وتركيزه، لتحقن بعد ذلك في بعض من مرضى السرطان في معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة، وكان أن أذن الله لنسبة عالية منهم بالشفاء (حوالي 80 %) ، والباحث بهذه التجربة المتفردة في مقدماتها وأيضا في نتائجها يقدم للبشرية جمعاء سبيلا رائعا للفكر، عسى الله أن يهدي بعضا من أطبائنا إلى متابعة هذا الأسلوب البحثي لتقنينه وتنميطه وتضبيط جرعاته وتركيزاتها، وفق مرادات كل حالة.


 

نحل العسل لا ينتج شراباً واحداً (الشراب تعني حالة السيولة) بما يعني أن النحل ينتج سوائل متعددة حصرت في ستة منتجات سائلة:

1- الغذاء الملكي أو العسل الملكي أو الرويال جيلي، وهو توليفة غذائية خاصة تقوم شغالات النحل بإنتاجها خصيصاً لغذاء يرقات ملكات النحل ثم لغذاء ملكة الخلية المتفردة فيما بعد وذلك لإمدادها بجرعات بروتينية قوية لتقويتها على إنتاج الكميات الهائلة من البيض والتي تقوم وحدها بإنتاجه وهو بذلك يعتبر من أفضل مساعدات علاج حالات الضعف العام وقلة النشاط خاصة لكبار السن وأيضاً في فترات النقاهة والتي تعقب العمليات الجراحية.

2- الشمع وهو شمع بناء الخلايا السداسية ثم سدها بعد امتلاءها بالعسل حتى يمنع عنها الهواء والغبار والأتربة وعوالق الجو وهو ما يعني الرحيق المختوم.
 "يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)" سورة المطففين.
    وأيضاً يستخدم لتغليف وعزل أي حشرة أو قارض يهاجم الخلية ثم يموت فيها ويصعب على النحل إزاحته خارج العريشة عندها يقوم النحل بتغطيته تماماً بالشمع حتى يمنع عنه الهواء ويمنع إتمام عملية التحليل التي قد تصيب العريشة كلها بالتسمم، ويصير لصق الشمع بأصماغ البروبولس.والذي تبني به الشغالات الخلايا السداسية المميزة لبيوت النحل ويفرز سائل الشمع من غدد خاصة منتشرة على جسم الشغالة على شكل قطرات صغيرة مثل العرق، وتبدأ على الفور بالجفاف بمجرد تعرضها للهواء مكونة قشوراً رقيقة من الشمع، حيث تقوم الشغالات المخصصة لهذه العملية في حك أجسامها مع بعضها لتتساقط هذه القشور الشمعية والتي يعاد تجميعها على الفور وتلصق مع بعضها باستخدام لاصق خاص (صمع البروبولس) على شكل الخلايا السداسية في مجموعات متعددة السعات حيث تبني الخلايا بأبعاد مختلفة وذلك حسب ما سوف يوضع بها من بيض والذي سيصبح بعد فقسه يرقات للملكات أو الشغالات أو الذكور أو ما سوف يخزن بها من المنتجات المختلفة، ويدخل شمع النحل في إنتاج كثير من كريمات التجميل وتغذية بشرة الوجه وتحسين وترطيب خلايا الجلد عموماً.

ومن الجدير بالذكر أن إنتاج كيلو جرام واحد من الشمع يتطلب من شغالة النحل وقتاً ومجهوداً يعادل سبعة أمثال المجهود والوقت الذي تستغرقه شغالة النحل في إنتاج كيلو جرام واحد من العسل. لذا ولتعظيم إنتاج العسل –حيث يعتبر المنتج الرئيسي في هذه العملية- يقوم مربيو النحل بجمع الشمع من الخلايا- بعد تفريغه من العسل بالطبع –بعد انتهاء موسم الإنتاج في الربيع ويقومون بصهره ثم صبه في قوالب وأطر خشبية (براويز) ذات وحدات سداسية متماثلة في الأبعاد وكثافة التوزيع مع الخلايا السداسية والتي يقوم النحل ببنائها في الطبيعة وذلك توفيراً لمجهود شغالة النحل في بناء خلايا بيوت النحل مما يعتبر توجيهاً مصطنعاً لشغالة النحل في تركيز مجهوداتها في مهامها الأخرى وعلى رأسها بالطبع إنتاج عسل النحل.

3- صمغ خلايا النحل (البروبولس) وهوعبارة عن سائل راتنجي رائق يتحول إلى خاصية اللصق بعد تبخر بعضاً من مكوناته المتطايرة، ويتم استخدامه ليس في بناء الخلايا فحسب لكنه يستخدم أيضاً في تثبيت أقراص الشمع مع البيئة المتوافرة للنحل، ولهذا الصمغ تأثير علاجي رائع خاصة حالات الحروق بدرجاتها المختلفة مما يساعد الجلد على سرعة شفاءه والتئام جروحه وأيضاً يقلل من التشوهات الناتجة ويعيد للجلد شكله المعتاد وللبشرة نعومتها العادية.

4- سم النحل وهو سائل بروتيني تقوم الشغالة بحقنه بقوة خلال إبرة مجوفة خاصة في مؤخرة بطنها تدعي الزبان وذلك فقط في حالة الدفاع عن نفسها أو حالة الذود عن الخلية، مما يسبب آلاماً مبرحة للملسوع به وهو يسبب نوعاً خفيفاً من الحمى وارتفاع في درجة حرارة الجسم، لكنه يشكل خطراً إذا ما زادت اللسعات عن حد معين، لذا يفضل الاستعانة بأخصائي العلاج بسم النحل لتحديد عدد وأماكن اللسعات، وهو يستعمل في علاج آلام الروماتيزم وأوجاع المفاصل كما تبين مؤخراً أن له تأثيراً علاجياً ملحوظاً على بعض أنواع فيروس الكبد الوبائي.

5- خبز النحل وهو عبارة عن توليفة من حبوب اللقاح المجمعة من عدة زهور لنباتات مختلفة يقوم النحل بانتقائها من البيئة المحيطة ثم يقوم بعجنها مع عدة سكريات أولية، -أو نستطيع القول أنه عسلاً بدائياً بسيطاً غير مكتمل التكوين- ثم يخلطها مع إنزيمات وخمائر خاصة من لعابه ثم يكورها على شكل كريات صغيرة ويقوم بعدها بتغذية صغار يرقاته بها، وخبز النحل يعتبر من أنسب الأغذية للأطفال من البشر معتلو الصحة خاصة في فترات النقاهة، ومن العجيب أن يمتد هذا التأثير إلى كبار السن أو فلنقل مع الإحساس بالوهن عموماً.

6- عسل النحل وهو يعتبر من أهم مساعدات العلاج وأكثرها استخداماً على الإطلاق وهو –أي العسل- يستعمل على نطاق واسع جداً سواء أكان وحده أو كان مختلطاً بأشياء أخرى وهو ما سنشير إليه في حينه أما هنا فسوف نركز الضوء على استخدامات عسل النحل وحده، والجدير بالذكر أن عسل النحل منتج رباني يجئ على ثلاثة صور.

أ- عسل النحل الجبلي وهو إفراز للنحل الجبلي حيث ترعى الشغالات بين الصبارات والأعشاب الصحراوية عظيمة الفائدة وهو عادة غامق اللون جداً حيث يقترب لونه من لون عسل قصب السكر- العسل الأسود- يميزه أيضاً شدة اللزوجة وغلظة القوام وقد يخالط طعمه بعض المرارة المحتملة والمقبولة وهو غالي الثمن نظراً لندرته وصعوبة الحصول عليه.=

ب- عسل الأشجار والغابات وهو إفراز نحل الغابات حيث تنتشر الأشجار الباسقة وزهورها متباينة الأشكال والألوان كذلك الأعشاب الغضة والنباتات الأرضية كثيرة الزهر، وهذا النوع من العسل يتوافر حيث الغابات الأفريقية أو غابات أوروبا ومروجها.

جـ- عسل الخلايا وهذا النوع من العسل ينتج من الخلايا المصنوعة بواسطة الإنسان سواء الطينية منها –الخلايا البلدية- أو الخلايا الخشبية ويسهل والأمر كذلك أن تنقل الخلايا من مكان إلى آخر سعياً وراء توافر النباتات والأشجار المزهرة، وهذا النوع من العسل هو الأكثر انتشاراً بالطبع في مصر.

ومن الجدير بالذكر أن نحل العسل لا يخلط أبداً بين رحيق الزهور فنجد مثلاً أن نحل خلية ما قد تخصص أفراده في جمع الرحيق من زهور الليمون وخلية أخرى قد تخصص نحلها في جمع رحيق أزهار البرسيم، وهكذا ويطلق عليه في هذه الحالة اسم الزهرة التي تم جمع الرحيق منها فيقال مثلاً عسل الموالح وعسل البرسيم وعسل القطن... الخ.

ويهتم منتجوا العسل بإنتاج أعسال متخصصة فيقال مثلاً عسل حبة البركة أو عسل البردقوش أو عسل زهر البابونج، حيث يتميز مثل هذه الأنواع من العسل بخواص علاجية خاصة فضلاً عن خواصه العلاجية العامة.

ونود أن نضيف أن هناك بعض أنواع العسل المتوافر في الأسواق يتم بيعه على أنه عسل نحل طبيعي، لكنه واقع الأمر ليس عسلاً طبيعياً بالشكل المعروف أو الشكل المتعارف عليه، فهو يصنف كواحد من العسل الصناعي وإن قامت شغالات النحل بإنتاجه، وسبب ذلك أنه لم يتح لها المجال في استخلاص رحيق الأزهار القريبة –شغالة النحل تستطيع أن تجمع الرحيق من الحقول في نطاق دائرة يصل نصف قطرها إلى خمسة كيلومترات- بل قُدم لها سائلاً سكرياً مصطنعاً بإذابة السكر العادي، أو إذابة عسل قصب السكر – العسل الأسود- أو إذابة سكر الجلوكوز في الماء، ومع الأسف فإنه يصعب التمييز بمجرد النظر بين عسل النحل الطبيعي وذلك الآخر المصنع إصطناعياً مما يجعله مفتقداً للكثير من خواص العسل الطبيعي العلاجية، وليس هناك ثمة طريقة منزلية سهلة للتعريف بينهما، لكنا سوف نجتهد في تقديم بعض الوسائل البسيطة والتي يمكن عن طريقها التيقن من جودة العسل الطبيعي.

1- اختبار الرائحة: فإن ظهرت رائحة غير مستحبة أو انبثقت رائحة عسل قصب السكر- العسل الأسود- كان ذلك دليلاً على أن العسل تحت الاختبار عسلاً صناعياً تمت تغذية خلاياه بسائل سكري من ذوب العسل الأسود.

2- اختبار الرطوبة: ويتخذ هذا الاختبار عدة أشكال:

* إسقاط قطرة من عسل النحل تحت الاختبار فوق ورقة نشاف أو ورقة مناشف ورقية سوف تلاحظ اتخاذ القطرة شكل نصف الكرة دون أن تتسطح أو تفرش فوق الورقة وذلك من تأثير التوتر السطحي القوي الذي يتمتع به عسل النحل الطبيعي؛ فإذا ما بدأت هالة دائرية من النشع المائي في الظهور حول القطرة كان ذلك دليلاً على زيادة نسبة الرطوبة في العينة ودل ذلك على تدني درجة جودة العسل.

* استخدام قلم خشبي (كوبيا) وذلك بغمس سن القلم الكوبيا في قطرة من العسل بعد إسقاطها فوق ورقة كتابة عادية، سوف نلاحظ بقاء القطرة صافية دون أي تغيير في لونها هذا إذا ما كان العسل جيدا أما إذا حدث وتغير لون قطرة العسل أو تعكرت بلون الكوبيا البنفسجي كان ذلك معناه تشبع العينة بالماء مما يشجع على رفض العينة.

* غمس عود ثقاب مشتعل في قطرة من العسل المطلوب اختباره بعد إسقاطها فوق سطح جامد جاف ويفضل أن يستخدم طبق صيني جاف نظيف لهذا الغرض، فإذا ما استمرت شعلة عود الثقاب مشتعلة بعد رفعها مباشرة من غمسة العسل دل ذلك على جودة العسل المعروض، أما إذا حدث وانطفأت الشعلة –نتيجة لتسرب بعض الماء الموجود في عينة العسل إلى الأنابيب الشعرية الدقيقة الموجودة في نسيج ألياف خشب عود الثقاب- كان معنى ذلك الوحيد هو رداءة جودة العسل تحت الاختبار.

ويمكن استبدال عملية الغمس المشتعل بتبليل خشب عود الثقاب أسفل الرأس المعد للاشتعال وذلك مسحة خفيفة من عينة العسل بحيث تغطي مسافة سنتيمتر واحد على الأقل ومن جميع أضلاعه ثم نقوم بإشعال هذا العود فاستمرار الشعلة دليل على جودة العسل وانطفاءها يؤول إلى العكس.

3- اختبار السيولة: وهذا الاختبار يتم فقط في أوان قطف العسل (جمعه) في الربيع ويستمر طوال الصيف حيث يكون عسل النحل في حالة سيولته العادية ولا يصلح هذا الاختبار بعد حلول برد الشتاء ودخول عسل النحل مرحلة غلظة القوام وتكثف اللزوجة، واختبار السيولة يجري ببساطة بملء ملعقة من عسل النحل من الإناء المخزن به العسل ثم سكبها مرة أخرى وإعادتها إلى نفس الإناء مع رفع الملعقة فوق الإناء حوالي عشرين سنتيمتراً سوف تلاحظ استمرار نزول العسل الجيد لفترة طويلة تعدل من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الوقت اللازم لإسقاط نفس هذه الكمية من العسل الرديء أو من أي سائل سكري آخر (القطر أو شربات سقي الكنافة).

 

عسل النحل الصناعي :

ونود في هذا المقام أن نلفت النظر إلى أن غش عسل النحل سواء أكان ذلك باستبداله بسكر الجلوكوز أو خلطه به أو خلط بعض الأرومات والروائح والألوان الصناعية بسكر الجلوكوز لجعله متشابهاً في اللون =والرائحة مع عسل النحل الطبيعي، أو استخدام هذا النوع من السكر الأوليّ في تصنيع السائل السكري والذي يقدم إلى شغالات النحل بدلاً من رحيق الزهور الطبيعي لكي ينتج ما يسمى بعسل النحل الصناعي، فهذا النوع من السكر يتم تصنيعه على شكل سائل غليظ القوام عالي اللزوجة شفاف رائق يقترب في شكله العام من شكل عسل النحل، وهو يصنع من تكسير جزيء النشا –رباعي التكوين- المتوافر في حبات الذرة ودرنات البطاطس لذا تطلق عليه مصانع الحلوى (سكر بطاطس) وهو يستعمل في هذه المصانع على نطاق واسع في معظم منتجاتها، ونظراً لكون إنتاجه على صورة سائلة فهو يباع معبئاً في صفائح أو براميل من الصاج، وواقع الأمر أن سعر هذا النوع من السكر لا يقارن بطبيعة الحال مع سعر سكر السكروز –ذو الجزيء ثلاثي التكوين- والذي اعتدنا إطلاق اسم السكر عليه والمتداول في البيوت والمقاهي والمطاعم فسعر الجلولكوز يبلغ ربع سعر السكروز لنفس الوحدة الوزنية.

 

نصيحة معتبرة مهمة :

أحرص دائماً على اصطحاب كمية مناسبة من عسل النحل معك في حلك وترحالك وأحرص على تواجده الدائم في بيتك وفي غدوك ومقامك فهو غذاء عظيم ودواء أعظم ولا تخشى من فساده فقد خلق الله فيه قدرة الحفظ الذاتي دون الاضطرار إلى استخدام تسخين أو تبريد، سوف يتلاحظ تجمد عسل النحل –ترمله- بعد تعرضه للبرودة وهذا لا يعني فساده أو غشه بل هو قد يعني العكس من كونه عسلاً طبيعياً لا أثر للغش فيه ولإعادة تحويله لحالة السيولة يوضع الإناء المخزن به العسل في حمام ماء مغلي- ولا يصح تعريضه للهب النار المباشرة- بعدها يصير استخدامه بصورة عادية.

 

خواص العسل العلاجية :

1- مقو عام ويرفع من قدرات وكفاءة جهاز المناعة البشري ومجدد للنشاط وباعث للطاقة، لذا ينصح بتناوله بشكل دائم ويومي للأصحاء والمرضى على السواء وهو يفيد حالات الضعف العام والأنيميا ومنخفضو الضغط وعقب العمليات الجراحية وفترات النقاهة.

2- يستعمل كمطهر للجروح آن حدوثها بعد شطف الجرح بالماء الجاري، كما يستعمل بشكل موسع بعد العمليات الجراحية خاصة تلك التي تتطلب خياطة وغرز في الجلد البشري فهو فضلاً عن كونه مطهر قوي فهو أيضاً بساعد على سرعة التئام الجرح وعودة بشرة الجلد إلى شكلها الطبيعي مقللاً إلى حد بعيد من التشوهات والندوب المتخلفة عن الجرح.

3- يستعمل لعلاج الحروق حيث يوضع فوراً على مكان الإصابة، لكن يستحب وضع ثلج فوق الجزء المحترق –هذا إن توافر الثلج- أو سكب ماء مثلج وذلك قبل وضع طبقة من عسل النحل ومرة أخرى نشير إلى أن استخدام العسل ليس علاجاً فحسب بل هو أيضاً يقوم بعملية تجميل للمساحات المشوهة من الجلد المحترق، فيعيد إليها رونقها وجمالها الطبيعي.

4- يستعمل في علاج السحجات والتهابات الجلد والتقرحات الجلدية والتهابات الأفخاذ نتيجة الاحتكاك أثناء المشي والتهابات الجلد من ماء البحر المالح بعد التعرض للشمس وذلك بوضع قطرات منه فوق الجزء الملتهب وفرشها على المساحة الملتهبة بهدوء ودون تدليلك ومحاولة عدم لمس الجزء الملتهب.

5- يستعمل كقطرة للعين وذلك بتنقيط عدة قطرات من عسل النحل الطبيعي النقي في كل عين ثم تغمض العين لمدة ثلاث دقائق مع مسح فائض العسل من العين بواسطة قطعة قطن مبللة بالماء، وواقع الأمر أن هذه الوصفة مجربة وفائدتها مجزية خاصة بعد العواصف الترابية والرملية، وكذا تعب العين من الجو الحار والحرارة أو للوقاية وغسل العين وإعادة الحيوية لها واكتساب لمعة بريق المآقي.

6- يستعمل في علاج حالة إصابة الأنف بالتهاب الجيوب الأنفية أو الزكام وذلك بإسقاط قطرات من عسل النحل المدفأ في فتحتي الأنف على أن يكون الجسم ممداً مفرود الظهر مع إمالة الرأس إلى الوراء بحيث تكون فتحتي الأنف في وضع أفقي حتى يسهل تساقط قطرات العسل داخل الأنف ويجب البقاء على هذا الوضع لمدة لا تقل عن خمس دقائق، ولتدفئة العسل يصب مقدار منه في معلقة معدنية ثم يمرر عود ثقاب مشتعل أسفلها عدة مرات مع عدم تثبيته حتى لا تزداد سخونة العسل عن حد التحمل.

7- يستعمل أيضاً لتخفيف آلام وأوجاع الأذن الطارئة نتيجة الإصابة بالبرد أو كثرة العطس أو التمخط سواء من الأنف أو من الفم وذلك بصب مقدار نصف ملعقة صغيرة في ملعقة معدنية كبيرة ثم تدفأ قليلاً بإمرار عود ثقاب مشتعل تحتها عدة مرات مع الحذر حتى لا ترتفع درجة حرارة العسل عن حد الدفء، بعدها تصب هذه القطرات المدفأة في الأذن على أن تكون الرأس في وضع يسمح للأذن محل العناية أن تصير في وضع أفقي تماماً ويبقى هذا الوضع على ما هو عليه لمدة لا تقل عن خمسة دقائق لكل أذن.

 

نصيحة:

* يحظر استخدام هذا النوع من العلاج إن كان هناك نزيف بالأذن أو كانت هناك مشكلة أو التهاب أو ثقب في طبلة الأذن.=

* يفضل أن يعتاد المرء على أن يدع فمه مفتوحاً في حالتي العطس أو التمخط من الأنف حتى لا يحدث ارتفاع مفاجئ في الضغوط الداخلية مما قد يتسبب فيما لا تحمد عقباه، كما يستحب تعويد الصغار على ذلك لتصبح عادة بديهية.

 

 

 

 

  رؤيـة وإعداد

المهندس / محمد عبد العزيز خليفة داود

استشاري تصميم وبناء نظم معلومات الحــاسب الآلي

معهد الدراسات والبحوث الإحصائية – جامعة القاهرة

                          



[1]
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن

محمد فؤاد عبد الباقي

اجمالي القراءات 15438