هوامش على دفتر الهجرة

محمد خليفة في الخميس ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

هوامش على  دفتر الهجرة

مقدمة  :

تعتبر حادثة الهجرة، من أبرز بل وأهم أحداث السيرة النبوية العطرة، فقد مكث الرسول صلى الله عليه وسلم  قبلها ثلاثة عشر عاما في مكة يدعو إلى الإيمان بوحدانية الله، في محاولة شديدة الجدية والدأب لإعادة بناء الشخصية العربية والمتواجدة في القرب، بما يتوافق وتعاليم الإسلام الحنيف، وذلك لإعادة ترتيب لبناتهم الفكرية والوجدانية القلبية  ليكونوا أهلا لتحمل تعاليم هذا الدين، ولنشر هذا الدين، وذيوعا لجوهر الوحدانية والمبادئ السامية التي نادى بها الإسلام، وإلى التوسم بالأخلاق الحميدة التي جاء بها وكان مثالا لتطبيقها رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

كانت سور القرآن الكريم تتنزل عليه في تعاقب منظوم، نظمه خالق الكون، لكي ترشده وترشد المؤمنين برسالته، إلى أسلوب بناء الإنسان الجديد والذي سوف يقع علية بناء مفاهيم حضارية جديدة ومستحدثة، ومن ثم بناء حضارة أخلاقية قوية ومتماسكة، وقد انتظمت فيها العلاقة بين المرؤ وربه، وكذا العلاقة بين البشر والكون، المتمثل في أسرته وأهله وقبيلته وبلده والبيئة المحيطة به.

هكذا نجح رسول الله في بناء شوامخ انسانية فيمن آمن به وبرسالته، لم يكن عدد من آمن به كثير، لكن دستور بناء الشخصية الإيمانية كان قد تحدد، بنزول ستة وثمانون سورة قرآنية ( بدءا بسورة العلق وانتهاءا بسورة المطففين ) ، وقد ترسخت فيها مفاهيم بناء الحضارة.

كان قد مر على رسول الله ، وكما أسلفنا ثلاثة عشر عاما يدعو لرسالته، وتواكبت معها أحداث جسام هددت حياة الرسول ذاته بل وحياة من اتبعوه، وهكذا جاءت هجرتين متتابعتين لفلول من المسلمين الأوائل إلى الحبشة.

لم يكن هناك بد من الحركة خارج نطاق المنطقة المحيطة بالبيت لحرام، بل مكة كلها

واتخذت الأحداث شكلا خاصا أجبرت الرسول على التفكير في الرحيل والخروج من البلد الحرام -  وهي أحب بقعة إلى نفس رسول الله - ولما جاء إذن السماء، شرع الرسول في الخروج في رحلة محفوفة بالمخاطر صوب يثرب.

لقد ذكرت كتب التراث تفاصيل هذا الحدث، وأضافت إليه من عندياتها الكثير، ونظرا ولأنه حدث فاصل في مسار الدعوة ، ولأهميته في كونه أهم أحداث السيرة النبوية قاطبة، فكان والأمر كذلك من المتوجب تحقيق أحداثه وترصد دقائقه، والتحقق من كينونة وقوعها بذات النمط التي وردت عليه، أم أن هناك أشياء مغايرة لما امتلأت به كتب السيرة.

جاء هذا البحث ليس للتحدث عن أسباب ما أطلق عليه حدث الهجرة، ولا لنتائجها، ولا عن الإنفجارة الدعوية التي حدثت بعدها، وإنما للبحث في هوامش هذا الحدث

لذا سوف تنقسم مباحث هذا الحدث إلى ست مناطق بحثية

 

أولا     :              منطقة مفهوم الهجرة.

ثانيا     :              منطقة تثنية الرسول.

ثالثا     :             منطقة مصاحبة الرسول

رابعا    :             منطقة التخفي  والتواجد في الغار

خامسا  :             منطقة الجد في التقصي وراءه  والبحث عنه..

سادسا  :            منطقة الإستقبال في يثرب

 

وسنبدأ في تناول البحث في هذه المناطق واحدة إثر أخرى

أولا    :   مفهوم الهجرة :

مفهوم الهجرة هي حرية التحرك من مكان  إلى مكان آخر باختيار حروإرادة  ذاتية،  يرى فيهالمرؤأنه راغبا فيه ويرى فيه مصلحته، فإذا جاء التحرك رغما عنه، فيسمى في هذه الحالة إخراجاً..وتهجيراً..!!

والرسول لم يكن حرا في اختياره بل مرغما  مجبرا على الهرب وبذلك يكون قد هـُجـِر وأخرج ولم يكن مهاجرا.
أ )      الآيات التي تدلل  على أنالحادثة كانت إخراجا..!!                    

 

 (1) – (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا
              فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ
             حَكِيمٌ .*)) . آية رقم: (40) من سورة التوبة .

 

(2) – (( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ...)) . آية  (13) من سورة محمد .

 

(3) – (( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ ... )) . آية (30) من سورة الأنفال .

 

(4) – (( وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِلِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ... )) . آية رقم: (76) من سورة الإسراء .

 

 

ب ) مقتطفات من الروايات التى تُؤكد على أن الحادثة كانت إخراجا...!!

 

 (1) – روى الترمذَي الحديث رقم :3861 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَكَّةَ مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلا أَنَّ
        قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ.             رجاء ... أن نتدبر كلمة :[ أَخْرَجُونِي]...وكلمة : [مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ].
 

(2) - روى أحمد بن حنبل الحديث رقم : 17968 ... وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ .

(3) -أحمد17969 ... وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الارْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاأَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ .

 

(4) - ابن ماجة 3099 ...وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ لَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ     
   رجاء ... أن نتدبر كلمة [أَخْرَجُونِي مِنْكِ ] ، وكذا كلمة  :  [  أُخْرِجْتُ مِنْكِ ]   ، وكلمة   [مَا خَرَجْتُ  ]  

(5) روايات عن واقعة تنبأ ورقة ابن نوفل بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ

 بنبوة الرسول وبأن أهله سوف يخرجوه
 (أ) - رواية البخاري في مصنفه برقم: (3) في كتاب: بدء الوحي ، باب: بدء الوحي:
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.

 فَقَال:َ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ .!؟.

قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا...
(ب) - رواية البخاري برقم: (6467) في كتاب: التعبي، باب: بدء الوحي أول ما بدئ به رسول الله الوحي الرؤيا الصالحة:...ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ فَقَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّاعُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ...
(ج) - رواية أحمد بن حنبل برقم: (24681) ، و برقم: (24768) في كتاب: باقى مسند الأنصار ، باب: باقى المسند السابق:
 (د) - رواية مُسلم برقم: (231) في كتابه
 

ثانيا     :        منطقة تثنية الرسول :

 

         الآية الكريمة من سورة التوبة والتي وردت بها الإشارة إلى الواقعة 
(( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ...))

 

ذهبت الأقوال في موضوع التثنية إلى دربين رئيسيين :
أولهما : التثنية العددية

فقد وردت كلمة     ثَانِيَ اثْنَيْنِ    فيهذه الآية  لتصف رسول الله بأنه كان ثاني إثنين
 فمن ذا الذي كان إذن هو من  يشار إليه على أنه  هو الأول ؟ 
أشارت كتب التراث إلى أن الذي رافق رسول الله (صلعم) في هذه الرحلة كان الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه ، وطبعا  لم يصرح القرآن باسمه صراحة،  فإن كان الموضوع موضوع ترتيب فلا يجوز أن نجعل ترتيب رسول الله هو الثاني.

قالوا أن الأول هو الله فهو الأول والآخر، ويكون بذلك الثاني هو رسول الله، وأشاروا إلى الآية الكريمة
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) } سورة المجادلة


وفي قول آخر .. أن الأول كان رسول الوحي جبريل عليه وعلى نبينا السلام وبذا يمكن أن يكون الرسول هو الثاني، وهذا القول مردود عليه، ذلك بالنظر إلى تلك الكلمات المطمئنة التي جاءت على لسان الرسول
((.....إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا....)) والمفروض أن يقوم رسول الوحي جبريل بطمئنة الرسول وليس العكس.
 

وواقع الأمر أن أسلوب العرض  لا يعني الترتيب وإنما يعني مطلق العدد وحديته، أو بما يعني الجزم بأنهما كانا شخصين إثنين فقط ولم يخرج معهما شخص ثالث .
وقد يحتج قائل بأن هناك ثمة شخص ثالث وهو دليل الرحلة وهو من كان يدلهما على الشعاب والمسالك غير المأهولة، للهروب من أهل مكة المتابعين لهم والجادين في طلبهم، وهذا القول مردود عليه بأن ذلك لم يحدث في اللحظات الأولى من الرحلة وهي لحظات الإخراج من مكة، وإنما جاء لاحقا بعد إنتهاء مدة لبثهما في الغار.

 

ثانيهما : التثنية التلاحقية
وهي تعني أن التثنية هي في الأصل تشير إلى تلاحق أو تعدد حدوث الواقعة، أي أنها حدثت من قبل ولزوج من البشر، والآن يتكرر حدوثها ولكن في زمان لاحق ومكان آخر ولزوج ثانٍ من البشر.

وهي بذلك تعني أن واقعة الإخراج المشار إليها في الآية الكريمة من سورة التوبة وهي التي تصف إخراج الذين كفروا لأحد الرسل ومعه آخر من ديارهم التي ولدوا وشبوا فيها،  قد وقعت مرتين إثنتين
المرة الأولى..كانت لنبي الله موسى حين تآمر عليه فرعون وملئه ليقتلوه ، عندها فزع هاربا وكان قد اختبأ هو وأخوه هارون  في غار في أقصي المدينة استعدادا للهروب إلى أرض مدين.

أما المرة الثانية لتكرار الواقعة، وبنفس الأوصاف من كون أن الرسول لم يكن مهاجرا وإنما هـُجـِر وأخرج رغما عنه، وجاء إخراجه من الذين كفروا أو ما زالوا على كفرهم من أهله وعشيرته، هذه الواقعة تكون بذلك لاحقة للأولى ، أي هي الثانية في ترتيب الحدوث، ويكون الرسول بذلك هو الثاني في تحقق هذه الواقعة.

 

نصوص روايات : مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ...؟.!.:

 (1) -  روايات البخاري بأرقام : (3380)  (3629)  (4295)، رواية مُسلم برقم:(4389) ،
 رواية الترمذي برقم : (3021) ،
 رواية أحمد بن حنبل برقم : (11) في كتاب :مسند العشرة المبشرين بالجنة باب : مسند أبى بكر الصديق.

 

عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا *))

 

ثالثا     :       منطقة مصاحبة الرسول

 

وردت الإشارة إلى صحبة الرسول أو إلى الشخص الذي كان له شرف مصاحبة الرسول في هذه الرحلة  بكلمة واحدة وهي  "  لِصَاحِبهِ " وجاءت بعد فعل القول والذي جاء في صيغة المضارع " يَقُولُ" بما يفيد استمرار هذا القول التأميني المطمئن وديمومته طوال مدة مكوثهم في الغار، أيضا بعد الآداة  " إذ "  والتي تفيد طلب الإيماء إلى ضرورة التذكر وذكر تفاصيل هذا الموقف بكل دقائقه، والآداة "إذ" عند ظهورها إنما تعني التفريق بين مشهدين، مشهد سابق لها، وآخر لاحق بها، بما يعني مشهد الإخراج من البلدة وهو المشهد السابق  للآداة " إذ" ومشهد التواجد في الغار وهو المشهد اللاحق بها.

 

(( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُلِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا...))

 

ولا يهم في هذا المقام تحديد إسم هذا الصاحب ، فطالما أغفل القرآن ذكر هذا الإسم كان ذلك يعني أنه لا فائدة ترجى من ذكره،   بل يعمم فضل مثل هذا الصاحب الذي يفعل مثل هذا الفعل مع صاحبه على طول الزمان وإلى أن تقوم الساعة، إذ لا يعرف الصاحب الحق إلا في الأزمات والمحن.

والعجيب أنه يترائى للمرؤ أن هذا الصاحب المصاحب تقع عليه مهمة المساندة المعنوية، لكن المشاهد أن الرسول هو الذي كان يقوم بهذه المساندة وذلك التأمين والطمأنة النفسية المستمرة ، والتذكير بأنهم في معية الله ، ومن كان في معية الله فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون.

إلا أن الكلمة المحيرة   " لاَ تَحْزَنْ " وهي الكلمة التي تلت الكلمة التي أسقطنا ضوء البحث عليها " لِصَاحِبِهِ..."، فهنا مقام الخوف وليس بحال مقام الحزن، فالخوف شعور لحظي يناسب خطر الموقف الذي يواجهه المرؤ، أما الحزن فهو شعور وجداني يتناسب طرديا مع تراكمات من الإحباطات ونفاد الحيلة، وهذا يعني تاريخية الحزن ولحظية الخوف.

واستخدام الحزن في هذه الآية يصف ما كان عليه الصاحبان من مشاعر قبل لحظة الإخراج من البلدة، وأثناءها وبعدها، وتجلت قمة الحزن حين الإنفراد وحدهما في ظلمة الغار ووحشة الغربة وقسوة الوحدة .
 

كان الأجدر بمن يتسابق في الإحتفال بذكرى هذا اليوم، أن يذكر أنه كان يوم حزن لا يوم احتفال وفرح، ذلك الحزن النبيل الذي يولد معه الإصرار على التمسك بما عليه الإنسان من مبادئ الحق، ويتخلق في ذاته ماردا من الإرادة يدفعه إلى تحقيق ما هو قد آمن به من حق المبادئ.

 

رابعا    :منطقة التخفي  والتواجد في الغار

 

((....              فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا......))


هنا نرى أن السكينة قد تنزلت على رسول الله، والسكينة حين تتغشى الإنسان، تملأ جوانحة بالهدوء والراحة وتنسم نسائم من رَوْح الله،  وتوقن نفسه بالثقة في رضوان الله، وتحي في فؤاده الأمل في نصرة الله ومأزرته له.
 

كان هذا عن صدر الجملة أما عن عجزها وهي التي تتحدث عن التأييد بجنود من جند الله، وذهب ناسجو الأخبار وواضعو الروايات في هذا الصدد كل مذهب، فقالوا أن ثمة حمامتان كانتا ترقدان على بيضهما في عش أمام الغار،
أيضا قالوا أن الله بعث بحشرة العنكبوت لتبني بيتها الشبكي لتسد به فوهة الغار، وحين وصلت فرقة البحث عن الرسول وصاحبه،  تقدموا إلى باب الغار فلما تراءت لهم الحمامة والعنكبوت قالوا أنه لا يعقل أن تبقى الحمامة في عشها إذا حدث واقترب أحدهم من العش، وكذلك بيت العنكبوت لا يمكن أن يستمر سليما إذا ما ولج أحدهم إلى داخل الغار، وعجت كتب التراث بمثل هذه الأقصيص، لكن كتب الروايات إقتصرت على رواية واحدة وهي :

 

رواية أحمد بن حنبل برقم : (3081) في كتاب : من مسند بني هاشم ، إنفرد به : أحمد بن حنبل.؟.

وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا قَالَ لَا أَدْرِي فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِّطَ عَلَيْهِمْ فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ  فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالُوا لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ*)) .

 

والآية المذكورة تدحض هذا الإدعاء فكما ذكرت الآية أن جند الله المشار إليهم لم يكن من الممكن رؤيتهم، ويسقط بذلك قول مبلغو التاريخ وواضعو المرويات قصة الحمامتين وكذلك رواية نسيج العنكبوت.

 

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما كنه تلكم الجنود غير المرئية ؟

يجيب الحق على مثل هذه التساؤلات في سورة يس

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) }

 

أي أن ثمة غشاوة غشيت أعينهم فهم ينظرون لكنهم ليسوا بمبصرين، وكان للتخوف الخافت  والذي همس به صاحب الرسول حينما كانا في الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا .

هكذا كانت ثقة رسول الله في ربه، وعلى هذا النحو أغلب الظن جاء تأييد الله.

 

خامسا  :      منطقة الجد في التقصي وراءه  والبحث عنه..

 

ذكرنا في البند السابق أن فرقة من المتعقبين المصرين على الإمساك برسول الله وصاحبه، وقد وصلت هذه الفرقة إلى حواف باب الغار، عندها صدر من صاحب رسول الله همسة خافتة متخوفة "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا"
عندها طمأنه رسول الله بعبارة تماثلت مع صيحة رجاء الواثق في تأييد الله تلك التي هتف بها نبي الله موسى في موقف مشابه في سورة الشعراء

{  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) }
   

لكن اللجوء في هذه المرة كان لجوءا قلبيا من رسول الله ، عندها أيده الله بجنود غير مرئية، بأن أوقف  الله خاصية الإبصار في أعين المتعقبين فهم ينظرون إلى الرسول وصاحبه لكنهم لا يرونهم.

 

كان هذا الذي قدمنا هي صورة مما تناقلته كتب التراث، والتي أضافت الكثير من الحبكة المشوقة وخيالات الشعراء، وهو الذي نتعرض له الآن بالمناقشة الهادئة المتعقلة المتدبرة، لنرى مدى توافق هذا المسطور في كتب التراث مع العقل والمنطق وقبلهما ما يتوافق منها مع كتاب الله.

 

كان من هذا القصص ما ذكر آنفا في البند السابق، والذي ركز الضوء على صورة  من صور عملية التعقب والتقصي والذي كانت تقوم به فرق متعددة من قصاصي الأثر وفتيان القبائل الأشداء، تدفعهم رغبة محمومة في الإمساك بالرسول وصاحبة، ولما فشلوا في ذلك أعلنوا عن جائزة مغرية ( قالوا مئة من الإبل) وهي جائزة كبيرة بمقاييس ذاك الحين يسيل لها لعاب أي من  قناصو الثروات، وجاء في إحدى هذه الروايات أن واحدا منهم يدعى سراقة بن مالك، كان قد طمع في نول هذه الجائزة، فتترس بسيفه وشد لجام فرسه وجدَّ السير في تعقب آثار سير القافلة الصغيرة، ولما تراءت له في الأفق أسرع للحاق بهم، لكن ساخت أقدام فرسه في الرمال، وسقط من فوق ظهرها، ولما استقام عاود المحاولة لثلاث مرات، عندها طلب الآمان والدعاء من رسول الله فوعده الرسول بسواري كسرى..!!
واستكمالا للحبكة تستطرد الحكاية في أنه حدث بعد أن فتح الله على المسلمين حاضرة الفرس وتم جمع غنائم قصور كسرى، حينها استدعى أمبر المؤمنين وقنها عمر بن الخطاب سراقة بن مالك وأغنمه سواري كسرى وفاء بعهد رسول الله ووعده له بهما.

هذه هي الأقصوصة التي يُتغنى بها على المنابر، كلما هلت بشائر أيام العام الهجري الجديد، وهي تحوي الكثير مما لا يتوافق مع ما جاء في كتاب الله، والذي سنتناوله نقطة إثر نقطة.


أولا : الروايات التى تتحدث عن: سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ.؟.!.

 

 (1) - رواية البخاري برقم: (3618) في كتاب: المناقب ، باب: هجرة النبي وأصحابه إلي المدينة:

((..قَالَ لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ  بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ فَدَعَا لَهُ
 (2) – رواية مُسلم برقم: (3750) في كتاب الأشربة، باب:جواز شرب اللبن:

(3) - رواية مُسلم برقم: (5329) في كتاب: الزهد والرقائق ، باب:في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

(4) - رواية أحمد بن حنبل برقم: (3) في كتاب: العشرة المبشرين ، باب: مسند ابى بكر:

(5) - رواية أحمد بن حنبل برقم: (16930) في كتاب: مسند الشاميين ، باب: حديث  بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ:

(6) – رواية أحمد بن حنبل برقم: (17741) في كتاب: أول مسند الكوفيين ، باب:حديث البراء بن عازب:

((... يَقُولُ لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَتَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ...)) .

 

ثانيا : مناقشة وعد الرسول لسراقة بسواري كسرى

 

هذا الوعد يحتوي على نبوئتين
النبوءة الأولى : هي أن  الفتوحات الإسلامية سوف تمتد لتبتلع قصور كسرى ومدائن الفرس.
النبوءة الثانية : هي أن العمر سيمتد بسراقة حتى تتم هذه الفتوحات

فهل يمكن لرسول الله أن يتنبأ بمثل هذه النبوءات ؟؟

الجواب  قطعا سوف يكون بالنفي .. فرسول الله محجوب عنه الغيب شأنه شأن كل البشر.

 

( إرجع لمباحثنا الآتية  :
 

أولا   : رسول الله لا يعرف الغيب وموجزه

 

وردت الآيات الآتية في محكم الذكر لتدلل على نفي معرفة رسول الله عليه الصلاة والسلام بالغيب،
 في تسع آيات، وقد جاءت على ثلاثةأشكال :
1 -  : النفي المطلق عن معرفة رسول الله بالغيب في ثلاث آيات :
           006050 سورة الأنعام &  007188  سورة  الأعراف &  046009 سورة الأحقاف
           & وجاءت أيضا على لسان نبي الله ورسوله نوح 011031 في سورة هود

           & نفي معرفة الرسول بغيب الزمن الحاضر وهو الغيب المكاني 009101 سورة التوبة

2 -   : إشارة إلى أن الوحي بأنباء الغيب تكون فقط من الله إلى رسوله الكريم، والوحي لا يكون
            إلا قرآنا يتلى  في ثلاث آيات :
            003044 سورة آل عمران  &  011049  سورة هود &  012102  سورة يوسف
3 -   :  طبيعة الإنذار المكلف به رسول الله لإبلاغه إلى الذين يخشون ربهم بالغيب في آيتين
            035018  سورة  فاطر  &  036011  سورة يس

 

 ثانيا  : مبحثنا حول الأمر الإلهي إلى رسوله   " قل " الذي تردد ظهوره في القرآن 332 مرة.
          ليبين أن رسول الله لم يكن يقول من تلقاء نفسه إن هو إلا وحي يوحى، والوحي لا يكون إلا قرآناً.

 

 ثالثا  : مبحثنا حول الأسئلة التي كان يوجهها مشركو مكة إلى الرسول وكان دائما ينتظر إجابة السماء
         ولو كان يعلم الغيب لأجاب فورا ومن تلقاء نفسه :
         وردت يسئلونك  15 مرة في القرآن وجاءت " قل " كجواب للسؤال 14 مرة

         منها 8 مرات مجردة " يسئلونك " في الآيات ( 219 ،217، 215 ، 189 ) 002 البقرة

         & 005004  المائدة &  ( 187 ، 187 )   الأعراف &  008001    الأنفال
          ووردت " يسئلونك " دون الإجابة بـ " قل " مرة واحدة  في الآية 079042  النازعات
           وأيضا وردت مسبوقة بحرف الواو  "  ويسئلونك "   6 مرات
          ( 222 ، 220 ، 219 ) 002 البقرة &  017085 الإسراء & 018083 الكهف
            &  020105   ط .هـ  وفيها جاءت الإجابة " فقل "  ( أي أن الأمر " قل " مسبوق بحرف الفاء )
 

         ملحوظة :
         1 -     وردت " يسئلونك " مرتان في آية واحدة وهي الآية 007187  سورة الأعراف
         2 -     وردت " يسئلونك " ومعها في نفس الآية وردت " ويسئلونك " مرة واحدة وذلك
                          في الآية 002219  من سورة البقرة          

 

 رابعا  :  حينما كان يُستفتى الرسول في أمر ما .. كان لا يفتيهم، بل كان ينتظر الإجابة من الله، ولو كان
            مسموحا له بالإفتاء بعلمه الذاتي لأفتاهم فورا  وجاءت الإشارة إلى ذلك مرتان، وكلاهما  في
            سورة النساء
           الآية          004127  { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي
                                  يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
                                  وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
                                  فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا  (127)}
           وكذلك الآية 004176  {  يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ
                                  فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
                                 الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ
                                 اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) }


ومما سبق وسيق به من دلائل يستطيع أي عاقل مـُحـَكـِم لعقله أن يجزم بأن رسول الله لا يمكن  له معرفة الغيب

إلا ما يبلغه له الله ، وعبر وحيه الكريم، وأن ينص عليه في قرآنه العظيم، وبذلك تسقط كلا النبوئتين، ويسقط معها رواية سراقة وتسقط حكاية تقصيه لأثر قافلة الهجرة،  وسقوط هذه الرواية ، لا يعني نقص في الدين أو نكوص في الإيمان، فما هي إلا أقاصيص تروى وحكايات تقص، لا يقام بها دليل ، ولا يثبت بها إيمان ، ولا يزداد بها هدى، فما هي إلا مدسوسات من مدعي الإسلام من اليهود، أو كتابات من متأسلمة الفرس، وكلاهما مشكوك في إيمانه ، مـَخشيُُّ منإدعاءه ، مُرتاب في توجهاته، ونسأل الله أن يبعث في هذه الأمة من يأخذ على عاتقه بمهمة تنقية التراث مما علق به من شوائب، ومما شابه من تشويه، محطما بذلك أوثانا فكرية عشنا في كنفها دهور ودهور، ورفعنا من قدرها إلى مراتب التقديس، حتى صرنا نحاذي بها كتاب الله ، وطار الإدعاء بصحة هذه الكتب إلى أن إقترنت بصحة كتاب الله..!!

ألا من حفيد لخليل الله إبراهيم يمسك بفأس من العلم محطما هذه الأصنام.

 

سادسا  :       منطقة الإستقبال في يثرب

 

تواترت الأقاصيص تحوي كثيرا من الخلط ، والعديد من الخيالات ، وأكثر منها الحبكات التي تدغدغ مشاعر العامة وترفع آهات الإعجاب إلى شفاههم، بل قد تصل بالبعض منهم إلى مرحلة قشعريرة الإعجاب، وذرف دموع التأثر من معاناة النبي وصاحبه في رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر، والسير في الطرق الصخرية الوعرة ، ثم في النهاية الوصول بسلامة الله وحفظة إلى مشارف يثرب، حيث يرتفع تيار الشجن بترديد نشيد ترحاب مشجون، حفظناه صغارا ورددناه كبارا

طلــع البـــــــدر علينا         من ثنيـــــات الوداع

وجب الشـــــكر علينا          ما دعــــــــا لله داع

أيها المبــــــعوث فينا          جئت بالأمر المطاع
جئت شـرفت المدينة           مرحــبا يا خير داع

ولا أريد أن أصدم مشاعر طيبو المسلمين والبسطاء منهم، بالجهر بأن هذا النشيد لا مكان له من الصحة، ولم يقل به أهل حضر ولا مضر.

هذه الكلمات المرحبة، لم تكن، ولم تخرج من أفواه المستقبلين للرسول على مشارف يثرب لسببين

السبب الأول :أن البلدة المذكورة في هذا النشيد جاءت على الصورة " جئت شـرفت المدينة "  وهي ترمي إلى
                   المدينة المنورة  مدينة الرسول ، والحقيقة أنها كانت تدعى ذاك الحين " يثرب "  ولم تسمى بالمدينة
                   إلا مؤخرا ودليلنا القرآني في ذلك أن سورة الأحزاب وهي السورة التي جاءت لتصف وقائع موقعة
                   الأحزاب ، وهي تلك التي أطلق عليها موقعة الخندق في إشارة إلى الحدث الفصل غير المتوقع في
                    تحديد نتيجة هذه الواقعة ألا وهو حفر خندق حول المدينة في مفاجئة غير معروفة ولا معتادة في
                    حروب العرب، والمعروف أن هذه الموقعة وقعت في العام الخامس الهجري، وطبقا لما تناولته في
                    شبه إجماع كامل كل كتب السيرة النبوية.


والآن إلى آيات سورة الأحزاب والتي تصف هذه الموقعة
{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) } سورة الأحزاب


 ورد في هذه السورة وفي الآية (13) منها أَهْلَ يَثْرِبَ أي أنه وحتى العام الذي وقعت فيه هذه الموقعة - الخامس الهجري  - كانت البلدة تدعى  " يثرب "  فمن أين جاء المستقبلون بلفظة المدينة المذكورة في النشيد المزعوم ؟

وقد يقول قائل في دفاعه عن صحة النشيد، أن كلمة " المدينة " الواردة في النشيد هي صفة للبلد وليست إسما لها
وهذا حقيق به أن يؤخذ في الإعتبار، لولا أن حاضرة شبه الجزيرة العربية  والتي تحتوي بيت الله الحرام ألا وهيمكة
وهي البلدة الأضخم، والحاضرة الأقدم، وعاصمة البلاد ومقصد الحجيج ، لم يشار إليها ولو لمرة واحدة بصفتها مدينة
وإنما وردت جميعها بصفة البلد.

 ملحوظة :

   1 -  ذكرت مكة مرة واحدة في الآية  (24) من سورة الفتح ،
   {  وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
     (24) }  سورة الفتح

   2 -  وذكرت بكة أيضا مرة واحدة في الآية  (96 ) من سورة آل عمران
   {  إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) } سورة آل عمران

  3 -  وردت لفظة "بلد" في القرآن ثمانية مرات ، أربع منها جاءت كصفة لبلد الله الحرام مكة
        أ ) {  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) } سورة إبراهيم
        ب) { لَا أُقْسِمُ بِهَذَاالْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)  } سورة البلد( وردت البلد في السورة مرتان )
          ج) { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) } سورة التين


 ووردت " بلدا " مرة واحدة وكانت تشير إلى البلد الحرام ودعاء خليل الله لها بجعلها بلدا آمنا
 { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) } سورة البقرة

 

ووردت " بلدة " خمس مرات واحدة منها فقط هي التي أشارت إلى البلد الحرام{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) } سورة النمل

أما صفة المدينة فقد وردت في القرآن أربعة عشرة مرة ، ثلاثة منها أشارت إلى البلدة " يثرب " بصفتها مدينة وأيضا لكونها إسما للبلد، وذلك بعد أن تحول إسمها من يثرب إلى المدينة المنورة.

 

1 – { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } سورة التوبة

 

2 – {  مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) } سورة التوبة

 

3 – {  لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) سورة الأحزاب

 

وهكذا نلمح أن الآيتين (101) ، (120) من سورة التوبة تشيران إلى إسم البلدة على أنها " المدينة " وهي سورة مدنية قد تنزلت بين نهاية العام الثامن الهجري وأول العام التاسع الهجري، أي أن إسم المدينة لم يطفو إلى السطح إلا في هذه الحقبة، أي على الأقل في العام الثامن الهجري.

أما عن ورودها في سورة الأحزاب وفي الآية (60) منها فإنما وردت بصفتها صفة للبلدة، وحتى وإن إختلف الأمر في كونها وردت في سورة الأحزاب كصفة أو كإسم ، فإنما سبقتها الآية (13) التي تجزم بأن البلدة كان إسمها " يثرب " حتى ذاك الحين وحتى العام الخامس الهجري، مما ينتفي معها كل إحتمال لظهور لفظة " المدينة " كإسم للبلدة في النشيد المزعوم والمفروض فيه أنه قيل في اليوم الأول ولحظة دخوله صلى الله عليه وسلم البلدة " يثرب" ولأول مرة .

 

أما السبب الثاني:
                   هو أن القالب الأدبي للصياغة التي جاءت عليها كلمات النشيد ، لم تكن أصلا من كلام العرب..!! ، فالعرب حين يتكلمون ، إنما يتكلمون بواحد من صياغتين ولا ثالث لهما،

 إما القالب الشعري وقد احتفى العرب بالشعر لدرجة أنهم عقدوا له أسواقا وعلقوا معلقات من مميز القصائد على جدر الكعبة.

وإما القالب النثري فقد تبارى فصحاء العرب في أسواق عكاظ  وذي المجنة  ومربد، مستعرضين كافة فنون الصياغة، وحسن البيان.

فكان والأمر كذلك أن برع  العرب في النظمين نظم الشعر ، وسحر بيان النثر، لكن هذا النشيد لو نظرنا إلى قالبه لوجدناه لا يصنف  في جانب الشعر، وأيضا لا يتصف بكونه نثرا.

فكيف نصنف نظم هذا النشيد ؟

واقع الأمر أن القالب الأدبي والذي جاء عليه هذا النشيد هو من صنف الأهازيج أو الزجل في مفهومنا الشعبي، وهذا الصنف من القوالب الأدبية لم يكن موجودا بالمرة وقت قدوم الرسول إلى المدينة، فكيف تسنى للمستقبلين  من أهل يثرب أن يتناولوا مثل هذه الكلمات ويضعوها في مثل هذا القالب الذي لم يكن معروفا حتى ذاك الحين ؟

السر في ذلك يعود حقيقة الأمر إلى توقيت ظهور هذا النوع من القوالب الأدبية..!!

واقع الأمر أن هذه الصياغة ظهرت في أواخرعصر أمير المؤمنين العباسي هارون الرشيد، وذلك إثر التصفية الجسدية لفصيل فارسي كان شديد القرب من الحاكم، وحين توسم فيهم الغدر قضى عليهم بضربة واحدة فيما أطلق عليه المؤرخون مذبحة البرامكة، وبلغ من شدة حنقه عليهم أن حرَّم رثائهم نثرا أو شعرا ..!!

فما كان من مواليهم ومما ملكت أيمانهم من العبيد والإماء ، أن إبتدعوا نوعا وسطا فلا هو بالشعر كما أنه ليس بالنثر حتى لا يقعوا تحت طائل أمر المنع، وحتى يتقوا غضبة أمير المؤمنين.

خـُصص هذا القالب المبتـَدع في رثاء السادة فتجده دائما مملوء بالشجن ميالا إلى النغم المحزون، مما حدا بمصنفيه إلى إلصاقه بالموالى حيث أطلقوا عليه إسم الموَال. وصارت هذه الصفة لصيقة به إلى يومنا هذا
بل وثبتت به وثبتت عليه.

وهكذا ولما سبق أن بينا من الأسباب، فإنه لا يمكن عقلا ولا منطقا أن يكون مثل هذا النشيد ، قد قيل كواحد من مراسم استقبال رسول الله وصاحبه على مشارف  يثرب آن وصولهم إليها، وكل الذي يمكن أن يقال في هذا الصدد، أن هذا النشيد قد تمت صياغته وابتداعه في العصر العباسي وبعدها أقحم  في وصف لحدث الهجرة على التاريخ حيث ضـُم لمثل ما ملأت به كتب التراث من حشو هازل لا يسمن ولا يغني من جوع، لا يقام به فقه ولا يراد به شرع، وما وضعه الوضاعون من مغرضو اليهود ومتأسلمة الفرس ، إلا لشغل المسلمين بالتافه من الأمور، وتجعل المسلمين في خلاف وشقاق وشرّذمة وتفرق إلى مذهبية بغيضة إلى أن تقوم الساعة، فتذهب ريحهم وتنكسر شوكتهم وتذهب كل جماعة إلى ما تعتقد صحته " كل حزب بما لديهم فرحون".

 

أما آن لنا أن نتسمع قول الله تعالى

 

((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ*)) .

 

((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*وَيْلٌ لِّكُلِّأَفَّاكٍ أَثِيمٍ *يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ*مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ*)) .الآيات من : (6-11) من سورة الجاثية .

 

نعم فد آن لنا أن نسمع ونتسمع ونستمع  إلى أقوال الله في كتابه، ولا يعني ما ذكرناه آنفا أننا نمس مفهوم الدين

وسقوط هذه الروايات ، لا يعني نقص في الدين أو نكوص في الإيمان، فما هي إلا أقاصيص تروى وحكايات تقص، لا يقام بها دليل ، ولا يثبت بها إيمان ، ولا يزداد بها هدى، فما هي إلا مدسوسات من مدعي الإسلام من اليهود، أو كتابات من متأسلمة الفرس، وكلاهما مشكوك في إيمانه ، مـَخشيُُّ منإدعاءه ، مُرتاب في توجهاته، ونسأل الله أن يبعث في هذه الأمة من يأخذ على عاتقه بمهمة تنقية التراث مما علق به من شوائب، ومما شابه من تشويه، محطما بذلك أوثانا فكرية عشنا في كنفها دهورا ودهور، ورفعنا من قدرها إلى مراتب التقديس، حتى صرنا نحاذي بها كتاب الله ، وطار الإدعاء بصحة هذه الكتب إلى أن إقترنت بصحة كتاب الله..!!

ألا من حفيد لخليل الله إبراهيم يمسك بفأس من العلم محطما هذه الأصنام.

 

 

إعداد /           المهندس محمد عبد العزيز خليفة داود

استشاري    تصميم  وبناء نظم معلومات الحاسب الآلي

معهد الدراسات والبحوث الإحصائية  –  جامعة القاهرة

اجمالي القراءات 13407