الألحاد...!
الألحاد...!

غالب غنيم في الجمعة ١١ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

لطالما كنت أتهرب من العودة الى مثل تلك المواضيع، أو لنقل بدقة، الى تلك المراحل من العمر، التي أعتبرها الان مراحل من الجاهلية السوداء، ولقد أثارها الأخ العزيز عثمان محمد علي، ولقد وجدت في دعوته بعض مما شجعني لأكتب عن تلك المرحلة، وكيف يهوي اليها الأنسان؟ وماذا يدور في خلده وفي ثنايا صدره؟

 

كما قلت سابقا، أنني كنت ملتزما فتى غض، لم أبلغ العشرين من عمري بعد، ولم أكن متمكنا من الدين – فالقران كان عالما آخر بالنسبة لي، وبعد بعض المجابهات التي حدثت بسبب قرائتي لبعض الفلاسفة العرب والغرب على السواء، والتي حدثت بيني وبين من كنت أتعلم منهم الدين سواء في المدرسة أو في المسجد – حيث كنت أحضر جلسات كثيرة فيما يسمى علوم الحديث والدين-، وحين لم أجد من يستطيع الأجابة على أسئلتي، بدأت بالتعمق أكثر فأكثر في الفلسفة، فقرأت كل ما وقع بين يدي من الوجودية الى افلاطون الى ابن الطفيل فدارون...الخ، ثم توقفت عند انجلز والفلسفة الماركسيه، وهناك بدأت مرحلة الأنحدار...

 

انا لا أظن أن مسألة الألحاد تبدأ عند الشخص بلا سبب، بل ان أكبر سبب لها هو عدم وجود الأجوبة الشافية والكافية في ديانة ما، أو منع تلك الديانة معتنقيها من نقاش اصول ديانتهم، فان كنت أنا مسلما، فمن حقي أن أعرف الأجابة على أصول ديني وأسسه، وأن لا يختلط علي أمره، والا فديني قاصر، وبالتالي أنا لست بحاجة له، فأرفضه جملة وتفصيلا، وأبدأ بالبحث عن بدائل، وهذا كما أظن ما فعله أبراهيم عليه السلام، فهو لم يجد الأجوبة، ولذلك كان يتنقل من اله (دين) الى آخر، حتى وجد الله، وقبل أن يجدة كاد أن يكون سقيما..فهذه المسائل مرهقة جدا لأنها – والله أعلم- لها علاقة بفطرة الأنسان وصراع بين فجور نفسه وتقواها، وهذا ليس بالأمر اليسير على البشر، خاصة من يبحث عن الحق...وبالتالي، عودة لما كنت أقول، أنني في ذلك الوقت لم أجد الأجوبة الشافية على ما واجهني من العلم الجديد الذي تحدى عقلي بأسألته الجريئه، فهناك من الفلاسفة من يطرح مسائل الحركة والسكون، وهناك من يسأل عن أصل الخالق، وهناك من تعب وهو يناقش مسألة البيضة أم الدجاجة، وهل كانت الكلمة أم الفعل أسبق، ولو استطاع دارون اثبات كيف أن الخلية تكونت لوحدها لأصبحت نظريته تطبيقا، بالأضافة الى الشعور بالنقص أمام الحضارات الأخرى المحيطة بنا، فنحن الأفضل مع أننا الأكثر جهلا والأقل انتاجا وعملا، فبينما نحن نتغنى بالأمجاد الغابرة ولا نذكر من الغرب الا عصورهم المظلمة، هم في ذلك الوقت قد صعدوا الى القمر...

 

لقد اجتمعت في أو لدي في ذلك الوقت جميع العناصر التي دفعتني الى رفض الدين جملة وتفصيلا، فرفضته، وبدأت أبحث عن بدائل، وهنالك بدأت أقرأ للينين- وللعلم فقط فأن لينين هو من رفض الدين وليس ماركس وأنجلز- وأغتقد أن جملته المشهورة "الدين أفيون الشعوب" بالنسبة لي في ذلك الوقت كانت علاجا، وبه اكتمل الحادي..

 

قبل ذهابي الى الأتحاد السوفييتي وحتى نهاية السنة الأولى اللتي تعلمت فيها اللغة، لم يحدث معي تصادم بين الماضي والحاضر عقائديا لأنني كنت أعيش مرحلة النظرية، وفي هذه الفترة كنت مستعدا لنقاش أي متدين واسكاته ببعض الأسئلة اللتي لن يستطيع الأجابة عليها، والصدام كان بعد أن تبينت أن كل ما آمنت به كان كذلك ليس مطبقا، فكل ما طرحه لينين كان مجرد نظريات لم تطبق على أرض الواقع، فتبين لي أن الدين الجديد الذي اعتنقته لا يحوي على الأجوبة الشافية الكاملة كذلك الدين الذي كنت عليه، فحصل الصدام الفكري، وأصبحت النفس خاوية، والوعاء الذي يحتويها يعاني من الفراغ الروحي،فقررت أن أعود للبحث عن الله، ولم أبحث عن الدين لأنني أضعته كاملا، ثم كان ما كان كما قلت في مقالي السابق في البحث عن الأسلام...

 

ان تلك المرحلة اللتي رفضت فيها كل شيء كان أغلبها في الأردن، قبل أن أسافر، وأنا شخصيا أعتبر الألحاد نوع من الفراغ الروحي، حيث لا ينتمي الأنسان لمجموعة تحمل معتقدات ما، بل هو يصرح برفضها، ويبحث عن نقاط ضعفها التي غالبا ما تكون بسبب رفض المجموعة نفسها طرح تلك الأسئلة على نفسها، فتقع تلك المجموعة في الفخ، فبكل بساطة كان باستطاعتي سؤال أحدهم ان كان يستطيع ربكم أن يفعل كذا أو كذا، أن يحمل صخرة أكبر منه، وما هو أكبر هل الله أم عرشه – لاحظ أن كلمة عرش عندهم هي كرسي-  ، وبكل بساطة سيفتح فاه ويصمت، وان قال شيئا فلن يكون منطقيا أو مقنعا، لأنه لا يملك الأجابة، ولأنه نفسه لا يسمح لنفسه بالتفكير في ما هو يؤمن به، وأما مداخل الألحاد على الحديث فهي لا تحصى، فعائشة زوجة نبيكم قادت حروبا ضد المسلمين بعضهم ببعض، وأهلك الصحابة بعضهم بعضا قتلا، فأين الجنة والنار هنا؟ ومن منهم سيدخل والى أين؟....الخ الخ الخ

 

أن الجهل بالمعتنق أسوأ من عدم اعتناقه – مقولتي الخاصة.

 

ان كنت أؤمن بالله، فيجب علي البدء بمعرفته، والتعرف عليه، والأقتراب منه (عقليا) ، ثم علي معرفة ماذا يريد، ولماذا، وماذا يترتب على ذلك، فكان كل ما يلزم هو أن يفتحو تلك الصحف ما بين الدفتين ويقرأوا ما فيها حتى يستطيعوا الأجابة على أي سؤال، وليس ذلك من الصعوبة بمكان، وحينذاك سأجيب على كل الأسئلة، وسأستطيع معرفة الأسئلة اللتي ليس هنالك من داع الخوض فيها لتفاهتها أو عدم جدواها، وسيكون عندي الأساس الذي أرتكز عليه وأبدأ منه، وهنا سيكون عندي ما نسميه بالمسلمات العقائدية والأيمان المطلق ببعض الأمور الغيبية المبهمة بالنسبة لي تفصيلا ولكن واضحة جملة وايمانا لأرتكازها على ما سبقها من علم ومعرفة..الأمر ببساطة يشبه بناء البيت، فأن كان الأساس متينا فستتطاول بجرأة في البنيان، أما ان لم تكن تعرف هل هنالك أساس أصلا فينهار كل ما بنيت أمام أول سيل بسيط...

 

المؤمن الحق لا ينتظر أن يدافع عن ايمانه بالتعليل والتفسير الا بما لزم، بل هو يهاجم الفكر الأخر ومعتقداته، فالله في قرآنه العزيز يهاجم معتقدات المشركين والكفار وأهل الكتاب، فيضرب لهم الأمثال من نفسهم، ويضعهم في مكان لا يستطيعون الأجابة فيه، تماما كما فعل ابراهيم عليه السلام مع أصنام قومه، أنتم اسألوا كبيرهم ولا تسألوني! والله يقول للنصارى أن عيسى وأمه يأكلان الطعام، فقرروا ... وكذلك الكفار من قريش، يسألهم ان كانت الهتهم تمنع الضرر عنهم او تفيدهم...

 

بعد قرائتي للأستاذ أحمد وفقه الله على اتمام طريقه اتضح لي كل شيء، وكل شيء كان أمامي لسنين عديدة، ولكن الأنسان أحيانا يحتاج الى بعض الضوء ليرى الطريق، أقول أنه بعد قرائتي له أصبح كل شيء واضح، حتى أن الملحدين بالنسبة لي شىء لا يذكر، وليس عليك ولا داعي لمجادلتهم، لأن براهينك ليست من معتقداتهم، ففي ذلك الوقت لو جاء كل علماء الأسلام لأقناعي بالأسلام لما اقتنعت لأنني أصلا رفضته جملة وتفصيلا، فالملحد لا يبحث عن اجابة بل عن عقيدة، وان لم يصل للعقيدة وحده فكل من في الأرض لن يزحزحه عن فكره، فالرفض ليس بالأمر اليسير تغييره أوتحويله، وغالبا، بل في الأغلب يقوم الملحد بالنقاش لمجرد التلذذ بجهل الذي أمامه، وأن رأى فيه علما قويا فسيبدأ بجدال لا نهاية له، ولولا عدم رغبتي لأعطيت أمثلة حاضرة من نفس هذا الموقع كأمثلة حية على ما أقول – موقع أهل القران – فقبل أيام، على سبيل المثال المجازي، طرح موضوع، وأجاب كثيرون عليه أجوبة جد ممتازة ومفيدة، ثم ماذا؟! يأتي صاحب الأمر في نهاية الأمر يقول لك "أريد جوابا!!" .. وكأن جهود كل من كتب ووضح وساعد ذهبت هباءا منثورا، ولو أعدت الكرة ألف مرة لأعاد نفس السؤال في النهاية، فأنت تنفخ في قربة مثقوبة، وكذلك الملحد، لا دين ولا عقيدة، فأن كنت هجرت الله نفسه فهل صعب علي هجرانك؟ وان كنت كفرت بالله كاملا فهل صعب علي رفض جوابك؟

 

من هنا أعود فأقول، ان التركيز على ما جاء في بعض مقالات الدكتور أحمد وفقه الله في مهمته ، والتي تركز على اسلوب التعامل والدعوة والنقاش هي أقوى المقالات اللتي تفيد الأنسان في نقاشه مع مثل هؤلاء من الملحدين أو الذين لا يبغون الهداية، لا أذكر اسماء تلك المقالت ولكن سأذكرها لاحقا في تعليق هنا، فالله ينهانا عن الجدل الذي لا يجدي نفعا بتسليم الأمراليه،وان كان الرسول لا يستطيع أن يهدي من أحب فكيف نحن نستطيع ذلك؟

اجمالي القراءات 10577