إباحة نكاح النساء المسلمات من رجال أهل الكتاب

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

إباحة نكاح النساء المسلمات من رجال أهل الكتاب

إن النكاح في المجتمع الإنساني هو علاقة غريزية تخضع للثقافة ، حيث تقوم الثقافة بتنظيم هذه العلاقة بين الرجال والنساء بقانون ينظم قيام العلاقة ، وما نتج منها ، وما يترتب عليها ، فهذه العلاقة الجنسية موجودة في المجتمع الإنساني قبل الأديان والقانون ، فلم يأت الدين أو القانون ليوجدها ، وإنما أتى لينظم ممارستها في الواقع ويحفظ ما يترتب عليها من تبعات ، لأن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة هي نواة لتأسيس الأسرة ، التي بدورها ترفد المجتمع بالاستمرار كلبنة في بنائه, والأصل في علاقات الناس مع بعضهم هو التعايش والتعارف والتعاون [ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ]الحجرات13

[ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ] المائدة 2 وعلاقة النكاح بين الرجل والمرأة تجسد هذه المفاهيم كونها النواة الأولى لهذا المجتمع ، فيتحقق بهذه العلاقة بين الرجل والمرأة التعايش والتعارف والتعاون المبني على المودة والسكن بينهما, إذاً علاقة النكاح بين الرجل والمرأة علاقة إنسانية تخضع للثقافة .

فالسؤال الذي يفرض ذاته الآن :

هل الثقافة الإسلامية تحرم إيجاد علاقة نكاح شرعي بين الرجل وامرأة من ثقافات مختلفة ؟ أم أن هذه العلاقة لا تتدخل بها الثقافة ؟ أم أنها سمحت بصور دون أخرى ؟! من المعلوم أن الشرع الإسلامي قام على قاعدة [ الحرام مقيد بالنص ، والحلال مطلق ] . أو : [الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص].

والدارس للنص القرآني لا يجد نصاً يحرم نكاح رجال أهل الكتاب من نساء المسلمين ، وانتفاء وجود نص التحريم يدل على الإباحة حسب القاعدة . ومن يقول بحرمة ذلك فعليه أن يأتي هو ببرهان على ادعائه !! .

مع العلم أيضاً أنه لا يوجد نص يبيح نكاح نساء أهل الكتاب من قبل رجال مسلمين ، والنص الذي يعتمد العلماء عليه هو:[ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غيرمسافحين ولامتخذي أخدان]المائدة5

والنكاح المذكور في النص هو النكاح المأجور, المشهور باسم نكاح المتعة, والأولى أن يسمى نكاح الإحصان, لأن المقصد منه هو الإحصان . وهذا النص مثل قوله تعالى : [ وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ... ] النساء 24

فالنكاح المأجور هو نكاح بقصد الإحصان يترتب عليه المتعة للرجل والنفقة للمرأة ، فهو علاج ظرفي للطرفين ، ولا ينتشر هذا النكاح المأجور إلا في مجتمع متفكك ومنهار ، لذلك احتاج أفراده إلى هذا النكاح لعلاج مشكلة نفسية للرجل ، واقتصادية للمرأة ، وربما تتعاكس المشاكل بينهما لظرف ما .

أما النكاح الدائم فقد أتى النص ليدل على عطاء الرجل للمرأة بصيغة ( الصداق ) قال تعالى : [ وآتوا النساء صَدُقَاتِهنَّ نِحلَةً .. ] النساء 4

فنكاح الإحصان ( المتعة ) مأجور ، وله شروط قد ذكرها النص . أما النكاح الدائم فهو نكاح قائم على خطبة الرجل لود المرأة فيقدم لها هدية دون مقابل ، واجب على الزوج ، وحق للزوجة ، لذلك سمي هذا العطاء الواجب (الصداق ) وليس هو أجراً يدفع للمرأة أبداً . إذاً ما حكم نكاح نساء أهل الكتاب من قبل رجال مسلمين ؟ والجواب أيضاً بمثل ما سبق حسب القاعدة الأصولية : [ الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص ] ولم يأت نص يحرم النكاح من نساء أهل الكتاب ، وبالتالي فحكم النكاح منهن مباح ، والعكس صحيح أيضاً ، أو ينبغي تحريم النكاح من أهل الكتاب ، وتحريم نكاح أهل الكتاب من المسلمات !! لأن المسألة متساوية تماماً في الاتجاهين ، فإما الحرام لكليهما ، أو الحلال لكليهما !! .

والمنع من نكاح أهل الكتاب( في الفقه الإسلامي ) للنساء المسلمات ، إنما هو منع اجتماعي ثقافي سياسي ، وليس منع ديني ، وذلك لأن واقع حال المرأة متصفة بالتابعية للرجل فمن هذا المنطلق يخشى المجتمع على نسائه من أن يغيرن ثقافتهن ، غير أن الأولاد تابعون لأبيهم وسوف يحملون ثقافته غالباً ، فأراد المجتمع الإسلامي أن يغلق هذا الباب بإحكام فأعطى للأمر حكم التحريم الديني ، وزرع من حيث لا يشعر الكره والبغض بين الثقافات ! إذ كيف تكون نساؤهم حلالاً لنا ؟! ونساؤنا حراماً عليهم ؟! أما النص الذي يذكره من يقول بتحريم هذا النكاح بين الثقافات ويحصره باتجاه واحد لمصلحته !! فهو : قال تعالى [ ولا تَنْكحوا المشركات حتى يؤمن ....ولا تُنْكحوا المشركين حتى يؤمنوا ... ] البقرة 221

فالملاحظ أن النص يحرم النكاح بالاتجاهين تماماً ، فلا ننكح المشركات ، ولا المشركون ينكحوا المؤمنات . فالنص يتكلم عن المشركين ، فهل مصطلح المشركين في الاستخدام القرآني يطلق على أهل الكتاب ؟! .

لنر ذلك .

قال تعالى : [ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ] البينة 1

وقال : [ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم ] البينة 6

لقد ذكر الشارع أهل الكتاب وعطف عليه المشركين ، والعطف يقتضي التغاير كما هو معلوم ، فمصطلح المشركين في الاستخدام القرآني لا يطلق على أهل الكتاب أبداً . وبالتالي فنص تحريم النكاح من المشركين, والعكس ، لا يتناول أهل الكتاب أبداً . فمن هم المشركون ؟

قال تعالى :[ دينا قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ] التوبة 1

وقوم إبراهيم كانوا يعتقدون بربوبية الكواكب, وأنها أرباب تشارك الرب الأعلى في تدبير أمور الخلق ، وبالتالي لجؤوا إليها بالدعاء والاستغاثة والتعظيم ، وعبدوها مع الله أو من دونه ، وترتب على ذلك وجود سدنة وكهنة نصبوا من أنفسهم أبواباً للتقرب والدخول إلى هذه الأرباب ، فاستعبدوا الشعوب مستغلين عقيدة الشرك بالله العظيم . أما الصورة الأخرى فهي : اعتقاد المشركين بديمومة الحياة الدنيا إلى مالا نهاية ، وبالتالي ينكرون اليوم الأخر, وعملية البعث, والحياة بعد الموت ، ويترتب على تلك العقيدة الشركية سقوط القيم والأخلاق ، فلا يوجد حرام أو حلال ويختفي الضمير والشعور الإنساني!!!...

قال تعالى في وصف حالهم [ نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ] الجاثية24

وهذه الصور الشركية ليست للحصر ، وإنما هي قابلة للتعدد في الحياة الاجتماعية بصور كثير ة ومتنوعة .

قال تعالى:[ إن الشرك لظلم عظيم] لقمان 13. وقال: [ إنما المشركون نجس ] التوبة 28

فالشرك لسان حال واعتقاد للإنسان, حيث يصير منهجاً يكيف سلوكه بحسبه . ووصف الله المشركين بالنجاسة كونهم ناسا لا أمان لهم لانتفاء وجود القيم والأخلاق والمبدأ, فلا يؤمنون على الأنفس والأعراض والأموال ، ولا غير ذلك أبداً . أما أهل الكتاب فهم أصلاً جزء من الدين الإسلامي كونهم أتباع الأنبياء والرسل سابقاً ، ودين الأنبياء والرسل جميعاً هو الإسلام ، فالله عز وجل أنزل ديناً واحداً وشرعاً إنسانياً تراكمياً تكاملياً مع الزمن ، تخلله شرع قومي عيني لكل مجتمع سابق ، فتم استمرار نزول الشرع الإسلامي مع تعديل ونسخ الشرع القومي باتجاه الإنسانية والعالمية إلى أن تم نسخه كاملاً ، وحل محله الشرع الإسلامي بتمامه وكماله حيث تم نزوله كاملاً في الكتاب الأخير ( القرآن ) بخلاف الكتب السابقة فقد احتوت أجزاء من الشرع الإسلامي وليس كله . وبالتالي تم ختم النبوة لاكتمال الشرع الإسلامي ، وتم حفظ الشرع الإسلامي بين نصوص القرآن المحفوظ من خلال ربط خطابه بالواقع بصورة علمية . فأهل الكتاب هم مسلمون تاريخياً قال تعالى : [ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بَنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ] البقرة 132

فدين أتباع الأنبياء والرسل كلهم الإسلام الذي بدأ نزوله منذ نوح عليه السلام مروراً بإبراهيم وموسى وعيسى ، وتم ختمه بالنبي محمد صلوات الله عليهم . فيوجد قاسم مشترك كبير بيننا جميعاً . إذاً مصطلح المشركين لا يشمل أهل الكتاب ، وبالتالي فنص تحريم نكاح نساء المشركين وإنكاح رجالهم من المؤمنات خاص بالمشركين فقط !! .

أما النص الآخر الذي استدل الفقهاء به فهو قوله تعالى [ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ] الممتحنة 10...

فالنص يتكلم عن الكفار ، فمن هم الكفار في المصطلح القرآني ؟ الكفر لغة هو التغطية والانغلاق ، ومن هذا الوجه أطلق على الفلاح وصف الكافر لأنه يغطي البذار في التربة ، وأطلق على الأرض المملوءة بالأشجار والمنخفضة التربة وصف ( الكَفْرْ ) . مما يدل على أن الكفر هو سلوك وعمل لا علاقة له بالاعتقاد فهو لسان مقال وليس لسان حال . فهو كذب وإنكار وإلحاد وعداوة وبغضاء وحقد وإجرام وحرب ضد الحق والعدل والسلام . لذلك ممكن أن يضيف المشرك لنفسه صفة الكفر إذا قام بسلوك كفري ، وكذلك أهل الكتاب ممكن أن يقوم بعضهم باكتساب صفة الكفر إذا قاموا بسلوك كفري . قال تعالى : [ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ] البينة 6

[ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ] البقرة 105

لاحظ جملة [ كفروا من أهل الكتاب ] فليس كل أهل الكتاب كفروا ، وإنما جزء منهم غير معين ، وهم موجودون في كل زمان ومكان ، يتحالفون مع المشركين ضد الحق والعدل والدين ، وأكثر ما يكونون من أهل الكتاب هم اليهود

قال تعالى: [ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ] المائدة 82

أما النصارى فهم أقرب أهل الكتاب للحق والعدل والسلام قال تعالى : [ من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله] آل عمران 113 وقال تعالى : [ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ] المائدة 82

إذاً النص المعني بالدراسة لا يوجد فيه دلالة على تحريم نكاح نساء أهل الكتاب منهم وإليهم ، ومصطلح ( الكفر ) لا يتناولهم جميعاً ، وإنما يتناول مجموعة من أهل الكتاب اختارت موقف الكفر ضد الحق والعدل والعلم ، فهؤلاء الكفار من أهل الكتاب( اليهود الصهيونيين ) هم أعداء للإنسانية جميعاً ، فمن يقوم من المسلمين بالنكاح من نسائهم ؟! أو يسمح لهم بالنكاح من نساء المسلمات ؟!

هل يقوم أهل الحق والعدل بإيجاد علاقات اجتماعية مع أهل الباطل والظلم ؟! .

هذا الذي ذكره النص الشرعي ، تحريم نكاح نساء الكفار ، وتحريم نكاح المسلمات للكفار ، لأن ذلك لو حصل لدخل الكفر إلى أسرة المؤمن أو المؤمنة ، وتعرضت لموقف محرج من كونها تصير عدوة للمؤمنين تعيش مع الكفر ومهددة بتغيير ولائها وانتمائها من صف الإيمان إلى صف الكفر . ومن هذا الوجه أتى قوله تعالى : [ ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ] النساء 141

فالشرك لسان حال واعتقاد ، والكفر لسان مقال وسلوك, وتحريم النكاح محصور في المشركين والكفار فقط لا غير ولا علاقة لأهل الكتاب عموماً بهذين المصطلحين . فالحذر من تعميم إطلاق مصطلح الشرك أو الكفر بصورة عشوائية لأنهما مصطلحان يترتب عليهما أحكام كما لاحظنا . وعودة إلى بدء الموضوع ، فالنكاح بين الرجل والمرأة بصورة شرعية ، هو عمل إنساني محترم ، قائم على المودة والسكن إلى بعضهما ، على أسس التعايش والتعارف والتعاون والاحترام, والقبول بالرأي الآخر المختلف ضمن القيم والأخلاق والإيمان باليوم الآخر ، لا يقهر أحدهما الآخر ويهمشه من الحياة .

*************************************************

اجمالي القراءات 47500