غطاء رأس المراة أو شعرها حكم ذكوري وليس قرآنياً

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

غطاء رأس المرأة وشعرها حكم ذكوري وليس قرآنياً

قال تعالى :

[ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ....وليضربن بخمرهن على جيوبهن] النور 31

إن المدقق في النص القرآني كله لا يجد ذكر كلمة الرأس أو الشعر مستخدمة في النصوص المتعلقة بلباس المرأة ، مما يؤكد ابتداءً انتفاء الدلالة القطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر ، وإن عملية الاجتهاد في مسألة إخراج حكم وجوب تغطية الرأس أو الشعر من القرآن إنما هي نتيجة ظنية أو وهمية !! وهذه النتيجة الظنية المختارة من جهة معينة لا تنف احتمال صواب النتيجة الأخرى . فالدلالة الظنية للنص ملازمة له لا يرفعها عنه كثرة أقوال لرأي دون آخر ، ولا قِدم أحدهما أو تطبيقه في التاريخ واشتهاره ، أو عدم وجود مخالف له في فترة زمنية طالت أو قصرت ، أو تطبيق المجتمع الأول الذي زامن نزول النص إلى غير ذلك من الأمور . فالحجة في النص القرآني بذاته وما يدل عليه .[ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ] الأنعام19 [ قال الذين لايرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله ..]يونس 15

أما السنة فهي طريقة عملية مرتبطة بالشعائر التعبدية ليس وظيفتها التشريع أبداً. قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله [ صلوا كما رأيتموني أصلي ]. أما الحديث النبوي الذي صح سنده ومتنه فهو تفاعل للنبي مرتبط بزمانه ومكانه حسب الأدوات المعرفية له، ولا يصح جعله مصدراً تشريعياً أبداً . قال تعالى آمراً رسوله : [ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ]الأنعام 151 [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولايهتدون ] البقرة 17

إن جميع الآراء الفقهية التي أوجبت غطاء الرأس على المرأة في التراث قد استبعدت القرآن من الدراسة والمرجعية، واعتمدت على فهم وتطبيق المجتمع الأول الذي زامن نزول النص القرآني ، وتواتر هذا التطبيق تاريخياً في كل مجتمع إلى يومنا المعاصر !!.

ولنناقش فهم ودلالة النص القرآني كوننا معنيين بالخطاب مثلنا مثل سائر الناس سابقاً، ولنا فهمنا وتفاعلنا . [ يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً]الأعراف158

ينهى النصُ المرأة عن إبداء زينتها متضمناً بخطابه الأمر بالتغطية لها, واستثنى من الزينة زينة ظهرت من الأولى سكت الشارع عن وجوب تغطيتها وأخرجها من دائرة الوجوب إلى دائرة المباح ، ومن المعلوم أن الشيء المباح لا يجب فعله، وإنما يأخذ حكم التخيير ما بين فعله وتركه ،وذلك راجع لتقدير الفاعل حسب مصلحته إلاَّ إذا كان من الشؤون العامة المتعلقة بالمجتمع فيخضع هذا الإنسان في ممارسة المباح لأمر القانون منعاً أو سماحاً أو إلزاماً، وهو نظام وضعي لا قداسة له قابل للتغيير مع تغير الظروف والمناسبات .

فقال فقهاء التراث : إن الزينة قسمان : قسم أمر الشارع بتغطيته وأطلقوا عليه اسم( الزينة المخفية) . وقسم آخر سمح الشارع بإظهاره وأطلقوا عليه اسم(الزينة الظاهرة) وذهبوا إلى تحديد دلالة كلمة الزينة إلى (مكانية) وهي القسم المخفي من الزينة ، (والشيئية) وهي مواضع الزينة الظاهرة للعيان, فأعطوا الزينة الأولى المخفية حكم وجوب التغطية ، وأعطوا الزينة الظاهرة حكم إباحة الظهور .

وقاموا بتحديد مواضع الزينة الظاهرة من خلال زينة المرأة العربية التي زامنت نزول النص فرأوا أنها : كحل العينين ، وحلقة الأنف ، وقرطي الأذنين ، وموضع القلادة من النحر ، والخواتم والأساور، فوصلوا من ذلك إلى أن هذه المواضع التي هي الوجه والكفين هي المقصودة بالزينة الظاهرة المسموح بعدم تغطيتها .

وقالوا : إن الزينة المخفية هي ما سوى ذلك من مواضع الزينة في جسم المرأة نحو الخلخال وما تضعه المرأة على عضدها وصدرها وما شابه ذلك فيجب تغطيتها وعدم ظهورها .

وبما أن النص القرآني خطاب لكل الناس, وصالح لكل زمان ومكان ,ومضمون حركته إنساني وعالمي،يسقط الاستدلال بتطبيق المرأة العربية, وتقييد دلالة النص بزينتها لأن التاريخ ليس مصدراً تشريعياً، ولا بد من تفعيل النص والتعامل معه بصورة مباشرة .

إن المرأة كلها زينة عدا ( الفرج ) الذي سبق الأمر بتغطيته في قوله تعالى : [ ويحفظن فروجهن ] ويكون الحفظ ابتداءً من الستر والتغطية مروراً بالطهارة المادية والصحية،وانتهاءً بالإحصان، وذلك لأن النص متعلق بمسألة اللباس ، بخلاف النص الآخر الذي هو [ والذين هم لفروجهم حافظون ] فالحفظ يبدأ من الإحصان وينتهي بالستر والتغطية، وفعل ( ظهر ) في النص غير راجع للآخرين ( للعيان ) وإنما راجع للزينة ذاتها فهي زينة ظاهرة من زينة أصل لها [ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها] وإرجاع فعل ( ظهر ) للعيان باطل في واقع الحال لأن المرأة كلها ظاهرة للعيان! وهذا يؤدي إلى تناقض أول النص مع آخره لأن النتيجة سوف تكون أن المرأة لا تغطي شيئاً من زينتها لظهورها كلها للعيان !! . ولو كان المعنى ما ذكروه لأتى النص بصيغة [ ما ظهر لكم ] ولم يأت بصيغة [ ما ظهر منها ].

كما أن مفهوم مواضع الزينة للمرأة متحرك ومتغير من مجتمع إلى آخر ، ومن زمن إلى آخر حسب الثقافات والتطور المعرفي . فما يكون موضعاً للزينة عند مجتمع لا يكون زينة عند مجتمع آخر ،وهكذا يختلف تحديد مواضع الزينة في المجتمعات الإنسانية . مما يدل على بطلان مفهوم الزينة التراثي لعدم المقدرة على تحديدها ، ولذلك طالب أصحاب هذا الرأي بتقييد فهم النص القرآني بفهم السلف ليتخلصوا من حركة محتوى النص ، وبهذا المطلب قاموا باغتيال العقل، وجعلوا النص القرآني قومي مرتبط بثقافة العرب في زمان ومكان محدد ، وأساءوا لإنسانية النص القرآني وعالميته ،فكانوا من الأسباب الرئيسة لانحطاط وتخلف المسلمين عن ركب النهضة والحضارة . أما جملة [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] فقد قالوا : إن الخمار غطاء للرأس مستدلين عليه بأبيات شعر وغيره نحو :

[ قل للمليحة بالخمار الأسود ... ماذا فعلت بعابد متنسك ]

وفاتهم أن استخدام دلالة الكلمة على احتمال واحد وصورة لها في الواقع لا ينفي صحة الاحتمالات والصور الأخرى لدلالة الكلمة . فالخمار غطاء بغض النظر عن مكان التغطية سواء أكان الرأس أم الجسم أم أشياء أخرى، والنص لم يستخدم فعل الأمر بالتغطية أو الستر،وإنما أتى بفعل( الضرب) الذي يدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً. نحو ضرب الأمثال, وضرب الرقاب وما شابه ذلك, كما أن النص لم يستخدم كلمة ( الرأس ) وإنما استخدم كلمة ( الجيوب ) التي هي جمع (جيب ) وتدل على الفتحة بين شيئين . والجيب في الثياب معروف ومن هذا الوجه ذكروا أن الجيوب هي فتحة الثياب من جهة العنق ، وهذا الجيب أحد الصور والاحتمالات في الثياب . انظر إلى قوله تعالى خطاباً لموسى :

[ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ]النمل 12

فدلالة كلمة ( جيوبهن ) هي فتحات في ثياب المرأة , أمر الشارع وشدد على عملية الضرب عليها عندما تضرب المرأة في الأرض سعياً ونشاطاً , أي عندما تريد أن تخرج إلى الحياة العامة يجب عليها التأكد من إغلاق وإحكام هذه الفتحات حتى لا يظهر من خلالها للناس ما أمر الشارع بتغطيته في الأمر السابق بصيغة النهي عن الإبداء [ ولا يبدين زينتهن ... ] .

فأين دلالة وجوب تغطية الرأس أو الشعر في هذه الجملة [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] ؟! إلاّ إذا عدّوا أن الرأس هو جيب ! ! وعلى افتراضهم ذلك لا يصح هذا الاستدلال لتصادمه مع الأمر الذي قبله إذ أتى بصيغة الحصر [لا يبدين .... إلا ما ظهر ... ] والحصر يفيد الإغلاق على ما بعده ولا يسمح بإدخال أحد في المضمون من نص آخر . فما أعطاه الشارع حكم الإباحة بصيغة الحصر لا يمكن أن يأتي نص آخر ويعطيه حكم الوجوب أو التحريم, غير أن الأمر بالضرب بالخمار على الجيوب لا يعني التغطية لغة أو منطقاً رغم حصول ذلك حالاً على الغالب نتيجة لعملية الضرب, ولكن دون قصد لذلك , والمقصود من الضرب على الجيوب هو الحفظ لما بداخلها وليس لما يخرج منها !!

وعندما لم يجد الفقهاء برهاناً قرآنيا لجؤوا إلى مقاصد التشريع ، مع العلم أنهم لايقبلون أن تكون المقاصد مصدراً تشريعياً إلهياً لأن القاعدة تقول : [ لا تكليف إلا بشرع ] [ والأصل في الأشياء ( والأعمال ) الإباحة إلا النص ]

فمفهوم المقاصد يدور مع النصوص الشرعية ضمن علاقة جدلية، وإلا صار مفهوم المقاصد باب لوضع تشريع لا نهاية له ،ويختلف من مجتمع إلى آخر في الزمن الواحد ، ويصير الدين ألعوبة بيد رجال الدين يحرمون ويحللون حسب ما يرون من مقاصد .

أما قوله تعالى : [ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ] الأحزاب 59

فهو ليس نصاً تشريعياً ،وإنما هو خطاب على لسان النبي ليقوم بتوجيه وتعليم المرأة أن تقوم باختيار لباس يحقق لها الحماية من الأذى الاجتماعي ، لأن شكل اللباس يدل على الثقافة ويكون رسالة للتخاطب بين المرأة والرجال ، إما خطاب ثقافي أو جنسي ، وعلى المرأة أن تختار طريقة تواصلها مع الرجال ، وفي حال مخالفة المرأة لهذا التوجيه فعقوبتها ما يصيبها من الأذى أثناء نشاطها الاجتماعي. والنص لايوجد فيه دلالة على غطاء الرأس أبداً .

لذا ينبغي أن تترفع الأمة الإسلامية عن الخوض في معركة وهمية يثيرها الغرب أو بعض فئات من الشرق في هذه المسائل، لأنها ليست من الدين أصلاً !!.

وعدم تقويم الإنسان من لباسه وشكله ، أو الإنكار عليه، فالناس أحرار في حياتهم .

اجمالي القراءات 71171