(مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ )،
بين مبارك وأبى لهب ( 1 )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٢ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ فى المنهج القرآنى  لا ذكر لأسماء الأشخاص ، فيما عدا الأنبياء رسل الله، بل بعض الأنبياء مذكورون بلا  أسماء . وإذا ذكر اسم شخص فهذا الشخص باسمه يصبح رمزا للموضوع الذى جاء فيه . فرعون موسى رمز لكل مستبد طاغية يسعى بظلفه الى حتفه، وقصة الفرعون المستبد تتكرر فى كل زمان ومكان ، ونشهد طرفا منها فى وقتنا الراهن، فى مصير مبارك الذى نرجو أن يكون آخر الفراعنة فى مصر. يكفى أن تقارن صورة مومياء رمسيس فى المتحف والتى يقال انها لفرعون موسى بصورة مبارك فى المحاكمة ـ وهو باختياره الحرّ نائم على السرير يصطنع المرض ، ولكنه يعطى نفس صورة مومياء رمسيس الفرعون فى نهايته .

2 ـ وقد ذكر الله جل وعلا إسم ( زيد ) فى موضوع تحريم التبنى:( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا)(الأحزاب 37 ) فتحول ( زيد ) الى مثال ينطبق على كل ( زيد ) وإتخذ النحويون منه مثالا ، يقولون ( فعل زيد ) أو( ضرب زيد عمرا ). وبالنسبة للضالين من أقارب النبى ـ أى نبى ـ ذكر الله جل وعلا ابن نوح وزوجة نوح وزوجة لوط ، بلا اسماء ، ولكن ذكر اسم والد النبى ابراهيم عليه السلام (  وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ  ) ( الانعام  74)، وذكر الله جل وعلا اسم أبى لهب فى سورة باسمه معلنا لعنه وخلوده مقدما فى النار. يقول جل وعلا : (بسم الله الرحمن الرحيم  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ).

3 ـ وقد يبدو تباعد هائل بين أبى لهب الهاشمى القرشى فى مكة فى القرن السابع الميلادى والرئيس المصرى المخلوع حسنى مبارك  فى مصر الراهنة ، إختلاف هائل فى الزمان والمكان والنسب و معظم الظروف ، ولكن هناك تشابها بينهما نعرض له فى هذا المقال ، يتركز هذا التشابه فى حبّ المال وشرور الزوجة ، واستحالة التوبة. ونخصص هذه الحلقة  للتشابه بينهما فى حب المال .

أولا : أبولهب وحب المال

1 ـ يتضح من قوله جل وعلا عن أبى لهب (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ )، سيطرة حب المال عليه ،وأنه كان ذا مال ، وانه وهب حياته فى تحصيل ذلك المال ، وفى سبيله وقف ضد الاسلام ، بل فى سبيل المال تناسى قرابته لابن اخيه النبى محمد عليه السلام. هناك من الهاشميين من ظل مشركا فى مكة مثل العباس عم النبى ، ولكن العباس امتثالا لثقافة العصبية وقف مع ابن أخيه ، ووقف كل بنى هاشم ضد قريش مع محمد حين حوصروا وقوطعوا فى شعب ابى طالب . وقفوا مع محمد بغض النظر عن الدين إمتثالا للعصبية للنسب ، لم يشذ عنهم سوى أبى لهب الذى كان انتماؤه لماله أقوى من أى دافع آخر. لذا كاد يصيبه الجنون حين تواترت الأنباء بتربص المسلمين لقافلة قريش عند بدر . كان أبولهب من أكثر المساهمين فى تلك القافلة فهو الذى استولى على أموال وممتلكات أقاربه الهاشميين بعد هجرتهم ،وهو الذى استولى على أرصدتهم المالية فى الايلاف القرشى فى حصص تجارة الشتاء والصيف. وعاش على أمل هزيمة المسلمين فى بدر فلما عرف بنبأ هزيمة قومه مات حسرة.س

2 ـ  وصدق فيه قوله جل وعلا (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ). فما أغنى عنه ماله حين مرض وحين مات بالحسرة حزنا على هزيمة قومه ، بل إن أمواله فى القافلة حين عادت اليه لم يعطه المرض والموت وقتا ليفرح بها . ويوم القيامة سيصلى نارا وصفها من إسمه ،أى ذات لهب.

3 ـ وترك أبو لهب عارا لا ينمحى لاولاده واحفاده الذين أسلموا ، فاضطروا الى التوارى بين سطور التاريخ بينما صاحبت الشهرة والمجد بقية الهاشميين خصوصا من أبناء وذرية أبى طالب الذى أفنى حياته فى رعاية ابن أخيه ، فى تناقض واضح وصارخ لمسلك أخيه أبى لهب . 

ثانيا : مبارك وحب المال 

1 ـ ( محمد حسنى مبارك ) يحتاج الى قاموس لتعداد مساوئه ، ولكن الأصل فيها كلها هو شراهته للمال. شراهته للمال هى التى جعلت منه مستبدا وضيعا ومتسولا من أمراء الخليج وأثريائه ، دون أى إحساس بكرامة منصبه ، وأهمية مصر ومكانتها . شراهته للمال جعلته مختلفا عن بقية المستبدين الذين تعطيهم السلطة المطلقة عزة ـ ولو زائفة ـ وغرورا ولو مصطنعا . السلطة بالنسبة لمبارك كانت مجرد وسيلة للحصول على المال ، وفى سبيل المال كان ينسى منصبه ويتحمل رزالات وسفاهات القذافى مثلا ، ولا يتحرج هو أو زوجته أوأولاده من السرقة المكشوفة ، ولا يجد بأسا من التطامن لأى ثرى طالما يطمع فى أخذ مال منه. 

عاش الامير ترك بن عبد العزيز وزوجته يعيثون فى مصر فسادا وإجراما ويهينون المصريين، وتنتقدهم الصحف المصرية وترتفع صرخات المصريين ومبارك يبتسم . قبلها كان الأمير ترك وزوجته فى تونس فمارست الزوجة بعض الانفلات فأمر الرئيس التونسى بن على بطردهم فورا . هذا هو الفارق بين مستبد يعبد السلطة ويستشعر بها عزة فى النفس وغرورا يجعله يثور لكرامة وطنه ومواطنيه وبين مستبد وضيع   يعبد المال ويصل به جشعه للمال الى إهانة نفسه وبلده ، وهولا يحس ولا يشعر ولا يهتم . إذ كان مبارك لا يأبه بأى نقد ، فتح حرية الصحافة بقدر غير مسبوق من حكم العسكر، ولسان حاله يقول : قولوا ما تشاءون وانا افعل ما أشاء، فلم يكن يعنيه إلا مقدار ما ينهب وما يسرق وما يتسول .

2 ـ فى العلاقة بين السلطة والثورة فإن مبارك يعتبر فريدا بين قطيع المستبدين . المستبد ينشد السلطة والثروة ويشترى الشهرة ، ومعظم المستبدين يجعل السلطة فى المقدمة ، وتتبعها الثروة والشهرة ، عبد الناصر كان تركيزه على السلطة ، وتطرف فيها فطمع وطمح لأن يكون حاكما مستبدا للعرب جميعا . صدام والقذافى سارا جزئيا على طريق عبد الناصر ولأنه ليس لهما زخم زعامة عبد الناصر و حب الجماهير له فقد عوضا ذلك بسرقة البلايين تأمينا للمستقبل . وعلى نفس النسق يسير معظم المستبدين وأتباعهم فى كل زمان ومكان ، كل منهم يرى المال وسيلة لا غاية ، يجمع المال لكى يؤمّن نفسه، لا يفترق فى ذلك خلفاء الأمويين والعباسيين عن بشار الأسد وعبد الله الاردنى والسعوديين  . شذّ عن هذه القاعدة قليلون منهم عبد الناصر والسادات ومبارك . عاش عبد الناصر فقيرا نزيها ومات فقيرا نزيها ، إنشغل عن المال بتحقيق حلمه فى أن يكون الحاكم بأمره للعرب جميعا. وانشغل السادات بولعه بالشهرة ، إذ كان السادات فى حقيقته ممثلا يعشق انبهار الناس به وملاحقة الاعلام له ، فعاش (يمثل ) دور الرئيس الى أن مات قتيلا أمام أعين العالم فى فيلم درامى حقيقى قد لا يتكرر فى خيال مبدعى السينما. مبارك هو الآخر فريد من نوعه بين المستبدين . هو لصّ خسيس بدرجة رئيس . كان مستعدا لفعل أى شىء بسبب ولعه بالمال. المال كان ـ ولا يزال ـ عشقه الأكبر. ولازمه هذا العشق للمال من بدايته الى نهايته.

المستبد العادى من فئة الدرجة الثالثة التى ينتمى اليها مبارك يعرف إن المال يأتى تبعا للسلطة وعلى قدرها، فضابط البوليس يبدأ بسلطة لا تلبث أن تتحول الى ثروة ، وتزداد هذه الثروة كلما ترقّى وزادت سلطته ، وهو يتمتع بالسلطة قدر تمتعه بالثروة. ولكن مبارك جعل الثروة هى الأساس ، وكل طموحه كان فى تجميع الثروة ، وسعيه للترقى الذى وصل به الى رئاسة جمهورية مصر كان بهدف جمع واكتناز المال ، وعمله فى التوريث كان لضمان استمرار اكتناز المال لاسرته ؛ ولديه وأحفاده .

3 ـ فى سبيل المال يمكن تفسير سلوك مبارك مذ كان طالبا الى الآن وهو ممدد على سرير فى المحكمة .  ولد حسنى مبارك فى بيئة متواضعة شأن معظم المصريين ، وأوتى قدرا متواضعا من الذكاء لم  يؤهله لدخول كلية عالية المستوى كالطب والهندسة ، فكان الأمثل له فى الالتحاق بكلية عسكرية ليس فقط لأنها تناسب ظروفه المالية والاجتماعية ومستوى الذكاء ولكن الأهم إنها ستعطيه سلطة ونفوذا، وهو يريد النفوذ ليصل الى النقود .. أعطى كل حياته لعمله ، كان يظل فى الكلية دون أن يسافر الى قريته أو الى اهله  ليوفر النقود، وبعد تخرجه كان يبيت فى محل عمله ،و بعد زواجه اعتاد ان يكون أول من يأتى للعمل وآخر من يغادر. عرف الركوع لمن يملك ترقيته ، واستخدمهم سلالم للصعود ، وحالما يصعد الى درجة فى السلّم يرفس من أوصله اليها. السادات ومبارك من محافظة المنوفية، مبارك كان يزور السادات فى قريته ويتقرب منه ،فأوصل السادات إسمه الى الدائرة الضيقة فى عصر عبد الناصر. فترقى بسرعة الى أن إختاره السادات نائبا له وردّ فضل السادات عليه بقتل السادات،وستكشف الأيام عن ضلوعه فى اغتيال السادات .

4 ـ مبارك كان يتفانى فى تنفيذ الأوامر مهما بلغ شططها . مبارك هو المسئول عن قتل عشرات الألوف من السودانيين المدنيين الأبرياء من أتباع حزب الأمة فى جزيرة أبا ، ضربهم بالقاذفات السوفيتية دون رحمة أملا فى رضا عبد الناصر فاستحوذ على إعجاب عبد الناصر. وفى مؤامرة سرية أخرى انتهى به الأمر الى الاعتقال فى المغرب . بالطاعة المطلقة ترقى مبارك بسرعة صاروخية متخطيا الكثيرين من أساتذته. بجانب طاعته المطلقة لرؤسائه ساعده كونه فى سلاح الطيران ، لأن الرؤساء المستبدين يخشون سلاح الطيران ، فهو السلاح الأسرع الذى يمكن به تدمير الرئاسة والرئيس، فلا بد من أن يكون قادة سلاح الطيران من الموالين للرئيس المتفانين فى طاعته، وفى هذا تفوق مبارك على الجميع نفاقا وتملقا وركوعا وسجودا. زاد على ذلك أنه عمل معلما للطيارين ، واستاذا لدفعات منهم ، وصاحب تأثير عليهم .

5 ـ فى معركته للوصول الى الرتب العليا ـ وهو ضابط ـ كان كعادته بخيلا مقترا الى درجة النذالة. رفض أن ينفق على والدته فاضطرها الى رفع دعوة عليه،واضطر مبارك خوف الفضيحة لأن يدفع لأمه بعض المفروض عليه. وقد عثر المحامى نبيه الوحش على أوراق هذه القضية فى أدراج المحاكم ونشرها.  

6 ـ وبوصوله الى رئاسة مصر حافظ على أن يظل راكعا لأمريكا واسرائيل حتى يستمر فى السلطة ويستمر فى نهب الثروة . أدرك أن استمراره مرهون برضا أمريكا واسرائيل عنه ، فقدم لاسرائيل ما لم تحلم به، ووصل خضوعه لأمريكا واسرائيل الى درجة العمالة و التجسس على حماس وايران ،بل والمصريين أنفسهم ، فقد باع للمخابرات الأمريكية قاعدة البيانات لكل المصريين والتى على أساسها تم عمل الرقم القومى للمصريين ، وجعل سجون مصر وكر تعذيب لضحايا المخابرات الأمريكية من المصريين وغيرهم ، يقوم زبانيته بتعذيبهم واستنطاقهم لصالح أمريكا. ولازالت فضائحه تتكشف فى عمالته لاسرائيل وأمريكا ، ومنها التغاضى عن حقوق الأسرى المصريين الذين قتلتهم اسرائيل ، بل أصبح المتهم فى تلك المذبحة صديقا مقربا لمبارك ، ومنها التغاضى عن حقوق مصر المرتبطة باتفاقية كامب ديفيد ، واهمال حقوق الفلسطينيين ، ومنها المشاركة فى اسقاط طائرة مصر للطيران أثناء عودتها من أمريكا الى مصر وعلى متنها ضباط مصريون متميزون، وسيتكشّف المزيد من فضائحه . لذا عاش نصف رئاسته فى شرم الشيخ تحت حماية اسرائيل لأنه كان ( الكنز الاستراتيجى ) لها كما قالوا عنه.

نهمه للمال وصل به الى هذا الحضيض من العمالة للمخابرات الأمريكية والاسرائيلية، فمنذ تعيينه نائبا للسادات وهو يستغل منصبه فى العمولات عبر تجارة السلاح والتعامل مع المخابرات الأمريكية عن طريق صديقه حسين سالم . وظهر الآن أن وزير المالية يوسف بطرس غالى كان وزير مالية مبارك ، يقوم عنه بغسيل أمواله وقبض عمولاته وتشغيلها فى شركات ومؤسسات بمساعدة المخابرات الأمريكية التى قامت بتجنيد يوسف غالى جاسوسا على مصر وبعلم مبارك ، بل وتم تعيينه سريعا وهو شاب لكى يقوم بهذا الدور لمبارك.

7 ـ بات من المعروف عمالته لاسرائيل ، ظهر هذا بسقوطه وحسرة اسرائيل عليه ومدح قادتها له بما لم يقال فى أى شخص عربى مسلم . وظهر هذا أيضا فى إغتياله لأشرف مروان المتهم هو الآخر بعمالته لاسرائيل ... أحد قادة الموساد هوالذى فضح أشرف مروان وكشف تجسسه على مصر ودوره فى حرب اكتوبر . كان مستحيلا أن ينكر أشرف مروان التهمة أو أن يتحدى أسياده فى الموساد ، فلم يبق له دفاعا عن نفسه إلا أن يكتب مذكراته ويكشف (مبارك) الجاسوس الأكبر ليدارى فضيحته الشخصية ، وعندما علم الجاسوس الأكبر أمر بقتله وسرقة أوراقه حتى لا ترى النور.وقتلوا أشرف مروان بالطريقة المصرية المألوفة فى شرفات لندن . من المستحيل أن تقتل اسرائيل عميلها أشرف مروان لو كان جاسوسا مزدوجا ولاؤه لمصر وليس لاسرائيل ، فقد عاش أشرف مروان فى لندن تحت سمع الموساد وبصرهم متمتعا برضاهم عنه ، وتعاملهم معه.

8 ـ وفى الوقت الذى كان يركع فيه لاسرائيل وأمريكا كان مبارك متعجرفا بذىء اللسان فى تعامله مع المصريين القريبين منه ، بداية من صفوت الشريف ووزير الداخلية الى العاملين فى خدمته فى القصر الجمهورى. ويشهد العاملون البسطاء فى القصر الجمهورى كيف كان بخيلا مقترا متعجرفا فى التعامل معهم .

9 ـ وفى سبيل المال لم يتحرج مبارك أن يتسول من حكام الخليج ويطلب هداياهم ناسيا إنه يمثّل (مصر ) بكل شموخها وتاريخها وحضارتها ودورها ومكانتها.بل باع نفوذه فى مصر لهم ، وباع لهم مكانة مصر ودورها وريادتها ليقودوا العرب والمسلمين بدل مصر . لم تسلم أرض مصر ومواردها فكان يبيعها لأثرياء الخليج بأبخس الأسعار مقابل رشاوى وهدايا . بل وصلت به النذالة والدناءة والخسّة الى بيع المصريين للخليجيين الأثرياء من الحكام وغيرهم، فمهما بلغت معاناة المصريين فى دول الخليج  فلا مدافع عنهم ، وابواب السفارات المصرية موصدة فى وجوههم . والخليجى له حصانة فى مصر وفى بلده فيما يختص بتعامله مع المصريين .يستطيع أن يظلم المصرى وهو آمن من المساءلة والعقاب لأن مبارك وبوليس وسفارات مبارك مبارك فى خدمة الخليجى يضعه فوق المصرى داخل مصر وخارجها . والمصرى فى الخارج والداخل مهان  بسبب مبارك وجشعه . فى كل الأحوال هو سلعة ينتفع بها مبارك ويضحى بها فى أى صفقة مع أى حاكم . كان صدام يقتل المصريين بالالاف ويتفنن فى ارسال جثثهم تحمل آثار التعذيب الى مطار القاهرة ، وحين يقال ذلك لمبارك كان رده ( وما الذى دعاهم للذهاب الى هناك ) ، وظلت حقوقهم ضائعة حتى بعد سقوط صدام الى أن سقط مبارك فبدأ السعى لاستردادها .نفس الحال مع القذافى وتقلباته حين كان يختلف مع مبارك يسلط نقمته على المصريين فى ليبيا ، ومبارك لا يهتم إلا بمراضاة القذافى والتسول منه..

المصرى كان إذا هرب من ظلم الخليجيين وعاد الى بلده وأراد الخليجيون اعادته والانتقام منه وجدوا فى مبارك خادما مطيعا . نشرت الصحف أن أميرة خليجية أحبت شابا مصريا فأعرض عنها خوفا من أسرتها ، ولكنها طاردته فهرب الى مصر فلحقت به ، وتزوجا ، والشاب المسكين تخيل إنه فى بلده التى ستحميه من غضب أسرة زوجته ، ولكنهم لحقوا به فى مصر ، إذ أن بوليس مبارك اعتقله وعذّبه وأهانه أمام زوجته الأميرة وارغموه على طلاقها .!!

فى السعودية كان شاب مصرى يعمل ومعه زوجته ، فكر زملاء الشاب فى العمل ـ وهم سعوديون ـ فى إغتصاب زوجة الشاب المصرى ، جعلوا صاحب العمل يرسله فى مهمة يغيب فيها عدة أيام ، وفى الليل  إقتحموا شقته واغتصبوا زوجته . عاد الشاب فحكت له المسكينة ما حدث. قام الشاب بتسفير زوجته وصغاره سرا وسريعا ، وعاد الى العمل مبتسما سعيدا فاقتنع الجناة أنه لم يعرف بما حدث ، بكل سرّية قام الشاب بتحويل كل أمواله الى مصر،وحجز التذكرة للسفر، وفى ليلته الأخيرة وقبيل أن يركب الطائرة دعا الجناة الى سهرة فى بيته ، فجاءوا فقتلهم ، وأغلق الشقة وهرب الى مصر. بعد إكتشاف الأمر كان الشاب المصرى فى بيته سعيدا آمنا . لم يطل شعوره بالأمان ،لأن السلطات السعودية أمرت مبارك بالبحث عنه واعتقاله وترحيله الى السعودية ، وأطاع مبارك وارسل لهم الشاب ليقطعوا رأسه بالسيف  علنا .!!

نحن أهل القرآن اضطهدنا مبارك تنفيذا لأوامر سعودية ، وكان معروفا أن السفارة السعودية وأمن الدولة وتعليمات رابطة العالم الاسلامى السعودية هى التى تتخصص فى متابعة ( ملف القرآنيين ). وبالتالى فإن آلاف المصريين الشرفاء المسالمين من أهل الفكر القرآنى يضطهدهم مبارك أو يبيعهم فى سبيل المال لارضاء سادته من السعوديين. شعور هائل بالعار حين تكون مواطنا صالحا فى بلدك ، وترى حاكمها يضطهدك تنفيذا لأوامر من حكام بلد آخر.

10 ـ سلطة مبارك المطلقة كانت فى خدمة ولعه بجمع المال يعززها انه كان لا خلاق له ولا مروءة ولا شهامة ، فالذى يرفض الانفاق على أمه فى شيخوختها ماذا تنتظر منه ؟ والذى يقطع صلته بأهله وقرابته وقريته لايمكن إلا أن يكون مناعا للخير.

سلطة مبارك المطلقة جعلته يحمى ثروته بالتطرف فى استعمال التعذيب للمصريين ، وبالتعذيب تحققت المساواة الفعلية بين المصريين خارج الدائرة الضيقة من حاشية مبارك . قاسى كبار وصغار المصريون من ماكينة التعذيب الممنهج فى عصر مبارك حتى يسكتوا عن سرقات مبارك وحقارة مبارك.

سلطة مبارك المطلقة والتعذيب الممنهج أعطى للبوليس المصرى سلطة هائلة مستمدة من مبارك نفسه. وصار لجنرالات البوليس نفوذ هائل وفساد هائل مستمد من المفسد الأكبر. وتصارعوا فيما بينهم ، والفائز هو من كانت صلته أكبر بالنفوذ السعودى فى مصر. مثلا ، كان العادلى يريد الانتقام من وجدى الذى تولى الداخلية بعده، ولكن الذى حمى وجدى من عادلى هو صلة وجدى بالوليد بن طلال وأمراء سعوديين . أى كان نفوذ الوليد بن طلال فى مصر أقوى من سلطة وزير داخلية مبارك ، بل كانت سلطة الوليد بن طلال فى مصر أقوى منها فى السعودية نفسها ، والسبب إنه اشترى مبارك بماله ، مع إن ثروة مبارك وأسرته أكبر من ثروة الوليد بن طلال ، ولكنه الجشع و دناءة النفس والخسة والنذالة .  

وفى النهاية

1ـ خلال حكم مبارك عانى عشرات الملايين من المصريين القهر والفقر ولقى ملايين  المصريين حتفهم من الأوبئة والتلوث والكوارث ، وفى نهاية حكمه تقاتلوا فى طوابير الخبز، ومبارك مشغول بمضاعفة بلايينه . وفى النهاية رأه العالم وهو ممدد على سرير فى المحكمة يستجدى الشفقة والرثاء فلم يحصل إلا على الاحتقار والاستهزاء .

حقّ عليه قوله جل وعلا فى (الرمز) أبى لهب (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) .

2 ـ قام مبارك فى أيامه الأخيرة بتهريب أمواله وجواهره الى الخارج فى اوربا وامريكا واسرائيل والسعودية و الامارات وعمان وغيرها ، بالاضافة الى امواله الخفية التى تم غسيلها فى الشركات والمؤسسات والتى يسيطر عليها أتباعه من شتى الجنسيات . هؤلاء من مصلحتهم جميعا ألاّ يحصل مبارك على مليم من تلك الأموال التى هى تحت أيديهم ، وهم على استعداد لقتله لو واجههم يطالبهم بتلك الأموال . كانوا يهابونه وهو رئيس مطاع يستخدم ادوات الدولة المصرية فى السرقة والتهريب وارهاب المافيا من اتباعه. الآن أصبح  وحيدا ضعيفا خاويا مشدودا الى سرير  .  وعلى فرض أنه أصبح مطلق السراح فحياته ستكون فى خطر من عملائه الذين يسيطرون على أمواله والذين جاءتهم فرصة الاستيلاء عليها وهى بالبلايين ، وأرقامها ومستقرها ومستودعها من الأسرار التى لا يعرفها من البشر سوى مبارك وآله وأولئك المافيا . إذن لا سبيل لمبارك فى أن يستعيد أمواله لو اكتسب حريته حتى لو عاد اليه شبابه . ولكن الواقع المنظور يؤكد إنه لن يخرج من السجن إلا الى القبر. واضح تطويل أمد محاكمته الى أن يغسل جنرالات العسكر أيديهم من ذنبه وسيتركون مشكلته الى حكومة مدنية يسيطر عليها الاخوان والسلفيون ضحايا مبارك وأشدهم له عداوة ، وبالتالى ستتحول الى محاكمة سياسية له ، تحكم بموته خصوصا مع فقدان الأمل فى استعادة معظم أمواله المهربة . ثم إن كل يوم يمرّ تتكشف فضائح مبارك وتهوى سمعته الى الحضيض أكثر فأكثر ، وفى النهاية سيصبح فى نظر المصريين جميعا مجرد جيفة لا بد من دفنها تخلصا من نتن ريحها . وسينتهى أولاده وحاشيته الى التعفن فى سجن يمضون فيه بقية العمر محاطون بالاحتقار . أما المال الذى نهبوه وعذبوا فى سبيله الابرياء فلن يغنى عنهم شيئا ، ضاع منهم من الآن ، فقد ارتبط بالسلطة ، وحين هوت السلطة هوت معها الثروة ، وحين تبدد النفوذ ضاعت النقود . وما أغنى عن مبارك ماله وما كسب .

آخر السطر

هو درس ـ لو تعلمون ـ عظيم ، ايها المستبدون الفاسدون !! ..

 

اجمالي القراءات 13378