بين بلال الأشعرى وحسنى مبارك

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٥ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

اولا :بلال الأشعرى بين سطور التاريخ  :

1 ـ بلال بن ابي بردة الأشعري هو حفيد الصحابى المشهور ابي موسي الأشعري وابن قاضى الكوفة أبى بردة الأشعرى  . بلال هو أحد الولاة الأمويين المشهورين بالظلم ، كان أحد أنياب الأمويين فى القهر ، ثم كان أحد ضحاياهم أيضا.

2 ـ بلال الأشعرى من الشخصيات التي برزت ثم إختفت بين سطورالتاريخ الأموي فيما بين البصرة والكوفة والشام ،وفيما بين عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الي عهد الخليفة هشام ابن عبد الملك. دخل بلال الأشعرى الي دائرة الضوء حين تولي البصرة سنة 109 هـ اثناء ولاية خالد القسري علي العراق الي ان عزل الخليفة هشام صديقه خالد القسري عن العراق سنة 120هـ، وهنا بداية محنة بلال الشعرى وخالد القسرى ومقتليهما علي التوالي سنة 126 هـ في ولاية يوسف بن عمر الثقفى علي العراق.

3 ـ إرتبط تاريخ بلال الأشعرى من صعود وهبوط  وتوليه الامارة ثم عزله وسجنه وقتله بتطورات الصراع القبلي داخل الدولة الأموية بين القبائل اليمنية من جهة وزعيمها خالد القسري والقبائل المضرية القيسية وزعمائها من ثقيف وتميم وقريش ، فترتب عليه صعود بلال  ابن ابي بردة الأشعري ـ الذي ينتمي الي القبائل اليمنية القحطانية ـ مع علو نجم خالد القسري وولايته علي العراق، ثم ضاع معه حين عزل عن العراق وتولاه يوسف بن عمر الثقفي المضرى.

4ـ واذا كان هشام بن عبد الملك وخالد القسري وقبلهما عمر بن عبد العزيز يحتلون الصدارة فى تلك الفترة من التاريخ الأموي فأن بلال الأشعرى لم يجد له موضعا إلا بين سطور التاريخ ، شأنه في ذلك مثل بقية رفاقه من الصف الثالث من الشخصيات التاريخية ، بعد الصف الأول ( الخلفاء) ثم الصف الثانى (كبار الولاة )مثل خالد القسرى زعيم القبائل اليمنية وقتها ، ثم يأتى ولاة المدن الهامة شأن بلال الأشعرى .الا ان بلال بن ابي بردة الأشعرى تميز بين شخصيات الصف الثالث بقصته الفريدة والغريبة ، والتى صارت نوادر ذكرها عنه المؤرخ ابن الجوزي في كتابه (اخبار الأذكياء )كما ذكر المؤرخ صلاح الدين خليل الصفدي ترجمة له في كتابه (الوافي بالوفيات )هذا علاوة علي ما تردد في تاريخ الطبري وغيره عنه وعلاقته بخالد القسري .

5ـ وأهم المحطات فى التاريخ المذكور عن بلال يتركز في ثلاث نقاط: الأولي محاولته خداع الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حتي يوليه الخليفة العراق، إلا ان الخليفة العادل  كشف لعبته عن طريق علاء بن المغيرة ومنع أن يتولى عملا  للدولة، والثانية علاقته بخالد القسري التي جعلته يتولي البصرة في اطار الصراع القبلي في العراق بين قبائل اليمن وقبائل مضر ، والثالثة عزله ونهايته المأساوية حين سجنه الوالي الجديد يوسف بن عمر الثقفي في القصر الذي اشتراه بلال لنفسه في الكوفة، ومحاولة بلال الفرار عن طريق الزعم بأنه توفي وبالأتفاق مع السجان ولكن صمم يوسف بن عمر الثقفي علي غير عادته بأن يري جثة بلال بنفسه فأضطر السجان لقتل بلال .وهذه هي أهم الحقائق التاريخية عن بلال الاشعري .

6ـ هذه الحقائق التاريخية وغيرها عن حياة بلال الأشعرى عنصر جذب درامى هائل قلما يتوفر حتى للشخصيات التاريخية من المستوى الأول ، فليس مهما وضع الشخصية التاريخية ، فى الصدارة أم فى القاع ، الأهم هو الجوانب الدرامية والانسانية التى تجذب المشاعر و تتلامس مع القلوب . وهكذا كان بلال الأشعرى فى تاريخه المتناثر بين آلاف التفصيلات التاريخية فى تاريخ الطبرى وابن الأثير وابن الجوزى ، وغيرهم . وتكفى نهايته ، فبعد اشتهاره بالظلم فى ولايته تأتى محنته ، وبعد أن يسرق الكنوز ويبنى قصرا يخبىء فيه كنوزه تداهمه المحنة قبل أن يفتتح هذا القصر وقبل أن ينعم فيه، وتكون المفارقة أن يتحول قصره المنيف بعد تجهيزه الى سجن ، ويكون هو أول مسجون فيه ، وبعد تعرضه للتعذيب داخل قصره السابق وعلى يد من كانوا أتباعا له ، يرتب معهم خدعة تمويه بزعم موته ، ولكن تشاء الصدفه أن يصمم الوالى الجديد يوسف بن عمر الثقفى على أن يتأكد بنفسه من موت بلال ، فيضطر السجان الى قتل بلال حتى لا ينكشف أمره ،أى إن بلال التعس حين عاش على أمل الفرار بحياته على يد السجان الذى كان له خادما من قبل فوجىء بنفس السجان خادمه السابق يقتله وهو يبكى خوفا من إفتضاح أمره . لذا كان عنوان الفيلم التليفزيونى ( الأشعرى  التعس ). وهو رمز لكل حاكم ظالم تعس ، وكل حاكم ظالم هو تعس فى الحقيقة لأنه يجنى على نفسه قبل أن يجنى على شعبه .

7ـ وتحت عنوان ( الأشعرى التعس ) كتبت سيناريو فيلم تليفزيونى ، وبمساعدة المبدع وحيد حامد توصلت الى من كان مسيطرا على قطاع الانتاج فى التليفزيون المصرى ، فأوصل السيناريو الى قسم الرقابة . و رأيت نفسى هناك فى مواجهة مع فتاة حديثة التخرج تعتذر لى عن عدم الموافقة لأن السيناريو فيه مساس بحفيد صحابى جليل هو ( أبو موسى الأشعرى )، مع إعرابها عن إعجابها بالسيناريو وشخصياته وأحداثه. 

أخيرا :

بلال الاشعرى التعس يذكّرنا بتعس آخر هو حسنى مبارك . هناك أوجه تشابه بينهما ،  إن كليهما كان ظالما باغيا ، وكان فى نفس الوقت تابعا ذليلا لقوة أكبر منه ، وأنهما تعرضا للذل فى نهاية حياتهما . إلا إن التشابه الأكبر بينهما فى المرحلة الأخيرة فى حياتهما : بلال الأشعرى التعس أقام قصرا منيفا لمتعته فكانت فيه نهايته . حسنى مبارك التعس بنى أكاديمية الشرطة لتحميه وليربى فيها كلاب حراسته فكان فيها مهانته، وربما يأتيه الحظ فيموت على سرير نقالته، بدلا من أن يحاول المناورة والخداع مثل الأشعرى فينكشف أمره ويضطر الجنرالات الى قتله .

السطر الأخير

كل حاكم مستبد يفقد عقله بمجرد التصاق مؤخرته بالكرسى . ويحتاج الى عملية جراحية دقيقة لفصله عن الكرسى. والعادة أنه يظل يقاوم بكل ما أوتى من غباء وعناد، وكلما إستغبى وعاند إزدادت محنته وعانى وكابد . هذا فى المستبد الذى يطرأ عليه الغباء عندما يتولى الحكم ويمارس الاستبداد . فما بالك إذا كان غبيا بالفطرة ؟ ..لا رأيتم مكروها فى غبى عنيد بليد لديكم ..

اجمالي القراءات 5028