الأردنُ والملكيّةُ المُكْلِفَةُ

د. شاكر النابلسي في الأحد ٠٣ - يوليو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

يُعتبر الأردن من الدول العربية الفقيرة غير المنتجة للبترول، والتي تعتمدُ في ميزانية الدولة السنويةاعتماداً كبيراً على الإعانات الدولية، والهبات، والمساعدات الخارجية. وهذا أخطر ما في الموضوع. فالشارع الأردني يتحدث دائماً عن مبالغ بملايين الدولارات، تتبرع بها دول أوروبية وآسيوية وعربية، ولا تدخل خزينة الدولة، ولكنها تذهب لحسابات الرؤوس الكبار في الدولة، فلا يُعلن عن قيمة هذه التبرعات في أغلب الأحيان، مما يستفزُّ مشاعر الدول المتبرِعة، ولوم الدولة الأردنية على ذلك، وعدم منح الأردن في المرات القادمة أي نوع من المعونات.

 ومن الملاحظ، أن الشارع الأردني قلما يُخبَّر بقيمة هذه المعونات والجهات الخارجية التي تبرعت بها. و"منظمة الشفافية الدولية" تعلن في كل عام، أن الأردن في مقدمة الدول العربية، فساداً ونهباً للمال العام. وكان آخر التقارير التي صدرت عن هذه المنظمة عام 2007 يذكر ارتفاعمعدل الفساد في الأردن، مقارنة مع العام الماضي. كما أنارتفاع معدل الفساد في دول الشرق الأوسط، يضعها في سلة واحدة، مع دول مثل تايلاند،ولاوس، وغينيا الجديدة، من حيث انتشار الفساد خصوصاً في القطـاع العام.

-2-

تقول بعض التقارير السرية، أن مصاريف العائلة المالكة الأردنية تبلغ أكثر من 200 مليون دولار سنوياً. وهذا رقم كبير ومخيف بالنسبة لأوضاع الأردن المالية. ذلك أن عدد أفراد هذه العائلة قد ازداد بنسبة أكثر من 500% عما كان عليه حين قدم الأمير عبد الله الأول (المؤسس) إلى الأردن من الحجاز عام 1921 بعدد قليل من عائلته، لا يتعدى عدد أصابع اليد، وبدأ بتأسيس الدولة الأردنية الجديدة. ومعظم أفراد العائلة المالكة – ذكوراً وإناثاً -  الحالية عاطلون عن العمل. أي لا شهادات علمية لديهم، لكي تمكنهم من العمل في وظائف تخصصية. وبعض الذكور منهم، تخرّج من مدارس عسكرية بريطانية، وانخرط في الجيش. وتُعطى له الرتب العسكرية تزكيّةً، وهبات، وليس حسب التراتبية وسلّم الترقيات العسكرية المعروفة. وهذا شيء معمول به، في كافة الدول الملكية والأميرية والجمهورية، في العالم الثالث ككل.

-3-

ومن خلال ذلك نرى، أن مصروفات العائلة المالكة الهاشمية السنوية أصبحت عبئاً ثقيلاً على بلد فقير، وقليل الموارد كالأردن، يعيش في معظم أيامه على الهبات والمساعدات الخارجية، ولم يتعدَّ دخل الفرد السنوي فيه أكثر من 2000 دولار، حسب أحدث تقرير نشرته مجلة "الإيكونومست" البريطانية. وحاله في هذا كحال العائلة الملكية في المغرب، التي تنضح حساباتها بالمليارات بينما، يعاني الشعب المغربي الفقر، والفاقة، والهجرة، ويسكن مدن الصفيح.

 

-4-

كنَّا نقول في الماضي، مبروك على العائلة الملكية الهاشمية مُلك الأردن وليهنئوا به، ولا حسد، شرط أن يحققوا للأردن بعض المنجزات وبعض الانجازات، التي تتناسب مع ما يدفعه لهم الشعب الأردني سنوياً من ملايين الدولارات. ولكن ما رأيته وسمعته في عمّان في زيارتي الأخيرة لها، هو أن الفساد المالي والسياسي المستشري في البلد، يُظهر لنا أن لا نظام ولا ضوابط تضبط وتحدّ من الفساد المالي، وأن الإهمال والقذارة والفوضى تعمُّ الدوائر الحكومية، والمستشفيات الحكومية، وغيرها من المرافق العامة. ولعل الضجة الكبرى التي أطلقتها مؤخراً مجموعة من النواب وعلى رأسهم النائبة ناريمان الروسان، وكتب عنها الناشط السياسي المعارض ناهض حتّر، بخصوص بيع عقارات الدولة الأردنية دون الرجوع إلى البرلمان، هي أكبر دليل على ذلك. وقد رأيت بعيني في منطقة "العبدلي" الأشغال الإنشائية الكبيرة التي تقوم بها "مؤسسة الحريري" بعد أن اشترت أرض مركز المخابرات القديم والأراضي الأخرى الواسعة والثمينة التي بجانبه، لكي تقيم عليها ما يشبه "سولدير" بيروت. وهذا مشروع استثماري جيد، ومفيد للأردن.

ولكن السؤال أين ذهبت أموال هذا العقار الثمين المملوك سابقاً للدولة الأردنية، وغيره من العقارات، ومن هي الجهة الحكومية التي بتّت في صفقة البيع؟

 ففي عمَّان تسمع قصصاً كثيرة وغريبة عن الفساد المالي المستشري بشكل فظيع والسرقات، والعمولات، والصفقات المشبوهة، التي يقوم بها "آل الياسين"، خصوصاً (عائلة الملكة رانيا العبد الله)، والتي لم نكن نسمع عنها في عهد الراحل الملك حسين، وإن لم يخلُ عهد الراحل الحسين من الفساد أيضاً.

-5-

نحن لا نحسد، ولا نضنُّ على العائلة الملكية الهاشمية بما تتمتع به من امتيازات شتى، ودخل جيد، وعيش كريم، ورغد، فهذا شأن الشعب الأردني الفقير والسعيد بالعائلة المالكة، والذي أمكنها من كل ذلك، واختار أن تحكمه عائلة ملكية مُكلفة، تكلّفه سنوياً أكثر من 200 مليون دولار، يدفعها من جيبه الخاص، ويقتطعها من قوت عياله، أو تدفعها دول عربية صديقة للأردن. "فالحجر من الأرض والدم من رأسه"، كما يقول المثل الأردني. ولكن كنا نريد من عهد الملك عبد الله الثاني، أن يقدم خدمات وإصلاحات سنوية إدارية وسياسية وخدماتية وإنمائية للأردن بما يساوي المبلغ الكبير المرصود للعائلة الهاشمية، وأن يخفّض نسبة الفساد إلى أكبر قدر ممكن، يليق بمبلغ المائتي مليون دولار وأكثر، التي تُصرف سنوياً على العائلة الملكية.

 فالأردن البلد الصغير والفقير، يمكن أن يدار إدارة حازمة وديمقراطية ونظيفة وخبيرة وسليمة، بمبلغ لا يزيد عن عشرة ملايين دولار سنوياً، كما يتم في بريطانيا (راتب رئيس الوزراء السنوي 262 ألف استرليني)، أو فرنسا (240 ألف يورو سنوياً، بعد زيادته إلى الضعف مؤخراً)، أو ألمانيا (460 ألف دولار سنوياً)، أو حتى أمريكا(400 ألف سنوياً).

ولماذا نذهب بعيداً، ولنا في الدولة الإسرائيلية (راتب رئيس الدولة يحدده "الكنيست" كل مرة، ولا يتعدى نصف مليون دولار سنوياً) المثال والجار القريب منا، والذي نسمع بعض فضائح حكومتها وفسادها في الماضي وهذه الأيام، فنشمت بها فقط، ونتندر بهذه الشماتة، قبل أن نتعظ منها، ونتعلّم.

 

اجمالي القراءات 9186