لماذا لم يبدأ المستقبل في مصر حتى الآن؟

د. شاكر النابلسي في الخميس ٣٠ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الجميع قلقون، وخائفون، ويتساءلون في مصر:

لماذا لم يبدأ المستقبل بعد في مصر حتى الآن، رغم مضي ستة أشهر على ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، ورغم الدعم العسكري القوي لهذه الثورة، ورغم ما تلقاه هذه الثورة من تأييد ومساندة من قوى الشارع العربي التي تستلهم الكثير من مبادئ وخطى هذه الثورة، ورغم الدعم والتأييد الدوليين أخيراً لهذه الثورة، والوعود المالية، والاستثمارية القادمة؟

فأين الخطأ بعد كل هذا؟

 

الأغاني لا تُسمن ولا تُغني من جوع

وكيف نحلل هذا الخطأ إن ثبت فعلاً أن هناك خطأً ما قد أعاق التقدم المستقبلي لمصر بعد 25 يناير 2011؟

أسئلة كثيرة يطرحها الشارع المصري، والرأي العام المصري، الذي يضع هذه الأيام يده على قلبه من أن تكون ثورة 25 يناير 2011 نقمة لا نعمة عليه، رغم الأغاني التي تتدفق كل يوم ممجدةً بالشعب والوطن وبالثورة.

ولكن هل يأكل المصريون خبزاً من وراء هذه الأغاني الممجِّدة؟

وهل تطعم هذه الأغاني ملايين الجياع من المصريين؟

وهل تُنهي هذه الأغاني (بكبسة زر) سواد الأيام الماضية في العهود الماضية، وخاصة عهد مبارك الذي كان سبباً في هذه الثورة؟

 

الأجر على قدر المشقة

يأمل المثقفون المصريون، ومن ضمنهم الروائي المصري الفذ علاء الأسواني، أنه "قدر الثمن الباهظ الذي دفعه المصريون فى الثورة من حقهم أن يحصلوا على مكاسبها كاملة. فإذا نجحت الثورة، فلا مجال للحديث عن حلول وسط، أو إصلاح. فالإصلاح يستبقي النظام القديم، ويعالج عيوبه، أما الثورة فتزيح النظام القديم الفاسد من أساسه، وتبنى مكانه نظاماً جديداً سليماً.

فهل من السهل أن نبني نظاماً جديداً، وسليماً؟

لقد سبق وقلنا: إن سقوط النظام سهل، ولكن الصعوبة تكمن في بناء نظام جديد!

والمثقفون المصريون وغير المصريين، الذين يريدون المستقبل المصري أن يتحقق بسرعة، يخطئون الحساب، ويتفقدون إلى الذاكرة السليمة.

ولو قرأنا تاريخ الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية، والثورة الانجليزية، والثورة الأمريكية، والثورة الروسية، لوجدنا أن هذه الأمم التي قامت بهذه الثورات، قد أمضت زمناً طويلاً في بناء مستقبلها الجديد بعد الثورة، وعانت من المصاعب الشيء الكثير.

صحيح أن الثورة المصرية في 25 يناير 2011 لن تعاني المعاناة نفسها، وذلك لاختلاف الزمان، والمكان، والظروف، والتكوين الوطني والدولي، الذي أوجد منظمات حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، الذي أصبح يشكل مع أمريكا القوتين العظميين في العالم، بدلاً من الاتحاد السوفيتي الغائب منذ 1989.

 

من أسباب تعثر المستقبل المصري

يرى بعض المثقفين، ومنهم علاء الأسواني، أن الأسباب الكامنة وراء تعثر بدء بناء المستقبل في مصر تتلخص في التالي:

  • قيام القوات المسلحة بمهام رئيس الجمهورية فى الفترة الانتقالية. ونتيجة لذلك، فقد بدا الأمر، وكأن القرارات التي تصدر من المجلس العسكري أوامر عسكرية، يتم إقرارها وتنفيذها، دون الرجوع إلى المواطنين.
  • أصبحت القرارات تتخذ أولاً، ثم يتم عقد حلقات للحوار حولها، مما يدل على أن صاحب القرار غير ملزم بنتائج الحوار، الأمر الذي يُفقد الحوار قيمته، ويجعله مجرد دردشة. وقد كان من الطبيعي أن يوجه البعض آراء نقدية إلى الأداء السياسي للمجلس العسكري. وهذا النقد الطبيعي المشروع، لم يجد للأسف تفهماً عند بعض المسئولين فى المجلس العسكري، فألمحوا، أكثر من مرة، إلى ضيقهم بهذا النقد، ثم بدأوا فى إحالة كل من ينتقدهم إلى النيابة العسكرية. فتوالت أسماء المحالين إلى النيابة العسكرية كالمذيعة ريم ماجد، والصحفية رشا عزب، ونبيل شرف الدين، والصحافي عادل حمودة، ومحمد حسنين هيكل، الذي أبدى رأياً يقلل فيه من دور سلاح الطيران فى حرب أكتوبر، الأمر الذي أغضب الطيارين الذين اشتركوا فى الحرب، فقدموا ضده بلاغاً إلى النائب العام يتهمونه فيه بالإساءة إليهم. وهذا طبيعي في أي بلد ديمقراطي. لكن المستغرب تحويل الأستاذ هيكل إلى النيابة العسكرية.
  • أصبح الرأي العام المصري يدرك تماماً أن أي نقد لأداء المجلس العسكري من الآن فصاعداً، سيكون مكلفاً، وسيؤدي بصاحبه إلى محاكمة عسكرية. وإن إحالة أصحاب الفكر والرأي إلى النيابة العسكرية، مثلها مثل إحالة المدنيين إلى محاكم عسكرية، تعتبر انتهاكاً لحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وتشكل تصرفاً غير مقبول، ولا يمكن تبريره.
  •  بعد انتصار الثورة، أجمع فقهاء القانون الدستوري، على أن الدستور القديم قد سقط بسقوط النظام، ودعوا إلى انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد. إلا أن المجلس العسكري استعاد اقتراح حسنى مبارك بتعديل بعض مواد الدستور القديم. وقام بتشكيل لجنة من قانونيين ليس فيهم إلا خبير دستوري واحد، وعدد من أعضائها من المنتمين أو المتعاطفين مع الإخوان المسلمين. وتم إجراء الاستفتاء، وأقبل المصريون على التصويت بأعداد غفيرة تعكس حرصهم على الديمقراطية. والحق أن الاستفتاء ذاته كان نزيهاً وغير مزور، لكن بعض الممارسات الخاطئة حدثت قبل الاستفتاء وأثرت بلا شك فى نتيجته. فقد تم استعمال دور العبادة من مساجد وكنائس فى الدعاية الانتخابية، وهذه مخالفة خطيرة لقانون الانتخاب فى أية دولة ديمقراطية، كما أن بعض المنتسبين إلى التيار الإسلامي قدموا الموافقة على التعديلات للناس باعتبارها واجباً شرعياً يأثم تاركه، ثم كذبوا قائلين إن الاستفتاء سيحدد هوية مصر الإسلامية، ووزعوا عشرات الآلاف من المنشورات بهذا المعنى المضلل على الناس البسطاء فى الريف، وهذه جريمة أخرى اسمها تضليل الرأي العام.
  • لقد تجاوز المجلس العسكري نتيجة الاستفتاء، وأعلن دستوراً مؤقتاً من ٦٣ مادة، بينما كان الاستفتاء على تعديل ٩ مواد فقط. وانقسم الناس إلى فريقين: فريق يرى أن إعلان الدستور المؤقت قد ألغى نتيجة الاستفتاء، وأصبح كأن لم يكن، وهذا الفريق يطالب بتأجيل الانتخابات وكتابة الدستور أولاً لأنه يخشى من فوز الإخوان والسلفيين وفلول الحزب الوطني بالأغلبية فى البرلمان القادم الذي سيكتب الدستور مما سيؤدي فى هذه الحالة إلى كتابة دستور منحاز، لا يعبر عن كل أطياف المجتمع المصري. أما الفريق الثاني فيتمسك بإجراء الانتخابات فى موعدها، ويدعو إلى احترام نتيجة الاستفتاء بغض النظر عن أي اعتبار آخر. وإلغاء نتيجة الاستفتاء، يعتبر اعتداء صارخاً على إرادة ١٤ مليون مصري وافقوا على التعديلات، وأيدوا تصوراً معيناً لخطوات نقل السلطة، ولا يجوز أبداً أن نتجاهل إراداتهم. من ناحية أخرى فإن كتابة الدستور قبل الانتخابات عن طريق لجنة تأسيسية تتم بالاختيار والتعيين، مسألة محفوفة بالمخاطر قد تؤدى فى النهاية إلى دستور لا يعبر إطلاقاً عن إرادة الشعب المصري. والحل هو أن تعقد انتخابات البرلمان فى موعدها، وينتخب مائة عضو من البرلمان لكتابة الدستور، كما يقضى الدستور المؤقت على أن ينتخب معهم مائة عضو من خارج البرلمان يشاركونهم فى كتابة الدستور وهكذا يتم احترام نتيجة الاستفتاء، وفى الوقت نفسه يتم التأكد من أن الدستور القادم سيكون معبراً عن إرادة الشعب المصري بكل اتجاهاته. والمهم أن يستمع المجلس العسكري إلى الآراء جميعاً، ويتخذ من الخطوات ما يضمن عدم سيطرة فريق سياسي بعينه على الدستور القادم.
  • وأخيراً، فإن المجلس العسكري ترك آليات العهد القديم وكوادره كما هي، ورفض أن يصدر قراراً بحلها. وفضَّل المجلس العسكري الاحتفاظ بمسئولين كثيرين من النظام القديم فى مناصبهم. كرؤساء الجامعات المعينين من أمن الدولة. وكالمسئولين الإعلاميين، الذين ضللوا الشعب المصري لسنوات. وكذلك معظم قيادات وزارة الداخلية الذين كانوا أدوات النظام السابق فى قمعه للمصريين. بل إن المحافظين الجُدد قد بدوا وكأن العهد السابق قد عيّنهم، فجميعهم ينتمون إلى النظام القديم. ومنهم ضباط سابقون فى أمن الدولة، بدلاً من أن يحاكموا على تعذيب المصريين، وانتهاك كرامتهم، تمَّ تكريمهم فى وضعهم في مناصب المحافظين. كذلك الأمر مع المجالس المحلية واتحادات العمال، التي جاءت بانتخابات مزورة، واشترك كثيرون من قيادييها فى جرائم النظام السابق. وكل ذلك يزيد من ضبابية المشهد ويدفع المصريين إلى التساؤل عن فائدة الثورة، إذا كان أتباع مبارك مازالوا فى مناصبهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 9902