زواج أمير واغتيال داعية

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٧ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

استأثر حدثان فى أسبوع واحد مؤخراً بمُتابعة مليارى مُشاهد حول العالم. أولهما هو زواج الأمير وليام، حفيد الملكة إليزابيث البريطانية فى لندن، والثانى هو اغتيال أسامة بن لادن، الداعية الإسلامى المُتشدد فى باكستان. ورغم اشتراك الحدثين فى الاهتمام الإعلامى غير المسبوق فى التاريخ الحديث فإن أسباب وتداعيات الحدثين مختلفة تمام الاختلاف.

 فقد كان الحدث الأول ينطوى على قصة حُب شديدة الرومانسية بين أمير من سلالة آ&aacirc;ل ستيوارت، أقدم الأسر الملكية المُعاصرة، التى تزوج كل أمرائها وأميراتها من بيوت ملكية أوروبية مُماثلة طوال ألف سنة، باستثناءين، كان أحدهما هو زواج الملك جورج من مُطلقة أمريكية، هى مستر سمبسون، وهو ما اضطره إلى التنازل عن العرش فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، والاستثناء الثانى كان زواج الأميرة مارجريت، شقيقة الملكة، من أحد ضباط حرسها الخاص، وهو من عامة الناس. وهو ما اضطرها إلى التنازل عن حقها فى وراثة العرش البريطانى.

وجاء زواج الأمير وليام من زميلته فى الدراسة الجامعية كاثرين (كيت) ميدلتون، ليكسر للمرة الثالثة أحد التقاليد البريطانية العريقة. فهذه الفتاة من أسرة إنجليزية متوسطة، أى من عموم الناس، ذوى «الدم الأحمر» بينما الأمير وليام من أصول ملكية، يُقال عنها كتابة إنها من ذوى «الدم الأزرق»!

والجديد هذه المرة أن الأغلبية العُظمى من الرأى العام البريطانى لم تعترض على اختلاط الدم الأزرق (الملكى) بالدم الأحمر (الشعبى)، ولم يستدع الأمر جلسة خاصة، لا لمجلس اللوردات ولا لمجلس العموم لمُناقشة هذا الأمر، وإقراره أو الاعتراض عليه، كما حدث فى حالتى الملك جورج والأميرة مارجريت. وهو ما اعتبره عُلماء الاجتماع والسياسة تطوراً مهماً فى المزاج العام للمجتمع البريطانى، وعكف كثير من الباحثين على دراسة هذا التغير فى المزاج الشعبى البريطانى.

من ذلك أن تركيبة الشعب البريطانى نفسه قد تغيرت، فلم يعد الجنس «الأنجلو- ساكسونى»، هو الجماعة الطاغية. فقد وفد على بريطانيا خلال الستين سنة التالية للحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) لاجئون أوروبيون، ومُهاجرون من كل أنحاء الإمبراطورية البريطانية، التى لم تكن تغرب عنها الشمس، من الصين شرقاً (هونج كونج)، إلى كندا والأرجنتين (فوكلاند) غرباً.

 واستوطن هؤلاء من كل الأجناس والأعراق والأديان، واختلطوا، وتزاوجوا مع السكان الأصليين من الأنجلو ساكسونيين. بل إن أم الأمير وليام نفسه، وهى الأميرة ديانا، طلقت والده الأمير تشارلز، وصادقت إنجليزياً آخر من أصول مصرية مسلمة، وهو محمد الفايد، وكان الشخص الأخير الموجود معها لحظة حادث السيارة المُفجع الذى أودى بحياتهما. ثم إن والد الأمير وليام نفسه وهو الأمير تشارلز، كان قد طلّق أمه (الأميرة ديانا) بسبب قصة حُب لسيدة أخرى، من العوام.

وفى ذلك كله كان الرأى العام البريطانى أكثر تعاطفاً مع الأميرة ديانا، منه مع الأمير تشارلز. وخُلاصة القول هنا هى أن الرأى العام الإنجليزى قد أصبح أكثر تقبلاً لكسر التقاليد البريطانية الجامدة، وأصبح أكثر احتفاء باختلاط الدم الملكى الأزرق بالدم الشعبى الأحمر، ما دام الأمر ينطوى على قصة حُب جميلة. ولذلك جاء زواج وليام وكيت أسطورياً، شهده العالم بنفس البهجة والحبور اللذين شعر بهما العروسان والشعب البريطانى كله. بل قيل إن تدفق السياح لرؤية مباهج الاحتفال قد جلب عدة مليارات من الإسترلينى، ساعدت الاقتصاد البريطانى على الخروج من عثرته.

أما الحدث الثانى الذى استأثر بقدر مُماثل من الاهتمام العالمى فهو مقتل أسامة بن لادن، ذى الأصول اليمنية الحضرموتية، الذى هاجرت أسرته إلى السعودية قبل ستين عاماً، وساهم عاهلها بالعمل أجيراً، ثم مقاولاً للبناء، حتى تحسّنت أموره المعيشية.

وكعادة الرجال الشرقيين كلما تحسّنت حالته تزوج زيجة جديدة، حتى وصلت ذُريته المُباشرة لأكثر من أربعين. وجاء أسامة من أم لبنانية سورية.

ولأنه كان «آخر العنقود» فقد قرّبه والده منه كثيراً، وخصّص لوالدته وله قسطاً أكبر من ثروته، إلى جانب ما كان سيؤول إليه بالميراث، وهو ما حدث بعد وفاة الأب، وأسامة لا يزال يافعاً فى الثانية عشرة من عُمره.

ولكن أخاً أكبر، غير شقيق، تولى رعاية أسامة والعطف عليه، فأصبح بمثابة «والد» بديل. ويبدو أن القدر كان بالمرصاد للفتى أسامة بن لادن، فبعد عدة سنوات من وفاة الوالد تزوجت الأم، التى كانت لا تزال فى ريعان الشباب. ففقد أسامة صدرها الحنون، ثم ضاعف من وحدة وشجون أسامة أن أخاه الأكبر، الذى كان قد أصبح بمثابة الوالد بعد وفاة الأب الطبيعى، مات فى حادث ارتطام طائرته الخاصة فى إحدى رحلات العمل. فتراكمت أحزان الفتى أسامة. وكما هو الحال فى مثل هذه المواقف المأساوية، زادت عُزلة أسامة، وانطواؤه، ومكوثه فترات أطول للتعبد والصلاة.

والتقى فى تلك المرحلة من مُراهقته وأحزانه بداعية من الإخوان المسلمين الفلسطينيين الذين كانوا يعملون فى السعودية فى قمة الحقبة النفطية (١٩٧٣-١٩٨٠) وهو الشيخ عبدالله عزام. ولأن الغزو السوفيتى لأفغانستان تزامن مع تلك السنوات، فقد دعّمت أمريكا والسعودية وباكستان ومصر المُجاهدين الأفغان الذين تصدوا لذلك الاحتلال.

وتحمس الداعية الفلسطينى للذهاب إلى أفغانستان، وجنّد معه لهذا الغرض أسامة بن لادن، وحاربا مع آلاف غيرهما من المُجاهدين الأفغان والمتطوعين العرب، حتى استنزفوا قوات الاحتلال السوفيتية وأجبروها على الانسحاب.

وكان فشل الاحتلال السوفيتى هو أحد الأسباب الرئيسية التى أسرعت بانهيار التجربة الشيوعية كلها. وهذا ما رفع بدوره من الدور السياسى للجهادية الإسلامية، وأنعش أمل نشطائها فى بعث الخلافة، وتطبيق الشريعة الإسلامية فى المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.

ولكن رغم الانتصار على الاتحاد السوفيتى فإن أسامة على المستوى الشخصى فقد مُعلمه الفلسطينى الذى مات «شهيداً» وكان أسامة فى منتصف العشرينيات، فكرّس ثروته التى ورثها عن أسرته لتنظيمهم الدينى السياسى العسكرى، الذى أطلق عليه اسم «القاعدة».

 وأصبح أسامة هو قائد هذا التنظيم، بعد رحيل الفلسطينى الشيخ عبدالله عزام.

وكان تنظيم القاعدة هذا يضم آلاف المتطوعين من غلاة الإسلاميين. وهو ما أغرى بن لادن، ونائبه المصرى، الطبيب أيمن الظواهرى بمواجهة الأنظمة العربية والإسلامية التى لا تطبق الشريعة، وأخذ شكل عمليات تفجيرية فى مواقع مختلفة من العالم.

 وبعد عدة سنوات من الإخفاق فى إسقاط أى من هذه الأنظمة العربية هداهم تفكيرهم إلى أن هذه الأنظمة هى مجرد ذيول لشيطان أكبر، هو الولايات المتحدة، فقرروا مُهاجمتها فى عُقر دارها، واختاروا لذلك تفجيرات بعمليات انتحارية فى عُقر الرأسمالية العالمية وهو نيويورك، وعُقر العسكرية الأمريكية وهو واشنطن، وحدث ذلك فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١ أى منذ عشر سنوات.

وكانت صدمة هذا الهجوم على الدولة الأعظم فى النظام العالمى ما أدى إلى الغزو الأمريكى المُباشر فى أفغانستان، ثم مُلاحقة كل فروع تنظيم القاعدة حول العالم، وهو ما عُُرف فى خلال فترة الرئيس جورج دبليو بوش بالحرب ضد الإرهاب، وهى أطول حرب تخوضها أمريكا فى تاريخها. فحتى حرب الاستقلال ضد بريطانيا لم تتعد عشر سنوات، وكذلك الحرب الأهلية الأمريكية (١٨٦٠-١٨٦٦)، ثم الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨)، والحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) ثم الحرب الكورية (١٩٥٠-١٩٥٥)، ثم حرب فيتنام (١٩٦٣-١٩٧٣).

ورغم أن تنظيم القاعدة، من أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، كان مُستهدفا فى تلك الحرب، فإن التخلص من بن لادن لم يتم إلا منذ أيام. واعتبر الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن ذلك إنجاز كبير، وربما هو كذلك بالفعل من وجهة النظر الأمريكية خصوصاً، والغربية عموماً، ولكن ذلك لم ولن يمنع نشوب حوار وسجال ساخنين حول كيفية التخلص من أسامة بن لادن. فقد قيل إن القوات الخاصة للأسطول الأمريكى هى التى دهمته فى مسكنه العائلى الخاص، ولم يكن مُسلحاً ولم يُقاوم، وإن اغتياله دون سلاح ودون مُقاومة هو أمر يتعارض مع الأعراف العسكرية والقانون الدولى والإنسانى.

ولكن بصرف النظر عن الحجج والحجج المُقابلة، فإن رحيل بن لادن والتخلص من جثته بإلقائها فى البحر مُنعطف مهم، ليس فقط فيما يسمى الحرب ضد الإرهاب، ولكن أيضاً فى علاقة أمريكا بالإسلام والمسلمين. وللحديث بقية.

والله أعلم

اجمالي القراءات 13597